أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس سليمان محمد - رجل القبو















المزيد.....



رجل القبو


فراس سليمان محمد

الحوار المتمدن-العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


رجل القبو

نص

لتحلَّ الرؤيا فيكَ ، فهي منقذكَ .. ومعذِّبُك . لكنها حكماً أفضل من مواتكَ وحصرِكَ في الأشياء .
فلما اكتملت الفكرةُ ، وأُشير إليها بتكوِّر الزَّمن لحظةً لا تُحسُّ جئتَ مكتملاً إلى حين ، مرفوقةً كياستُكَ بطرفٍ من الحياء ومصابة عينك اليسرى بحَولةٍ كثيرة الصفات ومترعة طفولَتك ، كانت ، بحكمةٍ لا تزهو ولا تُبَرْهَن .
ولأنَّ من يعرف .. يعرف أنك ستنزوي فيجرِّحُ روحَك قلقٌ وتخلخل جسدكَ خيالاتٌ مبعثها كل شئ . فلا تقوى لتكون .. إذ أن زمانك ليس في الزمانِ .. فينداح فيكَ ماء الموتِ ، وكي لا تذهبَ إلى عَمائكَ مبكراً ، أسعفْتَ برجلٍ يعمِّرُ موتَكَ فيكَ ليؤجله . يدلُّكِ إلى يديكَ فتخطئ .. يدُلُّكَ إلي عينيكَ فتنسى .
ليَلُمُّكَ الشَّطحُ فتذهبُ إلى آخر دركٍ في صياغة الحال مائلاً دون ميلٍ إلى أعراضِ الوحدة الصَّرْفة . عاشقاً كُن . . وماضياً إلى زوالكَ ، فالغافلُ يقرأ ما يكفي المرامَ وما يَنْظمُ المكانَ في جوقةٍ تتداعى في التِّيْهِ/النورِ .
تتداعى الموسيقا .. ويمتد السطرُ ، يوصلُ النقطةَ بنفسها . عاشقاً كُنْ ، خبرة الصوتِ فيكَ حيازةُ الكُلِّ بين دفّتيّ شوقٍ يقتاتُ اسمَه .
كنْ . . فليس في النقصانِ معانٍ . . ليس في الاكتمال . ستفرح التشابيهُ وسيخرج نملُ الكلامِ من رؤوسٍ دائخة .
يمكنك أن تبدأ من أي نقطة . . إذ . . الاتجاهُ هو الفكرةُ وحسب . . إياكَ والحكايةَ ، الحكايةُ فتنتةٌ وإغراء . . ذاكرة دبقة . . لا تجاملْهم ، دعْ كتابك للريح ، إنّ أيّة إشارة تكفي لزجّك في زنازين فهمهم ، دعه للعابرين دون متاع . . للساهمين المعفرين باحتمال حريةٍ ورؤى لا نظائر لها ، للماضين هكذا . .
صحيح أنه من المستحيل نفي الشكل ، ولكن مع هذا فلتكن مهمتكَ/ لعبتكَ محاولةَ النفيّ هذه ، محاولة يائسة وصعبة .
لتنسَ النتائج . النتائج دائماً مضحكة .
رجل القبو هناك "يقول" ، وذلك ربما آخر إشارة لوقوعه في حيّز ، ولأنني ما استطعتُ أن أرفعَ إغماضةَ التشابك من أمامي ، رميتُ جسدَ رجلِ القبوِ في أيّكة الكلام ، ليس إجابةً تفكَّ الذهولَ ، وإنما خطوة عميقة في الظلّ .
الكلمة/ الرحلةُ شساعةُ الانخطاف وسرعته ، ليست شيئاً ليرسو . . فلتةٌ متدرّجة ، انحرافٌ عن ثقل التضاد والثنائيات المطروحة على رقائقَ هشةٍ ، محضُ زيارةٍ من لا شيء إلى لا شيء آخر .
ولا ينتهي مسلك الصوت إلاّ في لعبةٍ خطوطُها مناسبةُ الحماس في العجز الصائرِ المتحول .
إذن . . أولاً اللغة . . وربما أخيراً ، اكتشافُ شكلها وسحب الخيوط من ماهيتها ، توصيلها إلى آخر وظيفة لها ، إحراق أرديتها ، سَلْخُ التاريخ عنها .
شيء يشبهُ كسرَ الغاية ، وقوعٌ في مصيدة القانون من الجهة المعتمة .
ماذا يعني رجل القبو : لا تقعْ في سياق ، لا تكن ساذجاً وتحاكِ الفكرة ، الفكرةُ جنس أصفر . . وقتٌ يحلُّ قبالةَ الجسد جداراً ، خيارُ الحاجة وقد توكّأ على حركة صغيرة تشي بالعجلة والوجل .
لا تنغمر في العالم الواقع في أسر اسمه . كن فعلاً قابلاً للتحقق دون شروط ، لا تكن/ كن خارج النظام - القوة - النص .
عَلّق جسدكَ على لحظة ليس لها خواص . ليس في شيء وأيضاً ليس في الموت أو الصمت .
ولأنّ صرختي كانت همساً أقول "مغامرة" ، وأنا أتحمّل تناقضات تسوطني وستسوطني لاحقاً .
إنه مطمئن ، لكن ليس كما يُفهم الاطمئنان ، إذ هو يمضي هكذا في جوف نقطة مفتوحة لتضمّ الكونَ وتكونَهُ دون دليل .
ولأنني أحسّ بالارتباك على أشُدِّهِ أقولُ : كنتُ أتمنى أن يخرج صوتُ . . رجل القبو . . صوته نفسه من موقعه . . صوتٌ صافٍ لا تشوبه أصواتُ الأمكنة المختلطة ، صوتي "أنا الراوي" .
وستنكشف أنياب اللعبة , كذبتي التي صدّقتها "ذلك نصُّهُ أن يُملي عليَّ" . وعليكم أن تتوقعوا بل وتتقبلوا انفجار صوتي ، أنا الراوي ، من كل الزوايا منخرطين في اللعبة ومتناسين قدرتكم على المحاكمة ، وتتوقعوا أيضاً أصداءً كثيرة ربما لفكرة واحدة ما دمت أنا الراوي أحاول كرسياً مخلخلاً لهذه الدرجة .
لماذا الفكرة أقرب إلى نفسها وأصعب من أن تكون .
لماذا أرى الزمن يتفتت في الهواء لأجل حكمة لا تُفهم ولا تُسمى . لماذا أزنُ خفّة العدم برغبة ، وأسندُ جسدي إلى معنى لم أشيّده ، أكتب ارتباكي كأني أعيدني إلى أصلٍ أجهله ؟
هكذا مثلي في الجسد هيامٌ شاردٌ .
إعرف أحد ليس بريئاً مما سبقه من ذلك الأرث العظيم / من تلك الجهود ..المساهمات . إذاً كيف يمكن لرجل القبو أن يوجد ما دام ليس ثمة أثر صافٍ لوجوده . بقيَ سلسلة بدائل تحتاج إلى قراءة . شيء يشبه كينونةً تقول نفْسَها في حركة جوهرية متحررة من الأثقال الواضحة . كأني أقع في برودة المُكتشف في حفرةِ المنتبهين لشروط الانتباه .
يحدث أحياناً أن يتفتت الظلُّ ليلمَّ الساهمون ذَهبَ شمس لا تُرى ولا يتأتّى نورها إلاّ في التباسها ، في إشارةٍ هي الظل وقد بدا نقيضَها وهو ليس .
لكن أنا لم أستطع أن أنهض مثله نظيفاً من اللحظة الفارقة ، أن أتماهى مع ما يشعُّ من جوهرة النسيان ، مع ما يشعُّ من خيوط الرؤى وقد انبثقتْ من الكلّ ، من ذلك اللمعان الموارب الذي يتراقص وراء ما يُرى ويُحس .
كأنه ما رغبتي سوى أن أستعيدَه ، أقصد أحقِّقهُ داخل إمكانيات الإنشاء .
خيبة المدِّ في قبو النباهة المختلفة ، ميراثُ السَّرد في خاطرِ السَّاهم ، قبالة لحظة لا تحدّها ذاكرةٌ ولا تقعُ إلا خَلفَ مخيِّلة القارئ المسكين .
وإذا كان لا بد من الإيمان/ الركون بصفته رابطاً ومؤكِّداً للعلاقة مع نبض الزمان والمكان ، مع ضرورات المدرَك ، فإيمان الرجل تحوّل إذْ انفكَّ ، وأصبح ، أو أصبحت ، تجليات إيمان الرجل نابعة من معاني التحول والانفكاك نفسها .
كل شيء يمكن أن يُردّ عليه ما دام العقل يحاكم ، أو لنقل ما دامت سلطة العقل ترسم حدوداً . ولكن التصدي لرجل القبو يفترض مساءلة كل الأشياء لا لنفيها أو توطيدها بل لتصعيد ظلالها إلى آخر نقطة .
لكن العقل أيضاً خيبة المدِّ في قبو الاختلاف . . وقتَ ما يُرجئُ الندمُ صعوبةَ نفسه .
يمرّ الحفاةُ بين جسدي وكينونة الكائن دون صورة .
ما قصدتُ جيشاً من الآخرين فيَّ يُزهقُون السطر ، ويرمون زئبقَ كلمتي في استقامة نظرهم ، فتشحُّ يدي عن قطف ظلها . . بل الحفاةَ في هديرِ عطشهم .
يتراءى القبو طيراً هارباً في عتمة النفي ، أو عتبةً أكثرَ اتساعاً من تابع مكانها ، فيما يفيد الناظرَ دقةُ النبات في حوش الخلاء . . وانجدالُ البائدِ من الماء على تلّةٍ حجبت اللوحَ المكتوبَ وخشخشةَ التنفّس لرعاة السراب الحفاة .
خيبة المدّ في هوةِ الوصلِ . مكانَ ما يرمي الشاعرُ عينيه ، رجل القبو دموعَه .
لا شيء في الإيمان ولا شيء خارجه ، وحاضرات الصورة أشلاء مغطاة بقميص الزمن المفتوح المهترئ ، هنا فساد الدوائر وفضائل الرؤية دون طائل .
ولأنني لستُ فاعلَ الكتابة ولا فاعل السكون ، ولأنني مهجوس بشطح الأنبياء وآلاف الزاهدين . . ولأنني استواءُ الضدّ أمام احتمالات أضداد عظيمة ، ولآنني أعظم من الشهادةِ والدليل وأكثرُ امتداداً من الزمن ، لا أقع في هذا أو ذاك ولا بينهما . الباقي فيَّ ليس مني ، وأنا عصارة ما يمكث فيكم عندما تقلدونني دون أن تعرفوني .
لا أريد أن أدّعي أني أعرف لماذا وضع رجل القبو روحه بين يديّ ، هذا إذا كان هو فعلاً قد وضعها تاركاً لي هذه المهمة الصعبة ، مهمة التبليغ والإرسال . ولكني أحدسُ إدراكَهُ . . أنهم قلّة هؤلاء الذين يصغون للصوت المكتمل في الـ هناك . . أهكذا إذْ أسأل . . أتقاطع معكم وأنحاز إليكم ، أو بينكم وبينه ، أمضي متناسياً حجمَ الوهمِ والحقيقة ، مشدوداً لخشبة المشهد المهيأة ، منداحاً كبقع الزيت على قماشة الوجود الملونة . . ! ؟
لا . . ما زال ثمة بياض يصفع ، لا . . فما زال رجل القبو في مدى عينيّ يقوّس الترابَ موجةً أو طاحونةً ، يُملي مصادفات القلب على ضريح الشرق . . يبذر بلاغةً لا يرغبها في تجاعيد الفضاء ، . . . يخلط نفايات النعاس بلبن المعنى ، يلمُّ نقائضي في وثن القول . . ويحرق أحمرَ الثمر بين يدي .
في القبو ، أو في هيولى الصورة . . حيث زيت الموسيقا يسقسق في كرات الهباء , يقف الرجل في جرح الظلام هيكلَ وجعٍ ينهدم وينبني . . ينبني وينهدم . . وأنا ألمعُ وأدمعُ من شدّة مكوثي على الحافة وفي الخطوةِ المقلوبة .
حتى لو كانت آخر روح رجل القبو جسداً وآخر جنونه حكمةً ، فذلك يتعلق بكارثة الانوجاد .
أيها السادة ، أنا أرتجف الآن ، ليس فقط لأنّه ليس ثمة شيء ناجز ، بل لأن الناجزَ مجرّد ومكتمل ، ولمَّا يريد أن يتجسّد فإنه ينفرط في الأجزاء ، ولأن الأجزاء تعاود بحنين غريب لتكمل نفسها لترجع إلى أصلها ، تحاول ذلك عبثاً .
الكون . . الامتثال - مغزى الضعف مغلفاً بجماليات حزينة ، قد تلتصق بعض أشلائها على أمزجة مجنونة ، لكنها لا تذهب في ذاكرة ووجدان العامة .
سوء حظ أوهنَ اليدين عن حمل المتاهة ، وضَرَبَ الحالةَ حين خلعها من جذورها إلى مكان لا يلائمها .
كل شيء خطأ . ليس ثمة ما يحصِّنُ رجلَ القبو إلا ضعفه الملتبس .
ضعفُ رجل القبو مُسمّى ناقص ، يعجز عن أداء مهمته في الوصول إلى الزوايا المتشابكة في المتاهة . إذ . . أنه لا آخَر . . لا آخَر . .
حلقةُ العلائق غبار ، تمريراتُ المطق السرية أضحت بالفعل في مرمى العلن .
الوحدة هي تمزيق للجسد أمام التماثل / اللاتماثل الرهيب .
فقدٌ مأساوي لكثافة النقطة الأساس ، ذلك رغم شساعة الاتجاه للموت . . ثَمة لا اتجاه . . العودة . . الخرق . . التبديل . . الجهد . . الجنون . . . معاصٍ لا تُرتكب .
كل معادل مُقترح انتحارٌ . السؤالُ هو الخلاص ، الجواب هو السؤال المعجزةُ .
في البساطة ديمومة الأشياء والأسماء
في الديمومة بساطة الأشياء والأسماء
في الأسماء والأشياء ديمومة البساطة .
اللغة معجزةٌ ناشفة ، ذلك أن الوعي في تحققِ جزءٍ منه فيها لعبٌ يصفو أمام الشيء ويتعكّر أمام الاسم .
هل اللغة هنا خارج الدوائر ، قبالة الجرائم العامودية ؟ والالتفافُ من خلالها ولأجلها إعادة إبليسية لتأهيل الطبيعة . . إنقاذِها مصفَّاةً وربما فارغة من دوافع الموت والعَوْد .
لا يحتمل الارتباكُ الخللَ لأنه جوهرٌ ما ، اللعبة شرسة والقدرة على الاستمرار استهلاك لا يعي نفسه إلا بزواله .
المشيئة الكاملة لرجل القبو إشارات معقدة أحاولها أنا بما لا يحيطها ، ومن الأمانة . . وما الأمانة هنا سوى محاولة تأكيد تناغم ما ، التذكير أنّ رجل القبو لا يعبأ بشيء ولا حتى بما أحاول ، أنا الراوي ، قوله . . وهل من مهماتي أن أنزله من عرشه ، أن أخرجه من قبوه ، وكيف لي أن أفترضه بطريقة أكثر وضوحاً وما السبيل لتفتيق طقم صمته ، لتفتيت غيوم فكرته ؟ ! .
وإذا كان رجلُ القبوِ كتلةً ، جسداً . . وتلك مقاربةٌ مقُترحة كي ندركَ الحالةَ ، فإنه حتماً أفاد من السابق ، اعترف أم لم يعترف ، وإذا لم يكن السابق تلك الذاكرةَ ، خزان المعرفة المثقوب ، فليكن الكائن قبله دون ضبط ، أو الآخر المختلف .
هكذا ثمة أنفةٌ من قطف الأسماء وصياغة الأحداث . رؤية لا تُدعَّم بـ "قال فلان وحث هذا" ، التاريخ والاجتماع في الرأس فولاذ ذائبٌ متحولٌ إلى ضباب .
بكلام آخر . . الذاكرةُ فعلُ نسيان ، أرضُ النسيان أكثر خصوبة والأشياء خارج صفاتها قبالة طفولة مخيلةٍ حقيقية تقبل القراءة ولا تقبل الحدّ .
وأنا في موقفي أمامَه ، دون أن يريد ، أراد إحراق ذاكرتي ، إنه يحاور آخر شكلٍ للحركة . . الذهنَ بوصفه ذهناً ، حرثاً مشوشاً ، ليحرره من المعلومة ، من الاستعراض وإغراءات الأشياء وسلوك ومسالكَ قديمة . إنه يرمي روحاً أمامي لتنبت ظلالٌ وأضواءٌ لتنتصبَ الفكرة مشدودةً إلى الحلم . الفكرةُ في الموت فعلُ طاقة انداح في غير المدرَكِ . . لكنْ الموجود . النسيانُ كونٌ في اليقظة الكامنة . ليس ابتغاء للمجاورة والتقابل ، بل استنفاداً لطاقة الانحلال . . يتقصَّدُ رجلُ القبو ارتكاباته .
العالم لا يستمر ويسير دونكم ، لكنّ أحداً لا يخلقُه سواه .
وإذْ هو ليس خطاباً ، وإذ المطلق نفسه ليس خطاباً إلا في محاولات نقيضه ، إلا في تمثُّلاتِنا عنه .
رجل القبو خارجَ الإسهاب مكتملٌ لأنه لا يشرح وإنما يُشرَح ، خارج السجال لأنه فكرةُ السجال . وعلى الواقف في حضرته أن يعي بحدّةٍ إطلاقيّةَ اللغة وقصورَها . . إنها جثة الوعي . . تتفسّخ . . وتتسع ولا تعطب .
في الشائع من الأرض أو قبلها ، نهضتْ ريحٌ . . حتى فرطتْ وفرط عنها وُعُوْدٌ بالأشياء .
أصوات تتحجّر ويبقى داخلَها امتدادٌ وليونة .
والسامعُ افتراضٌ حلَّ بدرايةٍ مشوشة . والسامع جسدٌ يحاول الحجرَ . والمحاولةُ استعارةُ ريحٍ صغيرة تهبُّ في القلب بين نسيان الريحِ/ البدءِ وملامسةِ الحجر الساقط ، بوساطة ذاكرة تنمو .
والسامع يمضي طويلاً ، ليخرج من الافتراض ، يقع في الرقص . . يقلّد البرقَ والنهرَ وتويجات الزهر ، . . و ويقلّد الامتدادَ والليونةَ فيه .
وتسرقه أسبابُه ليربط جسدَه بزمانٍ ومكان . . فيمدّ يده في عمقٍ منعوتٍ ولا يُسمّى ، يسرق حرفاً . . نقطةَ نورٍ سائبة . . ليرى جهةً تستولد جهةً . . ليسرق من الغامض فيه ، ليشبه ما لا يعرفه .
في الشائع من الزمن أو قبله ، حلّتء كلمةٌ فرطت . . وفرط عنها وعودٌ بمعانيها ووعودٌ بالأسماء .
يبدو أنّ رجل القبو ليس مأخوذاً بالرحلة أو بأي شيء ، وانجذابُه ليس ممتلئاً بما نعرفه ، إنه يخوّض بعيداً ، في العمق وحسب .
لسببٍ من جهلنا نقول : إنه يريد أن يمتلك تلك الأسرار ، أن يمسحَ عنها الصدأ والغبار . . أن يحرقَه وهجُها دون "لماذا" و "كيف" ، أنا الراوي أقول ذلك مرتاباً . . الراوي . . . . إنها كذبة ناعمة . . لا يوجد راوٍ . . إنها جملةُ أصواتٍ مُختصرة وغير حاسمة ، ومع هذا لا بد من ذلك .
من على كرسيٍّ ، وأمام احتمال حضور ، أقول : خطورةُ مغامرته الآن أنه يدخل في هذه الأنفاق المتشابكة بكليّته ، وهو يعرف أن الفنون والآداب تلعب لعبَته بوعي أو دون وعي ، لكنها لعبة قديمة وستستمر . . لكنه يعرف أيضاً أنها فقط تلامس تلك المفاتيح ، تقاربها لكنها لا تمتلكها أبداً ، ذلك يقدّم الكثير من المتعة . . . ذلك رائع لكن ليس كافياً .
هو يدخل بكلّيته كما بشرٌ قبله مشوا وقطعوا أشواطاً في هذه الأنفاق ، لكن أحداً لم يصل ولن . . فذلك من طبيعة اللعبة كما نفهم ، نحن المنوجدين بين فكيّ المكان العاقل .
مع هذا ثمة عظماء في التاريخ لأنهم خرجوا منه ، عظماء لا نعرفهم لأنهم لم ينتموا للمقولة الناقصة ، وبدل أن يكفّنوا جسدهم في كتاب ، قذفوا جسدهم مطلقاّ في المطلق .
بالمقابل ليغتني من سادوا : أقصد تلك الأسماء اللامعة ، وهْم الأجسادِ التي تدحرجت في الصياغة ، في فعل ينصّب نفسَه وبعضاً من فتات تلك التواريخ شكلاً للمعرفة وبوَّاباً لحقلٍ لا ينحدّ ، حقل كلُّ جهاتِه أبواب .
فعلٌ نصّب نفسَه لا لشيء سوى لأنه الصياغةُ الفعلُ . . لأنه حركةُ النظام في المُتَّفَقِ عليه وفي الذي سيُتَّفق عليه .
ببرودة أعصابٍ سيسقط رجل القبو في توصيف ما ، في هوية ما ، فالقراءة دائماً جاهزة ، إنه مجنون ، عاشق تراجيدي مريض ولعبته مرهونة بالفشل . . ولا فرق جوهري بينه وبين غيره . . لا بأس أنا وحدي أقول : رجل القبو هو اللذة متحررةً من نقصانها ، وأبعد من الدلالات الذهبية للجسد والروح .
هناك في الوراء ما هو الواسع الضيق ؟ لا شيء سوى قفزتنا . . . مهارتنا في الانعتاق من الخيارات . ظلام مبقّع بفتنةٍ لا نعرف المسافة بيننا وبينها . فنستعير ما ورثناه . نلعب به ونظن بغباء حكيم أننا سادة ، وأننا ضبطنا وراءً ما ، "هناك" ما .
ولو تخيّلنا عقلاء "الآن والهنا" ، تواضعوا وضحوا بوقتهم الثمين للجدل ، طبعاً بعنجهية المتصرين سلفاً ، ساخرين سيسألون أساساً وبالضبط ما هذا المطلق وما هذه الروح ، إنها النتيجة الي بين أيديهم . ثم سيضحكون ملء أشداقهم لأنهم واضحون ويعرفون ما يريدون ويحققون ما يبتغونه . . ذلك من طبيعة المواقع .
ولكن ماذا بخصوص القلّة الحزانى الذاهبين في جنازة العالم ، الذين يبكون لأنّ رجل القبو لن يُفهم ، ولأن القوةَ الغبية تحكم كل شيء . هل سيمضون موشحين بالنسيان دون أدنى قدرة على تغيير شيء .
ربما ليست المسألة هكذا ، فمرةُ حرّك رجل القبو يده ، ففهمت ما لا أستطيع قوله .
كأني اكتشفتُ مدى حكمة رجل القبو ، وأدركت كيف استطاع بمهارة العارف المتمرّس أن ينقذ نفسه من النص / السياق ، من سطوة الدلالات الواضحة الناقصة . . إذ . . قذَف ظلالَ وأطيافَ المعنى في لغة تشبه الظلالَ والأطياف تماماً ، ولا تتحققُ إلا إذا أُنقذتْ من ماهيتها ، إلا إذا تحولت . . إلا إذا وقعت في يدِ الراوي ، في اللغة / الجسد في نسقٍ له وظائفَ ومقاصد . إلا إذا تعرّضَتْ للخيانة . إذاً هي هناك صافية مكتملة متماهية مع شكلها وغايتها ، وهي هنا مغتصبة .
هكذا أكرر ، إن كل الثغرات الواردة واللاحقة تقع على عاتق النص - الراوي ، أتحمّل مسؤوليَتها ، أنا الذي أحببتُ أن أفرحَ بجسدي .
لا أعرف الآن تماماً ماذا أشعر وكيف يجب أن أشعر ، فأنا منذ أن تورَّطتُ وحاولت هذا الخطاب ما زلتُ متأرجحاً بين اللذة ونقيضها ، بين الصدق ونقيضه . . بين نقائضَ لا تنتهي .
هل أنا صدىً مقرّح لصوته ؟ هل إذا ما تنحًّيتُ عن هذه المهمة سيلغى هو ، وحين هو لا يكترث ، كيف يمكن اقتفاءَ القول .
النسيان . . حقائق العودة المزوَّرة . . الصمت ينحلُّ ولا يتحوّل ، رجل القبو يخدّر الحضور ، يضع ميزان الصور نصب عينيَّ ميزاناً بأكثرَ من كفتين .
لا شيء في الخارج . وهنا أيضاً ليس من شيء ليثير الانتباه .
تلك معرفةُ الذاهبين في سعادة لا تُقرأ ولا تقع . شفافيةُ الحدِّ المكانِ ، اختصار القوانين في فقاعة صمت . المكوثُ في هشاشة الغامض لا يَقصدُ سوى نفسه . . متحرر من اللحظة . واقعٌ فيها . . صفقة مجدٍ . . صفقةُ موسيقا ، لون يتشقفُ ليتجمعَ في المتعالي المتطيّر . ثمالةُ يأسٍ ترنُّ في فضاء المتخَّيل لتنقذ الظلَّ على الأقل من مرارات الشائع . . من كائنات المعنى وهي تمر في قاعات ملأى بالوصايا وبهم ، قاعات ستُهدم بخفوتٍ يتجاوزه محتروفو النظر .
القبو ليس في الاستواء ، إنه زخرفات الهامش ممعنةً في العمق . . إنه السقف مقلوباً . . إنه الأساس فائضاً . . إنه جسدُ رجل القبو ومستودعُه حيث أدواتٌ واقعةٌ من أيدٍ نسيت وظائفها ،حيث هذا التواشج مع عتبات لا تؤدي إلى شيء ، ممزوجة مع مخارج صعبة . . منمنمة . . هشة . . مموّهة ، تستر أفكارً إذ تفضحها . . أفكارً مثل هذه الأشياء العاطلة . الهواء الرطب الثقيل . . الروح الممزقة . . الريبة . . الأثاث المهترئ . . الخلق . . الأبواب المخلّعة . . صناديق الوصايا المنهوبة . . الصدق . . تمائم الصفاء . . الدواليب . . كتب النمل . . الأبد . . جثث المرايا .
كيف المعرفةُ تأنف . . تنقطع . . تترك الأبواب مواربة . . كيف تتكدس على نفسها . كيف تستطيع بقدراتها الغريبة أن تخترع أفقاً في اللامكان ، فتصبح هي الجهل كله . . لتحبَلَ من مخلفات الزمن في مطرحٍ أضيق من أن يكون . ؟
القبو أفقٌ رسبَ .
ولأنّ الرجل هنا ، من الصعب أن يقول ما يمكن فهمه تماماً . هكذا ثمة انحيازات طائشة بوعي . . هكذا تفلتُ اللغةُ لتتجمَّع في السائبِ الرمادي ، حيث الكون يرمي قدميه في طشت اللغة مطرطشاً نفسه الكائنة حوله المترامية هكذا .
في القبو ملكاتُ الوحدة . . لهفةُ البدءِ . . ثمرٌ مسفوك . . وأرواحٌ تُفَوّرُ صورَ الموت ، ليس لغايةٍ ما ، ليس لأجل شيء . . لهذا ، القبو صادق كما الأمكنة التي وعدَ بها الله . القبو خارج الليل والنهار . والأشياء ليست راكدة كما يُظن ، إنها تتأمل . . حركةُ التأمل دائماً باتجاه العمق ، مضيٌّ في نفق الفكرة . إذاً الفكرة مكان . . إذاً الكلمةُ "هو" ، ولأنه شقَّ خطوط العتمة ، ورَوَّع شحوباً للتوِّ طَفَقَ ، ولأنه جسدٌ وحيدٌ مكتوب على بياض لا ينتهي ، لا يختار شيئاً ولا يجنّدُ الحبرَ ولا يدفع الكلمة / نفسَهُ للغزو .
ثمة اكتفاء . . اكتمال على هيئة شؤال لا ينقصه سواه تماماً ، هو سليل عبارةِ الخارج والدلالةِ الموّارة للقبو .
ما الذي يُغري الممعنَ في نقطة لا تُفهم ولا تنتهي ، سوى النقطة نفسها .
والذي يطقطق فوقه وحوله ، فوق وَحَوْلَ القبو ، فكرةٌ متروكة لكم . . فتاتُ أشكال تتجاذب . . أجزاءُ أنماطٍ مجبرةٌ على النموّ .
مرةً قالت له جنيّة : زفرة منك أفضل من عشرات كتبهم . فطردها . . مرة قال له إله : خسرانك يعني حضوري فيك . فبكى كثيراً لسوء الفهم . .
مرة قال لنفسه : لا تمدح قبواً . ذلك كأنه يعني أنك تذمّ ما انبسط وارتفع . .
فأغلق على نفسه وذهب بعيداً .
السكنات والحركات تتشرّبها الأشياءُ ، وإذا ما تراءت ، تتراءى على أنها حطام وقت ، هكذا بين الإشارة واللعبة ، بين هشاشة المعنى وكيانات البُطلان ، تبدو الفكرةُ غولاً ، والنأمةُ بحيرةً موسيقا
هكذا
المجرّد
والمجسّد
مذبحةُهباء .
أنا الراوي دون ذاكرة ، وهذا السرد المرتعش المعروق الذي لا يحتمل الحكاية ، عَرَضٌ من أعراض تعب القبو . أنا الراوي أشفق على نفسي الآن ، فلقد ذابت أصابعي من كثرة ما مسحتُ على الصورة .
ها أنا أمضي وحيداً حتى دونما أعداء . خطوتي القادمة ليست مزاراً . خطوة راكدة في الهواء مثل الهواء .
موجودات القبو كاملة ، لأنها غير عابئة بنقصانها ، ولأنها في لحظة عاصية خارجة . لأنها ليست وليدةَ ذاكرةٍ انتقائية ذكية ، بل لأنها فتاتٌ هرَّ من صمتٍ يتوالد من نفسه مطلقَ كائنٍ . حبّةُ رملٍ في صحراء ، معبد غائم في طرف الدنيا . . مقبرةُ أنبياء ما زالت أرواحهم ساهمة في الريح .
ليس للقبو مقابل . . ليس للقبو نقيض .
وإذا ما استدعى الخارج نفسَه ، كما تضطرنا الحاجة ، فذلك لا يدعو للأسف كما تخيّل بعض الذين دخلوا القبو وقتاً قصيراً ، فما عادوا ليصدّقوا شيئاً عدا ما يجب أن يصدّقه من لم يمت .
"الخارج" نظام . . مقدمات . . ونائج . . حركة . . منطق . . رتابة . . وتتابع و . . و . .
القبو رحمٌ ، ليس مكاناً للفرجة . . ليس غرفةً في متحف ، القبو هو خارجٌ ما .
هنا الرأس لا تستحي . جانب من الجمال أيضاً هو ألاّ تستحي . لكن ثمة مأزق يتعلق بالمفردة . لذلك ما عدتُ أعرف شكل اهتمامي بالآخر ، ثقلَ الآخر فيّ .
أعزّي نفسي وأحاول القول بسرعة ، هذا ضروري . القول دون الإصرار على الإجادة ، هم سيتكررون كثيراً أما أنا فلا . . . ليس أمامي الكثير من الوقت .
العمقُ جمال . . والجملة الناقصة الغامضة كذلك . أشكال الجمال التي ورثناها كانت جُملاً مفتوحة . المكتمل بنيانُ كذبة لا يحرّض على المراهنة . . حشرات تنغل في باطن العين ، وسخٌ يشرّشُ على الحواس .
في القبو لا تستطيع أن تقول كل ما تعرفه ، ليس لأنّ اللغة لا تتسع ، بل لأنّ المعرفة واقعة في المعرفة ، ولم تعد لتستطيع أن تُصدّر نفسها ، وكي لا تموت من شدّة اكتمالها ، تقترح آخراً . . ظلاً ليحفرَ . . لينحتَ قليلاً من كثيرِها .
هنا ثمة طفولة كثيرة وزينة مذهولة . . وألوان لا تتميز ، وعلبٌ مكتظة بألعاب لا تُهدى . . وأطلال جهاتٍ . . وعواصف تتلألأ داخل نفسها و"أنا" مكسّرة كالفخار . . وأردية نسيانٍ .
هذا فائضُ جسدٍ ، فائضُ عبارةٍ خطرة وممحوة . في القبو تكبر الوحدة ، تتضخم . . تتكاثر . . تمرض ، تكتشف أن ما يفيض عنها هو هربٌ مما تعرفه . . معرفةٌ ليست من طبيعتها . واضحة لأنها قائمة ، ومع هذا يراودها فرحٌ مقعّر لا يعكسها قدرَ ما يعكس الغامضَ فيها .
الجسدُ / الوحدةُ وحيدٌ خارج السلطات ، والأمر يتعدّى ذلك إذ يبدأ في هجران نفسه بارقاً متعالياً دونما معنى واضح .
بقيت الجملة بديلاً . والبديل هنا رؤية بعيدة . . انقطاعٌ وقلق ، لهذا ، الجملة لا يمكن لها أن تكون هي نفسَها لمرة واحدة فقط . وإزاءَ الوضوح بوصفه سلطة وخطاباً ، ماذا على الجسدِ الجملة أن يفعل ؟ ربما الرقص والهذيان . . لكن أيضاً الوقوع في مصيدة كهذه يبعث على الخوف . فالألم / الطاقة / الفعل ، ليس نتاج الحريةِ وحدها الخفّةِ وحدها .
بعد سنوات قليلة ، إذا لم أمت سأمرض ، سأتعفن في القبو . . فقد انتهيتُ إلى أني أبداً لم أحب أحداً ، أبداً لم أصدّق فكرة . .
الهيئةُ دخيلة
مقلوبة
وخادعة .
الدخيلة هيئة الطفولة في السرّ .
ومع هذا :إني أكثر فقراً من أن أدخل القاعة وأقلب كل شيء رأساً على عقب .
كأنهُ لم يبقَ سوى خروج الكلمة من الكلمة ، الجسدِ من الجسد ، القبوِ من القبو ، كل الأشياء من بعضِها . . رغبةً في الحالة المعْبر ، حالة تهدف ولا تهدف ، وحكماً لا تصل ولا تصيب . أعرف أهمية النقطة بين الواضح والغامض وال هنا وال هناك . . وأكثر أعرف أهمية أن أوسّع هذه النقطة ، أجعلها مكاناً . أعرف أن هذا المكان موجود قبلي ، لكن عندما نُفيَ الأنبياء والمجانين ، وتغيّرت هيئات ومقاصد الرحلة الحلم ، وعبث السفلةُ بالعالم وهيمن المقدس ، ضاق هذا المكان ، ويكاد الجميع يدرك خطورة احتمال الانهيار . لكن القليل . . ولأقلْ فقط سكان القبو وحدهم يدركون لو أُطبقَ تماماً على هذه النقطة سينتهي كل شيء بطريقة تخلو حتى من الشاعرية .
قد يبدو القبو فارغاً من ظلال حركة المدن ، أو هبوب الطبيعة في الطبيعة ، ومن أشكال التبادل والعلاقات . هنا النظر . . بؤس النزعة طائرٌ خسران . ما انعزالُ الجانحين سوى المرئي من الأفق . فالقبو وراء ما يبدو . . ولادةُ ليٍل مرصود . وما انكسرَ منذ قليل من الكوكب المصنوع بعناية خيال مقنّع هو صياغةٌ تطير ، وما تحرّكَ داخل نَفَسِ السكون هو وثبة العطايا في التمثال وحوله .
- تقصد رغبة النسق في احتواء ما هو خارج عنه .
- الهجرة قاعة . . نصف مضاءة وجوابٌ مؤقت . وما يصمدُ في الركن لوعةُ الصانع . أما الوسط . . فهو الإضاءة المؤقتة . بقيَ أن أُفنّدُ الهيامَ . . أن ألهو في صلصال الوقت ، وأن أحتجب ، أنا البالغ ، فيما تشابهَ من الثمر المفاجئ .
- تقصد أن الناظرين للقبو سلالة تاريخ أعمى .
- بؤس النزعة طائرٌ انفرطتْ أرياشه في الحلمِ .
في الحلمِ . . حلمٌ وشرقٌ عارٍ . بمطرقةٍ قُدّتْ من ليلٍ مرتاب حطِّمْ تمثالَ الهاوية . درِّبْ وأقرانكَ الشهقةَ ألاّ تكون الأخيرة .
لا يوجد في رأسي أفكار . يوجد كلمات ، وإذا الكلمات أثمرتْ أفكاراً بآلياتها الخاصة ، فهذه ليست مسؤوليتي .
إنها سلسلة خسارات محتملة وليست نهائية ، وراءها افتراضُ انغلاقٍ . . كينونةٌ احتوت ما احتوته ثم انفصلتْ . . ثم حاولت قولَ ما تحتويه . . يعني ، ثمة افتراق عن دبيب الراهن ، لكن عندما تُقال الحركةُ ، أية حركة ، لا تُقالُ بمعزلٍ عن شروط . وربما هذا تسويغ احترازي ، إذ لا شيء خارج العالم سوى ما هو فالتٌ من قبضة المعرفة ، كما تقول أدبيات العقل .
ولأن هنا كل شيء ممكن ، فباستطاعة رجل القبو جرَّ العالم ، حبْسَه في نظرةٍ ما . لكن لماذا ؟
فالعالم ليس هنا فقط ، وألوان الزمن الثلاثة واحدة ، ورجل القبو لا يخاف خيانة ما يعرفه . القبو نفسه هو خيانةٌ للعالم الذي يمكن أن يُوافَق عليه كما هو ، أيضاً ، هو طموح النقطة الرمادية في أن تصبح قوس قزح . القبو تجريب القاع دون هدف جليّ
ما هو خارج المدرَك عالم غايةٌ في الغنى ، كيف ذلك وما البرهان ؟ رجل القبو الأكثر قدرة على تصديق ذلك ، ليس على أساس الحدس أو الإيمان ، ولا على أساس من تجربة الانقطاع التي تفرض بالضرورة الاتصالَ مع عالم آخر مُفترَض . لا بل لأنّ ثمة تجليات تنبض وتبرق في قلب القبو ، في قلب الرجل .
هذا ليس اعترافاً خَجلاً ، إنها إشارة تلمع على يد رجل القبو ، وهي ترتفع وتشير إلى العمق العالي .
المكان في حوزة رجل القبو محسوسٌ ، منفيٌّ . . فكرة . . معادل جملة حلميّةٍ تنفتح وتنداح في فضاء يتسع دون سبب ، فضاء . . . ليتناغم مع حواس هجرتْ وظائفها ، أو استنفدتها لتصبح هي والمتخيّل الغامض شيئاً واحداً .
قد يخلو تخويض رجل القبو من المتعة ، وربما لأنّ المتعة هي ملامسة الأشياء ، أو هي على الأقل المسافةُ القائمة بين الجسد كقوة ، وبين أشكال قوى أخرى محسوسة ومتباينة ومُركَّبة . . ثم الحركة بوصفها فعاليّة منتجة لتأكيد وتقليص واختبار المسافة المذكورة للوصول إلى تماهٍ يصعِّدُ رغبات الجسد ويهبها ممالكَها التي لا تنفد .
تلك طاقة الحيّ التي تتوالد عنها أحوالُ المتعة .
رجل القبو ينتبه إلى ذلك ، يعي الجسد ، لكنه يحاول أن يلغيه كسلطة تعمل فقط لحسابها ومتطلباتها . لا يتحقق ذلك إلاّ في تنظيف البؤرة الفارقة . . إلاّ في لغة تتجاوز نفسَها وادعاءاتها الإشارية ، إلى كينونة قائمة مُلهِمة وليست ناجزة ، تستعير آلياتٍ ناقصةً وترتبها في سياق رؤيا ، بل تقذفها في غابة من الرموز .
ها أنا أسير رغبة في التوضيح والتوصيل ، أسيرُ لغةٍ هي هويتي ، قوة ضعفي . . حلمي .
إذاً ثمة انتباه حاد إلى كيفية تحويل ظل الكلمة الشاسع إلى مكاتب ، ثم قذف محتويات المكاتب في الشوارع والبيوت ، وشحن البشر بالواضح من كثرة قوته وحضوره .
إنه ترتيب همجي غامض لأذهانهم ، وهم يقلّون وسائل نقلهم إلى حياة فقدتْ ظلَّها إلى الأبد .
ومع هذا لأقل : رجل القبو ليس أكاديمياً ، وما يثير سخريَتهُ الحكامُ والمحكومون وطلابُ الجامعة ، وها أنا أكاد أصدّق أنه مُنتبهٌ إلى العالم إلى الدرجة التي تدفعه إلى التغافل . وليس غريباً ، لو أنه قصدَ وفتلَ مِقْوَدَ اتجاهه قليلاً ، لاستطاع اللعبَ في ميادينهم بمهارة سيُحسَد عليها . . لكنه رجل قبو .
خطرَ لي كثيراً ، أنه ليس أكثر من صوفي احترف الأقاصي ، مختزلاً المعاني المذهلة وثمار الانقطاع الذهبية في لحظةٍ امتدت آخذةً شكل الصمت من أجل مطلقٍ ما . . لكن لا . . الصوفي احتمال روح . . احتمال كونٍ . . نقطةٌ بيضاء تتفشى في ضباب المعنى . . رغبة كاملة ناقصة . . سعادة تتقافز بين المشروط والمفتوح . . سعادة كأنها تحققت وكأنها لم تُحقق . . التباس رائع وغنيّ وخاسرٌ ، موجودٌ بشدّة ومنفيّ بعنف .
وربما فيلسوف ، لكن أيضاً لا . الفلاسفة شغيلة أنساق وسياقات يبنون على أنقاض غيرهم دون قدرة على الإلغاء . يمتحون من التاريخ ، من الموروث والمنجز السابق الناقص حتماً ، ويرتبون رؤاهم وتصوراتهم ، كاشفين وأكثر ، شارحين ومطورين للجملة المصاغة والمعادة صياغتها والتي مهما اختلفت ستقع في حقل المساهمة . ولأنه ليس لها أصلاً أن تكتمل ، ستتحول مجتزأةً إلى نمط يثبت إلى حين في أيدي ورثة أيضاً مستهلكين إلى حين ، قبل أن تنتقل إلى متحف الذاكرة المعرفية الذي سيبقى مفتوحاً .
كل ذلك ليس باطلاً ، لكن رجل القبو ليس له مبتغى ليسمّى ، ولا متحف سوى قبوه .
ورثة وأتباع .. كينونات مشكَّلة . . محاولات وأنماط .
المطلق في تتابع الصور . . المطلق في الفكرة التي وراء تتابع الصور ، المطلق بريء من كل ذلك .
رجل القبو يبتسم ويذهب بعيداً ، يحاور نفسه خارج القوى الممكنة ، حين يحاور ، إذا افترضنا ، ما يمكن أن يُسمّى الظلال الحادة والمتحولة لجوهرٍ يقع في الواسعِ الفسيح ، ويقع الواسعُ الفسيح فيه . والمغامرة التي تحاول إلغاء الحدود والضوابط .
لا تستحضر خطاباً ولا تؤسس لدلالة ولا ترسي نمطاً ولا تستقطب جمهوراً ، إنها ربما موقف عدم . . محض سلبية ، بل إنها لا شيء بصفةٍ عظيمة ، قفزة رجل أعمى وأعرج في عماء لا يقع في مساحة قدرتنا على التخيّل ، قفزة باتجاه الكلمة لبطش كل دلالاتها .
أنا الراوي . . نصف حمّالِ خطابٍ ، كما تفهمون أنتم . ذلك أني لم أدعّم رجلَ القبو في إطار دراميّ ولا في رؤية تثبت بالمقارنة والالتقاء أو عبر علائق الانسجام أو التنافر مع رؤى سابقة ، أقصد أسماءً ومواقفَ أسهمت في تكوين صورةٍ ما ، أو ما يشبه الصورة للعلاقة مع العالم .
ماذا يفيد أن أقول إن رجل القبو أجبرني على إعادة وقراءة الكثير ، أو إنه وضعني هكذا داخل السكون عارفاً لا يغريه شيء . . ساكناً ويساعد النقيضَ على ترتيب نفسه .
أنا حطام راوٍ ، فقد كسرتُ الكرسي منذ البداية وساقتني لغتي الأخرى إلى احتمالٍ آخر .
لا أحد يستطيع محو المأساة ، وقصارى الجهد النظر إليها وهي تتبرج دون طائل . ولأقل : ربما العالم لم يستفد من الفلاسفة قدر ما استفاد من شرّاح هؤلاء الفلاسفة ، وإذ برجل القبو ليس فيلسوفاً وإذ بي لست شارحاً . . فلتكن الثرثرة محاولة لتحجيم الوهم وقوة الكذبة ، ولتبقَ جملتي ترتج داخل نفسها وداخل إحساسها بالامّحاء الحاد الذي يتعالى دون أن ينبثق عن خط . . لأجل منطقة أخرى ستبقى حتى وقت طويل مرادفاً للحلم وقوة المجهول القائمة والقابلة للدرس والمُقتحَمة أبداً و . . المؤجلة .
أنا الراوي . . رأيت أرقاً في المعدن ، وروحاً ساكناً في الخشب . لم أقصد لأحمل الكائنَ لوصفٍ . . ولم أُنشِئ الشيء َ . . لم ألذْ بالرمز . . قلتُ ما يشبه الشيء طافياً على يدي وعلى ماء فاجأني . . لمّا انخلع الجسدُ القبوُ كاملاً ناقصاً بين الكبرياء والتيه .
مجازاً ، أنا الراوي ، حياتي مشوشةٌ وضيّقة إلى حدود المحو المفترس ، أفرّغُها طيورَ صياغةٍ تسقط في جهل المسافة الغائرة بيني وبينهم . . أكثر خسارة من عدمها . . مشققة . . خدرها طائش . . تشبه أشباهي . . تعمى بين يديّ رغبةً في أخذها إلى أصلها عبثاً . . رخوة لأنّ لها أضعاف موتٍ ولأنها نصف موجودة . . أدفعها إلى المرايا ناقصةً . . أنساها بحجّة أني أريدها خارج الصفات . . أسميها لأراها . . أمسكها جافةً مهيأةً للكسر . . مريضة مُعدية دون آخرين . . أضمّها إلى صدري حباً بها ورغبةً في قتلها . . تنقشني رمزاً قيدَ الاحتمال . . تميل بي إلى نهارات الحقد والجنون . . تميل بي إلى الصفاء . . ثم تسكن في حلمها أكثر من ركونها إلى أصدائي . . نرفع إهمال بعضنا . . هي القصيرةُ تتبخر هكذا . . وأنا أتحول إلى قطعة رمادٍ لا تُرى . .
حياتي مشوشة وواسعة إلى حدود سيرسمها حمقى طيبون .
لم أعد بتلك البساطة لأحسّ عصارة الكلام بيدي فأفرح . . وليس لي حكمة من يمدح شيئاً أو يقيس حرارة الصدق .
هكذا كأني خلخلتُ مسامير النطق ، ورفعتني من لزوجة شيء أخشى أن يُقال . . هكذا شعرت بالجوع . . شعرت أنَّ لي جسداً آخر . . لكن هل هذه حقاً مصادفة أن أسكن في قبو ؟
وقفتُ أمام كومات الكتب . . كنت حقيقةً أرغب في الحصول على كتاب مثل قصص الأطفال ، فيه صور لشمس وجبال وأضواء تزهو وأزهار وحيوانات . . . أو على مجلات ملونة تحكي عن البشر كيف يطبخون . . ينامون . . يمرحون . . يذهبون إلى أشغالهم وأحلامهم . . كتب مثلاً عن المدن . . والعواصم . . و . . و . . . بحثت كمجنون ، لم أجد . . أصابين نوع من الهستيريا . . فبدأت أصفع الكتب ، أكسر كلّ ما حولي .
فكرت أن أخرج من القبو . . لكن الساعة متأخرة الآن . . وإلى أين يمكن أن يذهب المرء في مدينة كهذه . . وربما إلى أين يمكن أن يذهب المرء في عالم كهذا ؟
وما استبد بي ملاءة خيالٍ لا تستر شيئاً ولا تقع . . ولا يسوّرني الآن سوى خط من الأيام يكاد لا يكون . . وما عدت "أنا" لأقول : وحيداً . . أشدُّ الجذرَ .
ليس في الكلام كلام . . وما الصوت سوى لحية ندم على وجه دمية .
اعذرني يا رجل القبو . . فأنا كما تعرف شخص متناقض وضعيف ، ولا أملك قوَّتك ومزايا انسجامك . . لكن صدّقني لو أنك نفسك حاولت أن "تقول" ، لربما انتابك ما ينتابني .
كلما أفكر بالتنصّل منك ، حقيقةً ، أكتشف كم هذا مستحيل وكم أنتَ . . أنتَ . . وكم أنا ما زلت أفكر ب كيف . . ومتى . . و . . و. .
أعرف أنك لا تركن إلى شيء ولا تصدّق أحداً . . لكن أرجوك مرة أخرى ، صدّقني وصدّقْ أنّ ما أقوله الآن ربما ألغيه غداً . . فأنا سئم ومتعب ، وليس لي قدرة من يحضّر جسده لفكرة واحدة ، من يرفع اضطرابه شعاراً . . من يزيح الستارة ويُرجع المزهرية إلى مكانها . . من يُلصق وجهه على الواجهة . . ولا من يصرخ ويكسر الأثاث والمشاعرَ . . ليس لي قدرة من يقول الأشياء هكذا ببساطة .
لهذا أرثي جسدي . . أبكي وأفترض دفتراً في حقلٍ . . وعاصفة . . جثةً تنبض على جذع شجرة . . أساير بهاءَ العقدة في الحلم . . وأعِدُ يديَّ بعدمٍ شجاع . . وأفكر بالهطول والتشابيه العاطلة ، بملكة عمياء ترعى أحلامها بجنون نادر . . ليس لي قدرة من يكتب قصيدة . . لا لشيء سوى لأنني أستطيع .
أبيع أشكالي لرهافة مخيلة ليست لأحد . . أحرّكُ بيديكَ الينابيع . . أَضيّقُ الحنين إذ أمررّه بين قائمتين من خشب الحكمة المهترئ . . وأمدح ما هو عكسُ الذاكرة ما هو ليس نسياناً .
مثلاً : هذه زهرة . . وهذا غيهب الضروروة . . دائماً المعنى منسوجاً دونما انتهاء . . دونما براعة . . أنتَ يا قبواً يتجوّل داخلي اهدأ قليلاً . . دعني أفر منك قليلاً ، فأنا أشعر أني أمتلك قدرة هائلة ولكنها ليست بمتناولي .
ربما هي شفافية الضعف التي تكاد تتبخّر ، لتتجمّع هناك في لحظة منشقة عن الزمان ، تعادله ، بل تتفوق عليه . لهذا تدوم وتموت في عراءٍ وصفهُ هو تحديدٌ مضحك لغرابة القدرة .
لم أقل شيئاً سوى إني خسرتُ ، وخسرت . . فقراءتي للعالم فاسدة وشرسة لأنها الدم النازف المرتبك لمخيلة جريحة . . إذاً الخسارة تحققت . . الأفعال تواظب الآن على كينونتها الأخرى المستعارة ، ليس لتحقيق نتائج بل لاستنفاد البقية من طاقاتها الخاطئة .
إنني لا أستطيع أن أعبِّر عن الكائن الراهن ، فأنا لست صدى للماضي إلا بوصفه وهماً ونسياناً . أنا موقعي منطقياً في المستقبل . . وبحدّة منطقية أشد ، المستقبل لن يحتمل صوتي . . فأنا خليط أزمنة أخرى ومشوشة ، إذاً أنا هباء . . ربما ستلتقطني الأرواح القلقة في احتمال ما ! . .
كنت أنصّب تمثالاً لذئبٍ فوق الطاولة . . أشدّ عشباً يابساً إلى النافذة . . أضيّع أصابعي في القصائد وتحت آباط الكتب وفي عتمات نهارات مؤجلة ، ألملم الخرائط . . أرتبها جيداً . . وأمزقها . . كنت أستعير الجهات من بيوتها ومن أدمغة سارية في دروب هوائية . . أستعيرها ثم أمتلكها ثم أعجنها ثم أحلّها ، من أجل التحرر من الوطن والذاكرة والآخر ، من ارتباكات الحياة ومناطق الضعف والقوة ، من الهوية بوصفها أداةً أو موقفاً يجب أن يُحصَّن .
أستدعي التاريخ خيطاً أزرق يعلق على دخان الغرفة . . أتخيّل امرأة تغني لطفلها بلغة لا أفهمها . . وأدمعُ .
ثمة أفكار تخرج من العفن والرطوبة ، من شظف الحركة ، من فقدان الحسّ بالوقت . . قابلة لأن يُقبض عليها . . لكن من ؟ أولئك الذين يرتبون ويرقبون أفكارهم تحت الأضواء وأمام واجهات الكريستال وعلى أثاث تفوح منه رائحة النظافة والجاه .
أولئك نفسهم ما أسهل القبض على أفكارهم . . ما الفرق ؟
ربما الصياغة . . حجمها . . شكلها . . وقوة بريدها .
كنت أنصّب تمثالاً لفكرة فوق روحي . . أمرّر الصورَ من تحت قناطرها الكاذبة ، أرمّم المناخَ حولها إذ أعبث بطينة البدئي ، أستنفد خطاباً ، أعمّر خسرانه بخسران . . أعيد قراءة كل شيء وقد غلبتني القراءة نفسها وترمتني بعيداً عنها . .
أحنّط الفعل أمام الزمن ، إذا أحوش جرحَه بقبضة تشبه المجرّة ، ثم أطرحه في مرايا مهشّمة لأرى دماً ناشفاً بعد حين لقلّة من البشر أصغت إليَّ يوماً .
أغلق باب القبو عليَّ جيداً وأترك جسدي على السرير مسمّراً بكماشات من عشبِ الموت وأمضي باتجاه يودي إلى اتجاهٍ . . مالئاً الفضاء بصراخ يتساقط فتاتُه على رؤوس تتلصص عليّ باسترخاء وغباوة .
وقبالة باب القبو ، أترك جسدي جثةَ فكرةٍ ، وأندب كامرأة ثكلى في قبو . . بابُه المغلق مثل كذبة .
كنت أخبُّ في طمي الصياغة ككلمة عملاقة تطرطش الفراغ بعوالم لا تحد . . كنت أستطيع أن أنفخ على الأدمغة التي تقع أمامي كأنها أرياش .
كنت رأساً عظيمة ومجنونة . . فتىً ملقى على السرير يحتضر دون أن يلقي وصايا . . يقذف خبرات روحٍ شاخت من كثرة ما شدّت على الواسع فيها .
أنصّب نفسي تمثالاً للوهم ، ثم أنكسر وأنهض وأغامر إذ أُغرق المكانَ والزمان . إذ . . أُلقي حواسي في موقد السحر . . إذ أُعيد اكتشاف المطلق على مصطبة ضائعة .
هكذا ، وحدي أمام وحدي ، وتسري أكوان بين يديّ فأسرّح نظري داخل الأنقاض الأولى . . ثم أمحو جسدي وأتهاوى في الكتب القديمة القديمة . ثم أنهض وأتجوّل بين الممالك . . أمرُّ على الألواح ، أصحّح الأخطاء وأبتكر أخطاء أخرى . . أقعد أمام النهر تاركاً للطيور أن تأكل من كتفي لتطير . . ثم أرقّع جسدي بوحلٍ . . وأمشي . . !
تحت سقف ما ، صدّقت أبي حتى نسيته . . تحت سقف ما ، أحببت الموائد العامة بالخمر وطربتُ لغناء يشبه سذاجة الحسناوات . كنت آخذ من الخمر ما يكفي لتتحرك يداي ، ولتنفتح شفتاي عن "آه" تحلُّ في أجساد ترقص دون أن تشير إلى نفسها . . وأمام الفجر أمضي وربما تمضي معي تلك الأجساد ، إلى جبلٍ كنت ، وربما كنّا . . نعطّل الراهن إذ نرمي ما يشبه قطعة معدن بين دواليبه ، ونضحك لأننا نمنا في البريّة دون أن يأكلنا الضبع .
ما يرميني في أسفل لحظةٍ ، يفور عنها ما لا يُرى . . خدرٌ مبعثه ما يخالجني الآن أو ما قد كان يخالجني منذ زمن وربما سيظل . . رغبة بدائية لها هيئة السرّ الذي يبقى سراً ، وقد فاضت عنه كل الأحوال . . رغبة لا تُفشى ، تجعلني بيني وبين "أناي" قدرةً هائلة في كونها مشيّدة أمام الموت أو أمام حبٍّ كأنه لن يكون . . قدرة تمضي وهي لا تريد ، ساكنةً ومجبرة على الإخلاص لسكونها الهائل الزائل .
رجل القبو لا يؤمن بشيء . والذهاب خارج القبو أكثر قسوةً . . كل شيء إلى انقطاع . . فلم يعد ليبقى سوى توسيع دائرة الأسرار ، لترسو فيها الروحُ العظمى وأطيافٌ كثيفة لأنوثةٍ عاليةٍ وأرياحُ أحلامٍ مجنونة .
هكذا يرتفع هيكل المجد على أساس لغة مؤجلة وإحساسات مضطربة ، ليس لها أن تسند ولا أن تستند .
وإذا كان للأشياء الطالعة من وهم الذاكرة أن تتجسد ، فإنها لا تستطيع ذلك إلاّ في الواقع أو قبالة الواقع . لكن ليكن المستحيل مرةً واحدة هو نفسه دون عناية أحد ، دون مساعدة أي شيء .
كما حاول رجل القبو أن يبدّد نفسه في العالم ، وبين هذه الآجساد النابضة ، أن يخلع روحَه ويمضي في حياة رست وهي تحاول أن تنسى ذلك الشرخ بين الجسد وبين القانون ، بين الشهوة وبين الزمن .
ولكني أعود وأؤكد أنه لم يفعل . . لأنه آتٍ من غياب الطفولة ولأنه . . أوه تذكرتُ ذلك المنام .
رأيت . . "كان رجل القبو طفلاً ذا سنة ، ملقى تحت قنطرة وسط المدينة ، مدينة ساحلية ربما في القرن التاسع قبل الميلاد ، أصبعه في فمه ، يتأمل حوله دون أن يبكي .
إلى أن التقطه شيخ أخرس . . برأفةٍ واثقة اصطحبه نحو دارةٍ قرب البحر . . هناك بين الشط وبين بساتين التين والزيتون نما الطفل .
ذات صباح ، استيقظ الشيخ ليرى المدينة انقلبت رأساً على عقب . . مدينة تضجّ بالحركة والأسواق بيع وشراء . . مواشٍ . . سلال ملأى بالسلع . . حاجيات من كل نوع . . نساء يعرضن أجسادهن للشمس والرقص والملذات . . لغط ونقاشات . . كتب تُنسخ على مصاطب واطئة . . خطباء وطلاب في حلقات مثيرة .
عاد الشيخ . . لملمَ بعض الأشياء . . شدّ على قبضة الفتى ومضى به . قطعا تلالاً تنتشر عليها معابد ومزارات . مشيا في دروب مفتوحة على السماء تصطف على أطرافها تماثيل وهياكل غربية وعظيمة . . وعندما تعبا جلسا على تلّة تطل على المدينة ، كان المشهد سحرياً ، أوسع من المخيلة وأفتن من أن يوصف .
/ وأنا في المنام ، فكرتُ أن رجل القبو منذ ذلك الوقت تعلَّمَ كيف ينظر إلى العالم من هناك ، مصدّقاً بنفس الوقت هناك آخر / .
وعلى حدّ الغابة ، قرب النهر ، بنى الشيخ الأخرس بيتاً . فهو يستطيع أن يفعل كل تلك الأشياء بمهارة وسهولة ، أصلح الأرض وزرعها .
وكان الفتى هناك يشبه روح الطبيعة وقوتها ، يشبه ملاكاً بجناحين من غبطة وورد ، الشيخ بعينيه اللامعتين يعاكس الغيم ويرفع يده كما يرفع زهرة ، ويومئ للشمس في الشروق ويساعد النجوم لتنهض من شهقات النهر .
فجأة وجد الفتى نفسه مأخوذاً بغيمة صغيرة منسوجة من طيور ملوّنة ، وربما جنيّة أخذت هذا الشكل ، سحبتهُ هكذا رويداً رويداً باتجاه المدينة .
حتى أصبح كل ليلة يغافل الشيخ زائراً المدينة ، حاشراً جسده الصغير بين الأجساد ، دون أن ينتبه إليه أحد ، سامعاً ما يُقال ، خطباء وفلاسفة ولغة غزيرة كالمطر . تكررت الزيارات ، وبدأ جسد الفتى بالهزال وفي رأسه جُملٌ وأخيلة وأكوان بترق وترهقه .
مرة كان الجدال محتدماً ، شعر الفتى بحرارة تسري في جسده ، ورجفة تخلخل مفاصله ، فقذف نفسَه واحتلَّ الطاولة وطفق يقول حتى تسمّر الجميع في أماكنهم مشدوهين . . فقد قال الأشياءَ كلها دفعة واحدة وبعبقرية نادرة .
وبعد ما انتهى . . استفاد من اللغط والاندهاش ، وانسلَّ عائداً شاعراً بالوهن والمرض . عندما وصل ، وجدَ الشيخ ميتاً ."
المنام رهاب الحكاية . . اهتراءات الذاكرة . . طزاجة الميتات خلفَ الكائنِ دون تحديد ، وأمام المشاغل المتوهَّمة لرجل القبو . . إذاً للضرورة وسائل الوهم . والزمان ليس مكاناً في اللغة .
منذ فترة وأنا مهجوس بفكرة مكوثي أبداً في التاريخ . ترى هل يستطيع ذلك من لا يجيد التحرك في "الآن" ؟
بين "كان" و "الآن" . . فقرةٌ ملأى بالاحتدام ، جسد يتمرأى بالأشكال والأحجام ، جسد أُخذ وأُخذ حد النفي .
كل الأشكال في المستقبل ستكون برّاقة ولامعة ، لكن دون عمق ، ومحروسة بمعادن جديدة ، وسيتوالد حراس كثيرون من سجن مهماتهم . . وسيبقى قلة من القادة يقلّدون غرائزهم وهم يتفرجون على مهرجين بثياب لا لون لها . . قادة يعجزون عن إخصاب زوجاتٍ ، زوجاتٍ سيستحضرن أطفالاً من برقٍ محنّط يزيّن رؤوسهن كالشرائط ويزين أروقةً تودي إلى خزائن ملأى بثروات غير قابلة للاستعمال .
هذا تتابع المكعبات المكتبات . رنينها . . تدحرجها باتجاه ذاكرة صلدة مغلقة .
كل شيء للبديل . . والبديل تمثال يحوطُهُ حراسٌ سيتوالدون من سجن مهماتهم حتى يتأكّلهم الجوع ، ويبقىالتمثال للبرد وعواصف لقيطة .
إذن إلى أين سيتجه رجل القبو ، سيَّما أنه ليس مريصاً للدرجة التي تدفعه للعودة إلى تاريخٍ وضعَ الأبطال هوّةً في طريقه .
ربما بقي اللحظة التي تميل إلى نفسها ماضية في احتمال أفقٍ .
أضع كل الأسئلة على حدة ، لأنّ كل الأسئلة بحثٌ واحتمالُ أجوبة . . وأجوبةٌ مقلوبة . . سعيٌ باتجاه المحاولة والعجز . وإذا وصل التنصّل إلى هذه الدرجة ، فمن السهولة بمكان القفز فوق طروحات وأسماء كرّستْ نفسها كسلطة أكثر عنفاً وعنجهية من السلطات الكيانية القائمة ، التي ترتب البشر ، تصفّهم . . وتسفّهم ، وتربط العلاقات كلها بحبال مشدودة إلى الغرف المضاءة في المبنى الأخير . إذا لم تكن المباني نفسها هي نتاج تلك الطروحات والأسماء .
وأصيخ السمع لوقع الأسرار على جثثي الكثيرة . . المتشابكة على أرضية القبو . . فيأخذني خدرٌ وتلفّني رائحة تبكي .
الندم وذيول القرارات الملتصقة على حائط رطب . . أكوان من الخطايا والدمع . . رسوم عميقة ورديئة وحشائش تتدلى على الحيطان كأشواق عشاق ميتين . . طاولات مهشمة . . وبقايا كرسي تصَّاعد منه حرارة جسد ، أو ربما أحلام ملكة .
فسحات لرعشات متآكلة . . . وخفقان الأنوار . . وظلال منسربة كالسحر إلى تجاعيد الحديقة . . أشياء كالأراجيح والمساند . . كالنسيان مسكوباً على ممر عشبي يصل بخفاءٍ إلى ملحقات وراء القلعة .
نساء أربعينيات يفردن السجاجيد المزخرفة في بهو تفرُّ منه حمائم الغبار وتعدو فيه حيوانات صغيرة ومدماة .
غلمان بأردية ملونة ووجنات حمر ، يحملون المواقد النحاسية وعُدد المائدة وشراشف زهرية ، لأمرّ أنا عريس الرؤيا ، حيث الردهات تتوارى خلف بعضها .
وحيث الحواس حبال تتدلى من عواميدَ رخاميةٍ تشبه شواهد مبالغاً في طولها ، كان احتياجي لشمعة يشبه احتياجي لجسدي . غاردتُ الجمعَ واجداً نفسي في ممر طويل ، كانت الأنوار باهتة ، ولا أعرف لها مصدراً . وفجأة رأيتني أمام غرفة تقف على بابها عرّافة ضخمة تتهدّل خصلات شعرها كشموع مطفأة ، تتنازع فوق نهديها فراشات أملٍ ويأس . قالت بصوتٍ خفيض : لا تدخل . الملكة متعبة قليلاً . . انتظر في الخارج . . رأيتُ بعض النساء الصغيرات يحملن طاسات الماء وسوائل ملونة ، يدخلن . . وقفتُ بضعَ دقائق لا ألوي على شيء . . تفيض على وجهي هالةٌ وربما روح غير مرفوقة بأي إحساس ، فقد كنتُ فارغاً دون مشاعر ولا أفكار لأقولَ . . لأقررَ . . مع هذا مضيت في الممر الطويل دون أن أعرف إلى أين يؤدي .
ولا ثغرة مفتوحة لنسائم تأتي من الحقول القريبة لتداعب الستائر التي مزقتها أظافر أزمنة صفراء ، والتي يهمُّ رجال سمر بتبديلها ، الستائر التي كانت تغطي نوافذَ مرسومة على الجدار . ولأني كدت أختنق ، صرخت "اثقبوا هذا الجدار" . وعدت لأصيخ السمع أكثر لوقع الأسرار على جثثي المتشابكة غلى أرضية القبو ، ليأخذني خدر ، وتلفني رائحة تبكي .
كل القصص العظيمة تستطيع اختصارها بجملة ، تجارب البشر العظماء . الكتب كلها . . الحياة نفسها . لكنّ أحداً لا يرضى ، وجملة واحدة لا تكفي . . فتتوالد التفاصيل ويدور الزمن حول نفسه مطيّراً مؤكِداً أمكنة تبدو مختلفة ، وبشراً يبدون مختلفين . ولا مجد ليبقى سوى مجد الأسرار .
منذ سنوات لا أعرف حجمها تماماً ، أجهزتُ على كل الأشياء . ولكن بغرابة شديدة ما زالت كل الأشياء ماثلة أمامي ، لا تعبأ بي ولا تركن ليديّ إذ تحولان الترتيت . تبّاً لي ولها ولتلك القوة الغاشمة التي تدفعني .
الأشياء . . أرقام تصطف بين جسدي وبين الخواء . . قوانين تحوط الحركةَ . . تساعد الموتى على التنفس وترتّب الهواء في قنوات . كل شيء يستمر . . والدوائر تتدحرج وتتسع . القسوة أن تصيبك حرارة الجماعة أو رغبات الجماعة ، إذا لم يكن الإعدام . ولهذا عندما كنت أشعر بحاجتي للإحساس بكوني لا شيء . . وبحاجتي للحقد . أدسّ جسدي في الاحتفال أو في الجنازة . . بينهم . . ثم أقفل باكياً . . أهبط إلى قبوي كسكران ، أصفّ مفردات كثيرة أُقَلِّبُها على أوجه تكاد لا تُرى ، وأضحك . . ثم أصفّ مفردات أخرى . . أعيد النظر إليها وأضحك من جديد ، ثم أحلم بأزمنة متوّجة بالضياع .
لكتابة قصيدة ، يمكن لك أن تستحضر روحَ الأبد ويمكن أيضاً أن تستحضر بعض الكلماتِ ، لكتابة تاريخ يمكن استدعاء أي رجل يظن نفسه مصيباً ، لكتابة فلسفة أحبسْ نصف عقل في مكتبة .
لا شيء حقيقي حتى هذه اللغة ليست أكثر من انصعاق ندم كوني ، يفتح ثغرات الأنا ويفشلها ليكون ما هو كائن . ولتكون خديعة سيالة ، تساقط عنها ببطء غبي هيئات وأجسام بقدر ما هي معنى هي فراغ يقدس نفسه حين يقدس وعيه للعمل وللعبث وسخريات التشكل .
أقسى أنواع العبودية أن الذاكرة ملأى بالأشكال والألوان والأسماء التي لم اخترها . وما أحلم به حقيقة رؤية نفسي هكذا دون "قبل" دون "بعد" .
لكن هذا الحلم ، وأي حلم صورة . والكائن الأول الذي كانها . . أورثني كل هذه الأزمنة الممتلئة الممكنة ، كل ما أحقد عليه ، أورثني حنيناً ما زال يدمرني ويصعقني .
ليس للوهم بيت ، وكل قصور الحقيقة آيلة للسقوط . هكذا ينبسط العراء واسعاً مفسحاً لرجل القبو أن يمضي وحيداً دون ذاكرة ولا لغة .
والرحلة ، كما اكتشفت أنا الراوي الفاشل ، عناء ومجاهدة بين الوحدة وقوانين الصورة ، بين غبار الحب وسقوفٍ مقلوبة .
فالغامض ليس غامضاً . . إنه الحيرة . . والحيرة مادة تشبه الرمل في عراء يشبه الصحراء . فقد كان كل شيء نقيضَ رجل القبو . . ورجل القبو خلاصة كل شيء . لكن الآن يجب تأكيد ملاحظة . . إنه ليس من الحكمة جلاء الخلاصة .



#فراس_سليمان_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة مقلوبة
- بارانويا الله
- رجل في قاع الليل
- الضحك
- أناشيط مجموعة شعرية لعلي حميشة
- قصائد الجبل
- مطر غزير


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس سليمان محمد - رجل القبو