أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - وحدة العراق التاريخيّة والجغرافيّة والثقافيّة















المزيد.....

وحدة العراق التاريخيّة والجغرافيّة والثقافيّة


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4113 - 2013 / 6 / 4 - 20:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في ظل الأوضاع الخطيرة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، مهد الحضارات الذي يعاني من التخلّف على كافّة الأصعدة هذه الأيام بسبب الغرق في مشاكل لا طائل من وراءها ولا ينغمس في تأجيجها إلاّ من فقد العقل اللبيب وغاب لديه الحكم الصائب، ومع تزايد المخاطر التي تهدّد وحدة أوطاننا وشيوع بعض الأفكار الهدّامة التي تحاول تحطيم المواطنة وتبديد فكرة الوطن في أذهان أبناء المنطقة وترويج فكرة بأنّ هذه الأوطان هجينة لا يجمعها رابط سوى حدود وضعها المستعمر، في ظل هذه التحديات وجدتُ بأنّه من الضرورة بمكان كشف زيف هذه المخطّطات وكذبها وإثبات وحدة هذه الأرض تاريخيا وجغرافيا وثقافيّا.

كلّنا يعرف بأنّ أرض سومر هي مهد الحضارات وبإعتراف العلماء الأجانب قبل علماء الآثار من منطقتنا، وما كان عنوان كتاب عالم السومريات الكبير صموئيل نوح كريمر "التاريخ يبدأ في سومر" بمبالغة منه أو نتيجة عواطف، فلم يكتب هذا العالم الكبير إلاّ الحقيقة، ففي هذه الأرض كتب الحرف الأوّل وقامت أولى المدن وخُطّت أولى القوانين لتنظّم حياة الشعب، وفيها قامت أولى النظم الديمقراطيّة بمجلس شباب شيوخ المدينة وفيها أيضا إزدهرت الزراعة وقام نظام ري متطوّر وتمتّعت المرأة فيها بحقوق لا تزال المرأة في أرقى الدول تناضل من أجلها، فقد كانت المرأة النهرينيّة ملكة وأميرة وكاهنة عظمى بل وأوّل شاعرة في التاريخ "أنخيدوانا". في هذه الأرض أيضا نجد المكتبة الأولى والنوتة الموسيقيّة الأولى وأوّل تقويم زراعي وأول قاموس وفيها أيضا إحتفى الشعب بسعادة وصنع البيرة والخبز لأوّل مرّة في تاريخ البشرية، فقد كانت هذه الأرض مركز التمدّن الأوّل في العالم ولو أردنا أن نحصر كل ما ساهم به شعب هذه الأرض المعطاء لوجب علينا أن نكتب كتابا شاملا في علوم الرياضيّات والفلك والطب والصيدلة وغيرها، وبسبب كل هذا عانت هذه الأرض كثيرا بسبب غناها الفكري والمادّي فكانت ولا تزال محط أطماع جيرانها وغيرهم من موجات غازية من أصقاع العالم، لكأنّها ضريبة يدفعها هذا الشعب من دماءه دفاعا عن هذه الأرض العظيمة، ففي القدم كانت سومر فردوس أرضي وجنّة عدن تتطلّع إليها الشعوب الفقيرة في صحاري الجزيرة العربية وهضبة بلاد فارس الجافّة بطمع ورغبة في السيطرة عليها كلّما أمكن ذلك ودبّ الضعف في أرجاءها، ولكنّ هذه الأرض ومهما أصابها من ضعف في فترات معيّنة من تاريخها تنهض من جديد وتعود لتزدهر لأنّ فيها زهرة الأنوناكي الأزليّة للفكر والإبداع.

هذه الأرض العظيمة بتاريخها الضارب في القدم كانت أرضا واحدة منذ الأزل وكانت تهمين على مساحة أكبر في واقع الأمر في فترات إزدهارها إذ كانت تتمتد من البحر السفلي "الخليج" وحتّى البحر العلوي "المتوسّط" ولم تكن تلك الهيمنة بسبب قوّة عسكرية فحسب بل كانت تأثيرا فكريّا عميقا حكم شعوب المنطقة بأسرها، وأحد أهم اشكال هذا التفوق الحضاري نظام الكتابة المسماريّة الذي إبتدعه السومريّون وإقتبسه عنهم الأكديّون والأموريّون والآشوريّون والكلدان والحثيّون في تركيا والأرارتيّون في أرمينيا الحالية بالإضافة إلى العيلاميين والفرس الأخمينيّين والحوريّون وسائر بلاد الشام قبل إختراع الأبجديّة في أوغاريت والتي كانت هي الأخرى تبسيط للعلامات المسماريّة بشكل أبجدي، ولا ننسى أنّها كانت اللغة الدبلوماسيّة في العالم وخير دليل على ذلك رسائل تل العمارنة في مصر والتي تمثّل مراسلات من عصر الفرعون المصري أخناتون كتبت باللغة الأكدية والخط المسماري وعلى ألواح طين، وحتّى المشترع الكبير موسى تسلّم الوصايا مكتوبة على ألواح أي أنّه إتّبع الطريقة النهرينية على الرغم من أنّه عاش في مصر التي يستعمل البردي فيها للكتابة عليه. كل هذا يثبت هيمنة هذه الثقافة وسيادتها في المنطقة وكان العراق مركز تلك الحضارة العظيمة ومهدها ومع ذلك ينكر أعداء هذه الأمّة علينا إعتبار أنفسنا أمّة ويحاولون دمجنا مع شعوب أخرى شرقا أو غربا أو جنوبا، على الرغم من أنّ قراءة التاريخ تثبت بأنّ كل ما هو موجود الآن من أفكار وأديان له جذور نهرينيّة فكيف لنا أن نجعل الأصل فرعا، وحده الجهل وطمس الحقائق يجعل ذلك ممكنا.

نحن الآن لا نروم إعادة الإمبراطوريّات القديمة وهمّنا أن نحافظ على وطننا الذي يثبت التاريخ بأنّ الضعف أصابه أحيانا وتشتّت ولكنّه وفي كل حين يعود واحدا موحّدا لأنّه مصيره المحتوم، المكتوب في ألواح القدر السومريّة، كما قدّر على نهريه العظيمين الإلتقاء بعد رحلة طويلة من المحبّة والعطاء. وفي عرض سريع للتاريخ نرى أنّ أول محاولات التوحيد السياسي لهذه الأرض – الموحّدة ثقافيّا أصلا – كانت في عهد ملك أوما السومري لوگال زاگيزي (2294-2270 ق.م.) عندما وحّد بلاد سومر تحت لواء سلالة أوروك الثالثة وسرعان ما إستولى سرجون الأكدي (2270-2215 ق.م.) الذي أكمل توحيد بلاد سومر وأكد وأسّس أوّل إمبراطوريّة في التاريخ وقد وسّع حفيده نارام سين الإمبراطوريّة حتّى بلغت أواسط الأناضول وضمّت سوريا وأجزاء من إيران. وما أن دبّ الضعف في الإمبراطوريّة بعد إحتلال الكوتيين، حتّى تمكّن أوتوحيكال من تحرير بلاد سومر مرّة أخرى وأعاد أورنمّو (2112-2094 ق.م.) توحيد البلاد تحت حكم سلالة أور الثالثة، وهكذا عبر التاريخ كلّما تفرّقت هذه البلاد حتّى جاء ملك عظيم يوحّدها من جديد فها هو الملك البابلي حمورابي (1792-1750 ق.م.) يوحّد بلاد النهرين من جديد ويقيم إمبراطوريّة عظيمة تحكمها قوانين موحّدة هي أقدم نسخة متكاملة لشريعة قانونيّة في التاريخ وقد ضمّت الكثير من التراث القانوني القديم لهذه الأرض إبتداءا من قانون أورنمّو الأقدم في التاريخ وحتّى قوانين أشنونا ولبت عشتار وغيرها، بشكل يثبت الوحدة الثقافيّة لهذه الأرض وتأثيرها العميق في محيطها ومن السهولة بمكان العثور على نماذج من قوانين حمورابي ومبادئه في الكتب الدينيّة المقدّسة. بعد عهود من الضعف والسيطرة الأجنبيّة بذل الملك الآشوري سرجون الثاني جهوده من أجل توحيد هذه الأرض ونجح إبنه سنحاريب في تحقيق ذلك وحافظ أسرحدّون وآشوربانيبال على تلك الإمبراطوريّة التي ضمّت مصر أيضا في حينها، وحتّى بعد سقوط نينوى حافظ ملوك بابل الكلدانية على هذه الوحدة لأنّها الحقيقة التي يريد أعداء العراق إخفاءها. وبعد أن دخل العرب إلى هذه الأرض إزدهروا هم أيضا وقامت لهم حضارة بعد أن جعلوا بغداد عاصمتهم، وكانت تلك الحضارة بذرة شعوب هذه الأرض الأصيلة وتفاعلهم معا، من آشوريين وسريان وفرس وكرد وعرب وصابئة ويهود فقد كان بيت الحكمة في زمن المأمون - المنفتح فكريّا - مقرّا عمل فيه العشرات من النساطرة الآشوريين كمترجمين وعلماء وأطبّاء وهكذا قامت حضارة نهرينية جديدة وإن بلسان عربي وأصبحت بغداد منارا يجذب العلماء من شتّى أصقاع العالم وهذا يثبت أنّ لهذه الأرض إمكانات عظيمة ما أن يتوفّر فيها الإستقرار السياسي بل أنّها تبدع حتّى في أزمنة النكبات والإضطرابات.

لقد أدرك الإنكليز هذه الحقيقة ولهذا عندما قسّموا المنطقة بعد الإنتصار على الإمبراطوريّة العثمانيّة وضعوا تلك الحقائق التاريخيّة نصب أعينهم، فوحّدوا أرض النهرين من جديد تحت إسم العراق المستمد أيضا من تاريخنا القديم فما هو إلاّ تعريب لكلمة أوروك، مدينة كلكامش وحيث عثر الألمان على أقدم ألواح كتابة مسماريّة معروفة في العالم، كما أنّ المصادر التوراتيّة ذاتها تثبت أنّ هذه الأرض وحدة واحدة ثقافيّا وتاريخيّا، ولا تزال الكلمات السومريّة والأكديّة والآراميّة تعيش فينا من خلال اللهجة العراقيّة العربيّة بما يثبت أنّ هذا الشعب هو نفسه وإن تغيّرت ثقافته إثر الغزوات المتعاقبة ووفود ثقافات مغايرة هي الأخرى مستمدّة من تراث هذه الأرض القديم، هو نفس الشعب وقد إندمج مع أقوام أخرى وحافظ جزء منه على هويّته من خلال الإختلاف الديني أو بسبب عيشه في مناطق منعزلة، فيما تغيّرت هوية الجزء الأكبر منه ولكنّ جذوره وتفكيره ولهجته المميّزة وطريقة الكلام ونبرته لكل أبناء الشعب بإختلاف طوائفه وقوميّاته تثبت أنّه وحدة واحدة كوحدة هذه الأرض الجغرافية التي يؤكدها نهرانا العظيمان الذين يخترقان هذه الأرض كشرياني حياة من الشمال إلى الجنوب ويمنحانها الحياة بلا تفرقة على اي أساس لأنّها أرضنا الأم المحبّة للخير.

كل هذه الأدلّة والتي عرضت هنا بإختصار كفيلة بأن تجعل أبناء أمّتنا فخورين بأرضهم وتاريخهم وأن يدفعهم للحرص على هذه الوحدة ونبذ كل أسباب الخلاف العرقية أو الدينية الطارئة والتي تحاول هدم هذه الوحدة ويجب أن يدفعهم إيمانهم بالأمّة العراقية للنظر بإستخفاف إلى الخلافات المذهبيّة التي تعيث فسادا في هذه الأرض ويُقتل من أجلها العشرات كل يوم ويجبر الآلاف على الهجرة والضياع نفسيا أو معنويا في مرافيء الغربة، هذه الخلافات السطحيّة بالنسبة إلى تاريخنا التليد، فوطننا أقدم منها بكثير ومن الظلم أن نحطّمه من أجل خلافات الماضي التي لا يبدو الصراع من أجلها اليوم إلاّ ضربا من الجنون ونظرة سطحيّة تمّ غرسها في عقل شعبنا محاولين سلخه من ماضيه وحصر تفكيره التاريخي في حدود الفترة الواقعة بين القرن السادس الميلادي وحتّى عصرنا الحالي، ومحاولين عزله أيضا عن المستقبل وعن الحاضر الذي وصلت إليه دول العالم الأخرى والتي سبقتنا كثيرا في سباق الحضارة المتسارع. يجب أن يتوقّف كل هذا الجنون سريعا وننسى خلافات الماضي وننظر إلى الإيجابي من تراثنا فقط ومحاولة بناء حاضر ومستقبل يضاهيه ويجعل أجدادنا فخورين بأنّنا ننتمي إليهم، وهنا نتذكّر مقولة الأديب الروسي الشهير مكسيم غوركي "في عربات الماضي لا يمكنك الوصول إلى أي مكان" وكذلك مقولة السياسي البريطاني ورئيس الوزراء ونستون تشرشل "إذا ما فتحنا صراعا بين الماضي والحاضر، فإنّنا سنجد بأننا قد فقدنا المستقبل."

الرابع من حزيران عام 2013



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحزّبات العابرة للحدود وخطرها على المواطنة
- رسالة الأرض
- الديمقراطيّة الحقّة بالضرورة علمانيّة
- الفيدراليّة، حل أم مشكلة جديدة؟


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - وحدة العراق التاريخيّة والجغرافيّة والثقافيّة