أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - معركة أخيرة فاصلة.















المزيد.....

معركة أخيرة فاصلة.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 03:55
المحور: المجتمع المدني
    


زيارة صديق:
دخل صديقي "الخواجه" البيت الذي نزوره لصديق مشترك، فصاح على الفور حين رأى "النجفة" وفي عفوية وإنسانية بسيطة للغاية: (إيه التحفة الفنية دي؟)، ضحكنا وتندرنا، وحاول البعض إفهام الصديق بأننا –المصريون- نؤمن بالحسد، وأن (العين تدخل الرجل القبر، والجمل القِدر)، لكن عبثًا حاولنا، فكل ما جاءنا كانت إجابة أكثر بساطة وتبريرًا أسهل بكثير من كل تعقيداتنا المورثة في تراثنا الشعبي وتديننا الشعبي العجيب حين قال بعد محاضرتنا عن الحسد، وخوف المصريين منه، قال (بس بجد النجفة تحفة وجميلة)، رجعنا نضحك، وعرفنا أنه لا فائدة من محاولة –في رأيي الشخصي- تلويث بساطته بـ"كلاكيعنا" هنا، وأنه في النهاية تنتصر بساطة الإنسان –أينما كان- أمام طوفان من العادات والموروثات التي تشابكت، وزكاها فهم سطحي لمفاهيم وتعاليم الدين والفطرة.

محاولة جادة نحو الحياد:
دعوني أحاول أن أحيد نفسي حين أنظر نحو الموقف، ربما يراه البعض بسيطًا وقد يراه الآخر معقدًا، أما أنا فأراه مزيجًا من الامرين معصا، مزج غريب بين البساطة والتعقيد، فالبساطة والفطرة التى تصرف بها الصديق "الأوربي"، إنما كانت انعكاسًا لثقافة مجتمع كامل استطاع أن يغرس قيم الفن والجمال في نفوس أفراده ويربيهم عليها، ليصبح عدم التعبير عنها أو الإعجاب بها هو الخلل ذاته، فياتي تصرفه العفوى في قوله حين يرى "نجفة جميلة" بأنها (تحفة فنية حلوة قوي)، وذلك دون أن يمر على باله وقلبه لحظة واحدة من الحسد أو تمني زوالها، وأنه إن لم يعبر عن ذلك لأصحاب المكان، اعتبره "قلة ذوق" إذ لم ينتبه لذوق أصحاب البيت في اختيار قطع الديكور. بينما في الجانب الآخر –نحن- حين يبدأ الحديث في الموقف نفسه عن كون ذلك يخافه الناس أن يكون حسدا، فهذا لا يعكس سوى دواخلنا المريرة التى سيطر عليها قيم ما أفسدت نقاوة فطرتنا، والتي أراها نتاجًا لتوغل الرأسمالية في كل شواغلنا وتحولنا من مجتمع يؤمن بقيم الفن والأدب والعلم غلى ثقافة الاستهلاك وجني الثروات، وهو ما زكاه وجود آبار "السخام" –البترول- في المنطقة، وما ترتب عليه من تغيير جذري في بنية المجتمع العربي كله في البلدان التي طفحت بذاك السخام أو في البلدان التي شهدت هجرات عمالة مختلفة نحوها، لتعود مفسدة بقدرة ما، وفاقدة لبعض فطرتها النقية الأولى قبل أن ينالها من أثر نفط السخام. سقول قائل بأن الحسد إنما جاء في الدين وتم التحذير منه، سأرد بالقليل منه، أنه تعين على الأديان أن تنبِّه إليه، واعتباره نقيصة لا يجب أن نسمح لها بالسيطرة، ولأن الرب مطلع علينا فقد حذرنا من الضعف أمام كل شيء قد يسيطر، ومنه شهوة الحسد، والتي أراها نتاج النفط وثقافته الرأسمالية التي تغلغلت في مجتمعاتنا، فأفسدت فطرتها بشكل ما، وتركت تشوهًا يطفح كل حين، فتُهدر القيمة تلو الأخرى في سهولة ويسر وأريحية بغضاء، وجرب مثلا ما خلقته لنا الثقافة الاستهلاكية من فراغ ننفقه في المولات والتسوق وغيرها.

هذا من أثر السُخام:
سيملأ الفراغ حياتنا هنا، وسنظل مشغولين بالتنظير ومحاولات مستمية لتبرير استعلائنا، الذي لا يزيد في حقيقته عن عجزنا المرير اما كل القضايا التي نتعارك ونختلف حولها، نعم ليس إلا محاولات سامية –نفسية لا إرادية- لمحاولة دفع شبهة الاستعلاء تلك، سنغمسها في ندوات ادبية وشعرية، أو لقاءات وصالونات للمثقفين، وكلها ستطفح فيها عفانة استعلائنا المقيت فقط، وحين تزكم الأنوف، ستجدنا نلجأ إلى تبريرات متعددة، كلها محاولات يائسة للدفاع عن عجزنا نحن قبل الهجوم على الآخرين. سنكيل الاتهامات ونمنطقها، بل سنذهب إلى أبعد من ذلك حين ندلل عليها ببراهين شكلانية، وإشاعات نثق في كذبها داخليا، لكن، ولأن فيرس العجز والاستعلاء والتشوه الإنساني قد تمكن منا؛ فأنتج في ظل رأسمالية مسممة تسعى للسيطرة، أنتج لنا هذا السلوك الذي نستميت في إثبات كونه رأيًا شخصيا في النهاية، وسنعتمد على تجميله بأشكال إنسانية من الألم والقهر المزيف، دون وعي أننا فقط نحاول أن نملأ فراغًا روحيًا سحيقًا قد تمكن منا في النهاية.

هل سقطنا جميعًا:
هكذا حين يسقط مجتمعصا في فخ النفط وثقافة الاستهلاك سينتج بالضرورة نوعا جديدا من الثقافة التي تضمن رواجه، وهي ثقافة طبقية للغاية تأخذ لها بعض صور التمدن والأناقة بما تواريه تحت مسمى نبيل مثل "فنان"/ "مثقف"/ "كاتب"/ "شاعر"..إلخ من تلك المسميات التي نجحت تلك الثقافة النفطية الاستهلاكية في خلق جمهور عريض لها، تربى ورضع سخام النفط، فتشوه بقدر، وصدق أنه واحد من تلك المسميات، ولناخذ مثلا واقعيًا، ففي ما يُعرف بدول الربيع العربي، سترى فوضى الاتهامات والتنظيرات التي يمارسها هؤلاء، والتى أعطتهم تلك الثقافة الاستهلاكية نمطًا جديدا من المسميات فعرفتهم بالنخبة او الطبقة الواعية المثقفة، فصار لهم طوال اليوم أن يمنطقوا ويُنظِّروا للعالم كله سواهم أمور الحياة، ويثورون ويتشدقون، ويحلمون ويحبطون لكن بشرط وحيد هو أن يظل حالهم كما هو عليه غالبا، فهم سيحدثونك عن الفقر والعدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للأجور وللثروات وعن حقوق العمال وعن حقوق المرأة والطفل وعن حقوق الأقليات في المجتمع، لكنهم في النهاية سيدخنون أغلى انواع السجائر في مجتمعهم، وسيركبون سياراتهم الخاصة الفاخرة وسيتناولون العشاء في مطعم طبقي قح، وسيحتسون المشروب بما يكفي للترفيه عن أسرة لمدة شهر ممن يدعون الانتصار والثورة لأجلهم، فقط سيمارسون الثورة والحوارات بتنظير واستعلاء مرير يصل إلى حد الشفقة حين يكيلون الاتهامات هنا وهناك، دون أن يتخلى أيُّهم عن بيته أو سيارته أو ناديه أو مدارس وجامعات أولاده الخاصة، ومن دون الفهم الحقيقي لمعني الفقر والعشوائيات والتهميش في كل صور الحياة، بل وسيؤمنون في النهاية بأن هؤلاء –ممن سهروا يتحدثون عن حقوقهم- قد يحسدونهم على ما ملكوه في ظل عصر رأسمالي أسس لفرص الانتهازية والاستهلاك وهم أكبر ضحاياه الفعليين.

استعلاء النفط:
نعم، فراغ واستعلاء واستهلاك ناتج عن نفط، هو كل ما يلزمك لتشويه كل شيء جميل، ووحدهم فقط من يقاوم، أو ينتبه لما حوله فيحاول على الدوام التثبت من فطرته بمواقفه، دون لحظة يأس ممتدة لتسيطر، أو أمل يطغي ليعمي ويودي إلى فشل حتمي، يحول الثقة بالنفس إلى الغرور السليط، وكله مسموح بقدر ما يحدثه في داخل المرء من تشوه وبقدر ما يقاومه الواحد منا. هناك من سقطوا وهناك من يتناوب بين السقوط والانتباه وهناك من سيظل منتبها دون سقوط، قد يكون من طبقة ما او طبقة أخرى، فلا فرق، فسيطرة الرأسمالية وثقافتها الاستهلاكية ستتمادى في فرض ثقافتها حين تبرر لهؤلاء الذين أصابتهم بفيروساتها المشوه، ولكي تخلط الامور ستعمل على جذب البعض من الفقراء نحوها ونحو الإيمان بها، لتبرر في النهاية لكل هؤلاء المنظرين وأصحاب الاستعلاء ما سيمارسونه من خدع مريرة لسدّ فجوة الفراغ الإنساني الذي تشوه أو للأحرى مات فيهم حين وهبوا مواهبهم وشبابهم للنفط. لكن لعل الضامن الوحيد للعودة هو إنسانيتنا التي نراها بفطرتنا السليمة فنربي عليها أطفالنا، فيكبرون ويسعدون حين رؤيتهم "النجفة الحلوة" دون وعي لمفهوم الحسد أو تمني زوال النعمة عن الغير للتمتع بها في أنانية مطلقة.

أمل أخير:
ستكون ثالثة الأثافى حين تتمكن تلك الثقافة من جموع المثقفين بحق والموهوبين بإنسانيتهم قبل فنهم، فتشوه أجمل ما فيهم، مثلما فعلت فسيطرت بنفطها ورأسماليتها على رجال الدين فتشوه الخطاب الديني وصار موجها، ويعتمد لغة التشدد او التخوين والتكفير للغير، ونفي حقه في الوجود، وهو ما نراه بوضوح في الكرة الأرضية، بما يخبر بأن نهاية صراع بشري طويل يوشك ان ينتهي متى استسلم هؤلاء الأشخاص الذين مازال فيه رمق إنسان أو موهبة وفطرة فنان يحب كل الخلق، ويؤمن بحق الجميع في الحياة الكريمة بلا تخوين او إقصاء انفعالي متطرف.
يا كل العالم المثقف والفنان والموهوب، انتبه فإن إنسانيتنا تتآكل وتدنو من التشوه، وثقافتنا تتبدل قيمها بأخرى نفطية صنعها سخام الرأسمالية، وفننا بات عبثا لا يطهرنا قدر ما يعكس دواخلنا الخربة، ومواهبنا باتت على شفير الاحتراف الذي لا يحترم غير منطق الربح والخسارة. فانتبهوا يا سادة فإنها فرصة اخيرة كي ننتبه لأنفسنا أولا قبل الانتباه للآخرين، فلننظفها وبعدها ننطلق في تبصير الآخرين بما نراه، وقد يكون صوابا أو مجانبا له. أفيقوا أثابكم الله.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -درس تاريخ-..عشر مقاطع من التاريخ، ومقطعان لأمي، ونهاية واحد ...
- حين يكتب التاريخ.
- عم موسى ليس نبيًا.. قصة قصيرة.
- تهيس.. فيلم بالعامية المصرية من 3 مشاهد
- بين رابعة العدوية وشفيقة الجرجاوية
- -شفيقة- و-رابعة- كلتاهما شهيدة العشق.
- في صعيد مصر.
- حين تبت يدا أبي لهب.
- تمردوا يرحمكم الله.
- رسالة الأحلام.. عامية مصرية.
- بين الامتنان والانبساط.
- ابنة الربيع
- رسالة خاصة إلى النيل.. نص أدبي.
- محطة سيدي جابر بعد التطوير.
- أنا نبيُ.
- أنا قابل .. عامية مصرية.
- ال Nickname : هوجة ولا ثورة؟
- محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء ...
- ريبورتاج المدينة.. موهبة ووعي مبدع.
- بائعة الطماطم.. قصة قصيرة.


المزيد.....




- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - معركة أخيرة فاصلة.