أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - توظيف وتطبيق العلامات المسرحية















المزيد.....


توظيف وتطبيق العلامات المسرحية


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 19:56
المحور: الادب والفن
    



قدم المسرح لنا على أنه ذو شقين رئيسين: الأدبي (النص) والمشهدي (التمثيل). وعليه فإن هذين العنصرين يكونان الفعل المسرحي. ومفهوم الفعل المسرحي هنا، في رأينا، هو صيغة اتصال تخيلية ومعقدة تضم مرحلتين متوازيتين مع كل واحدة من شقيه: النص والتمثيل.
وعلم العلامات –السيميوطيقا- أمام هذه الأفعال يسمح بتلقي عدة إجابات أمام الفعل المسرحي. وبهذا الصدد تقول الأستاذة ماريا ديل كارمن بوبيس :

" .. إذا فهمنا أن علم العلامات –سيميولوجية- يدرس، أو على الأقل يحاول، كافة نظم العلامات التي من شأنها أن تعطى معنى للعمل الدرامي، فيُستنتج في الحال أنه لا يمكن أن يقتصر على العلامات اللغوية (أي على النص كما كان الحال في النقد التقليدي)، ولا يمكن أن يقتصر على العناصر التي تظهر فقط على خشبة المسرح. والعمل المسرحي بالنسبة لعلم العلامات عبارة عن مجموعة علامات محققة في آن واحد على الخشبة. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن العلامات المسرحية، وبالتحديد لأن بعضها ليس لغوياً، يمكنها أن تشارك في الوقت نفسه في نقل الكلام إلى المشاهد."

وعليه فإن المسرح من الناحية السيميوطيقية يقدم على أنه موضع دراسة ذات ثراء خاص، وذلك لدخول عناصر تشكل جزءاً من وجوده، إلى جانب مكونات إنسانية تجعل تحقيقه كاملاً كفعل مسرحي (المؤلف، المخرج، المشاهد إلخ)، وهي عناصر لغوية والعديد من العناصر الغير متجانسة والغير شفهية (من الإيماءة إلى الإضاءة، وكلها موضع دراسة من قبل السيميوطيقا).
وفي هذا السياق سنتوقف بشكل خاص عند واحد من مكونات الفعل المسرحي: المشاهد، وهو على صلة وثيقة بخشبة المسرح.
لقد ظهر إلى السطح في المسرح التشيلي، خلال العقد الأخير، مفهوم جديد لهذا المكون، وذلك أمام فرق تبحث عن القطيعة مع الصيغة التقليدية وتقترح واقعاً مختلفاً.
وهذه الفرق هي: لا تروبا LA TROPPA ، لا بويرتا LA PUERETA، وأخرى لأحد أبرز المخرجين هي فرقة رامون غريفّيروRAMON GRIFFERO الذي يعزز الفضاءات البصرية ويقدم أجواء كابوس ورعب، ويستدعى حساسيات أخرى لدى المشاهد، بتحريره من العقل كعنصر وحيد لفهم عرض مسرحي.
وتحملنا كلمة خشبة المسرح Escenario إلى أصلها المشتقة عنه وهي كلمة Escena إنطلاقاً من مدلوها عبر أصل الإشتقاق من الكلمة اليونانية ٍSKENE التي تعني "كوخ"، "منصة"، وهي كلمة تتعرض لتوسيع دائم لمعناها حسب بافيس PAVIS إذ يقول:
" إن لفظة escena ، مثل كلمة theaton ، خضعت عبر التاريخ لتوسيع مستمر في المعنى: الديكور، ثم منطقة التمثيل وفي ما بعد مكان الأداء، الجزء الزمني في الحال وأخيراً المعنى الميتافيزيقي للحدث العنيف( " يقوم بمشهد لأحد، أي يفضحه hacerle un escena a alguien").
وأمام هذا المفهوم ينبثق المسرح كضربة للعرض المسرحي التقليدي، كبحث دائم، وهو بالنسبة لهذه الفرق: تجريب، وبحث عن لغات تعبيرية جديدة. وهذا يعني سيطرة الصورة على الكلمة مع إدخال عناصر سينمائية ومن فن الرقص وبالأحرى من كافة اللغات التي تدخل في التمثيل. وهذه الفرق اقترحت جمالية جديدة للمسرحة Teatralidad.
وبخصوص هذه النقطة الأخيرة يطلق ألفونصو دي طورو Alfonso de Toro على هذه الجمالية جمالية ما بعد الحداثة post moderna إذ يقول: "ما هو جديد يقوم على الوعي بأن المسرحي عَامِلُ مَشاهِد، بَنَّاء علامات ومنبع إيماءات وليس منتج نصوص مسرحية مصيرها التمثيل (…). ما هو جديد يتولد من المفهوم الجذري للمسرح على أنه إيمائية gestualidad (…). وما جديد يوجد في ثورة في اللغة وتدميرها وفي فن ديكور المسرح وفي دور الممثل. أي عن مفهوم المسرح".
كما أن المسرح بالنسبة لهذه الفرق يتحول إلى علامة، إلى رمز، فهذه المقترحات المسرحية تقدم لغةً بصرية لها السيطرة، لغة غامضة، أحاسيس أكثر من تفاسير. وهكذا يراه فرناندو دي طورو:
" إن المسرح ليس مكاناً مفضلاً للعلامة، نظراً لأن الفضاء كل شئ في الفضاء المسرحي علامة، صناعية أو طبيعية، وكل شئ يراه ويستوعبه كعلامة من قبل المشاهد: فتعددية وتعدد أصوات العلامة في المسرح واسعة".
إننا نرى إنه كأول عنصر مصنف لمسرح جديد لهذا المسرح الجديد نجد النية المعلنة أو الكامنة في تخطي الحدود التي يفرضها مسرح واقعي مغالٍ، وبشكل خاص ذلك الذي كانت الأولوية فيه للكلمة المنطوقة والمنطقية.
سنركز أولاً على فرقة لا تروبّا LA TROPPA المكونة من كل من خايمي لوركاJAIME LORCA وخوان كارلوس ثاغالJUAN CAR---;---LOS ZAGAL ولاورا بيثارّو LAURA PIZARRO، وثلاثهم ممثلون تخرجوا في الجامعة الكاثوليكية . وقد قامت هذه الفرقة في سنوات وجودها، وبشكل جماعي، بعرض المسرحيات التالية: مسرحية رب العمل المقدس SANTO PATRONO، في (مركز مابوتشو الثقافي، عام 1987)، مسرحية سالمون بودو SALMON VUDU، في (المعهد التشيلي-الأمريكي الشمالي للثقافة، عام 1989)، ومسرحية بينوكيو PINOCCHIO ، في (المعهد الثقافي لوس كونديس، عام 1990)، ومسرحية ذئب LOBO في (قاعة نوبال، عام 1992)، ومسرحية "رحلة إلى مركز الأرض" عن رواية بالاسم نفسه للكاتب جول فرن التي عرضت على خشبة مسرح الجامعة الكاثوليكية يوم 31 مارس عام 1995. والاقتباس المسرحي لهذه الرواية المعروفة لجول فرن أكد صلابة الفرقة وقدرتها على تحويل المسرح إلى فضاء مشهدي ملئ بالخيال والحلم. هذا بالإضافة إلى أن هذه الفرقة، كما حدث في عروضها السابقة، انطلاقاً من منظور موضوعي، عادت لتجد سبب الرحلة كمحور بناء.
ومن البداية إلى النهاية تميز عمل فرقة لا تروبّا LA TROPPA بالألمعية وا؟لإبداع والمرح والتواصل مع المشاهد والطلاقة، واستدعاء لغات المسرحة تعزيزاً للنص المقتبس. وهذا الاقتراح الهازل تصاحبه بصفة دائمة موسيقى ذات تأثيرات مختلفة وأصوات، وأدوات إخراج لهذه الغرض، وقاطرة قديمة قابلة للاستخدام. كل هذا يستكمل بتمثيل خايمي لوركا وخوان كارلوس ثاغال بملاحة طبيعية وموارد تعبيرية قادرة على إشراك المشاهد في هذه المغامرة الطريفة نحو قلب الكرة الأرضية.
أما الإبداع الجمالي لمسرحية "ذئب" فهو مستوحى من حكاية "الرجل الذئب" EL HOMBRE LOBO (LE LOUP GARAU) للكاتب الفرنسي بوريس فيان Boris Vian (1920-1959)، ويقدم لنا حكاية تحملنا إلى الحب، إلى التضامن، حكاية مدينة يمكن أن تكون سانتياغو Santiago أو أي مدينة أخرى. والمسرحية تستعرض العلاقة الخاصة بين سائق سيارة أجرة يدعى كيكو Quico (خايمي لوركا) وزوجته فاني Fanny (لاورا بيثارّو) والرجل الذئب (خوان كارلوس ثاغال). إنها رحلة نحو قلب الليل وداخلهم، أي إنها تقديم للرجل-الذئب ("فعندما كان رجلاً كان يضيع في الغابات إلى جانب قطعان الذئاب، وعندما كان رجلاً كان يضيع في المدن إلى جانب قطعان الرجال"). والحكاية هي بداية خطاب مسرحي تخيلي مركب بدوره من خطابات متعاقبة.
وفي هذه المسرحية تتحول خشبة المسرح إلى مكان حيث تتجمع عدة عناصر على غرار ما حدث في أعمالهم السابقة، ويبقى المتلقي مندهشاً أمام استخدام فرقة لا تروبّا LA TROPPA للمسرحة بكل ما يتطلب هذا الأمر: مساندة بصرية للفعل الدرامي (في مختلف المشاهد) وألوان كثيرة في الديكور، وعمل موفق من الرسوم الهزلية، وتراكب اللغات المسرحية، ومناظر جوية، وسيطرة الصورة على ما هو خطابي، وانتشار للممثلين في حركات بهلوانية، وخدع في استخدام أدوات الإخراج، واستقلال مختلف المعزوفات الموسيقية، الحيل والحيل المضادة البصرية، ومناظر عامة متراصة، إلى جانب الطابع الهزلي لهذه المبادرة.
وأمام الإحتمالات المتعددة التي تُقَدَّم أمام الجمهور على خشبة المسرح نتطرق إلى كلمات آرتو ARTAUD الذي يقول:
" … إن خشبة المسرح مكان مادي ومحدد يتطلب أن يكون مشغولاً ويسمح له بتحدث لغته الذاتية المحددة (…).
وهذه اللغة المخلوقة للأحاسيس يجب أن تهتم قبل كل شئ لإرضاء هذه الأحاسيس. وهذا لا يمنعها من تنمية أثرها الفكري كاملاً على كافة المستويات الممكنة وفي كافة الاتجاهات. وهذا يسمح بإحلال لغة الشعر بشعر في الفضاء …"
وبالفعل فإن ما أشار إليه أعلاه آرتو يطبق في عرض مسرحية "ذئب" لفرقة لا تروبا، إذ استغلوا كافة الإمكانات التي كانت متاحة لهذا المسرح الطليعي المتقدم، وعليه فإننا نجد إشارة مرور تسكر وتترنح مثل كيكو Quico، ونافذة تتحول شيئاً فشيئاً إلى قطعة أساس خُوان زينة، إلى سانتياغو مصغرة –بوينتي ألتو، وإلى صندوق تسجيل إكونو EKONO، ، إلى جانب علبة كبريت ذات أبعاد غير متناسقة (يقول المؤلفون في النص:" كيكو يمسك بالكبريت الغير متناسق"، نتاج جمالية المادية الخانقة التي يمارسها مؤلفو هذه المسرحية)، وثلاث دمى مسرح تمثل الأشخاص. وتبدو خشبة المسرح كأنها معمل يولد صوراً سحرية، وأشياء وأجواء وأحاسيس تحمل المشاهد إلى بعد ساحر ودهشة دائمة. وهو وضع يستحق الإبراز، نظراً لأن الفرقة تستطيع أن تربك المشاهد بجعله يفكر أنهم ممثلين وأشخاص في الوقت ذاته.
والمحصلة أن ما قامت به هذه الفرقة–في سني حياتها- يعد إبداعاً عظيماً، نتيجة بحثها من أجل وضع جمالية مختلفة للمسرحة، إذ أبدت قدرة إبداعية كبيرة لأعضائها الثلاثة، وتماسك مبادرتها المسرحية وهو ما يعكسه الكثير من الفرق الشابة التي تعمل في مشقة وجهد من أجل النهوض بالمسرح التشيلي.
أما الفرقة الثانية فهي لا بويرتا LA PUERTA ويديرها لويس أورتيتا LUIS URTETA، وهدفها الأولي هو خلق مسرح يبحث في مشكل الإنسان المعاصر، عبر إستخدام لغة مسرحية رشيقة، خفيفة، شابة، إبداعية وانتقادية.
وكانت هذه الفرقة قد بدأت ترى النور خلال عروض مسرحية مارا-ساد MARAT-SADE، في نسختها لعام 1990، وفيها تصرف أعضاؤها بمهارة بالغة كممثلين للمسرحية.
وفي نهاية عام 1991، بعد فترة طويلة من التجريب المسرحي، عرضت أول عمل جماعي لها، هي مسرحية الكوميدية الجنائزية COMEDIA FUNERARIA، وهي إبداع حر على أساس شعر نيكانور بارّا NICANOR PARRA. أما العمل الثاني فكان "التفكير معاناة" PENSAR ES SUFRIR" على أساس نصوص للشاعر والمنظر أنطونين آرتو. وفي يناير 1993 وطدت الفرقة أقدامها بمسرحية الممسوخات LOS MONSTRUOS وهي خلق مسرحي مستلهم لأساطير نوسفراتو NOSFERATU وفرانكشتين FRANKENSTEIN والرجل الذئب. ويضاف إلى هذه الأعمال القمر LA LUNA الذي يقص حكايات هذه الممسوخات وذات الرداء الأحمر CAPERUCITA ROJA التي تضيف العنصر الساذج والمرح إلى هذه الحكاية.
وقد نالت هذه المسرحية جائزة في أول مهرجان للتيارات المسرحية الجديدة الذي أقامته جامعة تشيلي.

ومن الأهداف التي وضعها الفرقة يمكننا ذكر ما يلي:
1) البحث عن لغة مسرحية خاصة ومحددة، تتميز باختيار موضوعاتها وخياراتها المنهجية والجمالية التي تجدد وتعزز التطور الدرامي للتجارب المسرحية، 2) العمل على إثارة الانفعال والتفكير الإنتقادي للمشاهد. مسرح سريع ومسلٍ وسريع الإيقاع فيه حضور دائم لعنصر المرح.
وعمل هذه الفرقة يفضل انفعالات وخيال الممثلين التي تتعرض للاختبار في الاستنباطات التي تغذي وتحدد ما ستكون عليه النتيجة النهائية لعرض العمل الدرامي على خشبة المسرح. وعلى أساس قاعدة النص الأصلية تقترح بنى استنباطات تختفي مع التقدم في البروفات، مع درجة مطردة من التعقيد. وهذه الاستنباطات تحدد الاحتياجات التقنية للمسرحية: فن الديكور، الإضاءة، الملابس، إلخ، مثل الخط الدرامي وما هو متعلق بالحبكة الذي يشكل النتيجة النهائية للعمل.
وبين مسرحياتها الأخيرة يمكن الإشارة إلى كاغليوسترو CAGLIOSTRO وزرادشت ZARATUSTRA والعرض القادم سيكون أوليس ULISES. وقبل الحديث عن كاغليوسترو سنشير هنا إلى مفهوم التناص حسب بعض المنظرين العاملين في مجال علم العلامات، السيميولوجية:
يقول أرّيف ARRIVE في "مشاكل السيميوطيقا" PROBLEMAS DE SEMIOTICA:
" مجموع العلاقات التي تظهر داخل نص محدد".
أما جوليا كريستيفاJULIA KRISTEVA فتقول إن:
" كل نص يُشيد كفسيفساء من الشرائط، وكل نص امتصاص وتحول لنص آخر، وبدلاً من مفهوم البين ذاتية يوضع التناص، واللغة الشعرية تُقرأ مزدوجة على الأقل".
ويشير رولان بارت BARTHES إلى أن:

" كل نص هو نص بيني INTERTEXTO، فهناك نصوص أخرى موجودة فيه، على شكل طبقات متغيرة، تحت صيغ يسهل التعرف عليها بشكل أو بآخر، ونصوص الثقافة السابقة ونصوص الثقافة التي تحيط بها، وكل نص هو نسيج جديد من الشرائط السابقة. وتُقدم في النص موزعة قطعٌ من الرموز والصيغ والنموذج الإيقاعي ورواسب اللغات الاجتماعية… إلخ، فدائماً توجد اللغة كائنات النص وحوله. والتناص واقع أي نص مهما يكن هذا النص لا يستنبط كما هو جلي من مشكلة مصادر أو تأثيرات، والنص البيني مجال عام لصيغ مجهولة، يصعب الوصول إلى أصلها، وهو إقتباسات لاواعية أو آلية، تُقدم بلا علامات تنصيص".
ومما سبق يمكننا القول إن عروض كل من: الكوميديا الجنائزية والممسوخات وكاغليوسترو وزرادشت ينطبق عليها التناص، فكلها تقوم على أساس النصوص الأصلية، النصوص الأولية التي تدرج في نصوص جديدة، وبذلك يولد نص مزدوج في هذه المبادرات المسرحية حسب رأي جوليا كريستيفا.
ومسرحية كاغليوسترو تتخذ من قصة الكاتب والشاعر بيثنتي ويدوبر VICENTE HUIDOBRO التي تحمل الاسم نفسه قاعدة لها. فهذه القصة كتبها الشاعر بغرض تحويلها إلى شريط سينمائي، ومع ذلك عرض في أكتوبر عام 1927 الشريط السينمائي "مغني الجاز" THE JAZZ SINGER أول شريط ناطق، بقي كل مشاريع الشرائط الصامتة طي النسيان، ومن بينها شريط كاغليوسترو.
وبطل قصة بيثنتي ويدوبرو: كاغليوسترو، وهو كيماوي عصور وسطى ذو أصل إيطالي، ثرثار، ساحر ومشعوذ، وضعه المؤلف في باريس عشية الثورة الفرنسية. وهو يشفي الأمراض عن بعد ويحيي الموتى، ويمارس قوى خارقة للطبيعة فيُنادى إلى بلاط الملك لويس السادس عشر. وأمام هذا الرجل يريد علماء البلاط، روسو ROUSSEAU ومارا MARAT ودانتون DANTON أن يعرفوا المزيد من العلم الخفي ويؤسسون مذهب ويضعون كاغليوسترو على رأسه:
" كاغليوسترو يؤسس مذهب إيزيسISIS الشهير وفيه يتلقى بعض المحظوظين بدايات الأسرار العظيمة".
غير أن هذا التراكم السلطوي يؤدي إلى سوء استخدام السلطة نفسها. ويصل مشعوذ: مارثيبال MARCIVAL الذي يدمر أسحار كاغليوسترو. أما لورينثا، LORENZA عشيقته الوسيطة medium فتنتحر، بعد ذلك يتفهم كاغليوسترو أخطاءه داخلاً في الليل المظلم بينما يطفو في نص ويدوبرو، ولكن كان قد فات الأوان:
"إلى أين ذهب بعد ذلك؟ إلى أين لجأ؟ هل تمكن من هزيمة الموت؟ هل يعيش بعد مع ذويه في مكان ما؟ "
والنموذج الأكثر وضوحاً للتناص هو فصل الرقص الكوبي MAMBO في العرض المسرحي، مضافاً إلى الحكاية الأصلية. وهذا العنصر يسفر عن سرعة حركة في الحكاية ويخدم الرشاقة في ما يتعلق بآنية تطور الحدث حيث يُحترم السياق الذي تدور فيه الأحداث. ومع ذلك فإن الملابس وفن الديكور لن يكون طابعهما واقعياً، إلا أنهما على مستوى احتياجات الأداء في المسرحية قدما للمشاهد رموزاً ساعدته على تحديد موقعه في سياق العمل. وفي هذا الإطار فإن اللغة الهزلية سيكون لها حضور بارز.
يؤدي الماكياج وظيفةً بارزة، إذ قام بإبراز الطابع التعبيري و/أو الرمزي الذي يخص كل شخص يتدخل في العمل الدرامي.
وعليه فإن هذا الإخراج يدخل في إطار الجمالية المقترحة من قبل الفرقة، أداء الممثل الذي يلجأ إلى الإيماءات والتأثير في المشاعر والخيال، وكل هذا من أجل أن يملأ معنى الفضاء الفارغ الذي تدور فيه المسرحية.
وأخيراً سنتكلم عن رامون غريفّيرو RAMON GRIFFERO الذي يقدم جمالية خاصة. والعالم الذي يقترحه غريفّيرو عالم أحلام، وهو ما يؤكده هو ذاته قائلاً:
" إن هدف الفن في أيامنا هو السماح بالحلم، بالسحر. لا يهمني الواقع في حد ذاته بل تفسيره".
والنقطة الحاسمة في هذه الجمالية تكمن في ضرورة كتابة رسالة دكتوراه في نهاية العام الدراسي في لوفان LOVAINA . استخدم "أوبرا غرق" OPERA DE UN NUFRAGIO التي حُللت على يد نقاد وأساتذة. ومعرفة وجهات النظر هذه سمحت له باكتشاف عناصر وتقنيات ومفاهيم لم يكن قد تعمق فيها.
ويرغب غريفّيرو في إثارة أحاسيس قوية، القطيعة مع ما هو تقليدي والذهاب إلى أبعد من هذا. ومسرح غريفّيرو يكتسب معنى آخر. وعليه تم إخراج مسرحيات مثل "حكايات عنبر مهمل" HISTORIAS DE UN GALPON ABANDONADO، وسينما يوتوبيا CINE UTOPPIA، والمشرحة LA MORGUE وسانتياغو باوأوس SANTIAGO BAUHAUS تبرز الفضاءات البصرية. وبهذه الطريقة يمكننا الإشارة إلى أن المشاهد في سينما "يوتوبيا" يجلس في منصة على شكل شرفة عليا. وتحته مقاعد سينما من مدينة سانتياغو من عقد الخمسينات، هي على وجه التحديد سينما "بلنسية" المعروفة في العاصمة التشيلية. وهناك الكشاف EL ACOMODADOR يخدم جمهوراً يحضر حفلات شريط سينمائي، يوتوبيا.
والشريط السينمائي الذي بدأ عرضه للمشاهد-الحقيقي وللمشاهد-الممثل يقدم على شاشة سينمائية، وعند إطفاء أنوار سينما بلنسية ترتفع الشاشة كما لو كانت شيش نافذة وتحكى لنا حكاية يمثلها أبطال سينمائيون. وهؤلاء الممثلون مراقَبون من قبل الأبطال المشاهدين-المسرحيين، وهم بدورهم مراقبين من قبل المشاهدين-الجمهور. والحكاية السينمائية هي لسباستيان، مواطن تشيلي منفي في باريس (هناك فقرات كاملة باللغة الفرنسية)، تلاحقه باستمرار كوابيس اختفاء زوجته في بوينوس آيريس. بلا نقود وبلا عمل نجد أن يوتوبياه هي المرأة المخطوفة على يد الشرطة. واضاف غريفّيرو تصميماً للشريط السينمائي وهو شارع حيث نشاهد هاتفاً عاماً في لقطات دون أن تكون هناك حاجة ولا إمكانية للحديث عبره. وانتهاء حلم سباستيان يؤدي بدوره إلى الشئ نفسه لدى الجمهور، وبالتالي الأمر نفسه يحدث للمشاهد في قاعة الترولّي EL TROLLEY .

والشغل الشاغل لرامون غريفّيرو هو الفضاء، ولهذا فإن مصالحه الرئيسة تكمن في مكافحة الاختلال العقلي، وفتح فضاءات عقلية، وثانياً أن تُمثل المحتويات عبر أشكال أخرى. فالانفعالات التي يفضلها غريفّيرو هي الحنين إلى الوطن والوحدة والموت والجنس.
ومن أعماله الأخرى مسرحية سانتياغو باوأوس SANTIAGO BAUHAUS لعام 1987 وهي مسرح تشكيلي بمعناه الدقيق. فالأشكال التي تنتجها المسرحية تنتمي إلى جمالية الفن التكعيبي وإلى الفن التجريدي الذي كان سائداً بشكل أقوى منذ عشرين أو ثلاثين عاماً. لقد قام بنشاط فني، في البداية كان مقتصراً على الفن التشكيلي كما أسلفنا، وهو يطبق على المسرح.
وهناك اهتمام دائم لدى غريفّيرو بالفضاء مما يحمله إلى الإعلان أنه مضاد للمشهد التقليدي بسبب الحدود التي يفرضها على الإبداع، ممثلةً في القاعة المعدة مسبقاً، فطرق التجريب لفن التأليف المسرحي DRAMATURGIA يجب أن تطبق على فضاءات جديدة. وغريفّيرو يشعر بأنه مقيد عند كتابة عمل مسرحي لا يملك سوى عدة أمتار مربعة لعرضه. وخط العرض هذا يلاحظ في مسرحية نشوة أو درب القداسة EXTASIS O LA SENDA DE LA SANTIDAD. وقد مثلت هذه المسرحية لأول مرة في المهرجان العالمي الثالث للتأليف المسرحي المعاصر في فيروليVEROLI بإيطاليا.
وفيها يسعى البطل وراء هدف وهو أن يكون قديساً ولهذا يمر بسلسلة من التجارب يكشف فيها عن الأهواء الخفية التي يحتفظ بها كل إنسان، والمخاوف، والإحساس بالذنب. وهذا العرض كشف عن أنه لا يزال هناك مسرح أوروبي للغاية لدى غريفّيرو. وتعدد المستويات في المشهد لا يزال قائماً مما يفسح المجال أمام لوحة تشكيلية متناسقة للغاية. وما هو حُلمي والحد بين الجنون وسلامة العقل يظهر بذكاء.

أما آخر عمل فهو " في اتجاه مجرى النهر" RIO ABAJO وقد عرض لأول مرة يوم 19 يوليو 1995 في المسرح الوطني التشيلي. استمر العرض مدة طويلة في هذا المسرح وحقق نجاحاً كبيراً. والمسرحية تقدم مواقف من الحياة اليومية. والأشخاص عاديون تقوم بينهم علاقات على أساس مشاكلهم البسيطة، ويقيمون في المبنى نفسه. وعلى مقربة منهم يوجد نهر موبوتشو MOPOCHO مترقباً ورمزاً ومعرِّف صامت لبعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى عرض غمومهم. ولأسباب هي التالية: الصداقة والجنس والعنف والمخدرات، تبنى مواقف مرئية في واقع هامشي.
وبالنسبة للإخراج فنجد أن غريفّيرو يثير ذهولاً من جديد لسيطرته الكاملة على خشبة المسرح، لإبداعه والمخاطرة الكبيرة التي يتضمنه كسر الثوابت التقليدية. وفي هذا المجال يلعب الديكور المدهش دوراً رئيساً (مبنى حقيقي من ثلاثة طوابق وست شقق) يبدي لنا مفهوماً سينمائياً، وهذا المفهوم يقدم تصاميم متعددة، وهو ما يجعل العرض أكثر جاذبية مع موسيقى وجو هزلي في اللغة، والإضاءة لصالح الضوء/الظلام. خلاصة القول إنها مسرحية عظيمة.
سنختتم مقالنا بالإشارة إلى أن كل من لا تروبا وفرقة لا بويرتا ومسرح غريفيرو تتبنى صيغةً مسرحيةً مختلفة عن تلك التي سادت وصبغت الحقب الماضية، متخطيةً الكلمة المنطوقة. وبذلك يُفسح المجال أمام مختلف الإمكانات في المسرح كخشبة مسرح، كمكان عمل: إضاءة، فضاءات مادية، خيال بصري، موسيقى، صف عناصر ديكور، مختلف أساليب التمثيل والماكياج تتحول إلى موارد صالحة على مستوى الحوار الشفهي.
وتأكيداً لما سبق فإننا نشير إلى ما عرضه ماركو دي مارينيس MARCO DE MARINIS الذي يعرف النص المشاهَد بأنه مجموع غير مرتب، إلا أنه متماسك وكامل من عناصر نصية متعددة الأبعاد تحملنا إلى رموز متجانسة بينها وليس كلها محددة، ومن خلالها يتم تحليل استراتيجيات إتصال، ويرى أن هذا النص المشاهد نص كبير يحتوي نصوصاً جزئية للفرجة ( الملابس، والموسيقى والإيماءات … إلخ) وكلها تعطى في سياقات فرجة وكذلك في سياقات ثقافية (مسرحية أم لا).
وأخيراً أريد أن أقول إن الدراسات السيميوطيقية يجب أن تكون عملية بتقديم إجابات لنا أمام المكونات التي تعمل في الحدث المسرحي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالمشاهدة، المجال الذي يحظى بالتفضيل في الوقت الراهن حيث يكون المشاهد في موضع الإستقبال شاهداً على هذا العالم المتخيل، وهو الذي يستقبل المجاز بصرياً، فهو للتمثيل. وصعوبة التفسير أحياناً التي قد تظهر في أن بعض المشاهد لا تقلل من جودة الرسالة ولهذا يمكن إدخاله مجال علم الإشارات.

* ترجمة مقال بعنوان
" *Erika Cortés Bazaes, ¨Funcionalidad y aplicacion semiotica teatral"
Revista chilena de semiotica, N.1, octubre 1996.
http://rehue.Sociales.unchile.cl/rehuecho/facultad:publicaciones/semiotica teatral.





#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل
- مكان الطقس في سميوطيقة العرض
- السارد في المسرح
- سميولوجيا العمل الدرامي
- الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن ...
- المسرح والخيال
- عبد الوهاب البياتي محلقًا عبر أشعاره وحيواته في العالم الناط ...
- مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
- الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
- ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع ...
- نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
- شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل ...
- هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
- إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
- قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
- حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي ...
- مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل ...
- لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال ...
- كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
- كان ياما كان


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - توظيف وتطبيق العلامات المسرحية