أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - اعتراف واعتذار














المزيد.....

اعتراف واعتذار


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4117 - 2013 / 6 / 8 - 16:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ليعذرنى القارئ إذ أبيح لنفسى أن أشغله بهذا الحديث الشخصى، لكنى أحسب أن حديثى لن يخلو من مغزى يتجاوز الشأن الشخصى. يتعلق حديثى بأمرين متباعدين إلا أن بينهما عامل مشترك.
الأمر الأول: لم أكن قد تابعت فى حينه ما سمِّى بالمؤتمر أو الحوار الوطنى حول قضية السدّ الإثيوبى الذى يجرى العمل على إنشائه عند منابع النيل الأزرق. لم أتابع المؤتمر أو الحوار فى حينه لأن وقتى أكثر شحًّا من أن أنفق بعضه فيما أعلم أنى لست مؤهّلا للخوض فيه. وكنت أتصوّر أن يقدّم الحاضرون بعض الآراء والاقتراحات، يستمع إليها الرئيس مرسى ثم يمضى كعادته فيما هو ماض فيه وكأنه لم يسمع شيئا. ثم كان لا مفرّ من أن أسمع وأن أقرأ بعض ما أثير حول ملابسات وطريقة إدارة وإجراء ذلك الحوار. ثم أتيح لى أن أستمع لنبذات وفقرات مما دار وجرى. وجدتنى غير قادر على أن أستوعب الصدمة. كيف يمكن لأشخاص تلقوا حظا من التعليم (ولا أذكر الثقافة لأنها أقدس من أن تمرّغ فى هذا الرغام)، وأبيحَ لهم أو أباحوا لأنفسهم أن ينخرطوا فى مجال العمل العام — كيف يمكن لهؤلاء أن يستبدّ بهم ذلك الجهل الذى هو أفدح الجهل: أن يجهل الإنسان أنه يجهل، كما علـّمنا سقراط؟ كيف يتكلم شخص بكل الثقة واليقين والعنجهية فى أمور لو ساءلته فى أبسط مبادئها الأولى لوجدته لا يفقه شيئا؟ هذا ليس خطأ فرد أو أفراد، هذا عيب مجتمع جاهلى ضاعت فيه معايير ما يصحّ وما لا يصحّ. بئس ما صرنا إليه وبئس ما أوصلتنا إليه تربيتنا ونظمنا التعليمية التى تحشو أدمغتنا بما يخنق فينا كل إدراك وكل قدرة على التفكير.
الأمر الثانى: كنت قد شرعت فى سلسلة مقالات فى لغة القرآن، وكنت أتصوّر أنى سأجد فى نصوص القرآن ما يساعدنا على تتبّع أولى خطوات تطوّر النثر الأدبى فى اللغة العربية وعلى كشف ما كان ينقص اللغة العربية فى تلك المرحلة من أدوات التعبير عن الفكر المتـّسق، تلك الأدوات التى اكتسبت اللغة العربية بعضها فى وقت لاحق بالاحتكاك بحضارات أرقى وبلغات أكثر تطوّرا، والتى لا تزال لغتنا فى حاجة لاكتساب المزيد منها حتى تكون قادرة على استيعاب مفاهيم أبدعها العقل الإنسانى على امتداد قرون، وحتى تكون قادرة على اكتساب أساليب فى التفكير تقوم عليها حضارة الإنسان فى عصرنا هذا. وكنت أتوقع أن أبيّن أن عيوب أساليب القرآن لا يلام عليها واضع القرآن، بل هى من لوازم المرحلة التى وُضِع فيها القرآن، فإن من أهم ما أحرص عليه العمل على أن تكون مقاربتنا لدراسة القرآن وكتب الأديان عامة مقاربة عقلانية موضوعية. وكنت أتصوّر أنى أستطيع أن أتبيّن مجموعة أولى من قصار السور ذات طبيعة عفويّة، تتميّز بالإيقاع وانتظام القافية، ويكاد أن يكون هذا هو كل مضمونها وفحواها، تليها مجموعة أخرى من السور يحاول فيها النبى أن يوصل رسالته أو نذيره إلى قومه، وليس فيها الكثير من المضمون العقائدى، وتأتى بعد ذلك سور القصص التى تختلف كثيرا عما سبقها ومن المستبعد أن تكون قد جاءت من نفس المصدر. كل ذلك فى حدود السور المكية، أما السور المدنية فلها شأن آخر.
عندما حاولت أن أمضى قدما فيما شرعت فيه فوجئت (رغم أنى قبل ذلك كنت قد قرأت المصحف كاملا ما لا يقل عن خمس مرات عدا القراءة المفرّقة والاستماع للتلاوة فى مختلف المناسبات والأوقات) فوجئت بأن الارتباك والخلط فى سور القرآن يفوق كثيرا ما كنت أتصوّر. فالذين جمعوا المصحف – ماذا أقول؟ – لم يكونوا أكثر كفاءة من جهابذتنا الذين تبرّعوا بنصائحهم الغالية لرئاستنا الغافلة. لم يحاول أو لم يستطع جامعو المصحف أن يوجدوا حدًّا أدنى من التناسق داخل السور وأحيانا حتى داخل الآية الواحدة، ولا أن يراعوا التسلسل الزمنى فى رواية الحكاية الواحدة، باستثناء السور – مثل سورة يوسف – التى يجهر أسلوبها بأنها جاءت من مصدر غير المصدر الذى جاءت منه أخواتها. والأمثلة على ذلك الارتباك والتشوّش أكثر من أن تحصى، ويستطيع أن يتبيّنها أى قارئ يتحلـّى بأقل قدر من الموضوعية. ولم تعد المسألة التى تقلقنى وتحيّرنى هى كيف أمكن لجامعى القرآن أن يرضوا لأنفسهم بهذا الأداء الركيك، بل عاد يلحّ علىّ سؤال طالما أصاب عقلى بالدوار: كيف يمكن لأشخاص نالوا قدرا من التعليم، ولأشخاص يُظهرون فى مجالات عملهم قدرة على إعمال العقل — كيف يمكن لهؤلاء أن يقرأوا القرآن فلا يصدمهم ويوقظم من سبات ما لقـّنوهم؟
أنا أقرأ التوراة فيصدمنى بل يستفزّنى ما أجده فى بعضها من قساوة ومن ظلم ومن عصبيّة إسرائيلية مقيتة، لكنى أجد فى أسفارها نصوصا تـُقرأ وتـُفهم مثلما تـُقرأ وتـُفهم الكتب والصحف التى تخرجها دور النشر المعاصرة، جيّدها ورديئها. وأقرأ أسفار العهد الجديد الذى تعتمده الكنائس المسيحية، فأجد فيها بعض ما أرفض وبعض ما أستنكر، وأجد فيها أساليب مختلفة بعضها بديع وبعضها ضعيف، وأجد فيها فقرات وشذرات أعدّها بعضا من تراث الثقافة الإنسانية، مع رفضى لكل ما أضافته الكنيسة من معتقدات وتأويلات. لكن ما يعنينى فى سياق موضوعنا الحالى أن أسفار العهد الجديد كتب مثل الكثير من الكتب التى نقرأها فنعجب ببعضها ونستنكر بعضها. وليس هكذا القرآن. القرآن – بصرف النظر عن المضمون العقائدى – ليس كتابا: هو فى أكثره أخلاط غير متـّسقة، فى كثير من فقراته وآياته تبحث عبثا عن أى معنى، وكثير من آياته ونصوصه ابتسروا له معنى لا يمكن لأى عاقل أن يتبيّنه فى كلمات النص. كل هذا ربما أعود إليه فى وقت آخر، لكن ما دفعنى لما أصرخ به الآن هو: كيف، كيف، كيف يمكن لأشخاص نحترمهم ونحترم ما يُظهرون من عقل فى مسارات الحياة أن يظلوا أسرى وهم أو خديعة أن القرآن نص إلهى مقدّس؟
لا يضيرنى، بل أحبّ، أن نأخذ من القرآن ما قد نجده فيه من إيجابيات، لكن الاعتقاد بقدسية نصوص القرآن عقبة إن لم نتجاوزها فلن نستطيع أبدا أن نلحق بركب الحضارة الإنسانية.
إننى حزين، حزين، حزين على غيبة الوعى وعلى استكانة العقل للوهم وللخداع والأكاذيب فى ديارنا.
القاهرة، 8 يونية 2013



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى لغة القرآن (2) قصار السور
- فى لغة القرآن (1) مقدمة
- أين الثورة؟
- لماذا الدين؟
- الحرية والسلطة
- التاريخ الإسلامى والدولة الإسلامية
- مرجعية الأزهر
- الإخوان والثقافة دونت ميكس!
- وحى الشعراء ووحى الأنبياء
- سورة الفتوى
- حكايتى مع الدين
- حدود احترام أحكام القضاء
- هل بقى أمل؟
- فى الدين (8) الإسلام
- فى الدين (7) المسيحية
- فى الدين (6) اليهودية
- فى الدين (5) البوذية
- فى الدين (4) الهندوكية
- فى الدين (3) زرادشت
- فى الدين (2) نشأة الدين


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - اعتراف واعتذار