أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبدالوهاب حميد رشيد - الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الثالث















المزيد.....



الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الثالث


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 12:19
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


عبدالوهاب حميد رشيد (و) محمد رحال
الفصل الثالث- النجاحات والإخفاقات: العمل والبطالة
يصعب الحديث عن نجاحات وإخفاقات الجالية العربية في السويد قبل الإشارة بإيجاز للتفاوت البيئي الحضاري الذي يفصل بين هذه الجالية وبين المجتمع السويدي/ الغربي عموماً، والذي سيجد تفصيله في الفصلين التاليين.. يكفي القول هنا أن الحياة السويدية تختلف اختلافاً جذرياً عن مثيلتها في البلدان العربية/ المشرقية، وهذا الاختلاف الشديد يضع المهاجر العربي أمام امتحان شاق جداً من أجل التأقلم مع هذه الحياة، وفي ظل ثقافة حضارية- مجتمعية- شخصية وعائلية- تتباين بشدة مع الثقافة الحضارية السويدية.
الجالية العربية الذي يحمل في داخله جملة قيم وعادات وتقاليد في سياق مجتمع ذكوري وتحت مظلّة عقائدية، مذهبية، طائفية، وعشائرية، علاوة على كم ضخم من الرواسب الدكتاتورية، وفي ظروف التمزق والتنافر في المجتمعات العربية عموماً، تواجه مجتمعاً تجاوز هذه القيم والتقاليد، قائم على النظرة المساواتية والحرية الفردية وقيم وعادات مجتمعية حضارية متطورة، تقوم على الاحترام المتبادل والتكافؤ والتعامل السلمي، رغم أن العلاقات الجنسية (الحرية الجنسية) تُعبر عن واحدة من المعضلات الصعبة التي تُثير وتدفع المهاجرين من البلاد العربية للإحساس والتفكير بأنهم أمام فجوة تشكل برزخاً ضخماً بينهم وبين المجتمع السويدي، مع ملاحظة تعامل الكثيرين من الجالية العربية (والإسلامية) مع هذه المعضلة في إطارالازدواجية التي تُبجل الفاعل وتحتقر المفعول به، كما سيتبين عند التعرض لتحليل هذه المعضلة تفصيلاً عند مناقشة معضلة الجالية في مجال التكيف/ الاندماج (ف5/ ق2).
بالإضافة إلى الاختلافات البيئية، فقد ساهمت عوامل عدة في انتشار البطالة بين فئة المهاجرين العرب إلى السويد، تتراوح بين أسباب اقتصادية، وأسباب يشوبها سوء التخطيط وفشل السياسات المرسومة والتدابير المطبقة لمكافحة البطالة، علاوة على تلك التي تخص تخص العاطلين أنفسهم من عناصر الجالية.
إن الأزمة الاقتصادية العالمية المستمرة التي بدأت منذ العام 1973 إثر حرب البترول العالمية والتي كان من أهم أهدافها إغراق الدول الأوربية في نزيف اقتصادي يخدم الولايات المتحدة التي سيطرت على صناعة النفط بعد فك الاتباط بين الدولار الأمريكي والأرصدة الذهبية، لتجعل الدولار الأمريكي عملة ورقية دون رابط ذهبي، أدت إلى استفادة الولايات المتحدة من زيادة إصدار عملتها الورقية في مجال تجارتها العالمية، رغم تسجيلها ديوناً محلية وعالمية أرهقت ميزانيتها العامة ولتقترب من حافة الأزمة ومعها الاقتصاد العالمي في ظل العولمة المتأزمة. كما أن حرب الخليج الأولى والثانية ساهمت كذلك في فقدان الدول الأوروبية، ومنها السويد للعديد من ميزاتها وأسواقها الاقتصادية. وأخيراً، وليس آخراً، فقد قادت الأزمة الاقتصادية الأخيرة- إنهيار سوق العقارات الأمريكية- إلى استكمال فصول هذه الأزمة التي تحولت في العديد من الدول الصناعية، تتقدمها الولايات المتحدة ذاتها، إلى أزمة خانقة أُغلقت فيها معامل ومصارف عديدة بعد إعلان إفلاسها، وتحول ملايين العاملين إلى عاطلين، من هنا ضاقت فرص العمل أمام القادمين الجدد إليها. وهكذا حينما توقف الازدهار الاقتصادي في الغرب خلال السبعينات من القرن الماضي، بدأت تطرح القيود على هجرة اليد العاملة المهاجرة. لكن هناك باباً واحداً ظلّ مفتوحاً، يتمثل في اللجوء السياسي. وهذا ما دفع الكثير من البولنديين اليهود بالهرب من الأجواء المعادية للسامية، بينما هرب الكثير من اليونانيين من ديكتاتورية "الكولونيلات" خلال الستينات، ومنذ ذلك الوقت بدأت سياسة الهجرة السويدية تشكل "نمطا أشبه بالدائرة للأزمات السياسية"، وفقاً لـ تورستين بيرسون. وذلك ابتداءً من التشيليين القريبين من أليندي خلال السبعينات إلى القوميين الأكراد خلال الثمانينات، ولغاية الصوماليين والبوسنيين خلال التسعينات. ومنذ ذلك الوقت بدأت المرحلة "المفاجئة" والسريعة لظهور السويد المتعددة الإثنيات. وحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مُنحتْ نصف تصاريح الإقامة لغرض توحيد العائلات، وهذا يشكل حوالي 400 ألف شخص لأولئك الذين ينتمون إلى بلدان مرت بكوارث سياسية. والكثير من هذه المناطق تقع في العالم الإسلامي. لذلك أصبحت السويد الآن تضم ما بين 200 ألف إلى 400 ألف مسلم وهي أعلى نسبة (بالعلاقة مع السكان الأصليين) مقارنة بالبلدان الأوربية ذات الكثافة الإسلامية العالية. عموماً، تُعاني السويد من القرارات السيئة والتوقيت السيئ. ففي العام 1985 حولت مسئولية دمج المهاجرين من بيروقراطيتها المسئولة عن العمل إلى نظام الضمان الاجتماعي. ثم ما بين عامي 1990 و1994 ونتيجة ضغط قطاع الدولة الواسع من جهة، والمنافسة الدولية المتزايدة على صناعاتها من جهة أخرى، فقد مرّتْ السويد بأسوأ انهيار اقتصادي لم يعرفه أي اقتصاد غربي لعقود. إذ تقلص الدخل القومي الإجمالي بنسبة 65%، بينما بلغت نسبة البطالة 12%. وهذه هي الفترة التي وصلت معها طلبات اللجوء ذروتها (1992) حيث بلغت 84 ألف طلب في السنة الواحدة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه تسعة ملايين نسمة. وتم قبول أكثرية الطلبات، وكان هذا قبل الموافقة على قانون توحيد العائلات. "وتضيف السويد لسكانها نسبة 1% في السنة عن طريق تبينها أكثر الأفراد بؤساً على وجه الأرض(20)".ويلاحظ أن هذه النسبة قد قاربت 0.7% خلال الفترة 1988-1998 (الجدول رقم 13).
وحاولت السويد أن تربط المهاجرين بالوظائف والجاليات حسب الخطوط التي يقترحها يوهانسون، لكن خططا كهذه تعاني من الإحباط بسبب الفيض الهائل من اللاجئين. والبلد يعاني الآن أزمة إسكان القادمين الجدد، بينما كانت السويد تتميز بوفرة كبيرة في المساكن. وسبق للسويد أن واجهت أزمة سكن في الستينات من القرن الماضي لكنها عالجتها عِبر مشروع سمي بـ "برنامج المليون" سكن، رغم أن السويديين يُفضلون مساكن خاصة حالما يصبحون قادرين على شراء البيوت. وحينما بدأ المهاجرون يصلون إلى السويد كانت هناك أمكنة لإسكانهم فيها. وأشار أسار ليندبيك رئيس الاقتصاديين المتخصصين في نظام الضمان الاجتماعي السويدي إلى أن هؤلاء بعثوا إلى مناطق فيها شقق فارغة والتي هي "بالتعريف منطقة ذات بطالة عالية(21)."
إن الإحباط الذي واجهه العديد ممن حصلوا على اللجوء إثر مواجهة الواقع المعاشي في هذه البلاد والذي يتعارض مع أحلامهم الوردية عن أرض الفردوس- السويد، ناجم بطبيعة الحال عن الفارق الهائل بين الواقع والخيال. وهذا الفارق يعبر عن نتيجة طبيعية انعكست على المهاجر ليجد أن السويد- الفردوس المفقود- أرض واسعة أغلقت في وجهه فرصة العمل لتحقيق أحلامه في بناء مستقبله، ولينتهي بعضهم إلى العيادات النفسية. كما أن قوانين الملاحقة التي تطالهم بإجبارهم البحث عن العمل وشعورهم بالاضطهاد زادهم يأساً وقنوطاً.
يُضاف إلى ذلك، أن سوء التخطيط الإداري في غياب خطط منطقية في السنوات الأخيرة، مدروسة دراسة وافية، مع فتح أبواب قبول طلبات اللجوء إلى السويد بدخول قرابة نصف مليون لاجيء إليها خلال أقل من عشرة أعوام (الجدول رقم13)، فرض حالة من الفوضى لدى أجهزة الدولة في ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية التي واجهتها ولا زالت آثارها مستمرة بالعلاقة مع ارتفاع عدد العاطلين. وحسب كريستوفر كالدويل، نيويورك تايمز، "تعاني السويد من القرارات السيئة والتوقيت السيئ... (22)"
وهذه الفوضى مع انعدام الرصيد المالي المناسب من أجل تأهيل الوافدين الجدد بشكل كاف، ساهم في فرض حالة من البطالة الواضحة، بخاصة، بالعلاقة مع سياسة الدولة القائمة على إخفاء ظاهرة البطالة وتحويلها إلى بطالة مستترة عبر استحداث دورات تعليمية لم تصل إلى مستوى النجاح في تأهيل الوافدين الجدد، بل وتدفع الدارسين، في الغالب، إلى الشعور بالملل من هذه البرامج التي اعتمدت على شراء دورات تدريبية غير متخصصة لتعليم الأجانب، كما أنها لم تتعامل بشكل حرفي ومهني، وبما يُساعد على جذب اهتمام الوافدين الجدد للإقبال عليها وهضمها، علاوة على أن المستويات المتدنية في تعليم اللغة السويدية، شكلت عاملاً بيّناً في نفور الوافدين من دروس تعلم اللغة السويدية التي تتطلب أساليب وجهود علمية غير تجارية بغية إيصال جمالية اللغة السويدية إلى الدارسين، كما أن انغلاق المجتمع السويدي في الكثير من الحالات شكّل عاملاً فاعلاً في ضعف استقبال اللغة السويدية الجميلة. ذلك أن تعلم اللغة، بعامة، تحتاج إلى المحادثة مع مواطنيها (السويديين)، وفي ظروف انغلاق المجتمع السويدي، وصعوبة الاختلاط، يبقى الدارس، رغم توفر العديد من الطلاب (الطالبات) السويدين، بعيداً عن فرصته في تطبيق هذه الممارسة (المحادثة) الضرورية والأساسية لفهم المهاجر وتعلمه اللغة السويدية السليمة.
ارتفاع عدد المهاجرين مع ضيق فرص العمل، يعني تصاعد أعداد العاطلين بين الجالية، وأيضاَ تصاعد مشاكلهم الحياتية من عائلية وصحية ومجتمية.. ولقد ساهم الإعلام المضلل، وسوق التهريب والإتجار بالبشر في إطلاق إشاعات في بلدان العالم المتخلف عن أن الدول الاسكندينافية هي الأرض الموعودة، وهذه الإشاعات أمتلأت بها، في صورة إعلانات، مكاتب تجارة تهريب الناس إلى الغرب. وفي البلدان المتخلفة سرعان ماتنمو الإشاعات. ساعد في انتشار تلك الشائعات أن السويد بلد صناعي متطور جداً، إلا أن هذا التطور والذي بُني بالجهود والسواعد السويدية، طعام غير قابل للهضم من قبل مجموعات حالمة. ذلك أن السويد بلد يحترم السواعد التي تعمل، والعقول التي تُفكر. ولقد أساءت تلك الإشاعات لهؤلاء المخدوعين، بخاصة ممن حلموا بالنوم الهادئ في ظل الكسل والمعونة الاجتماعية، عليه استمروا عاطلين، وليستمر تدفق شلال أصحاب الطموح ومعه زيادة أشكال الفواجع من فئات واسعة فاشلة في مهجرها الجديد. ولعلّ أكثر أنواع الفشل الصارخ هنا تجسّد في الدخول إلى عالم الضياع- عالم المخدرات بأنواعها وأشكالها المختلفة..
من جهة أخرى، أن وصول أعداد كبيرة من المهاجرين حملة الشهادات العالية، رغم القلة النسبية لعددهم إلى مجموع الجالية، والذين لم يستطيعوا في غالبيتهم الولوج إلى السوق السويدي وفق اختصاصاتهم، عوامل قادتهم إلى الابتعاد عن واقع الحياة الاجتماعية في ظروف عدم حصولهم على دورات تأهيلية خاصة بما يناسب اختصاصاتهم وسوق العمل السويدي، بل حتى أصحاب المهن الحرفية بحاجة إلى مثل هذه الدورات التأهيلية. ذلك أن مَن كان يعمل نجاراً أو مزارعاً أو بناءً أو كناساً (الكناس مهنة محترمة جداً في السويد لا تقل عن أية مهنة أخرى، وتتطلب التدريب والتأهيل) في الدول العربية لايصلح أبداً أن يمارس نفس مهنته في السويد في غياب التطوير والتأهيل، حيث دخلت الآلة والمكننة وبشكل واسع في سوق العمل المهني في السويد، وشمل التخصص جزئيات العمل الحرفي في البلاد. إن مهنة القصابة مثلاً تحتاج في السويد إلى دراسة في معهد خاص للقصابة، يتعلم فيها الطالب أنواع الحيوانات، ومنشئوها، التشريح الكامل للذبائح قطعة قطعة وكأنه طبيب جراح، وتصنيف تلك القطع. وعلى الدارس لهذه المهنة أن يعتاد ويفهم بشكل حرفي كيفية اجتزاء هذه القطع المتنوعة وتباين أسعارها.. هذا في الوقت الذي مازالت فيه القصابة في عموم البلدان العربية يتولاها أصحاب محلات تعلموا بالوراثة أو بالتمرين على يد قصاب ( معلم) يبيعون اللحوم باختلاف أجزائها بنفس السعر، وهذا المثال ينطبق على المهن الاخرى.
وهناك فئأت من العاطلين عن العمل تفوق أعمارهم الأربعين عاماً، أي أنها أعمار يصعب معها التأهيل والتطوير، بل ويصعب جداً دخولهم سوق العمل إلا في حدود ضيقة وأعمال بسيطة. وهناك فئة لا بأس بعددها انضمت إلى قوافل العاطلين عن العمل، ممن لايفيد معهم التطوير أو التعليم، ولا همّ لهم سوى النوم المريح بعد وصولهم إلى السويد. شكّل هؤلاء مادة حية للتندر لدى جانب من وسائل الإعلام وبعض الأحزاب السويدية، وصارت هذه الفئة مضرب مثل في انهيار قيم العمل لديها، وشموله للجالية العربية برمتها.
شكّل الأجانب فئة جديدة في المجتمع السويدي، وقادت مشكلة ضعف اللغة والتنافر بين الثقافتين إلى التقوقع في أماكن محددة في السويد، ما لبثت أن تمددت هذه الأماكن لتتحول إلى مناطق واسعة وكاملة يعيش فيها اللاجئون الجدد، وصار التندر عن فقدان العنصر السويدي من أحياء كاملة في السويد أمراً عادياً، وأصبحت هذه الأحياء أقرب ما تكون لـ "الغيتو" منه إلى الأحياء السكنية السويدية. ومع هذا العزل والامتداد المكاني، فقد باتت قدرة الكومونات على دفع عجلة التكيف/ الاندماج الاجتماعي عديمة الجدوى، وأُطلقت على تلك الأماكن أسماء بعض الدول أو العواصم تندراً: اسطنبول، بغداد، اريتريا، الصومال، والضفة الغربية.. وهذا العزل ساهم وإلى حد كبير في سيادة لغة وثقافة الساكنين في تلك المناطق وعلى حساب اللغة والثقافة السويدية، ومع سيادة واستخدام الثقافة العربية وغيرها في غياب اللغة السويدية، فالنتيجة الطبيعية هي المزيد من العزلة والبطالة وصعوبة الدخول إلى سوق العمل السويدي.
لم تفلح الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة من اشتراكيين ومحافظين في كبح جماح الزيادة المتصاعدة في أرقام البطالة، ويعود ذلك إلى الفقر المدقع بالمعلومات عن أسبابها، وفقر الدراسات الحكومية للتعمق في حل مشاكل الجاليات الجديدة الوافدة إلى السويد. فقد فشلت الخطط التعليمية في تعليم ورفع المستوى اللغوي للوافدين، ولم توضع خططاً بديلة تُراعي اختلاف المستويات التعليمية للمهاجرين، بل ساوت مدارس تعليم اللغة السويدية بين المراهقين وبين كبار السن.. بين حملة الشهادات العليا وبين من لا يعرف القراءة والكتابة.. ولهذا فقد كانت النتيجة فشلاً غير معترف به من الحكومات التي عاملت الجميع بالمثل. وكان على إدارات تلك المدارس أن تميز وتبتكر طرقاً تعليمية تتناسب وتباين المستويات التعليمية. ذلك أن تعليم الفئة المثقفة أو أصحاب الشهادات العليا، تختلف عن تلك الفئات ممن لم يدخلوا المدرسة أصلاً. يُضاف إلى ذلك فقر تلك المدارس من الاختصاصيين. كما ويلاحظ أيضاً غياب مدرسي اللغة السويدية من الجالية العربية ممن اتقنوا هذه اللغة في تلك المدارس التعليمية. علاوة على أن برامج التعليم نفسها لم تصل إلى مراحل متطورة من قبل متخصصين، إذ ساهم هذا النقص، بشكل ما، في تبذير الأموال بلا طائل. والغريب أن مدارس محو الامية اعتمدت مناهج تعليمية تقليدية عمرها عشرات السنين، وهي مدارس خاصة لايهمها سوى الكسب المادي .
كما وأن عزل وانعزال الجاليات الجديدة في أحياء منفصلة خلق سبباً آخر لاستمرارها بعيداً عن سوق العمل والتكيف مع المجتمع السويدي، وبدت سياسة التكيف/ الاندماج وكأن هدفها هو الدمج الكُلي بدلاً من الثقافي والقائم على احترام خصوصية الآخر، في حين لم تصل مدارس تعليم الكبار إلى مرحلة تخريج دفعات مؤهلة حرفياً.
لقد ساهمت سياسة التقشف التي مارستها الحكومات المتعاقبة في إغلاق العديد من مدارس التاهيل المهني، كما ولم يتم فتح معاهد مؤقتة في المدن الكبرى من أجل استغلال التطور العلمي والمهني في السويد وإيصاله إلى المهاجرين- السويديون الجدد، كما أن صعوبة افتتاح معاهد جديدة وجامعة تختص بتطوير وتأهيل هذه الفئات الجديدة وفق أسس حديثة زاد من إمكانات فشل الخطط التنموية للمهاجرين.
وهذا الفشل عزز كثيراً إشاعات مفادها أن الحكومات السويدية نفسها غير جادة في تحسين وتطوير مستويات القادمين الجدد. فلا يُعقل أبداً أن تتطور الحياة الاجتماعية والثقافية في السويد لتنافس الأمم الأخرى، ولا تُشاهد العجز الكبير في وضع الخطط المناسبة بقصد رفع مستوى الجاليات الجديدة القادمة. إن افتتاح عشر معاهد متخصصة، مثلاً، وعلى مستوى المدن الكبيرة لن يكون له تأثير كبير في زيادة الإنفاق العام، مقابل منافعه المتوقعة، على أن يُراعى في تلك المعاهد إدخال اللغة العربية إلى جانب اللغة السويدية لأن اللغة العربية هي من أكثر اللغات استخداما بعد اللغة السويدية في السويد، بينما تعتبر لغة عالمية معترف بها في الأمم المتحدة.
هناك عشرات المهن التي لم يدخلها العنصر العربي في السويد ومنها القطاع الزراعي، علما بأن اليد العاملة العربية تتسم بأنها نشطة في مجال الزراعة، رغم حاجتها إلى العون الاقتصادي والمعرفي. كما أن إنشاء قرى زراعية جديدة بهدف تنمية القدرات الزراعية وتطويرها، قد تساهم كثيراً في تشغيل عشرات آلاف الأيدي العاملة. كذلك الأمر في قطاعات الأخشاب والورق وتربية الأسماك وصيدها والدواجن والأبقار والمناجم..
شهدت الجالية العربية نجاحات نسبية عديدة في إطار التعايش الاجتماعي وخاصة على المستوى المهني في السويد بصعود عدد من رجال الأعمال في مجال النشاط الاقتصادي والتجارة، كما في حالة رجل الأعمال المصري رفعت السيد الذي نال أوسمة عديدة وألقاباً فخرية سويدية، "مواطن من الدرجة الاولى". هذا قبل الحكم عليه بالخروج على القوانين السويدية ودخوله السجن. كما وبرزت فئة متعلمة من أصحاب الشهادات العليا في مجالات الطب، الهندسة، والتعليم، إذ استوعبت السويد أعداداً بيّنة من هؤلاء أصحاب الخبرة والكفاءات. وسجلت مدارس عديدة تواجداً ملحوظاً للمعلمين العرب، بينما استقبلت المستشفيات والمستوصفات السويدية أعداداً من الأطباء والخبرات الصحية العربية. ولقد نال طلاب المدارس من أصول عربية وإسلامية مديح وزارات عديدة باعتبارهم الأقل تعاطياً للتدخين والكحول والمخدرات، وتشهد مستشفيات الدولة ندرة الأمراض السارية بين صفوفهم، كما وتسجل أقل نسب الانتحار بين الجالية العربية والمسلمة، وكذلك الحال بالنسبة للجرائم والسرقات على مستوى السويد.
وهناك عدد لا بأس به من المستثمرين العرب، وأصحاب الشركات والمحلات. وفي المجال المهني، فقد انتشر أعداد من الجالية في العديد من المهن الخدمية: النقل، البقالة، السوبر ماركت، ومطاعم البيتزا. ومن المهن التي برع فيها العرب والمسلمون مهنة بائع متجوّل وبشكل كبير وملفت للنظر إلى درجة أنّ العديد من الباعة المتجولّين من العرب والمسلمين أصبحوا علامات مميزّة في الساحات العموميّة السويديّة. وقد تخصصّ هؤلاء، ومنهم المتعلم والأميّ، في بيع الزهور والورود، الخضروات والفواكه، الثيّاب المستوردة، ومحفظات النقود المستوردة من العالم العربي والإسلامي. وهناك من يبيع شطائر النقانق- المعروفة في السويد بـ: الكورف– للمارة والمشاة، من خلال ملكيتهم عربة صغيرة يتوفّر فيها طبّاخ صغير وعدّة بسيطة للعمل. والظاهرة الملفتة للنظر هي ازدهار مطاعم الفلافل الصغيرة بين أبناء الجالية(23).
ورغم حرية ممارسة السياسة بتأسيس أحزاب جديدة أو الانتماء إلى أحزاب قائمة في سياق المساواة في حقوق وواجبات المواطنة في السويد، ورغم غياب تأسيس الأحزاب من قبل الجالية العربية، فهناك مشاركة ضئيلة في مساهمتهم بالأحزاب القائمة، كمثل حال االمقيمين الأجانب عموماً، ومن ثم فإن دورهم غائب في دوائر القرار السياسي والمؤسسات الحاكمة المهندسة والمنفذة للقرارات المجتمعية. من هنا تشهد الأحزاب السويدية إقبالاً متواضعاً من قبل المهاجرين العرب وغيرهم من الأجانب في الإنضمام إليها، رغم انتماء أعداد قليلة للأحزاب السويدية بخاصة الحزب الاشتراكي الديموقراطي- صاحب الأغلبية في البرلمان- وحزب اليسار وحزب المحافظين. عليه، يضم البرلمان السويدي عموماً أعداداً ضئيلة من الأجيال التالية للمهاجرين، رغم أن هناك بعض الأسماء العربية التي نجحت في دخول البرلمان السويدي عن طريق أحزابها.. وهنا يُشار إلى النائبة المصرية ماجدة أيّوب التي وصلت إلى السويد سنة 1970 وبعد ثلاثين عاماً من استقرارها في بلد المهجر أصبحت عضوة في البرلمان السويدي من خلال ترشيح حزبها- الحزب الديموقراطي المسيحي، والذي يُصنّف في المرتبة الرابعة تقريبا من بين الأحزاب السويدية التي لها حضور دائم في البرلمان السويدي(24). ولقد استمر هذا الحزب في نفس المرتبة بعد انتخابات العام 2010 (جدول رقم2).
ومن أسباب ضآلة دور الجالية العربية في الساحة السياسية، علاوة على التناقر والانقسامات، أنّ نسبة قليلة من الجالية تنتمي إلى فئة المثقفين وحملة الشهادات العليا، مقابل أغلبية طاغية بدون مستوى تعليمي أو أنهم حاصلون على مراحل تعليمية أولية هاجروا إلى السويد لأسباب اقتصادية- سياسية، ولعلّ هذا ما جعل الحركة السياسية العربية في السويد ودول الشمال الأوربي بطيئة للغاية. كما أنّ إنتشار البطالة بين العرب والمسلمين أثّر سلباً على حركتهم الاجتماعية بعد أن وجد عشرات الآلاف أنفسهم ضمن قوافل العاطّلين في ظروف معاناة البلاد من أزمة البطالة. وقد شارك في هذه الظاهرة المتعلمون حملة الشهادات العليّا مع غيرهم من الذين لم تطأ أقدامهم المدرسة في بلادهم. ولعلّ محنة حملة الشهادات العليا من العرب والمسلمين أشدّ من محنة غير المتعلمّين باعتبار أنّ الفئة الثانيّة تقبل أيّ عمل يُعرض عليها من قبيل التنظيفات وغسل الأواني وغير ذلك من الأعمال التي قد لا ينسجم معها حملة الشهادات العليّا(25).
وفي مقابل ضعف الحركة السياسية للجالية العربية، سواء بالنسبة لتدني انخراطهم في الأحزاب السياسية السويدية أو والأهم قصورهم في تأسيس أحزاب سياسية، بخاصة إنشاء منظمة جامعة شاملة تدفعهم إلى الاتحاد والتوحد مع أذرع إعلامية مكتوبة (صحف ومجلات) ومسموعة (محطة/ محطات إذاعة وتلفزيون) تجعلهم قادرين على تأكيد وجودهم سياسياً (في البرلمان المركزي السويدي والهيئات التشريعية والتنفيذية في المحافظات/ الكومونات التي يتركزون فيها)، فقد نجحوا في تأسيس مدارس عربية إسلامية صارت منتشرة، بخاصة في المحافظات المتواجدين فيها: استوكهلم، مالموا، أُوبسالا، غوتنبورغ، وغيرها، مع حصولها على معونات مالية سنوية من الحكومة وبملايين الكرونات السويدية، علاوة على إنشاء العديد من الجمعيات التي تدير دور العبادة "الإسلامية" في الكثير من المحافظات، وتحصل كذلك على المساعدات المالية السنوية من الحكومة السويدية، رغم أن هذه الجمعيات التعليمية والدينية، تُعاني، كما في بلدانها الأصلية، من نفس الأمراض الطائفية- المذهبية القائمة على التفرقة والتنبابذ بدلاً من أن تكون مؤسسات تعليمية/ عقائدية جامعة، علاوة على الاحتكار الفئوي لإداراتها.
وفي ظروف البطالة المنتشرة بين الجالية العربية وفي البلاد عموماً، علاوة على أسباب مادية، ومحاولة الحصول على المزيد من الدخل حتى في ظروف خرق القوانين السويدية، فقد انتشر العمل الأسود بين الجاليات المهاجرة، بعامة، والعربية، بخاصة.
لم يخطر ببال سمير محمد الجباري، مهندس (35 عام)، وهو يفكر بالهجرة إلى السويد من العراق، إنه سيُضطر أن يعمل في مطعم للبـيتزا، لمدة 12 ساعة من العمل الشاق المتواصل يوميا، مقابل 100 كرونة سويدية في اليوم الواحد، وبحدود 10 دولارات أمريكية(26).
يقول: "بالطبع العمل ليس عيباً، وأنا على رغم أنني مهندس لا أستنكف غسل الصحون وتنظيف التواليتات، وتحضير مواد البيتزا، لكن ما يؤلمني حقا، هو قبول أستغلال رب العمل لي بفضاعة، أشبه ما تكون لـ العبودية في بلاد الحرية!!" ويضيف: "وصلت السويد قبل ثلاث سنوات، ولم أتمكن من الحصول على أقامة في هذا البلد، الأمر الذي حرّمني من العمل بطريقة رسمية، ورغم أنني أتقاضى من دائرة الهجرة مساعدات مالية بسيطة، إلا أنها بالتاكيد ليست كافية، خاصة وقد أنفقت كل ماكنت أملكه للوصول إلى هذا البلد، وأعطيته إلى عصابات التهريب، لذلك لم يكن هناك خيار آخر أمامي غير " العمل الأسود" في مطعم للبيتزا، عند رب عمل شرقي". أغلب أصحاب مطاعم البيتزا هم من المهاجرين الشرقيين. يتحدث الجباري بمرارة عن الإهانات التي يسكت عنها من صاحب العمل، الذي يدفع له مبلغا يقل كثيراً عما يُفترض أن يدفعه له كأجر، بحسب القوانين السويدية، لو تعاقد معه للعمل رسمياً. قصة الجباري، هي مثال لمئات بل آلاف المهاجرين ممن يضطرون للعمل الأسود خصوصا في قطاعات الخدمات والمطاعم والفنادق، تهربا من دفع الضرائب، وتوفير مبالغ بدون علم الجهات الرسمية وأستغلال المساعدات الأجتماعية وضمان عدم قطعها، إضافة إلى أسباب كثيرة أخرى(27).
وفق إحصاءات مصلحة الضرائب السويدية في تقريرها الذي أصدرته شهر نيسان (إبريل) العام 2009، فالشباب أكثر تحمساً لأخفاء قسم من دخولهم عن المصلحة، وأن الرجال أكثر في ذلك من النساء. كن بيتر رودين- مسؤول مشروع " الحملة من أجل العمل الأبيض" الذي تموله مصلحة الضرائب السويدية- ذكر لصحيفة "أخبار اليوم" السويدية الواسعة الأنتشار، بأن "الفرد يخدع نفسه عندما يعتقد أنه يربح أكثر من خلال العمل الأسود". ويضيف: " فمثلا إن حدثت مشكلة بين رب العمل والعامل، فالأخير لاحق له للدفاع عن نفسه وحقوقه. كذلك فإن فترة عمله لا تُحسب له كخدمة، ولن يحصل على شهادة لأستخدامها في أعمال أخرى، ولن يتمكن من الحصول على إجازات صيفية ولا مرضية، إضافة إلى أنه لن يحصل على الأجر المضاعف في حال أدائه عملا مضافاً، ومن الوارد جداً أن يتم طرده من العمل في أية لحظة. وأستنادا إلى أرقام دائرة سوق العمل فإن 17 % من الشباب بين سن العشرين والرابعة والعشرين يُعانون من البطالة، ولايملكون شهادة الثانوية(28)!
ويسعى المسئولون في دائرة سوق العمل إلى خفض هذه النسبة بسبب حاجة سوق العمل لأيدي الشباب العاملة في السنوات القادمة، خصوصا أن جيلاً من العمال يتقاعد كل سنة. وفي التاسع من كانون الأول 2009، قدمت وزيرة الشباب السويدي لينا هالغرين، في ندوة نظمها مكتب الإحصاء المركزي في العاصمة السويدية استوكهولم، موقف الحكومة ورؤيتها فيما يتعلق بتحسين فرص العمل للشباب. أكدت الوزيرة على أهمية المرحلة الثانوية وتشجيع مراكز القيادة للشباب في الكومونات (البلديات)، حيث يدخل الشباب العاطلين عن العمل في ورش تساعدهم على إيجاد فرص مناسبة لهم.
هناك الكثير من الأسباب التي تدفع البعض إلى العمل غير الرسمي، تختلف بأختلاف وضع الشخص وظروفه وموقفه القانوني. فاللاجئ غير المقيم في البلد، يرى فترة بقائه في السويد بأنها فرصة لجني ما يستطيع من مبالغ يعوّض فيها ما دفعه إلى المهربين أو يُرسلها كمساعدات إلى عائلته. في حين يجد المقيم العاطل عن العمل والذي يتلقى المساعدات الأجتماعية من الكوميون، في العمل الأسود فرصة لأقتناص مبالغ إضافية دون علم السلطات التي بالتاكيد ستقطع عنه المعونة المالية لو علمت بعمله !والعمل الأسود يتخذه البعض وسيلة للثراء السريع رغم تعرضه في أغلب الأحيان، إلى أقسى أنواع الاستغلال من رب العمل، لنقص خبرته، وعدم إلمامه بالعمل. بينما هناك من هو مضطر لدخول سوق العمل غير القانوني بخاصة المشردين ممن لا يحق لهم العمل القانوني (تصاريح العمل للمقيمين فقط)، ولا يتلقون معونة مالية من السلطات السويدية بسبب رفض طلبات لجوئهم وإدراجهم ضمن المطلوبين تسفيرهم إلى بلادهم.
وهكذا يضطر الكثير من العمال غير القانونيين أن يقبلوا بـ 8 كرونات – مثلا- كأجر للساعة الواحدة، وأن كان لعدة أشهر، في حين أن المالوف في سوق العمل الرسمي أن يدفع صاحب العمل ما لا يقل عن 70 كرونة للساعة الواحدة!! وكثيرون يؤكدون أنهم عملوا لعدة أشهر مجاناً دون أي أجر، بذريعة أنهم لايمتهنون الصنعة! حتى أن بعض أرباب العمل يعتبرون قبولهم للعامل العمل في مطعمه مجاناً من باب الخدمة والأنسانية، ويضعونها في أطار "الصَدَقّة" في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما(29).
أن يجد اللاجئون عملاً في السويد، ليس بالأمر السهل، حتى وإن كانوا يحملون أوراق الإقامة الشرعية وحق العمل. اللغة تشكل عائقا أساسياً لدى شريحة كبرى منهم، ولدى البعض الآخر مجرد جنسيتهم قد تكون العائق. أوبن سوسايتي انستيتوت- منظمة غير حكومية يمولها رجل الأعمال المليونير جورج سورس وتصدر تقارير دورية عن قضايا مختلفة داخل بلدان الاتحاد الاوروبي، أصدرت تقريرا العام الماضي (2009) عن أحوال المسلمين في السويد، علماً بأن المسلمين يشكلون العدد الأكبر من اللاجئين القادمين من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي. وتقول المنظمة في تقريرها استنادا إلى إحصاءات جمعتها من أطراف مختلفة، بأن "الأشخاص الذين لديهم خلفية أجنبية، وخصوصاً أُولئك الذين يعيشون في أماكن أكثر فقراً، يواجهون احتمال البقاء عاطلين عن العمل أكثر من بقية السكان." وزير الاندماج والمساواة بين الجنسين السويدي نيامكو سابوني، يقول: "عدد غير مقبول من المهاجرين، مستبعدون في مجتمعنا. البطالة والدخل المنخفض والاعتماد على الرعاية الاجتماعية، كلها تؤدي إلى العزلة..." ورغم أن الحكومة بدأت بتنفيذ خطة لدمج اللاجئين في المجتمع، إلا أنها تبدو بعيدة عن تحقيق هذا الهدف حتى الآن. وبانتظار ذلك، يقضي عدد كبير من سكانها، بخاصة المهاجرين وقتهم بـ "الاندماج" مع بعضهم البعض، بمعنى زيادة عزلتهم عن المجتمع السويدي(30).
لم يتمكّن هذا العددّ الهائل من العرب والمسلمين الإنخراط في أسواق العمل الغربية التي ضاقت ذرعاً حتى بالمواطنين الأصليين والذين باتوا يُعانون من حالة بطالة قاتلة لم تتمكّن المنظومة السياسية الغربية من وضع حدّ لها. وصار هؤلاء في الغرب يعيشون على الهامش، أي مواطنون من الدرجة الثانية بتعبير باحث سويدي اعتبر أنّ المهاجرين العرب والمسلمين يعيشون عالة على الضرائب التي يدفعها الغربيون لمصلحة الضرائب والتي تُدفع لهؤلاء من العرب والمسلمين على شكل مساعدات اجتماعية.
و عدم إنخراط أعداد كبيرة من الجالية العربية في سوق العمل السويدي يعود إلى أسباب عديدة تتقدمها ضعف اللغة، وضعف خبراتهم ومهاراتهم مقارنة بقوة العمل السويدية (الخبرة والمهارة)، من هنا يفضل رب العمل السويدي وبخاصة في المجالات التي تتحكم بها هذه المواصفات، تفضيل السويدي على الأجنبي عموماً، ومنهم العرب والمسلمون. وإذا كان رب العمل، بعامة، يفضل العاملين من بلده، وإذا كان هذا الميل يُحتسب ضمن لائحة التعصب والعنصرية، فالمسألة المعروفة أن رأس المال لا يعرف وطناً غير الربح، وبالنتيجة فمسألة اللغة والإنتاجية تتحكم بالدرجة الأولى في قرار رب العمل منح أولويته لتشغيل العاملين لديه.
يضطر المهاجر المثقف أن يقضي سنوات عديدة وفق مستواه التعليمي في تعلّم اللغة السويدية (وكذا الحال بخاصة في بقية الدول الاسكندنافية) بغية إعادة تأهيل نفسه، ليبدأ بعدها كفاحه للحصول على عمل مناسب، لكن العمل الذي ينتظره قد لا ينسجم مع إختصاصه. أمّا فيما يخص الطبقة المهاجرة الأمية فوضعها أخطر بكثير حيث الضياع المطلق. وبالنتيجة، قد يلتقي صاحب الدكتوراه والأمي القادمان من البلاد العربية في مطعم ويتشاركان نفس الوظيفة، كما في غسل الصحون مثلاً (31)!!
تعيش 40% من العائلات على المساعدات الاجتماعية التي يوفرها نظام الضمان الاجتماعي بشكل كامل، بينما أغلبية الباقين يحصلون على مساعدات الضمان الاجتماعي ضمن أشكال مختلفة أخرى، فيما يشتغل أقل من نصف السكان.. في حين تصل نسبة البطالة بين الجاليات الأجنبية في السويد إلى 65%.. هذا في ظروف غياب الدراسات العلمية عن أرقامها الدقيقة ، أسبابها وكيفية معالجتها(32).
توقع مكتب العمل أن تتزايد معاناة الشبيبة من البطالة عامي 2009 و 2010. ووفقاً لتلك التوقعات فإن ثلث الشبيبة ما بين 18-24 سنة سيعانون من البطالة في العام 2010. وفي ظل مثل هذه التوقعات تصف يني ـ ليه أوستبري التي أنهت الدراسة الثانوية، مشاعرها بالقول: من الجميل أكمال الدراسة الثانوية، وفي ذات الوقت هناك قلق من عدم الحصول على عمل. ثمة تلقص في التعيينات، وبالنتيجة شحة في فرص العمل التي يمكن البحث عنها.
يرى تورد ستانافوش- مدير قسم التنبؤات في مكتب العمل- حتى في حال أستبعاد الأرقام المتوقعة للبطالة فسوف لن يقل مستواها عن تلك التي سادت إبان الأزمة الأقتصادية الماضية في أوئل التسعينات. لكنه يعود ليشير إلى أن سوق العمل سيعاني شحة في الأيدي العاملة العام 2015. ويرتبط ذلك أن جزءأ كبيراً من الشبيبة في الوقت الحاضر لن يكملوا دراستهم، إذ يتسرب حالياً ربع الشبيبة دون أن يكملوا دراستهم. وهذا ما تتخوف منه أنغيلاس بيرموتس سفانكفيست المدير العام لمكتب وساطة العمل، وترى بأنه: يتعين أعادة النظر في منظومة التعليم العادية، فليس من المقبول أن ينهي 23% بالمائة من تلاميذ المرحلة الأساسية تعليمهم دون درجات دراسية جيدة.. هذا مستقبل قوة العمل.
ومن وجهة نظر وزير سوق العمل- سفين أوتو ليتورين: يتعين عدم الأستسلام. هناك جانبين مفرحين، أولهما تواجد أعداد أضافية من فرص العمل الشاغرة والمبلغ عنها إلى مكتب سوق العمل مقارنة مع التسعينات. وثانيهما تم رصد المزيد من المال اللازم لمكتب العمل ومنظومة التعليم، وإذا كانت هناك من إمكانية لشخص ما لمواصلة الدراسة، فهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك. ويتابع قائلاًً: سنوات قليلة وتنداح الأزمة ويتدفق جيل جديد إلى سوق العمل، أفضل فكرة حالياً هي مواصلة الدراسة.
لكن خالد الخليلي الناشط السابق في منظمة SSU للشبيبة التابعة للحزب الأشتراكي الديمقراطي، يرى أن الحكومة لا تُقَدِّر خطورة البطالة التي تتهدد الشبيبة، وأن الأمر أكثر صعوبة بين الشبيبة الذين ينحدرون من أصول مهاجرة. كما ويحذر من سقوط أعداد كبيرة من الشبيبة في مهاوي الانحراف والجريمة، معبراً عن قناعته بأن الحكومة لا تقدم الدعم الكافي لأدماج الشبيبة في الحياة العملية، وأن الأجراءات المتخذة في هذا المجال غير ذات فاعلية، مطالبا بفتح أبواب التشغيل للشباب في القطاع العام في مرافق مثل أنشاء الطرق والمباني وغيرها لتحريك عجلة الأقتصاد. هذا علاوة على ضرورة زيادة المقاعد الدراسية في الجامعات، وزيادة دورات ومقاعد الدراسة في مجال التأهيل المهني.
إحصاءات مكتب وساطة العمل ورغم أنها ليست بالمفاجأة الكبرى في هذه الفترة التي يشهد فيها الإقتصاد السويدي انكماشا لم يسبق له مثيل إلا أن التوقعات ألقت بضلال الكآبة على مستقبل سوق العمل وخاصة بالنسبة للشباب. يقول أوسكار موسباري الذي كان بصدد البحث عن فرصة عمل بأحد مكاتب العمل في ستوكهولم بأنه غير متفائل وأن المستقبل لا يبدو زاهياً الآن، هم يقومون بكل ما في وسعهم هنا في آربيتسفورميدلينغ لمساعدتي، لكنني أفكر الآن، وفي هكذا ظرف إقتصادي صعب، التوجه إلى الدراسة. سأبدأ الدراسة في فصل الخريف المقبل، لكن يجب عليّ توفير مصدر لإعالة نفسي لغاية ذلك الوقت. أوسكار موسباري ليس وحيداً في حالته وفي شعوره بالإحباط تجاه المستقبل، إذ أن توقعات مكتب وساطة العمل تبين أن فئة الشباب هي الأكثر تضرراً من تفاقم ظاهرة البطالة وأن فئة الرجال ستتضرر أكثر من فئة النساء. بينما تصف أنغيلاس بيرميداز سفانكفيست- المديرة العامة لمكتب وساطة العمل- الوضعية الحالية لسوق العمل في البلاد بالخطيرة وتضيف أن مكتب العمل لم يجر تدقيقا في تكهناته بخصوص البطالة منذ العام 1999، إذ أن التكهنات والإحصاءات تبين مدى خطورة الوضع.
وتوقع مكتب وساطة العمل ارتفاع ظاهرة البطالة خلال العام 2009، كما أن أرقام آربيتسفورميدلينغ تؤكد الإحصاءات التي كشف عنها وزير المالية أندرش بوري والتي تتكهن بوصول نسبة البطالة العام 2010 إلى 11%..وتتوقع أن يتغير مجرى الوضع الإقتصادي بحلول العام 2012 (مقارنة بتوقعات تورد ستانافوش 2015) ، ورغم تفاقم نسبة البطالة في الظرف الحالي لا تعتقد المديرة العامة لمكتب وساطة العمل أن الأمر يتطلب تدخلا من طرف الحكومة بإصدار إجراءات جديدة، بل على العكس من ذلك ترى بوجوب توخي الحذر وعدم التسرع في المطالبة بإجراءات ووسائل طارئة، حيث تقول أنه من الجيد مراجعة الإحصاءات طالما لم يمض سوى ثلاثة أشهر من إعلان الحكومة عن تخصيص حزمة إجراءات لإنعاش سوق العمل، وعليه يجب التمعن في مدى فاعلية هذه الإجراءات ودراسة كيفية تطبيقها بأحسن الطرق(33).
جدير بالذكر، بقيت البطالة في السويد خلال السبعينيات والثمانيات بحدود1%-3%، تصاعدت هذه النسبة حتى وصلت إلى أرقام قياسية تجاوزت مايسمى الخط الأحمر- أكثر من 10%، وليس هناك الكثير من الأمل بخفض هذه النسبة، بخاصة بين فئات الوافدين في السويد، وآخر الأرقام لمكتب العمل تقول أن نسبة البطالة ستقف عند 9.3% العام الحالي (2010)، ومن المتوقع انخفاضها إلى 9.0% العام 2011(34). ويلاحظ من الجدول رقم ( 14) أن نسبة البطالة للشهر الأول من العام 2009 بلغت 8.6%.
تولِّد البطالة الظروف الأسوأ والتأثير السلبي الأقوى على الإيرادات المالية والدخل الوطني بعامة. من هنا تصبح مهمة تحمل دفع المعونات الاجتماعية وتعويضات البطالة عبئأً كبيراً على أية حكومة سواء في السويد أو في غيرها من الدول، لأن دفع المعونات وتعويضات البطالة تشكل واحدة من أهم المؤثرات اقتصادياً على مصاريف الدولة والتزاماتها في ظروف الاقتصاد العالمي المتأزم، ويشكل عبئاً كبيراً على الميزانية العامة (35).
وهذه المعضلة تتطلب دراسة العوامل الموضوعية والذاتية للانتشار الواسع للبطالة وإيجاد الحلول المستمرة لمواجهتها، ليس لأسباب تتعلق بالدخل فقط، بل لأن البطالة لها آثار اجتماعية خطيرة تصل إلى فتح أبواب مختلف أشكال الجرائم المجتمعية. ولعلّ من أولويات إجراء مثل هذه الدراسات تتمثل في توفر الإحصاءات الدقيقة لأعداد العاملين وأعداد العاطلين، ليس على مستوى السويد، فحسب، وهي متاحة أصلاً، بل على مستوى الجاليات المتواجدة في السويد، ومنها الجالية العربية (وأيضاً الجالية الإسلامية)، لأن مثل هذه الإحصاءات تشكل المقياس الأكثر إلحاحاً في بحث حركة أعداد العاملين والعاطلين في القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة. ويظهر أن مثل هذه الإحصاءات على مستوى الجاليات تعتبر من وجهة نظر الحكومة السويدية مؤشراً على قياس التمييز والتعصب (ف1/ق2)، وحيث أن السلطات السويدية حساسة جداً تجاه هذه المعضلة، عليه تعمل على تجنبها في سياق مكافحتها لها، وهذا أمر غير مقنع من وجهة نظر حاجة البحوث العلمية إليها بغية تحليلها ودراسة مشاكلها على مستوى كل جالية، تمهيداً لاقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. يُضاف إلى ذلك تحسين وتطوير أسالب تدريس اللغة السويدية وجهود التأهيل المبذولة لتمكين عناصر الجالية الدخول إلى سوق العمل.



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ ف ...
- البيانات تكشف أن الفلسطينيين يملكون حالياً 8% فقط من أرض فلس ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف7
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف6
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف5
- مستقبل العراق- ف4- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة
- حالة الأطفال في العراق -أزمة مهملة-
- مستقبل العراق- ف3
- مستقبل العراق- ف2
- مستقبل العراق- ف1
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني- الخات ...
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني-ف4
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني-ف3


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون
- في مسعى لمعالجة أزمة الهجرة عبر المتوسط / إدريس ولد القابلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبدالوهاب حميد رشيد - الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/الفصل الثالث