أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - تأملات... في حاكم سقراط!!















المزيد.....

تأملات... في حاكم سقراط!!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 20:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ليس المقصود بالحديث التالي مناقشة عميقة ومفصلة لفكر الفيلسوف الأثيني سقراط إزاء الحاكم وكيفية اختياره، ولكن الأمر هنا يتعلق بنقاش بعض الأفكار التي تداعت نتيجة لقراءة الترجمة العربية لكتاب "محاكمة سقراط" تأليف الصحفي الأمريكي إيزادور فينشتاين ستون، وهي الترجمة التي أعدها الأستاذ الكبير "نسليم مجلي" والصادرة ضمن سلسلة إنسانيات في إطار مشروع مكتبة الأسرة في دورة العام 2012.
ورد في هذا الكتاب بعض الانتقادات لفكر سقراط فيما يتعلق باختيار الحاكم، وهي الانتقادات التي تركزت حول أن مضمون أفكاره يفضي به في النهاية إلى دعم الديكتاتوريات وما قد يصل إلى تأليه الحاكم وعدم جواز الخروج عليه. فإلى أي حد يمكن أن تنطبق هذه الاتهامات على سقراط؟! وهل بالفعل كان سقراط يعادي الديمقراطية الأثينية التي تألقت في القرن الخامس قبل الميلاد ويريد أن يعيد إليها الملكية المطلقة؟! سنحاول أن نتأمل في هذه الأسئلة دون أن نقدم إجابات وافية عليها؛ فالأمر كله لا يعدو أن يكون مجرد تأملات في هذه المسألة، التي سيكون من الأجدى أن نقسمها إلى أجزاء بما يساعد في وضوح الأطر الأساسية للموضوع.

المعرفة
يقول سقراط إن الشخص الذي يستحق الاختيار كحاكم هو صاحب القدر الأكبر من المعرفة؛ فيقول "الملوك والحكام الحقيقيون أو المثاليون هم أولئك الذين يعرفون كيف يحكمون"، وينفي صلاحية الحكم عمّن يتم اختيارهم بالقرعة؛ حيث يقول: "وليس هم كذلك الذين تقع عليهم القرعة"؛ أي رفض الاختيار الديمقراطي، وهو الرفض الذي ينبع في جزء كبير منه من إعلائه من شأن المعرفة. كيف؟! يرى سقراط أن المواطن العادي في أثينا على درجة من الجهل تكفي لأن تحول بينه وبين الاختيار العقلاني الرشيد، الأمر الذي يجعل اختياره لمن يحكمه اختيارًا جاهلًا لا يصلح معيارًا لاختيار الحاكم.
فهل يمكن القول هنا إن سقراط كان طبقيا في حكمه؟
لا يمكننا قول ذلك بكل اطمئنان؛ فسقراط لم يكن طبقيًا بالمعنى المتداول للطبقية، ولكنه كان ما يمكن أن يطلق عليه "الطبقية المعرفية"، وهو ما يوضحه رؤيته لأن الحاكم يجب أن يكون صاحب القدر الأكبر من المعرفة، ولكن سقراط نفسه سقط في منزلق خطير للغاية يتعلق بشخصية الحاكم أجاممنون الذي مدحه سقراط باعتباره أحد الأمثلة على الحكم الرشيد و"الحكم المعرفي" إن جاز التعبير. فما هذه المشكلة؟! المشكلة أنه سعى إلى التعتيم على — أو التقليل من شأن — حقيقة أن أجاممنون "الحاكم النموذج" لم يكن يجيد الرياضيات، وهو الأمر الذي يتناقض من فكرة "الحكم المعرفي" لأن معرفة الحاكم من وجهة نظر سقراط يجب أن تكون شاملة، وعدم معرفة أجاممنون بالرياضيات يخل بهذا الشمول، ويجعل أجاممنون غير أهل للحكم.
وهذه الجزئية تقودنا إلى جزئية أخرى تتعلق بالفكر السقراطي إزاء تولي الحكم، وهي مشكلة الديكتاتورية. فهل كان سقراط يدعم الديكتاتورية؟! سوف نتناول هذه الجزئية بعد قليل في هذا "العرض التأملي".
بالعودة إلى قضية المعرفة، ظهرت مشكلة أخرى وقع فيها سقراط، وهذه المشكلة تتمثل في تعريف سقراط للمعرفة من خلال رده على سؤال "ما هي المعرفة؟". رد سقراط على هذا السؤال أدى إلى إشكالية كبيرة تتعلق بالمعيار الذي يجب أن يقاس عليه مقدار ما يتحلى به الشخص الحاكم المنشود من المعرفة. كيف ذلك؟! كان رد سقراط على سؤال "ما هي المعرفة؟" هو أن المعرفة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق تعريف المطلق، ونقتبس هنا من الكتاب المذكور "محاكمة سقراط" قول الصحفي "ستون" إن سقراط قال إن الشخص الذي لا يستطيع أن يقدم تعريفا مطلقا للأشياء هو شخص لا يتحلى بالمعرفة، مضيفا أنه من المستحيل الوصول إلى هذه المعرفة المطلقة، وإذا أمكن الوصول إليها فإن هذا سيكون متاحًا فقط لفئة قليلة من بين كل الناس. إذن، بالمختصر يمكن الاستدلال من هذا الرأي على أنه من المستحيل أن يلم شخص بالمعرفة الحقيقية، وبالتالي سيكون الحكم على الآخرين من حيث كفاءتهم المعرفية أمرًا مستحيلًا!!

المعرفة فضيلة أم فضيلة المعرفة؟!
لا ريب أن سقراط لم يكن بلا عقل عندما أشار إلى أن المعرفة تعتبر المعيار الأساسي لاختيار الحكام. فمن الممكن أن يبرز تساؤل: "هل يصلح أن يكون هناك معيار وحيد فقط لاختيار الحكام؟!"، والرد على هذا التساؤل يكمن في تعريف سقراط في أحد المواضع للمعرفة بأنها الفضيلة. إذن سقراط يسعى لأن يكون الحاكم هو الأكثر فضيلة في المحيطين به، إلى جانب كونه الأكثر معرفة.
إذن، الحاكم من وجهة نظر سقراط يجب أن يتحلى بالمعرفة والفضيلة؛ وهو الأمر الذي يعطي معيارًا جديدًا لاختيار الحاكم. هذا المعيار الجديد يمثل رد فعل قوي على اللا أخلاقية التي تفشت في أثينا في الفترة التي ساد فيها الحكم الديمقراطي؛ حيث يرى سقراط أن الفضيلة قد غابت، وبالتالي على الحاكم أن يتمتع بالفضيلة وأن يأمر بها فيطيعه المحكومون الذين تخلوا عن الفضيلة، عندما تخلى عنها الحكام.
إذن، يرى سقراط أن صلاح المجتمع وفضائله ينبعان من حاكمه لا من المحكومين أنفسهم؛ أي أن الفضيلة شيء يغرس في نفس الإنسان ولا يتوافر بداخله، ويحتاج إلى سعي من أجل الوصول إليه. والمسئول عن هذا الوصول هو الحاكم الذي يجب أن يقود المحكومين للفضيلة استنادا إلى ما قاله سقراط " مهمة الحاكم هي إصدار الأوامر، وواجب المحكومين هو الطاعة". ولما كان الحاكم يجب أن يكون الأكثر فضيلة، فسوف يدعو المواطنين إلى اتباع الفضائل، وما على المواطنين إلا الانصياع لذلك.

هل دعا سقراط للديكتاتورية؟!
يمكن للقراءة السطحية أن تؤدي إلى أن يعتقد البعض أن سقراط يدعو إلى الديكتاتورية وحكم الفرد وكل المصطلحات التي تعني تركيز السلطة في يد الحاكم بعيدا عن المحكومين. كيف يمكن لأحد أن يصل إلى هذه النتيجة؟! في الواقع ترك سقراط الكثير من المقولات التي يمكن للمرء بقراءتها بطريقة سطحية أن يصل لهذا الاستنتاج الذي مفاده أن سقراط يدعم الديكتاتورية. ومن بين هذه المقولات "مهمة الحاكم هي إصدار الأوامر، وواجب المحكومين هو الطاعة" التي ذكرناها في الفقرة السابقة، وكذلك قوله "يجب أن يكون الحكم لمن يعرف، أما الآخرون فعليهم بالطاعة".
هذه المقولات قد تشي بأن سقراط يدعم الديكتاتورية بأعتى صورها "فعليهم بالطاعة"، إلا أن هناك الكثير من المقولات الأخرى لسقراط يؤكد فيها أنه ضد الحكم الديكتاتوري، ومن بينها المقولة التي ميز فيها بين الملكية والاستبداد؛ حيث قال: "الملكية هي الحكم الذي يقوم على اتفاق المحكومين، وطبقًا لقوانين الدولة"، مشيرًا إلى أن "الحكم الذي يفرضه حاكم بإرادته فهذا هو الاستبداد بعينه". إذن، هو لا يقول بالحكم المطلق، ولكنه يقول بما يكن أن نطلق عليه "الحكم المعرفي الفضيلي" بإضافة الفضيلة إلى المعرفة.
ولكن سقراط أخفق في الرد على سؤال حول قتل الملك لأحد رعاياه الذي نصحه بأن يحسن الحكم في البلاد. كان رد سقراط على هذا السؤال هو أن الملك سوف يخسر كثيرًا، دون أن يقدم إدانة صريحة لفعل القتل والتخلص من المعارضين بالقتل، وهي الفعلة التي تمثل أعنف سلوكيات التسلط والديكتاتورية؛ وهل بعد التخلص من المعارضين وقتلهم ديكتاتورية؟!
ورغم ذلك، لا يمكن لأي ذي عقل أن يقول إن سقراط كان يدعو إلى الديكتاتورية؛ فهو كان يدعو إلى حكم الأخلاق والفضيلة والمعرفة بديلًا عن الانفلات الأخلاقي؛ فيمكن القول إذن إنه اتخذ موقفًا معارضًا لمبدأ الديمقراطية نتيجة لما رآه من سوء تطبيق لهذه الفكرة. ولكن ما يؤخذ عليه بالفعل أنه لم يكتف بانتقاد تطبيق الفكرة، ولكنه وجه الانتقادات إلى الفكرة نفسها. بيد أن الجيد هو أنه قدم البديل دون أن يكتفي بالانتقاد السلبي فقط.

لماذا سقراط الآن؟!
هذه المناقشة والتأملات في موقف سقراط من الحكم والحاكم... لماذا الآن؟! كان سقراط مفكرًا أصاب وأخطأ مثل الكثيرين، ولكنه ترك ميراثًا فكريًا عميقًا. حقًا اختلف الكثيرون من بعده في تأويل هذا الميراث، لكنه يكفيه تركه هذا الميراث. كذلك يكفيه أنه سار ضد التيار ليس معاندةً في ذلك التيار، ولكن عن بصيرة بأخطاء هذا التيار ورغبة في التصدي لما يراه سلبيًا من سيادة اللا أخلاقية والابتعاد عن الفضيلة في المجتمع الأثيني.
قصة هذه الإرادة وهذا الميراث الكبير تأتي الآن لتلقي الضوء على الجهالة السياسية التي يعيشها العالم العربي، والتي توضح الابتعاد عن أبسط القواعد في الممارسة السياسية، وهي قاعدة المعرفة والفضيلة التي أسسها سقراط. وإذا نظرنا للاتجاه الآخر المعارض لسقراط والممثل في الحكم الديمقراطي لرأينا في العالم العربي أسوأ الانتهاكات للقواعد الديمقراطية. إذن، لا فكر سقراط ولا فكر معارضيه لهم مكان في العالم العربي الآن.
الشيء الوحيد الذي وجد له موطئ قدم في العالم العربي هو الديكتاتورية البغيضة بشقيها العلماني والديني؛ الديكتاتورية المتعجرفة الصماء المتعالية على الجميع والمعتقدة بامتلاك الحقيقة المطلقة. ديكتاتورية تأخذ أسوأ ما في فكر سقراط وهو طاعة المحكومين للحاكم بلا نقاش، وكذلك تأخذ أسوأ ما في فكر معارضي سقراط وهو الانهيار الأخلاقي والفساد الإنساني. هل الصورة في العالم العربي بهذه القتامة؟! للأسف نعم، ولكن الأمل موجود في إحياء القيم النبيلة في كل الحضارات اليونانية والفارسية والرومانية والإسلامية لإنقاذ العالم العربي من هذه الجهالة السياسية. لذا، أكتب هذه الكلمات راغبًا بها إلقاء الضوء على أحد الرموز التاريخية في الفكر السياسي الإنساني لنقتبس منها ما يضيء الطريق وسط هذه الجهالة والظلامية السياسية العربية.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
- بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
- حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!
- بعد 9 أشهر... ألم يولد مشروع النهضة بعد؟!
- هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا
- القومية العربية... ألا تزال حية؟!
- الثقافة العربية الإسلامية... هل نحن أمام خطأ تعبيري؟!
- الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصدي ...
- الطبقة الوسطى... العميل السري لأنظمة القمع العربية!
- 3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!
- ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي
- إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
- هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
- الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل
- الحكاية الأحوازية المنسية عربيا
- ماذا تبقى لكم؟!
- رؤى حول بعض نظريات تفسير نشأة المجتمع وتطوره
- -العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - تأملات... في حاكم سقراط!!