أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - الفكر السلفي السُّنِّي والانتكاصة للوراء















المزيد.....

الفكر السلفي السُّنِّي والانتكاصة للوراء


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 4116 - 2013 / 6 / 7 - 08:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ينهل الفكر السلفي الديني عموما والسني منه على وجه الخصوص من مجموعة من الأصول والقواعد والبنيات، التي تؤسس - لمن يتبنى هذا النهج - المسار والفكر والتصورات المختلفة، حول علاقة الإنسان بنفسه والمحيط الذي يتواجد به. هذه البنى والمرتكزات شكلت ولا تزال مرجعيات في التحاكم عند هذا العقل السلفي السني، ومفترقا بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين السلم والحرب كما هو متداول في أدبيات هذا الفكر، بأشكال تختلف في المظهر، وتتفق على مستوى الجوهر والمضمون. ليس عيبا أن ينطلق الإنسان من منهج يؤطر فكره أو يضبط اجتهاده، أو يؤسس من خلاله لعلاقاته المختلفة. ولكن العيب أن يتحول المنهج والبنيات المؤسسة إلى مفترق يصير فيه الإنسان متألها في هذه الأرض، يتكلم بلسانه ويوقع باسمه على حد تعبير ابن قيم الجوزية في كتابه:" إعلام الموقعين عن رب العالمين "، أو يتجاوز تحت أي ظرف من الظروف ملابسات تشكل الفكر والوعي من ثقافة وتربية ونفس واجتماع، ويصير الفهم أو التأويل أو التفسير أو القواعد خيارات حتمية تقذف بالإنسان إلى المجهول ولو تلبس بلبوس العلم والمعرفة.
يطرح الفكر السلفي السني أمام الباحث أو المتتبع مجموعة من العوائق المعرفية، وهي نتيجة طبيعية وحتمية ما دام النسق الفكري المطروح للنقاش نسق مغلق، يطرح نفسه كحق مطلق على المستوى الواقعي، وإن كانت هناك محاولات للتغطية على عوار هذا الفكر، ونهله من جذور الإقصاء والإرهاب والعنصرية في الكثير من مستويات بنياته الأساسية. ولا يمكن أن تكون البنى والمؤسسات متجاوزة للبعد الإنساني، دون أن ينعكس هذا الأمر على قضية الإنسان، بصفته مفهوما قيميا يتجلى في أبعاده قيمة الدين نفسه، فمتى حقق الفكر قيمة الإنسان كان أقرب إلى الحق والعدل والكمال. ومتى كان الفكر منغلقا ومستبطنا لكل أنواع العنصريات، كان إلى التسلط والإرهاب أقرب. ولعل الحدث الأبرز في الفكر السني سواء ماضيه وتاريخه، أو حاضره وربما مستقبله، هو أنه فكر جامد لم يستطع من خلال البنيات المؤسسة له أن يطرح نفسه بديلا حضاريا، من خلال الكثير من الدول التي احتضنته بشكل فعلي على المستوى الاجتماعي والسياسي. فظل بذلك عائقا أمام أي تقدم معرفي أو انطلاقة نحو عوالم الكمال، وبقي النص داخل هذا النسق المغلق هو الفيصل أولا وأخيرا. وحينما نتكلم عن النص فإننا بصدد الحديث عن وثيقة أو رواية تم تصحيحها بناء على آليات منقوصة، لا تستطيع حتى أن تؤول معها المعنى إلى حيث الأفق الإنساني أو المصلحة أو المقصد. ولكي يضمن الفكر بقاءه لا بد له من طوابع ومن ملصقات وعناوين هدفها ممارسة التسلط المعرفي على كل من يبحث أو يسأل، ومن أهم هذه العناوين:" الإسلام دين استوعب الدين والدنيا " " لا يصلح حال الأمة إلا بما صلح به الأوائل "، أو بعبارة أخرى احتواء الدين على كل شيء، وشموليته بالمعنى الذي تنعدم فيه حرية الإنسان وتحركه خارج هذا النسق.
عناوين كبرى يتساءل معها المرء: لماذا يصر هذا الفكر على إغراقنا في الجزئيات، ويترك كل ما من شأنه أن يكون مقوما من مقومات حياتنا؟ ولماذا يرتبط هذا الفكر بالماضي وبالموتى يعبدهم ويقدسهم، ويترك الحاضر للحاكم الذي اعتبره ظل الله وهو منه براء؟. قد يتلبس الفكر السلفي السني ويتقمص أشكالا مختلفة وبعناوين متعددة، ولكن الجوهر واحد، هو تعطيل الحركة الإنسانية والوقوف عند الماضي كنهاية للتاريخ. فإذا كان فوكوياما قد أنهى التاريخ بالتاريخ الحداثي الغربي، فإن الحركة السلفية السنية بتلويناتها الإخوانية والوهابية والسلفية الجهادية والحركات الإسلامية السياسية قد أوقفت التاريخ منذ زمان، وبدأت تنظر للرجوع إليه في تعنت واضح مع سنن التاريخ في حملها لعناوين مثل:" لا يصلح حال الأمة إلا بما صلح به الأوائل ".
إن ما يطرحه الفكر السلفي السني أمام الدارس كبنيات وقواعد تأسيسية يعد أكبر العوائق المانعة، من اقتحام المعرفة الإنسانية إلى حقل النص الديني. وهي رؤية متعالية على الواقع ترى أن الله قد جمع في الدين علوم الأولين والآخرين، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ففيه السياسة والاقتصاد والاجتماع... وبذلك فلا حاجة لعلوم إنسانية نشأت في أحضان الغرب لمقاربة النص الديني المقدس. بيد أن هذه النظرة بدأت تفقد مصداقيتها من خلال تكذيب الواقع التاريخي لها. والعلوم الإنسانية بمناهجها وآلياتها مستقلة عن الدين، وهي وليدة الفكر الإنساني يطورها وينميها حتى تستجيب لمطالبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حسب الظروف والوقائع. فحديثنا عن العقل السلفي السني يندرج في سياق نقدي لما يحمله هذا الفكر من تناقضات داخلية، وثغرات على مستوى التطبيق، تجعل منه فكرا قوميا أو عنصريا يحمل في طياته بذور الفناء. فما دام الإنسان متجاوَزٌ داخل هذا النسق فلن يفرز إلا الانغلاق كما سبق الإشارة إلى ذلك.
إن السلفية هي مرحلة وتصور ناشئ عن إمكانية عودة التاريخ والاستلهام منه، وهي تصور عام يشمل جميع الأنساق الفكرية الدينية والفلسفية والثقافية، لهذا تم تخصيصها بالمذهب السني بوصفه ممثلا شرعيا لغالبية المسلمين في عالمنا المعاصر. هذه الدراسة النقدية لا تعني بحال ابتعادها عن مسألة التحيز في العلم، فهذا أمر كبير لا يستطيع الباحث مهما تحرى الموضوعية و العلمية أن يستوفيه حقه، أو يتجاوز بعض عراقيله. ولكن أملنا كبير في أن نسلك طريقا نتوخى من خلاله وضع الأصابع على الداء، وإن كان هذا الطريق وعر وصعب نظرا للسياجات المعرفية، والقداسة المسبقة التي تحيط بهذه البنيات المؤسسة.
إن طريق الإصلاح طريق لا يمكن أن يحقق غاياته وأهدافه من خلال شعارات براقة، أو دفاع غير مبرر عن هذا الاتجاه أو ذاك. ولكن الإصلاح منهج متكامل يراعي خصوصيات الزمان والمكان، وينفتح على الدرس الإنساني بعلومه ومعارفه المتطورة، ويكسر كل قداسة قد يلبسها هذا الاتجاه أو ذاك بغية الحفاظ على قداسته، أو مآربه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وهو إصلاح يستهدف أيضا دراسة هذه العلوم من خلال بنيتها وبمنطقها نفسه. فإذا كانت هذه العلوم قد أسّْسَت على ما هو علمي فستكون بنيتها الداخلية ثابتة ثبوت الراسيات، لا يحركها نقد، ولا يؤثر فيها ريح أي مقاربة تستهدف المساس من قداستها. وإذا كانت هذه البنيات قد أسستها المؤسسة الدينية بقواعد وأصول وضوابط مبنية أساسا على القمع الفكري، واحتقار العقل الإنساني والنيل منه عن طريق شرعية مزورة، فستذهب هذه المقاربة الدينية جفاء بمجرد رمي حجر في مائها الراكد حينا من الدهر.
يعد انحصار العقل السلفي في الزمان والمكان عاملا مهما من عوامل تجميد القوة الإدراكية فيه، وتحويلها إلى مجرد استرداد لمقولات عبّرت عن زمانها، وساهمت في بلورة مشروع مجتمعها. فمن الخطأ أن نفكر بعقول غيرنا، وما ذلك الغير إلا نحن في أحد تجلياته الأساسية. ولربما منبع الخطأ في المنطلقات السلفية هو اعتبارها أن السلفية لا تعبر عن مرحلة زمنية لها ما لها وعليها ما عليها، بل هي تتجاوز كل هذا لتصبح قرينة بالدين نفسه، أو ما عبر عنه نصر حامد أبو زيد بإشكالية التراث والدين، حين أصبحت هذه الثنائية تعني شيئا واحدا يصعب افتراقه عن الآخر، والمس بأحدهما هو مس بالآخر بالضرورات المنطقية السلفية . إن نظرية الوصل هذه نظرية متهافتة والجمع بين السلفية والإسلام هو جمع بين النقيضين، لأن الإسلام أكبر من أن نحصره في فترة زمنية لها ظروف نشأتها، وبأشخاص معينين لازموا من بعيد أو من قريب هذه الفترة الزمنية. ولكن الإسلام مفهوم قد تمّ بناؤه على قاعدة ثقافيةٍ اختزلته في الشقّ الطقوسي فقط، فكان الإنتاج هزيلاً بأنْ تحوّل الإنسان من الفرد القادر على العطاء والنماء، إلى مجرد شكل فارغ من المحتوى الإنساني الرحب بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ولا يمكن بحال الاطمئنان إلى هذه القاعدة الثقافية للفظ، لما تحمله من مآلات نرى تجلياتها في عالمنا المعاصر. وعليه فلا بد من إبداء تصورنا حول هذا اللفظ انطلاقا أيضا مما تحمله حروفه ‘’سلم’’. فالمسلم ليس فئة جغرافية أو ثقافية أو عرقية، وليس انتماء إلى جذور معينة. بقدر ما هو انتماء لأصول هذا اللفظ، أي انتماء للقاعدة السلمية فكراً وعملاً. فالمسلم من كان السّلم منهجه، بأن لم يكن متسلطاً على الآخر في فكره أو جسده، ولم يتعامل مع الناس إلا في حدود التواصل الإيجابي البعيد عن الحساسيات الدينية والسياسية، والإسلام بذلك أسلوب ومنهج السلم، وليس سفكا للدماء أو إفسادا في الأرض وتسلطا على أصحابها:" أفنجعل المسلمين كالمجرمين " . فلا تساوي بين من كان السلم منهجه، وبين من أجرم في حق نفسه بأن نصّب منها حكماً على الناس، وفي حق غيره بأن لم يؤمِّنْهم في دينهم وفي أجسادهم.
ودعوى مثل هذه تسوي بين السلفية والإسلام، أو بتعبير آخر السلفية هي الإسلام، هي محاولة لإضفاء الشرعية على مجموعة اجتهادات، ووجهات نظر أعمل فيها السلف فكرهم. كما أنها ارتفاع بمقام الإنسان إلى مقام التسلط الذي يصبح فيه إلها يمارس ألوهيته على من شاء الانصياع له:" واستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ". وهذا الشعار المذهبي المقيت، كانت له آثاره العميقة في تهييج روح العصبية، ومحدودية النظرة المرتبطة بالتاريخ القديم دون النظر إلى آفاق الإنسانية اليوم. فدين الله في الأرض لا يعترف بالأسماء ولا بالنعرات الجنسية أو العنصرية، وأيًّا وجدت هذه المعطيات فهو التدخل البشري الممتد إلى قيم الدين تحريفا أو تضليلا.



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات العربية و ضرورة العودة لسؤال شكل الدولة
- السلفية الوهابية والعود الأبدي
- السلفية الوهابية وشمولية الخطاب
- ربيع عربي أم خريف؟
- زجل: غرايب اللسان
- تعالي
- زجل: احوال الدنيا
- يا ماضي الحزن توقَّفْ
- لا تعتبي علي
- همسات من وطن جريح
- وخز الذكرى
- كالغريب...
- بالصمت أجابت...
- صدى الرحيل
- في ذكرى التحرير
- جرح القدس
- سكون الخوف
- في بيداء الذاكرة
- حب بطعم الخوف
- رقم وأمنية


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - الفكر السلفي السُّنِّي والانتكاصة للوراء