أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد علاونه - دراسة نقدية عن رواية القط الذي علمني الطيران















المزيد.....


دراسة نقدية عن رواية القط الذي علمني الطيران


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4117 - 2013 / 6 / 8 - 17:01
المحور: الادب والفن
    


النص الكامل الذي قدمته لمنتدى الرواد الكبار في عمان يوم 4-6-2013 وهو عبارة عن دراسة نقدية لرواية"القط الذي علمني الطيران"للروائي الشهير هاشم غرايبة

مما يدهشني في رواية القط الذي علمني الطيران هو أن جميع المساجين الذين كانوا نزلاء مع بطل الرواية(عماد).. أن كل تلك الشخصيات عبارة عن أبطال والراوي لم يخصص الرواية ليتحدث فيها فقط عن نفسه بل ترك تلك الأنانية وصار يبحث ويصف مشاكل وهموم النزلاء ويتحدث عنهم بكل شفقة ويتحدث عنهم أكثر مما يتحدث عن نفسه,صحيح أن عماد بطل ولكنه ليس وحده البطل فهنالك أبطال من نوعٍ آخر غير سياسيين وغير حزبيين إلا أنك كقارئ تشعر معهم بالآلام وتنسى عماد الذي من المفترض أن نقرئ عنه أكثر مما نقرأه عن عماد,إنه فعلا كان مناضلا حقيقيا يهتم بأمور الناس أكثر مما يهتم بنفسه,وهذا بخلاف رواية(مصطفى أمين) بعنوان:سنه أولى سجن وهي عبارة عن عدة أجزاء رواها عن نفسه كسيرة ذاتية,وهذا تجسيد لليبرالية التي كان مصطفى أمين يتمتع فيها أما رواية القط فكانت بحق رواية اشتراكية وهذا الجانب من الرواية أهمله معظم الذين قرءوا الرواية,هذا شيوعي يتحدث عن نفسه وعن هموم الناس وذاك ليبرالي يتحدث عن نفسه وينسى الباقين وهذا وصف مقتبس لغالبية الشخوص المتواجدون في الرواية: "أبو حديد متهور الطبع,رمام,يضمر الشر بقلبه,كالضبع, اذا ردعته,يزعزع القضاء بقعقعته,القط روح حرة وجدت نفسها في قفص..أو قط يحلم بأنه طائر غريد في فضاء شاسع,الختيار عاقل,صبور,وهادئ,جمل عندما يُستفزُ يصير صعب المراس,عساف ناعم أملس وتتوهم أنه بين يديه وإذا به ينزلق إلى جهة أخرى نابه متحف,كرزم ثعلب متربص يضرب ويختفي بسرعة,يجيد التناغم مع بيئته..ابو زهرة ضعيف مذعور مثل السحلية,يخاف كل متحرك..ثم توقف عماد عن الرسم متسائلا: أنا من أنا,ليتني أعرف(ص107-108)".

يبحث القارئ في أي عمل أدبي عن الصور الجميلة والمثيرة للدهشة وللحنان معا وخصوصا تلك المشاهد التي تستفز أعصابنا وتحفرُ في وجداننا وفي وجدان أمة بكاملها,وأحيانا لا نستطيع تخليص ذاكرتنا من بعض المشاهد التي تأسرنا بجمالها وبعنفوانها, وأنا هنا في رواية القط الذي علمني الطيران لم أجد منظرا أجمل من منظر أم البطل وهي تحتضنه وتدافع عنه وتتلقى عنه الركلات الترجيحية وغير الترجيحية لقد تم اعتقال البطل بطريقة عادية بالنسبة لي ولكم ولكنها بالنسبة للأم كانت عبارة عن طريقة وحشية تركت في نفسي كقارئ أثرا بالغ الحزن وتركتني يومها طريح الفراش أبحثُ عمن ينجدني من مشهد الأم الذي كاد أن يصيبني بالصدمة الحقيقية.,لقد تفجرت أمومتها وتفجرت يومها كل معاني الأمومة التي نبحث عنها وأثبتت بجد أنه لا يوجد في هذا الكون شيئا يضاهي حنان الأم بالنسبة لنا جميعا. لقد رُفعت الستارة على مشهد صباحي من الصباح الباكر حين حضرت سيارة الشرطة وعليه رشاش ال 500والبطل يشدونه من أطرافه الأربعة وأم البطل مرتمية فوق ولدها تحاول سحبه واستعادته من فم الذين يأكلون لحم أخيهم سواء أكان حيا أو ميتا وتغلق الستارة على هذا المشهد وما زال القارئ يتابع صوت السيارة التي لاذت ومعها ضحيتها تمخر عباب الحارات من شارعٍ إلى شارع ومن زاوية إلى زاوية, وثاني أجمل صورة كانت صورة أبو البطل في الدرجة الثانية من ناحية جذب القارئ للاستعطاف مع شخوص الرواية يوم ذهب للمخابرات لمعرفة الجريمة التي ارتكبها ولده ليستحق عليها العقاب والسجن حين قالوا له:"أبنك شيوعي كافر" فقال:إذا كان ابني كافرا فهذا بينه وبين ربه، وربه يحاسبه... أما أنه شيوعي فهذا بينكم وبينه ,ولكن اليد التي تمتد على ابني بكسرها".

وهذا المشهد بطبيعة الحال أو الموقف الصريح ليس مشهدا عاطفيا مثل مشهد الأم بل دبلوماسيا لا يمكن له أن يبتز منظر الأم التي خرجت كما يقال(فارعه دارعه ومنفولة الشعر) وفي كل الرواية لا يمكن أن تجد فيها مشهدا مثيرا للحزن والدهشة مثل هذا المشهد للأم وهي تحتضن ولدها ونحن كعشاق للأدب تجذبنا رائحة الأم والروائح الرومانسية أكثر من المشاهد والصور الأخرى الجدلية والفكرية والمذهبية والعقائدية والماكرة تحت غطاء السياسة وهي فن الممكن أو فن البقاء أو فن الكذب والرياء والنفاق فقد كانت صورة الأم ومشهدها وهي تتلقى الضربات عن ابنها البطل يوم اعتقاله أجمل صورة في الرواية بدون منازع.

وصورة أب البطل الذي تحول مع الزمن إلى متحدث رسمي بإسم أهالي وأبناء المعتقلين سياسيا مما أزعج الشرطة والأمن,وفي ذات يوم من الأيام حضر لزيارة ابنه بطل الرواية فمنعه مدير السجن عطا الله: فرمى الحاج البرتقال في وجهه وقال له(الله لا يكثر خيركوا) وصارت هذه القصة مثل الأسطورة فقد قال البعض أنهم شاهدوا حبة البرتقال تتدحرج من التل إلى مركز الحسبة لبيع الخضروات وظلت تمشي حتى وصلت إلى البائع الذي اشترى منه الحاج كمية البرتقال, وهذه لفتة قوية من الكاتب والمؤلف الذي كتب هذه الرواية ووضع يده على مشهد مضحك وساخر جدا ومبالغ به إلى أبعد الحدود حيث الناس تزود بالكلام كثيرا مثل قصة الرجل الذي قال لزوجته أنه يبيض كل يوم بيضة من الذهب فوصل الخبر إلى والي المدينة بأنه يبيض كل يوم أكثر من 100 بيضة, طبعا الروائي حاول أن يضحكنا وأن يرسم الابتسامة على وجهنا ونحن نتألم لنفس السبب الذي تألم وما زال يتألم من أجله.. وسمع(عماد) بالذي حدث مع أبيه يوم جاء لزيارته وبدأ يتهدد ويتوعد للثأر لأبيه ولم يدخل مدير السجن إلى باحة السجن إلا بعد أسبوع بمعية لجنة قام عماد على الفور بملاحقته ومطاردته في باحة السجن وضربه بالعصا على ظهره وكانت المفاجأة أن جميع أفراد الأمن العام انبسطوا من تصرف عماد مما يدل على أن مدير السجن لم يكن محبوبا لا من قِبل المساجين ولا من قِبل أفراد الأمن العام,مما يحيلنا إلى فكرة أخرى عن الموضوع وهي بأن كبار الموظفين في أجهزة الدولة وخصوصا الأجهزة الأمنية غير راضين عن سياسة الدولة وهنا مدير السجن يرمز إلى الدولة والمساجين يرمزون إلى الشعب وأفراد الأمن العام هم الهيكل التنظيمي والإداري للدولة علما أن الراوي لم يقصد ما نقوله وكل ذلك اجتهادا من القارئ الحصيف.

ومما أعجبني ثأر البطل السجين لأبيه وضرب الضابط ضربة وكتلة(قتال) في باحة السجن (ما أكلهاش حرامي جاج في يوم الجمعة أمام المسجد )كما يقال بالأمثال الشعبية, ومع أن هذين المشهدين عظيمين إلا أنهما أقل إثارة من مشهد الأم المنفولة الشعر,مع أن مشهد سقوط الأب احتمل كثيرا من معاني البطولة والجرأة وخيبة الأمل حين كان يرتجي الأب معاملة حسنة لولده وله أيضا كان على العكس يتلقى معاملة سيئة,ذلك البطل الذي كان يضحي بزهرة شبابه في السجن ثمنا لانتمائه لحزب سياسي تكافحه الحكومة مكافحة أعداء النازية للنازية وأعداء الشيوعية للشيوعية, وهنا أريد إعادة تركيب الرواية من الأفضل ومن الأجمل إلى الأقل جمالا بشكل تدريجي لتخرج الرواية بصورة أخرى أكثر جمالا وإثارة مما هي عليه اليوم مع الأخذ بعين الاعتبار تجاهل تسلسل الأحداث في الرواية وكأني هنا أريد كتابة الرواية مجددا لأختار المشاهد والصور المثيرة والتي أرى بأنه كان من اللازم ومن الواجب على الراوي أن ينتهج نهجي في هذا العمل وأن يعيد كتابة الرواية منذ اللحظة الأولى لاعتقاله من قبل المخابرات,وهنا لا أقول بأنه لا توجد للبطل مشاهد جميلة ولكني أعتقد أن أم البطل التي ظهرت كضيفة شرف على الرواية كانت صورتها وتقاطيع وجهها وشعر رأسها المنفول أجمل من تقاطيع الرواية برمتها وكان من اللازم وضع هذا المشهد على لوحة الغلاف واسمحوا لي بأن أعرض عليكم مشهدها الجميل في الرواية من صفحة(37):

"لما جاء زوار الفجر لاعتقاله قاومهم بقبضتيه وركلات قدميه ..خرج أبوه بمنامته شاهرا بندقيته >الكلاشن<..وأطلق صلية في الفضاء.ارتفع صوت أحدهم هاتفاً:مخابرات.مخابرات...(كنداء تحذيري) وأيقظت ليل القرية صلية رشاش ثقيل رابض في مؤخرة لاند روفر داكنة,ظن أنها موجهة إلى صدر أبيه.توافد الجيران بمناماتهم مذعورين.خرجت أمه مذهولة منفولة الشعر,وحضنته تتلقى عنه اللكمات..جروه من حضنها بعنف.فتشبث بشجيرة الياسمين التي على باب الدار..وعوى ذئبٌ في مكانٍ بعيد".

وهنالك صورة أخرى للأم أتبعها الراوي في الصفحة رقم44 حين قال بما معناه أن المخابرات مبسوطة باعتقاله والحزب مبسوط بصموده ولكن أمي ليست مبسوطة في كل الحالات ولهذا السبب راودت البطل فكرة يقول فيها طز بالجميع طالما أن أمي غير مبسوطة وسأستنكر,وهذا أثار فعلا شجوني وهواجسي حيث الأم كانت هي الضحية وهي المتضررة حتما من سعادة وانبساط المخابرات ومتضررة أكثر من الحزب المبسوط على ثبات الرفيق. وهذا موقف يذكرنا بالفلسفة النسبية وبالفلسفة الرواقية التي تقول :لا يوجد شر مطلق أو خير مطلق فكلل الشرور تكون خيرا وشرا في نفس الوقت طالما أن هنالك متضررون ومنتفعون,فبعض الشر يكون انعكاسه على بعض الناس خيرا كثيرا وبنفس الوقت على فريقٍ آخر من الناس شرا كبيرا, وهنا موقف الأم حيث هي المتضرر الوحيد من اعتقال ابنها في الوقت الذي انعكس فيه الشر على بعض الناس خيرا كثيرا أي أن هنالك فئة استفادت من تعذيب بطل الرواية(عماد) وفريق آخر متضرر من سجن البطل (عماد) متمثلا هذا الفريق بالأم وحدها التي ذاقت اللوعة والفراق والحزن والأسى وإنني أليوم من على هذا المنبر أتوجه بالشكر للأم البطلة على ما بذلته من جهد ومن تحمل المزيد من المشقة والتعب...أنظروا إلى هذه الصورة وهي صورة الأم التي نسيت الأعراف والتقاليد إذ خرجت من بيتها منفولة الشعر عن دون وعي منها لتحتضن ولدها الذي جاءت المخابرات للقبض عليه ولتتلقى عنه الضربات واللكمات إذ لم يكن هنالك اشتباك أكثر خشونة للأمن العام من هذا المشهد وخصوصا حين جروه وسحبوه من حضنها وتشبث بشجيرة ياسمين صغيرة أمام البيت أما صورة الأب فقد كانت من خلال موقفين جميلين لا يعودان لبطل الرواية نفسه الذي تدور حوله الأحداث من كل حدبٍ وصوب ,وهنا أود أن أشير إلى أن أجمل مشهد تمثيلي في الرواية ليس من الضرورة بمكان أن يكون لبطل الرواية أو للشخص الذي تدور حوله الرواية كما عهدنا ذلك في بعض الروايات,كانت صورة الأم يوم اعتقل البطل أجمل صورة وردت في الرواية مؤثرة ومحزنة وصادقة وكانت فعلا هي البطل الحقيقي وهي المنتج وهي المخرج للرواية وهي الممثلة التي يجب علينا أن نعطيها جائزة أفضل ممثلة أدت دورها بواقعية لم يفتعلها الكاتب من خياله وهواجسه ولم تكن هي متصنعة بل تصرفت وفق طبيعتها..طبيعة الأم الحنون,وإذا دققنا النظر في مشهد الأم وهي تحتضن ولدها سنكتشف بأن هذه الأم أمنا جميعاً وهذا التصرف من الأم كان من الممكن أن تتصرف مثله أي أم تدافع فيه عن نطفتها أو بيضتها.

ومن مآخذي على الراوي أن الكاتب أهمل بعد ذلك صورة الأم بشكل ملفت للجميع ولم يكن يذكر منها إلا زيارتها الأسبوعية للبطل وهو في قفص السجن دون أن يثير الراوي كثيرا من الشجون والأحزان والانفعالات وذلك في الصفحة رقم148 من الرواية وكان على الراوي أن لا يكتفي فقط بالتلويح وبالتلميح فقط لا غير فقد كان عليه أن يعطينا صورا ذات دلائل وتأثير نفسي وعاطفي على نفسية المشاهد أو القارئ للرواية.


القط:

وبما أن الرواية تحمل عنوان القط الذي علمني الطيران فقد كان من اللازم على الراوي أن يحدثنا عن شخصية القط بعد مشهد الأم منذ بدايات الرواية وليس في نهايتها لنتعرف بشكل أفضل على هذه الشخصية التي تمتاز بالحكمة وبالمنطق العجيب والغريب الذي لا يصدر إلا من ألسنة الفلاسفة والمفكرين فلهذه الشخصية مقولة وصورة أعجبتني جدا حين يقول:

"أمي ما ماتت جوعا,أمي عاشت جوعانه,ولذا مرضت صبحا,عجزت ظهرا,ماتت قبل الليل" وهي مقولة لصلاح عبد الصبور ولكن القط أصر على أنها فلسفته,ومما أعجبني في منطق القط قوله:"...صدقني يا رفيق..الجوع ممكن أن يصنع شحاذا أو حراميا..الجوع ما بصنع ثائر"ًص167,ثم أتبع حديثه قائلا:أنا اخترت أن أكون فقيرا حراميا وليس فقيرا شحاذا, فهذا الموقف عليه كثيرٌ من الاختلافات بين المنظرين للثورات وما زالت المشكلة عالقة حتى اليوم بينهم فمنهم من يرى بأن الفقر يصنع شحادا ولا يصنع ثائرا ومساعدة الفقير هي عملية تؤجل وتؤخر الثورة ولا تقدمها لذلك يرى كبار المفكرين وخصوصا نقاد علم الاجتماع أن مساعدة الفقراء هي الأخرى بحد ذاتها جريمة لا تغتفر إذ يجب على الجائع الفقير أن يتحول من الشحاتة أو من السرقة إلى الثورة على النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يشبه إلى حدٍ كبير منطق الفيلسوف(برناردشو) حين قال: الرأسمالية مثل لحيتي ,غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع.

**************************************************


أبو حديد:

(أبو حديد) شخصية نالت حبي وإعجابي ومؤازرتي لها ونالت تعاطفي مع ذلك الطفل الذي مات أبوه في نفس اليوم الذي أطل فيه على الحياة حين ذهب أبوه لإطلاق الأعيرة النارية كتعبير عن فرحته بالمولود الجديد ولكنه أصاب نفسه إصابة قاتلة جعلت من يوم الفرح يوم حزن عميق وجعلت من النهار الصيفي نهارا شتويا وتحول العرس من لونه الأبيض إلى اللون الأحمر الذي سالت فيه الدماء.ومن ثم ماتت أمه حين انفجر فيها الببور بعد سنة ونصف من مولده واحترقت الدار وماتت الأم وكفلته جدته ومن ثم ماتت الجدة بعد أن أصبح في الصف الرابع الابتدائي,وترك المدرسة ليس لأنه غبي أو كسول بل ليسرح لعمه بالغنمات ولهذا السبب كفله عمه وبعد أن كبر وأصبح رجلا طلب ابنة عمه للزواج ولكن عمه رفضه كونه يتيم ومشرد, إن هذه الصورة محزنة جدا ولا تكاد تفارق تخيلاتي نهائيا, لقد كانت بحق شخصية مذهلة ومدهشة جدا لعبت فيها العادات والتقاليد والحرمان من الأنثى دورا مفصليا هاما في حياة البطل,وظل أبو حديد طوال حياته معانيا من نقص وحرمان من الأنثى نفسها حتى اندفع في النهاية لإشباع رغبته الجنسية عن طريق الاغتصاب,وحتى حكاية القط عن كرمة وممارستها للجنس مع القط لم يكن يتخيلها إلا اغتصابا وليس تراضيا بين الطرفين,وقد سجن بسبب اغتصابه لامرأة وحكم عليه ب 15 عشر سنة من السجن,وفي الحقيقة لا أدري هل فعلا يسجن القانون 15 عاما من السجن على رجل قام باغتصاب امرأة؟

الشتيمة الجنسية:
في الصفحة126 من الرواية وردت مسبات جنسية وكلمات نابية وهي تستعمل كثيرا في حياتنا اليومية ولكن لا أحد يجرؤ على استعمالها,وذكرها الراوي هنا كتعبير عن نبض الشارع الطبيعي ووصف دقيق لحياتنا اليومية.



كرمة ومها

مها وكرمة وجهان لعملةٍ واحدة ولكن واحدة منهما عملة حقيقية من الممكن صرفها خارج السجن وهي(مها) وعملة أخرى مزيفة وغير حقيقية,ألا وهي كرمة التي لا يمكن صرفها لا من السجن ولا من خارج السجن,وباختصار شديد (كرمة) شخصية وهمية اخترعها(القط ) من أجل أن يخفف على نفسه آلام السجن وهي كذبة يصدقها من يخترعها حتى أن كل المساجين يتسلون عليها من خلال تداعيات الأخيلة المتكرر من أجل تخفيف العذاب الذي هم به,السجن هو انقطاع عن العالم الخارجي,وصورة الأنثى تخفف على المساجين وغير المساجين الكثير من الآلام الحزينة وتستمني ذاكرة المساجين على صورهما من أجل تخفيف حدة الحزن والألم والعزلة والانقطاع عن العالم الآخر خارج السجن, والأنثى سواء أكانت صورتها خلف القضبان أو أمامها خارج السجن إلا أنهما يؤديان نفس الوظيفة ونفس المعنى ذلك أن الإنسان حين يمتلئ بالحزن وبالألم لا يجد إلا وسيلتين لتخفيف حالة الحزن,وهما: إما الجنس وممارسته بشتى الصور والأشكال وإما إلى الاتجاه لتناول كميات كبيرة من الطعام من أجل الحصول على اللذة,والإنسان بطبيعة الحال يحصل على اللذة من الطعام ومن الجنس وكلاهما وجبة مسلية تدفع بالحزن بعيدا جدا حيث لا يوجد ما يشبع الإنسان أو ينسيه أحزانه إلا الانغماس في الجنس أو الطعام.
______________________________________________

الصلح العشائري:

أولا ركز الراوي على موضوعين هامين جدا وهو أن العشيرة والقبيلة كلها تقف مع الولد الهامل الذي يقتل خصما له لأسباب تافهة جدا ولكنها لا تدعم ابنها المثقف أو المتفوق دراسيا ولا حتى في أي قضية سياسية أو ثقافية وهذه لفتة مهمة فلم يسبق مثلا لقبيلة أردنية أن جمعت مثلا مبلغا من المال لنشر رواية أو ديوان شعر لابنها المبدع ولكنها تجمع الألوف من الدنانير من أجل تخليص أبنها من قضية كلها بالأصل عائدة إلى سلوكيات هاملة ومنبوذة وهنا مفارقة عجيبة جدا رصدتها الرواية من خلال سلوكيات المجتمع المحيط بنا من كل الاتجاهات وكل ذلك تجدونه في الصفحة رقم129, ثانيا وهو الأهم أن هنالك عمليات تبرير للهزيمة نفسها فأبناء العشيرة إذا هُزم ابنها في معركة لا يعترفون بهذه الهزيمة بل يسمونها(غدرا)(إبننا أُخذ غدرا) وراح الراوي لأبعد من ذلك وهو التركيز على حرب ال48 وال67 مع إسرائيل ووضع مقارنة مدهشة بين هذه وتلك بحيث يفسر الإعلام العربي هزيمة العرب في الحربين على أساس أننا لم نهزم وإنما أخذنا غدرا.


بعد كل ما جرى نتساءل ما الذي فهمناه من الرواية وما الذي استفدنا من هذا الدرس القاسي وخصوصا القصة والوهمية عن السرداب كمحاولة لعمل هروب ماكر,وهنا يختلف (عماد) بطل الرواية في وجهة نظره مع القط الذي يريد أن يحصل على الحرية بطريقة لا يمكن أن تجعله يشعر بالأمن وبالأمان فهو يريد الهروب من السرداب ونفاجأ في نهاية الرواية كيف يحلق بطل الرواية عماد فوق قضبان السجن مشيرا بذلك بأن الحرية ليست بالأسفل بل هي بالأفق ومن الباب وليست الحرية هروبا من النافذة بل هي خروجٌ طبيعي من بوابة السجن,ومن الجدير بالتذكير هو أن الراوي جعل كل شخصيات الرواية أبطال حقيقيون من خلال حديثه عن كل سجين معه وما يخص كل سجين من مشاكل ومتاعب حتى أنه ذهب بعيدا في محاولة للحديث عن طفولة كل سجين,وهذا مشهد يجب علينا أن نقف عنده وهو أسلوب حديث جدا في السرد وفي حبك الرواية,فهذه الرواية أغلب شخوصها أبطال حقيقيون وهم ليسوا كمبارس حتى الكمبارس جعل منه الراوي بطلا وهو مدير السجن ومن ثم صاحب البقالة الذي اشترى منه الحاج في سوق الحسبة البرتقال ليأخذه معه إلى ابنه في السجن, كل تلك الشخصيات شخصيات بطولية ولكن أهمها شخصية القط,ويقال بأن هنالك ثلاثة أشياء تصنع الرجال وهن:الجيش والسجن والغربة,وهنا صنع السجن من عماد بطل الرواية شخصية تفهم حقيقة الحرية وما هية الحرية وما قيمة الحرية,وفهمنا من الرواية بأن السجين يفرح بكل ما يراه الناس شيئا عاديا ووصف السجين وتشبيهه بالطفل الذي يفرح لأشياء عاديا ويكون مبسوطا من أشياء عادية لا ينبسط لمثلها إلا الأطفال,فالنظر في ساحة الترفيه في السجن إلى الأعلى ورؤية السماء وهي تمطر يعتبر هذا عند السجين شيئا كثيرا بينما يراه الآخرون من خارج السجن شيئا عاديا وأقل من عادي ٍ ولا يحتمل كل هذا التأويل وليس مدهشا,ولكن في نهاية الرواية أود أن أشير إلى نقطة هامة تتعلق بالجنس, فصحيح كما قلنا بأن السجين الحزين والمكتئب على حاله وحال الناس يهرب من واقعه المؤلم إلى ممارسة الجنس أو ممارسة اللذة مع شتى أنواع الطعام ليحصل منها المكتئب على اللذة,وهنالك نقطة بحثها الراوي ولم يستح منها في الوقت الذي يخشى ويخجل بعض الكتاب من وصفها وتحليلها وهي ظاهرة الرجل السالب أي اللوطي فمعظم المحكوم عليهم بالسجن لسنين طويلة يتعلمون على ظاهرة اللواط أو المَثلية الجنسية بسبب غياب عنصر الجنس الآخر داخل السجن وهذه ملاحظة مهمة جدا ويتمتع فيها بعض أنواع الطيور وخصوصا الحمائم بحيث يمارس الذكور مع بعضهم اللواط أو ما يسمى علميا بالمثلية الجنسية إذا تغيبت الإناث عن مجتمع الذكو(رص89), لقد أبدعت الرواية نفسها في وصف السجن من الداخل غير أنها تحفظت أو أهملت تلك الظاهرة وربما أن السجين عماد لم يرها مطلقا ضمن المجموعة التي كانت معه في السجن.

وهنالك للسجن مخرجات أخرى فصحيح أنه يصنع الرجال ولكن هذا ليس دائما,وصحيح أن السجن مركز تصليح وتأهيل ليعود منه السجين إلى الحياة العامة وقد صلح أمره,ولكن هذا ليس دائما وبهذا نحن أمام مفارقة أخرى وهي أن مخرجات السجن تكون على الأغلب سلبية ولنتساءل هنا هل تاب عماد عن الشيوعية؟ربما نعم وربما لا, والأغلب أنه لم يتب عن ممارسة الشيوعية وبهذا السجن لم يستطيع تأهيله أو تربيته من جديد على رأي المثل(والله غير أربيك) وهنالك مخرجات أخرى للسجن وهي أن السجين أو المجرم حين يدخل السجن يجد أناسا مجرمين أكثر منه لذلك يكتسب منهم خبرات جديدة ويخرج من السجن عبارةً عن مجرم محترف أكثر من أي وقتٍ مضى,وعلى رأي القط السجن منافق,وأيضا على رأي عماد بأن السجن: تواطؤ قانوني بين السلطة والمجتمع.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا كان المسيح كثير البكاء؟
- اليهود والعصفور
- أين تذهب ثرواتنا الوطنية؟
- من يتحمل المسئولية؟
- القلب الطيب
- وجودي وعدمه واحد
- الإسلام دخل الجامعات وأفسدها
- المسيحيون في الأردن
- المسيحية طريقة حياة
- المسيحية في عالم آخر
- غرائب المثقفين1
- هل أمريكيا دولة عظمى؟
- عيد ميلادي 2
- الابيقورية
- إسرائيل ليست مزحة
- الإنسان طيب وشرير في نفس الوقت
- المشاعر والأحاسيس من وجهة نظر رواقية
- درس من الإنجيل
- الغنوصية
- الاستثمار في الإنسان


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد علاونه - دراسة نقدية عن رواية القط الذي علمني الطيران