أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - إميل حبيبي باقٍ في حيفا















المزيد.....

إميل حبيبي باقٍ في حيفا


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


لم يكن اميل حبيبي في الادب العربي المعاصر مجرد روائي كبير فحسب، بل إنه كان متميزًا بين مجايليه من الأدباء الكبار، بتنوع ملَكته الإبداعية في مجال الرواية والقصة والنص المسرحي والمقالة الأدبية والفكرية والسياسية، وقد مكنه هذا التنوع الخصب من تنوع نتاجاته الأدبية في أعمال لها طابعها وتميزها ودلالاتها العميقة من حيث الشكل والمضمون.

على قدر هذا التنوع تمتع بقدرة لغوية وتعبيرية ونقدية وثقافية واسعة، كما تمتع باسلوب ساخر فريد يأتي من أعماق الروح على مستوى الكلمة والطرفة، شد به اهتمام قرائه على الساحة الأدبية العربية، لما فيه من عذوبة ونقد جريء بنكهة خاصة، وقد ساعد هذا على صمود أعماله حتى الآن بعلامات بارزة ذات خصوصية واضحة في المشهد الأدبي العربي المعاصر.

ساعده أسلوبه الساخر وفق مفردات وقواعد بنائية خاصة به، أن يميل بفطرته إلى اختلاق مضامين مصطلحية مثيرة ساخرة، تنطوي على دلالات تعبيرية منسقة على مستوى الرؤية والصياغة اللغوية والتركيبة البنائية للمفردات، عبر عنها بحس نقدي وثقافة عالية ومتنوعة في كتاباته الأدبية والفكرية والسياسية ومواقفه وتعامله مع واقعه.

غني عن البيان أن الأدب الساخر تتقنه قلة نادرة من الأدباء، إنه على جانب كبير من الأهمية، يُعبر بعمق "عن ذروة الألم" حسب تعبير الراحل الشاعر محمد الماغوط، والكتابة الساخرة كما يقول يوسف غيشان "تحتاج إلى وجود حس للأشياء وقدرة على التمرد وحس نقدي وثقافة عالية".

الادب الساخرالذي أتقنه اميل حبيبي استوحاه من واقع شعبه المقهورفي الداخل والشتات، وأوضاع وطنه المحتل، والتعايش المستحيل مع الآخر، عبّر به باستخدام تراكيب الضحك الاسود عن آلام شعبه وفواجعه بحبكة نابضة بمشاعر صادقة تضفي على كلماته سحرا خاصا يُشعر المتلقي بالمتعة والتأثر بما يقرأ.

كان وطنيًّا شامل النظرة في طروحاته الساخرة، يصور فيها الاوضاع الفلسطينية بدقة وتفصيل، ويُضمّنها آراء صائبة وأفكارا حكيمة ناضجة بعيدة كل البعد عن الأفكار الضيقة المحدودة، مَنح بها شعبه عزاء نفسيا، ودعاه إلى التمسك بالأرض، والتزم بهذه الدعوة طيلة حياته وحتى بعد وفاته، حيث كُتب على شاهد قبره حسب طلبه في وصيته "باقٍ في حيفا"، وقصد بهذا أن يقول إن البلاد بلادنا وفيها سنبقى احياء فوق ترابها او أمواتا تحته ولا نرحل، واكتسب بعد الموت بهذه الكلمات القليلة المليئة بالمعاني الكبيرة قدرة على التمرد والتفوق على غيره من الأحياء، وازداد بهذا نجمه بريقا.

وتجدر الإشارة إلى أن موضوع البقاء في الوطن كان الهاجس الاساسي الذي تمحورت حوله كل مقالات اميل حبيبي السياسية وحتى أعماله الادبية، ورافقه هذا الهاجس بعد مماته بما كُتب على شاهد قبره.

لم التق حبيبي في حياته، تعرفت عليه فقط من قراءة أعماله الأدبية ومقالاته ومن متابعة نشاطاته كواحد من أبرز وجوه الثقافة الفلسطينية، ناضل كسياسي يساري فاعل طيلة عمره من أجل حقوق شعبه وتحرره، ولتقديري الزائد له زرت ضريحه في حيفا، وقد ذكرت ذلك في كتابي الذي أصدرته مؤخرا بعنوان "حيفا... بُرقة البحث عن الجذور"...زرته لأن جذور اميل حبيي تمتد عميقا في باطن أرض فلسطين منذ أزمان بعيدة، زرت ضريحه في سياق بحثي عن جذوري في رحاب بلادي.

وقفت أمام ضريحه بعاطفة حارة مندفعة، وأعدت قراءة الكلمات المكتوبة على ضريحه عشرات المرات بإحساس عميق: "باقٍ في حيفا"، نظرت حولي في الفلاة المجاورة لضريحه، وعادت الذكريات، تدفقت في خاطري عن لحظات ثمينة غالية عشتها في مسقط رأسي حيفا أيام طفولتي الباكرة.

أدركت عند ضريح إميل حبيبي أن الإنسان وحده، هو الذي يحدد قيمة نفسه في حياته وبعد وفاته، يمكنه أن يبقى حتى بعد الرحيل مسموعا ومقروءا، له دوره الفعال في إبقاء نصوصه متداولة مع الأجيال جيلا بعد آخر، يعايشها القراء بوجدانهم، وتبقى مع الأيام علامة بارزة.

ومن حسن الطالع، أن الأعمال الأدبية الكاملة التي نشرت في حياة إميل حبيبي قد جُمعت في مجلد جامع بعد فترة قصيرة من رحيله، وتشتمل هذه الأعمال على: سداسية الأيام الستة وقصص أخرى، الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل، لكع بن لكع، اخطيّة، خرافية سرايا بنت الغول، أم الروبابيكا.

قرأت مضمون أعمال اميل حبيبي الكاملة عدة مرات، ولا أملّ من قراءة روايته الشهيرة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل" ذات الحبكة المتماسكة، المبنية على سلسلة من الحوادث المتصلة بتداعيات النكبة والهزيمة والاحتلال، والتي يعتمد السرد فيها على العنصر النفسي بالغوص العميق في أغوار النفس البشرية، تنقلَ اميل حبيبي في سرده الأنيق مع شخوص روايته (سعيد المتشائل، ويعاد، وباقية، وولاء) عبر وقائع الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال، وكشف عن تحولات جذرية حدثت في مجرى حياتهم بطريقة فنية غير مسبوقة، اعتمد فيها على تصوير واقعهم تصويرا صادقا، والبوح بكل ما يدور في سريرتهم من تأملات وآمال واحزان، والتأكيد على صحة بقائهم في فلسطين حتى تحت ظل الاحتلال بدلا من ضياعهم في منافي الشتات.

يتصدر الأعمال الأدبية الكاملة، كلمة الشاعر محمود درويش التي قالها في رثاء الراحل اميل حبيبي يوم تشييع جثمانه، استهلها بمناداته "أيها الساحر الساخر من كل شيء... في كل واحد منا واحد منك!"... ثم أضاف قائلا له: "باقٍ في حيفا" هو الاسم الذي سميت به اسمك، لا لتميز بين صعود الجبل وبين هبوط الجبل، ولا كي تحدد الفارق بين الباقي في منفى هويته، وبين العائد الى هوية منفاه. بل لتفعل فعلتك الخاصة بالأسفارولتحفر فوق المخطوطات ما لست َفي حاجة إلى تأكيده. إلا لمواجهة زمن طال فيه الشك شرعية الأم. حين صار في وسع القوة الواثقة من امتلاك الحاضر، أن تضع الماضي على مائدة التساؤل، لتملي عليك روايـتها حجرا في مواجهة بشر. لم يرتكب شعبك خطيئة سوى اسم هذه الهوية الذي تحفره في قطعة من رخام وفي الذاكرة الجماعية.باقٍ حيثُ ولد في المكان الذي واصل فيه سليقة العلاقة العضوية المستمرة، وبلا قطيعة، بين الأرض وتاريخها ولغتها، وتابع فيه الاصغاء المرهف بخشوع ومحبة إلى كلام السماء إلى الأرض..."

إضافة إلى أعماله الأدبية الكاملة، ترك اميل حبيبي وراءه عددا كبيرا من المقالات التي نشرها في جريدة "الاتحاد" التي كان أحد مؤسسيها في العام 1944، وفي مجلة "المهماز" الساخرة الصادرة عام 1946، وفي مجلة "الجديد" الثقافية الادبية، وفي شهرية الأدب الفلسطيني "مشارف " التي أسسها وأصدرها في العام 1995.

يظهر من مقالاته أن ملكة الكتابة باسلوب ساخر لاذع قد تجلت لديه منذ أيام شبابه الأولى في زاوية أسبوعية سياسية موقعة باسم "جهينة" ظهرت على مدى سنوات طويلة بعنوان " اسبوعيات"على صفحات جريدة الاتحاد الحيفاوية، واشتهرت كأهم زاوية صحفية في الداخل الفلسطيني تثقفت عليها أجيال متعاقبة من المثقفين والصحفيين والسياسيين والأدباء، وكانت مواضيعها رائجة في الدول العربية أيضا، كما كانت له زاوية ساخرة أخرى في نفس الجريدة عندما تحولت الى جريدة يومية في ثمانينيات القرن الماضي، باسم "أبو الشمقمق" نسبة إلى مروان بن محمد ابو الشمقمق، أحد الشعراء الصعاليك في العصر العباسي.

مقالات اميل حبيبي على درجة عالية من الأهمية تشكل جزءًا لا يتجزأ من ميراثه الثقافي، دافع فيها عن حقوق شعبه الوطنية والقومية، وطرح فيها قضايا كثيرة أدبية وفكرية وسياسية، من الضروري ان تجمع وتصدر بين دفتي مجلدات تنعش الهوية الثقافية الفلسطينية، وتجعل المعرفة زادا ثمينا تحمله الأجيال القادمة معها في رحلة الحياة.

بهذا يمكننا تكريم أحد أبرز رموز الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية، من أوائل الأدباء الذين شاركوا شعبهم بأحلامه وهمومه، وقدم بفكره الحر الكثير لقضيته الوطنية وللحضارة الإنسانية.

وهنا أسأل: هل يمكن للمراكز الثقافية والفكرية الفلسطينية الرسمية منها وغير الرسمية أن تساهم في تكريم الكبار من أدباء فلسطين؟

إن تحقيق ذلك يعطي الهوية الفلسطينية القوة والحيوية والقدرة على البقاء، لأن الثقافة جزء لا يتجزأ من الهوية.



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيليا
- جوني منصور مؤرخ حيفا
- عن أقباط مصر
- أحييكم
- الثورة الجزائرية في مرآة النفس والآخر
- كتاب المهد العربي
- حيفا ليست قرطبة
- عبد عابدي : نصف قرن من الإبداع
- شظايا مذكرات غير مكتملة
- جزيرة في نهر سان لوران.
- البحث عن الجذور
- عيسى بُلاطه : ناقداً وأديبا ً
- تراجيديا الهنود الحمر
- التوثيق في الأعمال الإبداعية
- امرأة منسية
- فتاة الترومبون
- ناجي علوش شاعراً ومفكراً
- في ذكرى ناجي العلي ثانية
- في ذكرى ناجي العلي
- العرب لا يقرأون


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - إميل حبيبي باقٍ في حيفا