أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبدالوهاب حميد رشيد - الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الخامس















المزيد.....



الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الخامس


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4123 - 2013 / 6 / 14 - 10:43
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل الخامس- معضلة الهوية.. التكيّف/ الاندماج
تعني الهوية ما يعتنقه الفرد/ المجتمع من معتقدات، وما يحمله من قيم اجتماعية: عادات، تقاليد، أعراف، نواميس.. بينما الاندماج يعني الالتحام والذوبان في المجتمع الجديد المتنافر في معتقداته وقيمه الاجتماعية، أي تخلي القادم الجديد عن ثقافة مجتمعه القديم وتبني ثقافة المجتمع الجديد. وهو ما يعني التخلي عما طبع عليه منذ ولادته من قيم عقائدية- اجتماعية، وهذا ما قد يقود إلى ضياع بوصلته، لينتهي إلى الفراغ الداخلي، دون أن ينجح حتى في تبني قيم المجتمع الجديد التي تتطلب التعامل معها فترة زمنية غير قصيرة، وبذلك قد يقود هذا التحول السريع إلى انحرافه والسقوط في مباذل الحياة. ذلك أن ثقافة الفرد تتشكل منذ ولادته بما فيها من إيجابيات وسلبيات، ومحاولة تغييرها أو تطويرها تتطلب فترة زمنية ليست بالقصيرة.
اسلوب طرح هذا الموضوع بحصره ما بين التخلي عن الهوية/ الاندماج وما بين الحفاظ على الهوية/ الاستقلال، طرح مخل، لأن القادمين ليسوا مستوطنين لجزيرة خالية من البشر، بل قدموا إلى مجتمع له حضارته، معتقداته، وقيمه الاجتماعية وإن اختلفت كثيراً أو قليلاً عن هويات القادمين الجدد الذين عليهم التعامل معها بما يقودهم إلى نيل ثقة المجتمع الجديد وشق الطريق الآمن لبناء حياتهم الجديدة ومستقبلهم في سياق التسلح باللغة والمعرفة الجديدة وتقديس العمل.. من هنا يتطلب فهم الاندماج القبول والتعامل الإيجابي مع الحياة الاجتماعية، بما في ذلك اللغة، المعرفة، سوق العمل، العلاقات والنشاطات السياسية- الاجتماعية، مع احتفاظ القادم الجديد بعقيدته الدينية التي يمكن أن تتعرض للكثير من التهذيب والتشذيب الحضاري الجديد ولصالح عقيدته ذاتها، وحصراً في المجال التطبيقي، من مصداقية التعامل، تحريم الغش والتحايل، الابتعاد عن الكذب والجرائم، نبذ الكراهية والعنف.. وكلها قيم وعادات إنسانية واردة في كافة الكتب الدينية والأصلاحية وتدعو إلى تطبيقها وممارستها فعلاً في الحياة العملية، وبذلك ينتهي القادم الجديد المتعامل إيجابياً مع مجتمعه الجديد الأكثر تحضراً إلى خلق التوافق والتطابق بين معتقداته وممارساته في الحياة العملية، والتخلص من ظاهرة الانفصام- الازدواجبة- بين العقيدة وبين الممارسة في سياق الممارسة الصحيحة لتعليماتها بعيداً عن الممارسة المزدوجة التي عاشها في مجتمعه في البلاد العربية التي تضم مجتمعات تتصف عموماً بالفصل ما بين العقيدة كفكرة وما بينها كممارسة.. وتكون الحصيلة مع مرحلة نضوج هذه الممارسات: خلق التوافق والتطابق الفكري والعملي في ممارساته العقائدية/ الدينية، علاوة على حصول الاندماج في المجتمع الجديد في سياق التكيف الاجتماعي(48).
ربما من المفيد التذكير بأن السويد دولة علمانية، والمجتمع السويدي مجتمع علماني.. والعلمانية هنا تعني أن هذا المجتمع يقوم على التعليم العلمي وتقديس العمل، وأن العلاقات الاجتماعية/ الدنيوية بكافة تفرعاتها لا تقوم على الدين، بل يعتبر الدين مسألة شخصية تخص الفرد ومعتقداته.. عليه فالسويد- دولة ومجتمعاً- لا تسمح بإقحام الدين في الحياة الدنيونية- العلاقات والتعاملات الاجتماعية- وفي ذات الوقت فإنها تحترم كل الأديان والمذاهب العقائدية ومختلف القوميات والجنسيات لكافة المهاجرين والوافدين إليها، والطريق مفتوح أمامهم لبناء دور عبادتهم وممارسة طقوسهم في حدود المساحة الواسعة المتاحة من الحرية في ظل القانون، بل وفوق ذلك تقدم المؤسسات السويدية المعنية الدعم المالي لها. ولكن يبقى اختلاف الأفكار القيمية والعادات والبيئة الاجتماعية والطبيعية مشاكل أمام القادمين الجدد، ويتطلب منهم الكثير من الصبر والجهد والسلوك الرشيد للتعود عليها والتعامل معها بطريقة سليمة تحفظ استمرارهم وتقدمهم في الحياة الجديدة. المهم احترام القانون، بخاصة نبذ العنف..الابتعاد عن المخالفات والجنح والجرائم.. مواكبة تعلم وفهم المجتمع الجديد وكيفية التصرف السليم في إطاره، وقبل ذلك على القادم الجديد أن يتسلح باللغة والمعرفة بغية التفاهم والتعامل مع مجتمعه الجديد وبناء مستقبله الواعد. وهناك حقيقة علمية واجتماعية، وهي إن أية عائلة تهاجر إلى دولة بعيدة تكون مستعدة أن تندمج مع الوقت، بالحياة العامة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للوطن الجديد. ومن الجيل الثاني والثالث، يتبنّى المهاجرون وأبناء المهاجرين اللغة المحلية والتقاليد العامة في الدولة التي وفدوا إليها.
يفرض القانون الاجتماعي على المهاجر إلى دولة ما بأنه سوف يندمج في هذا المجتمع، وليس بإمكانه أن يظل "جزيرة" معزولة عن محيطه. هناك أكثر من مليون إنسان لبناني يعيشون في الأمريكيتين، ربما ما زالوا يحبون وطنهم الأم لبنان، ولكنهم مندمجون عضوياً في المجتمعات التي يعيشون فيها.
يلاحظ، في العقد الأخير تطوراً مختلفاً. فمع اتساع الهجرة إلى الغرب من العالمين العربي والإسلامي، تسعى فئات من هذه الهجرة العربية والإسلامية لإقامة "غيتوات" معزولة. يلاحظ ذلك، بالنسبة للأتراك في ألمانيا، والعرب والأفغان والباكستانيين في بريطانيا، وكذلك في فرنسا وإسبانيا والسويد والدنمارك وبلجيكا..
يقول باحثون اجتماعيون عرب أن "الهموم الأساسية للمهاجرين العرب في أوروبا هي مشاغل اجتماعية وسكنية واقتصادية، ومشاغل ضمان مستقبل أفضل للأولاد". إذا كان هذا صحيحاً. وهو صحيح، فهل الانغلاق والانعزال والتقوقع والكراهية للبيئة العامة في الدولة المضيقة، مفيد أم مُضِر؟ يساعد على التقدم أم يقف عقبة في طريق التقدم؟
إن أوروبا توفر فسحة واسعة من الحرية أمام المهاجرين، العرب وغير العرب، للمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الدينية، انطلاقاً من الديمقراطية الإنسانية السائدة فيها، احترام الآخر المختلف. وهناك مساجد في أوربا ومدارس عربية وباكستانية في لندن مثلاً وغيرها من المدن الغربية.
إن المحافظة على الهوية اللغوية والدينية شيء، والتعصب الديني والثقافي المعادي لأوروبا وللحضارة الأوروبية شيء آخر. ولعل أخطر ما في الأمر هو النشاط الهدام الذي تقوم به منظمات أصولية دينية متعصبة يصل بها الحقد إلى حد الكراهية للثقافة الوطنية المحلية والدين المحلي واللغة المحلية. وهذا يخلق مردوداً عكسياً خطيراً، إذ تبدأ بالظهور مواقف عنصرية معادية للعرب والإسلام، معادية للجاليات الشرقية بشكل عام. ويلاحظ اليوم، بأسف وقلق، أن الأحزاب الفاشية والعنصرية المتطرفة في كل دول أوروبا تقوم بدعاية عنصرية وتكسب انتخابياً من خلال التحريض العنصري ضد "المهاجرين". والمهاجرون ليسوا الذين قدموا في آخر عشر أو عشرين سنة فقط، بل كل السكان من أصل عربي وإسلامي وشرقي. هناك في فرنسا مواطنون من أصل عربي (جزائري وتونسي ومغربي بالأساس) ممن قدم أجدادهم إلى فرنسا قبل ثمانين سنة، ومع هذا يتعرضون للتحريض والرفض والمضايقات، علاوة على أن الضجة التي حدثت في أمريكا ضد المواطنين من أصل شرقي، عربي وإسلامي، خصوصاً بعد تفجيرات 11 سبتمبر، معروفة للجميع.
موجات الهجرة، تاريخياً وموضوعياً، من المفروض أن تندمج بالبيئة الجديدة، إن لم يكن في الجيل الأول، ففي الجيل الثاني أو الثالث. وهذا يتطلب إدراك الخطر المأساوي في تصريحات أصوليين إسلاميين عنصريين في أوروبا، ممن يقولون صراحة إن مصير أوروبا أن تصير "بلاداً إسلامية". لماذا يستغرب المرء بعد هذا، إذا قامت أحزاب عنصرية أوروبية تطالب بطرد ما يسمى "الأجانب" أو "الغرباء" أو "العرب والمسلمين..!؟"
هل يمكن تصور حجم المأساة الإنسانية، إذا بدأت الدول الغربية بمضايقة الجاليات العربية والإسلامية، وطردها من تلك البلاد؟ إن المصلحة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والمستقبلية للجاليات العربية في الغرب هي في رفض الأصولية العنصرية، وفي البحث عن قواسم مشتركة مع تلك المجتمعات، للعيش والعمل والاندماج الاجتماعي في البيئة المحلية، وخلق علاقات مشتركة مع تلك المجتمعات في سياق بناء قواسم مشتركة بين كل شرائح المجتمع.
الحقيقة القائمة في هذا الخصوص، هي أن الأصولية المتطرفة، والإرهابية أحياناً، تُلحق ضرراً فادحاً بعشرات ملايين المهاجرين العرب في الغرب وعائلاتهم وأحفادهم. فكأنما الدور المدمِّر الذي تقوم به الأصوليات الدينية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي لا يكفي، ولذلك يصدِّرون عقيدتهم المتطرفة والمغلقة والرجعية اجتماعياً، لعرقلة اندماج العرب والمسلمين المهاجرين في أوطانهم الجديدة(49).
اندمج الكثير من المهاجرين، سواء في المجتمع السويدي أو بقية مجتمعات الدول الغربية التي سكنوا فيها، نجحوا في الدخول إلى سوق العمل، وصارت لهم وظائف وأعمالاً مختلفة. ومن لم يندمج سار أطفاله بشكل اعتيادي باتجاه الاندماج في تلك المجتمعات. فالهجرة وقرار العيش الدائم في المجتمع الجديد ستقود، لا محالة، إلى التكيف والاندماج، ولكن في الأمد الطويل. فحتى إن بقي الجيل الأول من العائلة على جمودهم وعدم التعامل الإيجابي مع مجتمعهم الغربي الجديد، تتجه الأجيال التالية نحو الاندماج بشكل روتيني من خلال الروضة والمدرسة التي تتصف في السويد بأرقى درجات الرعاية والتربية للأطفال لغاية تخريجهم في سن النضوج (18 عاماً) مواطنين جاهزين للدخول إلى سوق العمل والتعامل الاجتماعي أو الاستمرار بالدراسة في الجامعات(50).
لكن الفرق بين الحالتين أن الفترة التي تتطلبها عملية التكيف- الاندماج من الجيل الأول لقبول ودخول الحياة الاجتماعية الجديدة، فترة ليست بالقصيرة، تتخللها مشاكل كثيرة تواجه القادم الجديد وتؤثر حتى على عائلته، بل ومجتمعه الجديد، وتتطلب المزيد من الجهود، سواء من قبل الوافد الجديد أو سلطات المجتمع الجديد، وبقية المنظمات الاجتماعية. وهذه المشاكل تتطلب منحها قدراً عالياً من الاهتمام، لما لها من آثار تتعدى العائلات القادمة إلى المجتمع ذاته. من هنا ضرورة الاستمرارية في متابعتها ومحاولة إيجاد الحلول العملية الناجعة لتجاوزها.
من الإشكاليّات الكبيرة التي تعترض حياة العرب والمسلمين في الغرب هو إندماجهم أو عدم إندماجهم في الواقع الجغرافي الجديد الذي هاجروا إليه. في ظل الظروف والأوضاع القائمة، عادة ما نجد القادم الجديد يختار في تعامله مع المجتمع الجديد أحد ثلاثة أساليب: استعداد مبكر للانفتاح الكامل على مجتمعه الجديد والاندماج بلا هوادة في سياق التخلي عن كل ما يحمل من قيم ومعتقدات نشأ في ظلها في مجتمعه السابق.. الرفض الكامل للتعامل في سياق التزمت الشديد لاعتقاده بلزوم تحريمه التعامل مع غير أبناء عقيدته ومجتمعه، ليبقى في حالة انفصال كامل عن الحياة الاجتماعية الجديدة.. الممارسة العقلانية والانفتاح الواعي من خلال التعامل الاجتماعي في الأمور الدنيوية، مع الاحتفاظ والالتزام بقيمه وتعاليمه العقائدية الدينية.
تضم المجموعة الأولى جماعات من المبهورين/المعجبين بالمجتمع الجديد و/أو الموتورين الحاقدين على ما يسمونه القيم والتقاليد البالية لمجتمعهم السابق. وهم في الغالب من أنصاف المتعلمين، بخاصة الأعمار الشابة الأقل نضوجاً، والمعجبين بالحياة الجديدة وفي سياق ممارستها عن طريق التقليد أكثر من القناعات، وحباً في المظهر أكثر من الجوهر، والهرولة وراء إشباع الغرائز، في غياب فهم واقعي للحياة الجديدة، وبالنتيجة العيش في فراغ فكري قيمي، والاستمرار في البقاء على السطح وضياع شخصيتهم إلى حد الممارسات التافهة والمبتذله، وربما أيضاً الانجراف وراء الجريمة.. وعلى نحو مماثل، تضم المجموعة الثانية المتزمتين من أصحاب العقائد، وفي الغالب، غير المتعلمين ممن لم تطأ أقدامهم الصفوف المدرسية أو ممن بقوا في حدود معرفة القراء والكتابة والتعليم الديني الطائفي المتخلف، وتعلموا قيمهم المعتقدية الدينية من خلال التربية المنزلية ومن ثم أصحاب العمامات الطفيلية المتخلفة، ممن استغلوا الدين لاستلاب الفقراء ومصادرة عقولهم. ويبقى هؤلاء، كما يُقال، "خارج الرهط". يرون في الاتصال والتواصل مع المجتمع الجديد من غير أبناء جلدتهم/ عقيدتهم.. "حراماً".. ويفبركون استمرار الاعتماد على المؤسسات الحكومية في حصولهم على المعونات الاجتماعية، والعمل من خلف الستار في السوق السوداء.. "حلالاً"! رغم أن هذه الممارسة تشكل المحطة الأولى لخطوات انحراف المهاجر عن طريقه القويم الدخول إلى سوق العمل القانوني والاعتماد على نفسه وبناء شخصيته وتحسين إمكانات معيشته. كما أن هذه المجموعة غالباً ما تعاني من مشاكل عائلية سواء بالعلاقة مع الزوجة أو التعامل مع الأطفال.. أما المجموعة الثالثة فتضم، في الغالب، المتعلمين المثقفين، يفهمون التمييز بوعي بين مجتمعهم السابق ومجتمعهم الجديد، يحافظون على كياناتهم وشخصياتهم ويطورونها لصالح الدخول والتعاطي مع المجتمع الجديد. يؤكدون على تحصيل كل ما يحسن قدراتهم في الاعتماد على أنفسهم بالدخول إلى سوق العمل القانوني، وتطوير حياتهم المعيشية في سياق الاعتماد على الذات وبناء مستقبلهم الواعد(52).
معضلة وهموم التكيف/ الاندماج لا تقتصر على المهاجرين، بل تواجه وزارات الهجرة في عموم البلدان الغربية المستقبلة للمهاجرين. من هنا تحظى هذه الوزارات بميزانيات كبيرة نسبياً مقارنة بميزانيات العديد من الوزارات الأخرى. وفي السويد لا زالت طرق العلاج تتسم بتكاليفها الضخمة في سياق حصيلة متواضعة. وترتبط بتعقيدات هذه المعضلة، التعامل مع أشكال متباينة من البشر والتي تتطلب بطبيعتها آماد طويلة. تقول وزيرة الاندماج السويدية الأسبق- مونا سالين: لقد صرفنا ملايين الكرونات لإقناع المهاجرين بضرورة الإندماج في المجتمع السويدي، وكان يجب صرف هذه المبالغ على إقناع السويديين بضرورة قبول الآخر (53). وهذه المقولة تكشف الجانب الآخر من المعضلة. المجتمع السويدي وكأي مجتمع آخر ليس من السهل عليه التعامل المباشر والسريع مع الغرباء، إذ يتطلب ذلك فترة من التجاذب، خاصة في مثل هذا المجتمع الرفيع التحضر والذي يتسم بدرجة عالية من العلاقات الرسمية، البرودة، الانعزالية، والخوف من القادم الجديد، وفي سياق قيم وتقاليد وقوانين يغيب عنها حتى حق الدفاع عن النفس- وفق المفهوم العام المعروف في مجتمعات المهاجرين والمعتمد في أساسه القانوني على قيم التعصب القبلية- إلا في الحدود التي لا تقود إلى إلحاق الأذى بالمعتدي!
ويرتبط بذلك من الجانب الآخر سياسات الهجرة الغربية التي تعول وتركز على الأطفال بدرجة أكبر كثيراً من الجيل الأول- الآباء والأمهات.. وإذا كانت الهجرة سياسة غربية معتمدة لخلق التوازن السكاني في ظروف انخفاض الولادات وتعاظم أعداد كبار السن، فليس مقبولاً من وجهة النظر الغربية تعدد الإثنيات وتضخم التجمعات السكانية الإثنية المنعزلة بعضها عن البعض الآخر وعن المجتمع، ليقود أخيراً إلى اختلال نوعي أكثر خطورة على المجتمع السويدي وهيكله السكاني، بما في ذالك من تضارب أجزائها وخلق مشاكل ومخاطر أمنية.. من هنا تُركّز سياسات الهجرة على تربية وتعليم أطفال المهاجرين ليسيروا على نحو اعتيادي وروتيني باتجاه الاندماج، في حين أن من بين أهداف المصروفات التي تدفع لصالح الجيل الأول، تخفيف معاناتهم وتجنيب المجتمع مخاطر انحرافهم، ومحاولة كسب ما يمكن منهم للدخول في المجتمع وفي سوق العمل.. عليه، يُلاحظ في حين أنّ أطفال المهاجرين/ ومنهم الجالية العربية، يخضعون منذ ولادتهم للقواعد التي تنطبق على كافة أطفال البلاد باتجاه تنظيم حياتهم التربوية والتعليمية بما يقود إلى اندماجهم في المجتمع مع بلوغهم سن النضوج، يعيش المهاجرون من الجيل الأول في غالبيتهم في ظروف بطالة معتمدين في معيشتهم على المعونة الاجتماعية من الدولة/ الكومون.
تواجه مسألة التكيف/ الاندماج فيما يخص الجالية العربية، تحديداً، موروثاً ضخماً من القيم المتخلفة البالية التي تعمقت في سياق ظاهرة اجتماعية مؤثرة سلباً حتى على قيمهم المعتقدية الدينية في مجتمعاتهم، برزت حصيلتها في الانفصام الفاقع بين المبادئ والقيم والتعاليم العقائدية/ الدينية وبين تطبيقاتها في سياق التعامل الاجتماعي، بدءً من العصبية والتعصب، مروراً بالطائفية والتمذهب، ولغاية التمايز العشائري- القبلي، وكلها تشكل الأساس البيئي الاجتماعي لظاهرة التفرق والتمزق وازدواج الشخصية في ظل الحضارة الحديثة. يٌضاف إليها تخلف حركة التحضر، بخاصة التعليم والثقافة الموجهة لخدمة السلطة العقائدية- السياسية، دون اعتبار للمنهج العلمي القائم على البراهين المنطقية في سياق تحرير عقل الإنسان من الخرافات والغيبيات والخوف والمحرمات..
لعل أولى المشاكل التي تواجه القادم الجديد والتي تؤثر في حاضره ومستقبله، علاوة على مخاطر امتداد آثارها السلبية نحو المجتمع الجديد، تتمحور حول الغربة- شعور المهاجر بالغربة وسط مجتمعه الجديد. الأغتراب هو نقيض الأنتماء. ويتمثل في شعور الفرد بالعزلة، الأستياء، التذمر، والانفصام عن ذاته الإنساني وعن مجتمعه، وقد يصل الأمر إلى فقدان معنى الحياة، وما يحف بذلك من مخاطر فقدان توازنه باتجاه الانحراف وارتكاب الأعمال الخطيرة تجاه نفسه ومجتمعه. ذلك أن تلبس الشخص بالغربة وآثاره المضاعفة يمكن أن يقود إلى فقد الشعور بروابطه العائلية الاجتماعية، ونمو مشاعر العداء وفقدان المعايير الاجتماعيه التي تضبط حركته وسلوكه، وتهذب أفعاله، وتنمي شعوره في سياق خلق الفجوة بينه وبين أفراد مجتمعه.. وعلى هذا فالأغتراب يجسّد المعضلة الأولى التي تواجه القادمين الجدد والمجتمع الجديد..
ففي أطروحة دكتوراه (حسن إبراهيم حسن المحمداوي- الاكاديمية العربية المفتوحة- الدنمارك – كوبنهاجن) بهدف دراسة الأغتراب من حيث علاقتة بالتوافق النفسي بالنسبة للعراقيين في بلاد المهجر- السويد، ومحاولة كشف مدلولات هذه العلاقة وكيفية تطوير أسسها بالشكل الذي يخدم نفسية الفرد وتطوره من أجل الوصول به إلى الأهداف المنشودة، وفي سياق تحليل عيّنة ميدانية من المبحوثين العراقيين في السويد، أشارت نتائج البحث في أول أهدافها إلى أن هناك علاقة سالبة ذات دلالة إحصائية بين الأغتراب والتوافق النفسي. أما بالنسبة للهدف الثاني للبحث، فقد جاءت الحصيلة بوجود فروق ذات دلالة إحصائية في جملة من العلاقات السالبة بين: الأغتراب وفق متغير الجنس ولصالح الذكور، الأغتراب وفق متغير الحالة الأجتماعية ولصالح العزاب، الاغتراب وفق متغير العمر الزمني ولصالح الفئة العمرية الصغيرة، الأغتراب وفق متغير عدد سنوات الغربة ولصالح الفترة الزمنية القصيرة، الأغتراب وفق متغير التحصيل الدراسي ولصالح ذوي التحصيل الدراسي الواطئ(54).
بكلمات أخرى: إن آثار الاغتراب هنا أكثر سلبية على الذكور مقارنة بالإناث.. أكثر سلبية على غير المتزوجين مقارنة بالمتزوجين.. أكثر سلبية على الشباب مقارنة بالناضجين.. أكثر سلبية على القادمين الجدد مقارنة بمن قضى فترة طويلة في مجتمعه الجديد.. أكثر سلبية على أصحاب التحصيل الواطئ مقارنة بأصحاب المستويات الدراسية الأعلى.
ووفقاً لنتائج تحليل البحث، فأن أفراد الجالية العراقية في السويد من الذين مضت على أقامتهم فترة قصيرة في الغربة والممتدة بين (1ـ 5) سنوات هم أكثر شعوراً بالأغتراب مقارنةً بالأفراد الآخرين الذين مضت على أقامتهم فترة طويلة في الغربه والممتده من (20) سنة فما فوق. ويرتبط بهذه النتيجة أن الأفراد حديثوا العهد بالهجرة من بلدهم الأصلي قد يُعانون من سوء التكيف مع المحيط الجديد، وكذلك من مشاعر القلق وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، لعدم المامهم الكافي بقيم وتقاليد وعادات المجتمع السويدي مقارنة ً بالذين مضت عليهم فترات طويلة في الغربة. يُضاف إلى ذلك أن حديثي العهد في المجتمع السويدي لم يتمكنوا بعد من استيعاب مفردات اللغة الجديدة (ناهيك عن الذين لم يرغبوا في تعلمها)، لاسيما أن اللغة تمثل وسيلة الاتصال الرئيسة في مساعدة المهاجر التكيف/الأندماج بمجتمعه الجديد في سياق علاقات التأثير والتأثر المتبادلة. وهذا الأمر يؤدي بالنتيجة الى عزوف الكثير من أفراد الجالية العراقية- محل الدراسة- الاندماج مع المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه (السويد)، وقد ينتج عن هذه العزلة عجز في إمكانات الفرد وقدراته للوصول الى تحقيق أهدافه وبالتالي فأنها ربما تخلق لديه نوع من التمرد واللامبالاة للقوانين الأجتماعية السائده في بلد المهجر، وهذه المظاهر تجعله أكثر شعوراً بالأغتراب من غيره. ومن المحتمل أن تكون مثل هذه المظاهر هي المسئولة عن عدم شعور الفرد بالأنتماء للمحيط الجديد بحيث ينفصل الفرد عن محيطه وذاته ويشعر بأنه غريب عنهما.
وبالعلاقة لمتغير التحصيل الدراسي، وجدت فروق ذات دلالة أحصائية في الأغتراب لصالح المستوى الدراسي الواطئ (أعدادي فما دون)، أي أن أصحاب هذا المستوى الدراسي هم أشد شعوراً بالأغتراب قياساً بأصحاب المستوى الدراسي العالي (كلية فما فوق) وذلك بالنسبة لأفراد الجالية العراقية في السويد، لأنهم أكثر قدرة على تفهم الأوضاع ومحاولة التعامل السليم مع المجتمع.
كما أن غير المتزوجين هم أشد شعورآً بالأغتراب قياسآً بالمتزوجين بالنسبة لأفراد الجالية. ذلك لأن المتزوجين من أفراد هذه الجالية (العراقيون) قد يكونوا أكثر إشباعآً لحاجاتهم الأساسية قياسآً بالعزاب، ونحن ندرك بأن إشباع حاجات الفرد على الصعيد البايولوجي والنفسي يمهد له طريق الوصول إلى الحاجة الأسمى، وهي تحقيق الذات. وهذه الحاجة تعبر بشكل أو بآخر عن كمال الصحة النفسية للفرد، وتقلل من مشاعر الأغتراب لديه. وتؤكد الدراسات التي تناولت الأغتراب على ضرورة التعامل مع هذا المتغير بأعتباره ظاهرة متفاعلة مع العديد من العوامل النفسية والأجتماعية والسياسية والأقتصادية، وأن إغناء هذه العوامل وإشباعها من شأنه أن يقلل من مشاعر الأغتراب لدى الأفراد. فالحياة الزوجية وما تجلبه للفرد من استقرار عاطفي ونفسي ينعكس بشكل فعال على تقوية الأنتماء الأسري والأجتماعي للفرد، هذا الأنتماء الذي يُشعر الفرد بالطمأنينة والأمان وبأنه جزء من مجموعة أو كيان يجد فيه ذاته وبأنه غير منعزل عن الآخرين، ومثل هذه المشاعر تعمل على تخفيف أو إطفاء مشاعر الأغتراب لدى مثل هؤلاء الأفراد.
حصيلة أخرى للبحث توضح أن حدة الأغتراب تكون متلازمة عكسيآً مع العمر الزمني بالنسبة لأفراد الجالية العراقية في السويد. ويرى كاتب الرسالة في هذا الصدد بأن الأعمار الصغيرة (المراهقين) من الجنسين بالنسبة لأفراد الجالية العراقية في السويد هم أكثر عرضة لتزايد مشاعر الأغتراب مقارنةًً بالفئة العمرية الكبيرة، لأن أطرهم المرجعية والثقافيه لاتزال هشّة- في طور التشكل والتبلور، وهم الأكثر تعرضآً لصدمة صراع القيم والتقاليد قياساً بالمسنيين. وهذا النوع من الصراع بين ما نشئوا عليه وبين ما يرونه في المحيط الثقافي الذي يعيشون فيه بالغربة، يؤدي بالنتيجة إلى تشكل أنماط سلوكية مختلفة، تُعتبر غريبة عن ثقافة وتقاليد وقيم العائلة والمجتمع، وقد تؤدي بالفرد إلى حالة من الشعور بالأغتراب عن الذات والمجتمع. وهنا يُشير صاحب الرسالة كذلك إلى التغيرات والتحولات الفكرية، الثقافية، الأقتصادية، والأجتماعية التي يتعرض لها المهاجرون، خاصة فئة الشباب- المراهقين، وماتنتجه هذه التغيرات من تبني الذات لقيم اللامعيارية والتمرد. وهذه القيم تجعل من الشباب غير آبهين بما تمليه عليهم قيم وعادات وتقاليد الأسرة والمجتمع، وتدفعهم دفعاً للوقوع في شباك الاغتراب، ويسود لديهم الأعتقاد الذي ينطوي على النظرة التحقيرية لعادات وتقاليد وقيم المجتمع، بخاصة لما يرونه في المجتمع الجديد من أساليب تؤهلهم لتكوين مثل هذه النظرة.
والجدير بالملاحظة أن نسق القيم الشخصية وخصائص الأبعاد النفسية للفرد ليست آلية جاهزة يمكنه اللجوء اليها وقتما يشاء، بل تتأتى أساسآً وتتطور مع العمر ونتيجة للخبرات المتراكمة في حياة الفرد وتفاعلها مع أستعداده، وما يطرأ على واقعه من تغيرات. وهنا يمكن ملاحظة أن الأفراد ذوي الفئات العمرية الكبيرة، ونتيجة للخبرات المتراكمة لديهم، ربما يكونون أكثر دراية ونضج في تقبل الحياة الجديدة والموازنة بين قيمها وتقاليدها وما لديهم من قيم وتقاليد المجتمع الأم، لذلك فهم لا يعانون من صراع حاد في القيم، ولهم قدرة أكثر على التكيف مع الحياة الجديدة. من جهة أخرى، فقد تظهر، لدى الشباب المراهقين، وربما كذلك أصحاب التحصيل الواطئ، حالة عكسية في محاولة للتخلص من هذه الغربة، وفي مساحة تتوفر فيها معضلة إشباع الحاجات الغرائزية، غير المتاحة في مجتمعاتهم العربية، وفي مساحة واسعة من الحرية كما في السويد.. وما قد ينتج عنها من إفراغ لهويتهم في سياق الانحرافات المتعددة..
يشكل تعلم اللغة السويدية الخطوة الأولى الأساسية للقادم الجديد نحو التكيف/ الاندماج، تجاوز الاغتراب ودخول سوق العمل. ففي غياب هذه الوسيلة، يبقى المهاجر غريباً، وبعيداً عن اختراق المجتمع السويدي. إن انعدام لغة التفاهم يعني انحسار الأفق الاجتماعية للقادم الجديد وبقائه أسير محيطه المحدود. كما أن فترة تعلم اللغة السويدية وفق النظام التعليمي المتاح للمهاجرين وفي سياق حد أقصى يمتد لمدة سنتين، كافية لتعلم لغة الكلام، بخاصة عند الاحتكاك خلال هذه الفترة بزملاء الدراسة ممن تضمهم مدارس الكومفوكس. ولغة الكلام هذه توفر وسيلة الاتصال والدخول في سوق العمل لأغلبية المهاجرين، ممن يحملون عادة شهادات دراسية أولية أو أنهم بلا معرفة في القراءة والكتابة أصلاً..
لكن الجدير بالملاحظة أن هذا النظام التعليمي للكبار من المهاجرين يخلط، كما يُقال، الحابل بالنابل، لا فرق فيه بين تنوع المستويات التعليمية للمهاجرين، فقد يجد حامل الشهادة الدراسية العليا، وليكن حاصلاً على دكتوراه فلسفة في تخصصه، مثلاً، نفسه جالساً إلى مقعد بجوار مَنْ لم تطأ قدمه المدرسة. ومع أن المسألة ربما لا تثير حساسية اجتماعية، إلا أنها بالتأكيد تكشف عن عدم مراعاة مثل هذا النظام التعليمي للمستويات التعليمية المتفاوتة. ففي حين قد ينجز المهاجر العادي فترة أقل لتعلم لغة الكلام والدخول في سوق العمل، يحتاج أصحاب الشهادات العليا إلى تعلم اللغة العلمية، ولفترة قد تطول مع نوعية متميزة من التدريس، والتي تؤهلهم لممارسة تخصصاتهم، وإلا فالدراسة بهذا الأسلوب يعني تهيئتهم الدخول كغيرهم في سوق العمل لممارسة الأعمال الخدمية البسيطة، ونسيان أو عدم الاعتراف بتخصصاتهم وتجاهل السنوات الطويلة التي قضوها للحصول عليها.
إن هذا النظام العَجَبْ بحاجة إلى إعادة نظر من دولة بلغت فيها مستويات التحضر درجات عالية، ويُفترض أنها تُقدر العلم والعلماء، ولها إمكانات وقدرات عالية في إيجاد الحلول المناسبة من خلال إقامة دورات خاصة تتناسب كل منها مع المستوى التعليمي للقادمين الجدد. فدولة مثل السويد على صغرها وهي تُنافس الدول الكبرى في مجال البحوث العلمية وبراءات الاختراع (ف1/ ق1) لا تعدم الوسيلة في إعادة النظر بالنظام التعليمي القائم في الكومفوس، وبما يؤدي إلى إشباع حاجات كافة المجموعات من المهاجرين، بخاصة المستويات الجامعية بمراحلها المتعددة.
البطالة مرض العصر، بخاصة في الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية التي تواجه دورات متكررة من الأزمات الاقتصادية، وهذه المعضلة في أسبابها وآثارها العامة ونتائجها، ليست محل حديث هنا. إنما ما يمكن الحديث عنه ومعالجة سلبياته، هو سوق العمل في السويد. وقبل هذا، من المعلوم أن البطالة تشكل العامل الأخطر في وجه المهاجرين كسر حاجز الاغتراب والانفصال والبقاء، كما يُقال، "خارج الرهط".. ذلك أن التعليم والعمل صنوان يتم من خلالهما معالجة أغلب إن لم يكن كافة مشاكل المهاجرين في سياق تكيفهم واندماجهم في المجتمع الجديد. من هنا يستحق هذا الأمر إعطاء الأولوية في سوق العمل للقادمين الجدد أو على الأقل فرض الالتزام من جانب أصحاب العمل بالنظرة المساواتية لتشغيلهم والابتعاد عن النظرة التميزية بينهم وبين المواطنيين الاصليين- السويديين.
عدم إنخراط النسبة العليا من هؤلاء المهاجرين في السويد، بل والغرب عموماً في أسواق العمل مردّه إلى عنصرية أرباب العمل الذين يُفضلون أبناء الوطن أو الغربيون أو في الحقيقة إلى حرصهم على اختيار العاملين الأكثر خبرة وكفاءة لغوية ومهنية (ف3/ق2). كما وتلعب سمعة الجالية العربية كذلك دوراً في هذا التمييز، بخاصة ما يُشاع عنهم من الكسل والتغيب عن العمل لمختلف التبريرات التي تستمر معهم لغاية الحصول على التقاعد المبكر. كما أنّ أرباب العمل يفضلون منح الوظائف لغربيين ومواطنين يفهمون القوانين السائدة في الغرب.. وعندما يتمعن الباحث في شئون هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين، يجد أنّ هناك خللاً كبيراً في ستراتيجية إعادة دمجهم في الواقع الغربي في مختلف المجالات. إن إبقاء الوضع على ما هو عليه دون إعادة النظر في هذه الستراتيجية جعل الكثير من المهاجرين يعتقدون أنّ السلطات الغربيّة لا تفكر مطلقا في طبقة المهاجرين بقدر ما تفكر في ذريتهم. يقول وزير الاندماج والمساواة بين الجنسين السويدي نيامكو سابوني السابق الذكر: "عدد غير مقبول من المهاجرين، مستبعدون في مجتمعنا. البطالة والدخل المنخفض والاعتماد على الرعاية الاجتماعية، كلها تؤدي الى العزلة. العمالة هي جزء مهم من الاندماج." ورغم أن الحكومة بدأت بتنفيذ خطة لدمج اللاجئين في المجتمع، إلا أنها تبدو بعيدة عن تحقيق هذا الهدف حتى الآن. وبانتظار ذلك، يقضي عدد كبير من سكانها وقتهم بـ "الاندماج" مع بعضهم البعض. لكن هذا الاندماج الداخلي، يؤدي في أحيان كثيرة إلى نتائج سلبية وغالباً ما يترجم الاختلاف الثقافي بينهم إلى مشاكل وحتى إلى جرائم.
يلبو، يعيش وافدون يحملون جنسيات عربية- شرقية مختلفة. وهنا، في هذه "الدولة المستقلة"، العزلة ليست المشكلة الوحيدة. فنسبة الجريمة المرتفعة نسبيا تشكل عازلاً إضافياً لهذه المجموعات. فيليبي استرادا، من وحدة مكافحة الجرائم التابعة للحكومة السويدية، يوضح أن نسبة الجرائم مرتفعة بين اللاجئين، وأن بعض الجرائم تحصل بسبب اختلاف الثقافات، مثل جرائم الشرف بين اللاجئين القادمين من مجتمعات قبلية. ويعتبر استرادا، الذي وصل هو نفسه إلى السويد كلاجئ من تشيلي، أن "العيش بين مجموعات مماثلة من اللاجئين لا يساعد على الاندماج في المجتمع، وأن البقاء مع أشخاص عاطلين عن العمل يشجع على البطالة"، مشيراً إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى مشاكل كثيرة. ويقول: "إن اندماج اللاجئين في السويد لم يكن ناجحاً. فالشعب السويدي لا يتقبلهم والتمييز يلعب دورا أساسيا في عدم اندماجهم بالمجتمع". ويؤكد استرادا أن السلطات تشجع اللاجئين على السكن في أماكن لا تضم الكثير من اللاجئين مثلهم، لكن التجاوب مع هذا الطلب ليس كبيراً(55).
في بعض المدن السويدية الكبرى مثل استوكهولم ويتيبوري ومالمو،التي يبلغ فيها وجود المهاجرين نسبة عالية من السكان قد تصل أحيانا الى 30 ـ 40%، تصبح مشكلة الاندماج الاجتماعي أشد حدة وأكثر تعقيداً وذلك لميل المهاجرين لأقامة تجمعاتهم السكنية ومؤسساتهم التجارية والثقافية الخاصة في مناطق تكاد تقتصر عليهم فقط، إذ يندر جداً الوجود السويدي في أحياء مثل رنكبي Rinkby في استوكهولم وRosengard في مالمو(56).
وكما سبق الذكر، السويديون ينفرون من هذه المناطق، ولا يعني هذا التعصب او العنصرية ضد الأجانب، فالشعب السويدي، والحق يقال، شعب مسالم بعيد عن التعصب والعنصرية، بعامة. كما ولا يعني النفور من الأجانب عموماً، بل النفور من المناطق أو التجمعات التي تحتوي على وجود كامل للأجانب، حيث تكثر الحوادث والمشاجرات والمعارك الشخصية، وأحياناً بين العصابات. وهذه المشاكل والمشاجرات تحصل بسبب انتشار البطالة في صفوف اللاجئين. يعلق البعض على إرسال المهاجرين إلى مثل هذه المناطق المنعزلة بالقول: "إنها بالتعريف منطقة ذات بطالة عالية... كان هناك هذا الشعور من أن السويدي أفضل من الأجنبي(57)!"
وأخيراً، فالمعضلة التي لا تقل تأثيراً في مواجهة التكيف/ الاندماج ترتبط بالوافدين أنفسهم وبمسلكياتهم وتصرفاتهم، وبما نقلوه وللأسف من أسوأ عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم وثقافتهم، وبردود أفعالهم الغير مسئولة والغير محسوبة العواقب، متمثلة في الصورة والمظهر الذي ظهر، ويظهر به الوافدون العرب، في دولة المهجر الآمنة- المملكة السويدية: تفضيل الكسل والتهرب من الدراسة والرغبة في استمرار البطالة والمعونة والعمل في السوق السوداء في سياق الأكاذيب ومختلف أشكال التحايل لغاية جرائم المخدرات.. ومع أن هذه السلبيات لا يمكن تعميمها على كافة اللاجئين من الجالية العربية، لكن أخبارها تنتشر في المجتمع السويدي.. وكما في المقولة الاقتصادية: العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.. كذلك تبقى المقولة الاجتماعية التالية صحيحة، وهي أن القلّة الرديئة يمكن أن تشوه سمعة الكثرة الطيبة!



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ ف ...
- البيانات تكشف أن الفلسطينيين يملكون حالياً 8% فقط من أرض فلس ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف7
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف6
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف5
- مستقبل العراق- ف4- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة
- حالة الأطفال في العراق -أزمة مهملة-
- مستقبل العراق- ف3
- مستقبل العراق- ف2
- مستقبل العراق- ف1
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني- الخات ...


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب
- هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟ / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبدالوهاب حميد رشيد - الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الخامس