أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013















المزيد.....

من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قبل مئة عام تماماً، اي في حزيران (يونيو) 1913، عقد «المؤتمر العربي» في «الجمعية الجغرافية» في سان جيرمان باريس، مدفوعا بأحلام التحرر من قبضة الاستبداد التركي واستعار حملة التتريك التي رافقت انهيار العثمانية، ولمجابهة الاحتلال الكولونيالي الذي كان يقف على الحدود منتظراً لحظة الانهيار الاخير لدولة الآستانة وليرث اراضيها والبلدان التي سيطرت عليها. وللتأمل في القرن الطويل الذي انقضى على تلك المناسبة المفصلية في تشكل الفكر القومي العربي اجتمع في مطلع هذا الشهر نحو اربعين مثقفاً ومثقفة في مدينة باريس نفسها، وفي قاعات المعهد العربي عند التقاء شارعها الاشهر السان جيرمان مع نهر السين، تحت عنوان «مئة عام على القومية العربية: رؤى نقدية وآفاق مستقبلية». في الاسبوع نفسه ومقابل هؤلاء الاربعين مثقفاً كان هناك نحو اربعين مليون مشاهد يتابعون برنامج «عرب آيدول» الاستعراضي والذي يكشف عن مواهب غنائية شابة من العالم العربي. في الاسبوع نفسه ايضاً، عقد في القاهرة «المؤتمر القومي العربي» الذي يعد الواجهة الرسمية للقوميين العرب والناطق باسمهم. المحطات الثلاث: الفكرية والفنية والسياسية تستدعي المُقارنة، وتشير إلى مفارقات كبرى في ما يتعلق بالإخفاق المريع لـ «العروبة السياسية» مقابل الاستدامة المُدهشة لـ «العروبة الثقافية».

«مؤتمر باريس» الذي عقد قبل قرن كامل في مناخ سياسي اتسم بالاضطراب الامبراطوري الهائل، وصراع القوى الكبرى على ارض العرب، حضره 23 مندوباً كانوا اساساً من بلدان المشرق، سورية والعراق ولبنان وفلسطين، ومراقبون من مصر وأقاليم اخرى. ويُشار دوماً إلى الخمسة الذين كانوا المنظمين الفعليين للمؤتمر وأصحاب فكرته وقادته وهم في جلّهم شباب في مطلع حياتهم المهنية والسياسية وكانوا من الطلبة العرب في فرنسا، وهم: عبدالغني العريسي ومحمد المحمصاني وتوفيق الفايد من بيروت، وعوني عبدالهادي من نابلس، وجميل مردم بيك من دمشق. كان اولئك الرياديون مهجوسين بصعود تيار الاتحاديين القومي التركي في اسطنبول الذي تبنى خط التتريك ودأب على احتقار العرب، وتغوّل في البطش في نخبتهم كما فعل جمال باشا الجزار الذي ساق عشرات من مثقفيهم ومفكريهم ونشطائهم الى مقاصل الإعدام ومنهم عدد من الذين شاركوا وقادوا مؤتمر باريس. وضع المؤتمر اربع قضايا رئيسة على اجندته رآها المجتمعون الاكثر خطراً وإلحاحاً على واقع العرب ومستقبلهم آنذاك هي: الاحتلال الاجنبي والنضال الوطني، حقوق العرب في الامبراطورية العثمانية، ضرورة الاصلاح والحكم الذاتي، والهجرة من وإلى سورية (الكبرى).

القراءة الاسترجاعية المتأنية لـ «مؤتمر باريس» تعيد تأكيد فكرة اساسية حول تبلور فكرة القومية العربية والوحدة العربية في سياق تطور النزعات التحررية العربية من السيطرة العثمانية التركية في المرحلة الاولى، ثم من السيطرة الكولونيالية اللاحقة في المرحلة الثانية. وفي قلب اللحظة «التحررية» المديدة والطويلة تطورت فكرة «الوحدة العربية» بكونها المشروع البديل للسيطرتين التركية والغربية، فلعبت تلك الفكرة دور الحلم الذي جمع القوى العربية المعارضة للسيطرة الاجنبية. معنى ذلك ان تلك الفكرة كانت نضالية وذات طابع تحشيدي وحالمة منذ البداية، ولم يتم اختبار عمليتها على ارض الواقع إلا في مراحل لاحقة. وكما هو الحال في كل حالة مقاومة او ثورة (مثلا لحظة ميدان التحرير في مصر في الانتفاض على حكم حسني مبارك) تتوحد القوى العريضة وراء فكرة متعالية عن بشاعة الواقع، وغالباً ما تكون حالمة وغائية، لكنها تمتلك طاقة توحيدية هائلة وإن كانت موقتة. وتعمل على إزاحة الخلافات البينية جانباً من ناحية، وعلى تقريب المسافة النظرية والتخيلية بين غائية الحلم وبشاعة الواقع. اي ان الشعور الوحدوي او التوحيدي عند شرائح النخب العربية كان ضد العثمانيين ومُستفزاً بوجودهم وسياساتهم، بيد انه لم يكن شعوراً مسنوداً بوقائع تاريخية، او حقائق صلدة على الارض، بعيداً من الوجدان والمشاعر والعواطف.

مؤتمر القوميين العرب في القاهرة في مطلع هذا الشهر عكس رثاثة سياسية وفكرية فادحة مقارنة بالأحلام الكبرى التي ارادها الرواد الاوائل. اختلف القوميون اختلافاً حاداً على مصير «قلعة العروبة والقومية»، سورية، وكثير منهم ما زال لا يرى فيها سوى النظام الباطش القائم. وتغاضى قوميون كثر عن تغوّل النفوذ الايراني في المنطقة العربية وتهديده لـ «القومية العربية» ذاتها! في المقابل، واصل برنامج «عرب آيدول» الذي تبثه قناة «أم بي سي» من دبي تجاوزه لكل الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية والجهوية التي تعصف بالعالم العربي من خلال بناء وحدات وطنية على مستوى كل بلد، ووحدة ثقافية ومزاجية وفنية على مستوى الوطن العربي. في هذا البرنامج يلتقي مواطنو كل بلد عربي ويساندون مرشحهم بالمؤازرة والتصويت – يتوحدون في شكل وحدة وطنية يفتقدونها في بلدانهم التي تعاني من الاستقطاب والتعصب الذي جاء به تسييس الدين وتوظيفه والتمترس خلف التفسيرات المتطرفة التي تقضي على التعايش. ففي هذا البرنامج يتوحد الفلسطينيون وراء الشاب محمد عساف الذي جمع في احدى الحلقات خمسة ملايين صوت، اي اكثر من مجموع المصوتين لحركتي «فتح» و «حماس» مجتمعتين في انتخابات 2006! وعلى المنوال نفسه، حصد المرشح المصري اصواتاً تجاوزت من انتخبوا محمد مرسي، كما انتزعت شابة كردية واعدة اصوات العراقيين بغض النظر عن خلفياتهم وإثنياتهم وطوائفهم! في معظم البلدان العربية اليوم يبدو المشهد الثقافي-السوسيولوجي-الديني بالغ البؤس حيث التطرف ينهش اللحم الحي فيها، ويقضي على مساحات الحياة المشتركة. ويُحاصَر الناسُ بموجات تديين كل ما له علاقة بالحياة العامة والفردية، وحيث تتدخل جحافل مفتي التلفزيونات في كل طرائق تنفس الناس ونومهم. وفي الرد على هذا الاختناق المتزايد، والتصحير المخيف للحياة، يدير عشرات الملايين من الناس ظهورهم لكل ذلك ويعلنون رفضهم لكل من يريد التحكم في رقابهم، ويتمسكون بمنطقة التعايش الوسطى ويدافعون عنها، ويمارسون «وحدة وطنية» داخلياً و «عروبة ثقافية» خارجياً على نحو عفوي غير مصطنع ولا مفروض.

منذ «مؤتمر باريس» وحتى هذه اللحظة يمكن الآن التمييز بين نوعين من القومية العربية، او لنقل بين نوعين من العروبة: العروبة السياسية (السيادية)، والعروبة الثقافية. الاولى مهجوسة بالغاية النهائية والهدف وهو الوحدة العربية، وعملية اختلاق وفرض الآليات لتحقيق ذلك الهدف، والثانية عفوية و «طبيعية» تعكس تفاعل أبناء المنطقة مع بعضهم بعضاً لغوياً وثقافياً وتجارياً، وإحساسهم بوجدان مشترك وتخليقهم لفضاءات موحدة بحكم الواقع وحركة الأشياء (في الاعلام والثقافة والفن والغناء)، وهي فضاءات تتداخل مع طموحات سياسية غير واضحة الملامح، لكنها تعيد تأكيد خاصية التأثر والتأثير المُتبادل بين الجماعات والشعوب العربية كما توضح في ثورات «الربيع العربي» التي أثرت في بعضها بعضاً.

في قلب هذا كله يعود الفن والغناء ليثبتا ما هو مثبت لجهة الطاقة التوحيدية الهائلة العابرة للاستقطابات. وإن اردنا التأمل في ذلك عربياً، لنا ان نذكر ان ام كلثوم كانت احد اهم عناوين العروبة الثقافية على رغم كل الحروب العربية السياسية الباردة منها والساخنة... وأن فيروز هي التي رسمت صورة لبنان الجميل المُوحد والعابر للطوائف والتي يطرب لها كل اللبنانيين بغض النظر عن خلفياتهم. وأن الشاب خالد، ومعه فن الراب والراي، ربط كل جزائريي المهجر والداخل ايضاً بهوية وطنية ثقافية تتجاوز كل انقسامات الحرب الاهلية، ونداءات التشظي العربي/الامازيغي. وأن محمد عبده في السعودية يدندن لـ «اماكنه المشتاقة» من حجازيي ونجديي وشرقيي المملكة، ويديرون ظهورهم للتعصب.

في «عرب آيدول» يتحدث العرب الى العرب من مشرقه الى مغربه على ارضية الفن ويغنون معاً ويطربون للأغنيات ذاتها. بعيداً من ارض الفن هذه، لا نجد سوى الانقسامات والطائفية والاتهامات والاستقطابات. في برامج الفن والادب والغناء هناك لغة عربية وسيطة تقرّب بين اللهجات، ترقي منها من ناحية، وتبتعد من ناحية اخرى عن تقعر لغة الأخبار ولغة الخطابات الدينية المتعالية المنفصلة عن الناس. يقدم لنا «عرب آيدول» وبقية برامج الفن والادب والغناء تحدياً وأطروحة بالغة العمق وبحاجة الى تأمل كبير وسط التشظي المرعب الذي نعيشه وهو الآتي: هل اصبح الفن والغناء هما خط الدفاع الاخير عن الوحدة الوطنية في كل بلد عربي؟ وهل اصبح الفن والغناء هما خط الدفاع الاخير عن العروبة الثقافية؟



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين أصبح «مؤتمر باريس» العربي 1913؟
- «مصانع الفتاوى»: كهنوت إسلاموي وتدمير مجتمعي
- «أبوية الثورات» في الخطاب القومي
- -مصانع- الفتاوى الطائرة
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (2-2 ...
- «حماس» وطلبنة غزة
- فيضان المستنقع الأسدي
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2 ...
- «البوكر العربية»... ومسألة الهوية
- قانون مدمّر في مصر: الشعارات الدينية في الانتخابات!
- مخاطر «أخونة» الأزهر
- العرب والغرب وتسليح الثورة السورية
- تسليح الثورة السورية مصلحة عربية
- «الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!
- جرائم الشرف بين الدين والقانون
- تديين الفضاء العام وتصنيع «المجتمع المحافظ»
- خمس كاميرات محطمة!
- الإسلاميون: الولاء للحزب... أم الوطن؟
- درويش بين الاحتكار والابتذال!
- «هندسة» الانتخابات الفلسطينية


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013