أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد حقّي في بؤرة ضوء .. جزء سادس















المزيد.....



أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد حقّي في بؤرة ضوء .. جزء سادس


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 09:19
المحور: مقابلات و حوارات
    


أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد حقــّي في بؤرة ضوء .. جزء سادس
ومن السياسة ، ما فشل..!
شكلُ الحريّة..لونُ الحرّيّهْ..!*
لا أعرفُ للحرّيّةِ لوناً
أو شكلاً
أو صوتاً
1. لماذا برأيك يجمد ويؤدلج العمل السياسي رقابيا وقمعيا ؟
الجواب:
يشتمل معنى السياسة على معاني إدارة الصراع ، والنجاح في هذه المهمة كما
يرى كثيرون ممن لا يتحلون بالسمات الموضوعيّة ، يرون أنهم قادرين على
مخالفة نواميس الطبيعة وحيث أن هناك واقع موضوعي وافكار تتحكم فيها
إرادتنا وترتبط بوعينا نجد من لا يرى أن هناك أسبقية للواقع في معالجة
التناقضات فيعمد إلى إرغام الواقع ونزوله على إرادته ووعيه ويتعامل معه من
خلال وعيه ويتم هذا عن طريق القمع ولهذه الأفكار نظريات معروفة وتُدعى
هذه المناهج بالمناهج الوضعيّة وهذه هي إحدى سمات الفكر البرجوازي لا سيما
عندما يُمسك بسوط السلطة ، للأسف مازال هناك من يعتقد أنه يستطيع أن يجعل
غطاء القِدر الذي يحتوي ماء يغلي في موضعه من القدر بواسطة أثقال يضعها
فوق الغطاء!

يقول الشاعر : ومكلّف الأيام ضدّ طباعها
متلمّسٌ في الماء جذوةَ نارِ
تلكَ هي عقيدة فاسدة ولكنها للأسف ما زالت قائمة ، وهي سبب أغلب مصائب البشر ، فإذا كنا لا نستطيع إبقاء غطاء القدر في أحوال الغليان مكانه فهل نتمكن من تحقيق ذلك مع بركان؟ ولكم أن تتصوّروا النتائج بدون أن ننحاز لجهة أو طرف فأنا اتكلم عن قواعد منطقيّة صرفة بشكل عام
وهي تمثّل وجه الصراع بين الوعي والمنطق العلمي ضد ضحالة الوعي اي
الصراع بين العلم والجهل وهذه قصّة لا يتحكم فيها وجود الحقائق من عدمها فقط
بل الأطماع والمصالح المختلفة الرغبات ، وسلاح هذه المصالح هو القمع حين لا يكون للعلم والمنطق السليم مكان.

*
*
*
الأخ الأكبر شخصية مستوحاة من أخيلة " جورج أورويل" ، غير منتهية الصلاحية وخصوصاَ أزمنة الحكم في العراق ، تجسد الدكتاتورية في دولة "توتاليتارية الحكم" ، يخضع مواطنوها إلى رقابة مشددة القيود على ممارسة أي حق ينصه الدستور في حق التظاهر أو القيام بأي نشاط فكري ، يتم تجيّره تحت بند الإرهاب .
2. ما حقيقة تطبيقات الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية في ظل سحق توليتارية الحاكم للمجتمع العراقي ؟
الجواب:
من النواحي العمليّة نجد أن هناك مواثيق معلنة وأخرى غير معلنة وما دامت هناك أهداف غير معلنة فإن المواثيق على إختلافها لا قيمة لها ، لقد وجدنا هتلر مثلا يرفع شعار ( ألمانيا فوق الجميع) وكان بعضهم يرى أنه يقصد أن المصالح الألمانيّة العليا فوق المصالح الفئويّة أو الشخصيّة ولكن سرعان ما تبيّن أنه يقصد بها أن ألمانيا فوق الأمم والشعوب الأخرى وكان ما كان من صراع لم تشهد البشريّة له مثيل ، إذا كان الحكام يتحلون بتوتاليتاريّة العقيدة والسياسة فهناك فرصة لكي نشهد مآسي لا يمكن إصلاحها ، ورأينا صدام يرفع شعار ( البعثي الجيّد هو الموظف الجيّد) وكان بعضهم يظن أنه يقصد أن البعثي الجيد لا يحصل إلاّ إذا كان موظفا جيدا ولكن الأمر إتضح سريعا وكان مختلفا أي أنه قصد أن الموظف الجيد لا يتحقّق إلاّ في بعثي جيّدوهكذا نجد أنه إن لم يستقم المنهج الفكري للسياسي ونقصد أي سياسي ويعتمد الموضوعيّة أو على الأقل البراغماتيّة في الإقرار بالأمر الواقع فإن كثيرا من المشكلات الكبرى لا شك ستتلاحق لأن العمل السياسي سينتهي بلعبة تشبه لعبة الثلاث ورقات التي يُسميها أبناء شعبنا ( سيه ورق) وسيدفع العراقيون جميعا ثمن ضياع فرص كبيرة ثمينة جداوبما لا يمكن تعويضه.

*
*
*
أزرقٌ مداد نبضه ..
قال :
قمرٌ أزرقْ*
ومراسلنا يقول:
قتلى، جرحى، موتى ، وجياع
في أخبار اليوم وفي كلِّ مكان
والأقمارُ ستُطمس!
وشموسُ الغدِ لن تُشرِقَ لا في الغدِ أو فيما بعده
* * *
ويستدر قلبه ربيع صبية :
ذات تنورة نيليّة وسماء زرقاء..!*
والفيلسوف الإشتراكي سلافو جيجيك يقول:
" اُرسِل شاباً من المانيا ليعمل في صربيا. كان يعلم أن بريده يُمكن أن تقرأه الرقابة، لذلك قال لأصدقائه :" فلنغيّر الشيفرة. إن وصلت إليكم رسالة مني مكتوبة بالأزرق، ستكون حقيقة ما أقول. وإن وصلت مكتوبة باللون الأحمر ستكون زائفة."
بعد شهر، تلقّى أصدقاؤه رسالته الأولى. كانت كلها بالأزرق. قال في رسالته:" رائع كل ما هو موجود هنا. المخازن ممتلئة بالأطعمة الجيدة. ومسارح العرض تعرض أفلاماً جيدة من الغرب. الشقق واسعة وفخمة. الشي الوحيد الذي ليس بإمكانك شرائه هو الحبر الأحمر". هكذا نعيش نحن. لدينا كل الحريات التي نريد. ولكن ما نفتقد هو الحبر الأحمر..
3. متى ستكتب حكومات وأحزاب العراق الجديد والصحافة بالحبر الأزرق ؟

الجواب :
أعتقد لو كان هناك كثير من الحبر الأحمر كما تقولين فإنه سيكون للون الأزرق فعاليّة وحضور ولكن كما ذكرتِ حضرتك إن كان لا وجود للحبر الأحمر مطلقا فإنه لا يستطيع الحبر الأزرق أن يُعبّر عن واقعيّة حضوره في ظل عدم وجود مداد أحمر بتاتا فمع من يتحاور ؟ ستكون لعبة عرجاء والإنسان يحتاج إلى قدمين لكي يتمكن من السير وقدم واحدة لا تكفي إن العمليّة الجدليّة هي تبادل التأثير بين المتناقضات وتتوقف حتما إن إفتقدنا أيا منهما أو نفهم أن هناك عملية غش وخداع فأنا لا أتعامل مع الدلالات من منطلق معجمي وليس عندي مفاهيم ثابتة لها فالمهم هي الصورة الإجماليّة فإن وجدتها تفتقر إلى شئ لا أتردد في إستخدامه بهدف إستكمال الصوة الكليّة وأفهم من البلاغة العربيّة أن هناك تشبيه وهناك تمثيل فالتشبيه أن نقول بشرتها كالثلج مثلا وهذا تشبيه لبشرتها بالثلج ولكن هناك التمثيل وهو تشبيه ولكن بمجمل حدث أو حكاية كما تقول الآية ( واضرب لهم مثلا رجلين كانت لأحدهما جنتان من أعناب ونخيل ...إلخ الآية) هنا نجد أنه من العبث تشبيه شخص بشخص بل بحالة وصورة متكاملة وسياق متواصل أي عمليّة وهكذا أفعل أحيانا والصورة الكليّة يكون لها في الغالب عناصر متعددة قد ألجأ لمعانيها المتداولة معجميا إذا كان يخدم التعبير وقد أبتكر شيئا جديدا وقد ألجأ إلى تركيب صورة واسعة وهذا كله حسب سياق الحال وليس فيه شروط. أمّا الحكومات والأحزاب فللأسف هناك رغبة مسبقة في جعل أنفسهم أي الأشخاص فوق طبيعة البشر حيث عندما تسنح الفرصة لأي منهم يستطيع المسارعة لإعلان نفسه إلها أو إبن إله وهذا للأسف حدث مرارا في التاريخ البشري رغم أن الأنبياء ولهم العصمة لم يدّعوا شيئا من هذا وآخرهم النبي محمد ( ص) يقول : إنما أنا بشر مثلكم ولكنها مرض الحكام الطفولي كالحصبة والجدري والسعال الديكي لا بدّ أن يُصيب الأطفال ونحن ممتنين للعلم أن أوجد لنا لقاحات تقي الأطفال شر هذه الأوبئة ولكن كثير من الأطفال لا يجدون اللقاحات الموصوفة فيُصابون ببعضها ومن ينجو يكون أشدّ شكيمة ولكن لا يُقارن عددهم بعدد من يذهبون ضحايا هذه الأمراض الفتاكة
أعتقد أن الصورة التي إن تمكنت من بنائها هنا عن مرض الحكام الطفولي يمكن إعتبارها تمثيلا بلاغيا لا يستخدم المعجمَ ، هكذا هو الأمر ، ليس بالضرورة أن يكون لدينا قاموس ولا أحب أن أستخدم الرموز فهي تخنق الإبداع وتجعل منه عملا ميكانيكيا ، أنا مع علم وفن البلاغة العربيّة ولا أعتبر الرمزيّة إلاّ أحد القيود التي تقيّد الإبداع كما قلت .


*
*
*
4. هل مازالت سادرا على اليسار في حضور اجتماعات خلاياه التي وصفها يوما جيل دولوز "إجتماعات حيث لا ننتهي من الكلام" ، أم هناك ردة ؟
الجواب:
إسمحي لي أن أبدأ من آخر ماجاء في السؤال، فالردّة لا وجود لها إلاّ في عقول وسلوك المنافقين أو الإنتهازيين ولكن هناك شئ آخرهوأشبه بذاك الذي يرى ما في حقيبته بين الفينة والفينة من ملابس فإن وجد منها باليا رماه وإن إبتاع جديدا إحتواه فيها ، فنحن لا نعتنق أفكارا جامدة والكل هذا اليوم يفكّر بهذه الطريقة وجميع أو أهم ما في معتقداتنا الفكريّة هي طريقة التفكير السليم والماركسيّة ليست شذوذا عن هذه القاعدة وجميع معتقداتنا ليست منتجا بل منهجا فهل نتبنّى فكرة تفصيليّة لبناء الإشتراكيّة أم نتبنى منهجا كبرنامج الكومبيوتر الذي يعمل مهما كانت المعطيات والمتغيرات؟
شراء تلفزيون أمرٌ مفيد جدا ولا شك وكذلك شراء كومبيوتر ولكن المفكّر لا يبحث عن هذاولا يروي هذا طموحه ولا ظمأه بل يبحث عن طريقة صنع التلفزيون أو الكومبيوتر وليس إستعمالهما ، وهو السبيل الوحيد إلى التجديد والتطوير والإبتكار المستمر أو ما يُدعى بالمستدام ، والشبه قريب جدا من المقارنة بين كتيّب إستعمال جهاز جديد وبين تعلّم المعارف الأساسيّة التي تؤدّي إلى صناعته وبالتالي إلى تطويره والتجديد فيه.فليس الوضع عند تعلّم إستخدام برنامج حاسوبي محدد كمن يتعلّم الرياضيات المتقدمة وألألكترونيات الرقميّة وعلم المنطق وعلوم التوبولوجي وإعداد الخوارزميات المعقّدة وعلوم البرمجة المهيكلة ولغات الكومبيوتر وغيرها بهدف وضع برنامج يوازي البرامج المطروحة بل يفوقها تقدّما .
ومن جانب آخر إن كان المقصود هو الإشارة إلى بعض مقالاتي التي رددت بها على بعض الطروحات الدينيّة ، فإنني وجدت أن هناك نفر يستغل علمانيّة الشعار المطروح على صدروواجهة الحوار المتمدن من أجل التبشير بأديان أخرى فعندما يكون محور غالبية مقالات البعض هو التعريض بالإسلام فقط وكدين فلا مناص من أن ينتابنا الشك في تلك المقاصد فلو كان الأمر يتعلق في حريّة المعتقد فإن هناك فريقان الأول من المؤمنين والآخر من غير المؤمنين أو الملحدين إن شاؤوا تسميتهم ولا فرق هنا بين الإسلام أو غيره من الأديان في توجيه النقد النظري من منطلق رفضهم للعقائد الغيبية أو المثاليّة ولكن صب النقد والهجوم على الإسلام كدين لا يمكن أن يفسّر على أنه نقد بنّاء كما أنه لا يتوجّه إلى تصرفات الفرق الدينيّة بل إلى العقيدة الإسلاميّة وهذا عمل تبشيري ولا شك لا يمت بصلة إلى العلمانيّة لأن العلمانيّة تقر بحريّة المعتقد الديني وتحترمه بل حتّى الإشتراكيّة والشيوعيّة تفعل ذلك أيضا
فاليسار لا علاقة له بالإلحاد مطلقا فالأمور تم بناؤها على أسس ما توصّل إليه كارل ماركس في العلوم الإقتصاديّة حيث بحث في هيكل البناء الرأسمالي ووجد أن هناك شئ إسمه فائض القيمة والتصرف به يعود بالتسبب في الظلم الإجتماعي والظلم والإستغلال ، وككل المخترعات العلميّة كالطائرة والكومبيوتر فإننا قبلنا جميع تلك المبتكرات وقبلنا نظريات نيوتن وآينشتاين وماكسويل وفاراداي وهوك وبويل وسواهم وأصبحنا نستخدمها بلا حساسيّة فلماذا نتوقّف عند فائض القيمة و ملكيّة وسائل الإنتاج ونقول هذا كفر وإلحاد ؟ ألم يكن هناك قطار ورادار وصواريخ ومركبات فضائيّة وإتصالات عابرة للأرض فلماذا تكون حلالا وعندما نقول أن فائض القيمة ليس من حق رب العمل بل من حق المنتجين يُصبح هذا هو عين الحرام والكفر والإلحاد؟
منذ أن تعرّفت على الماركسيّة والإشتراكيّة وأنا لا أجد ضرورة للشيوعي أو الإشتراكي بأن يكون ملحدا أو منكرا لوجود ظواهر غير معروفة لحد الآن تقف وراء أي من الأحداث أو أن هناك حياةً بعد الموت وإنكار اشياء لم تحصل بهدف إلغاء حدوثها هو أعمال غير موافقة للمنطق العام إنني أعتقد أن الشيوعيين بالذات دفعوا ثمنا باهضا جدا لقاء ضمّهم لعقائد الإلحاد إلى عقائدهم بينما ليس هناك في الشيوعيّة سوى مقارعة الإستغلال والظلم الإجتماعي والقهر الذي يُترجمه النشيد الأممي ( ضحايا الجوع باضطرار).
أنا لا أدعو الناس جميعا لاعتناق هذا الرأي ولكنني لا أستطيع أن أتعسّف بحق أحد في أن يعتقد بهذا فالتقدم العلمي والتطور العضوي للحياة والفكر هما الذان سيُجيبان على تلك الأسئلة كما فاجأنا العلم بإظهار الكثير من الحقائق التي كانت خيالامنكرا محضا فيما مضى
لقد قلت مرارا لو أن رجلا قال في الجاهليّة أن هناك جراثيم وهي كائنات لا تُرى بالعين المجرّدة أو قال بالليزر أو الطاقة الذريّة أو الحواسيب فإن الناس كانوا سيظنونه مجنونا آنذاك ولكن كل هذا الآن يُعدّ من الحقائق الراسخة ومن يُنكرها هو من يعُدّ من المجانين ، ألم يكن كافيا لنا ما حدث لغاليلو وسواه ممن قالوا بكرويّة الأرض؟وماذا جنينا من جراء ما فعل الناس بهم؟
والإشتراكيّة إلى جانب الشيوعيّة تعملان من أجل إنسان أكثر وعيا وتطوّرا يستطيع أن يُغني الحياة ويُحقّق تقدما علميا حيويا ونوعيا في الوجود وكذلك هو الأمر فيما تريده الأديان فهي تبغي إنسانا أكثر رقيّا وتقدّما ولا يجب أن ننظر إلى الأديان دائما على أنها تريد بنا النظر إلى وراء فهذا لا أؤيّده إذ أن الدعوة للفضائل والتعلّم والخير ليست دعاوى رجعيّة مطلقا فالأديان أيضا تنظر إلى أمام بالتأكيدوتريد من وجهة نظر محدّدة أن ترتقي بالإنسان وسلوكه وأعماله .
أمّا موضوع الإنتماء فإن مراجعة التطورات السياسيّة طيلة ما يزيد عن خمسين عاما وما جرى من تحولات سياسية محليّة وإقليمية وعالمية تجعلنا نرى أن وجود عناصر مستقلّة تنظيميا أنفع أحيانا ( ولا أقول دائما) أنفع لعموم الفكر والبحث ، أنفع من تعبئة كافة العناصر الإجتماعيّة في بودقة التنظيم الحزبي وهذا ينفع الحزب كما ينفع عموم الشرائح الطليعيّة لأنهم وأقصد المستقلين تنظيميا يُشكلون غالبية العناصر الفاعلة في تنشيط التعبئة الشعبيّة بما يُثيرونه من حوار ونقاش ونقد مستمرلا يكون الحزب مسؤولا عنه بشكل رسمي، ويطرح في ذات الوقت آراء أخرى قد لا يكون من المتيسّر طرحها داخل التنظيم وهم مصابيح كلما ركدت الحياة الفكريّة أو صدأت يكون لهم بريق وهّاج يحُرّك الحياة السياسيّة والفكريّة فيما يكون إحتواؤهم بشكل متعسّف وبما يجعلهم يُحرمون التنفّس في الهواء الطلق، يجعل الواقع السياسي والفكري ماسخا ( فهم أي المستقلون تنظيميا هم ملح الطعام) وقد يصح أن نقول هم الذين يعلمون كيف جرت الأمور عند بدء رمي خرسانة الأساسات عندما يكون الجميع منشغلين بالإجابة على سؤال واحد وهو ما إذا يمكن أن نضيف طابقا عاشرا أم لا؟

*
*
*
5. هل هناك من تصحيح لمصطلح ثورات الربيع العربي ؟
الجواب :
منذ الإنطلاقة الأولى وفي مقال سابق قلت إنها عمليّة تعويم للحكام العرب وبعض الحكام الآخرين حسب مقتضيات الإتفاقات التي جرت بين الدول العظمى أي بما يُشبه عمليّة تعويم الدولار مثلا ، اي بمعنى رفع الغطاء والدعم عنه وتركه أي الدولار يعمل وفق قواعد السوق كالعرض والطلب وسواها.وهذا هو ما حصل بالضبط عمليا إذ أن الدعم والمساندة التي كان عدد من الحكام يتلقونها من بعض الدول العظمى أو الكبرى قد حصل فيه تصدّع كلّي أو جزئي وبالتالي نشأت فرصة كبيرة للتخلص من هيمنتهم الثقيلة ولا ننسى أن غالبية الحكام في المنطقة ممن شملهم هذا التعبير كانوا أشبه بأدوات أو بيادق شطرنجيّة تُحرّكهم القوى الكبرى أو وكلاؤهم في المنطقة وهذا ليس بجديد وهو أمر معروف بل للأسف أن كثيرا من الأوساط تعرف هذا جيدا ولكنها بغية تحقيق أهداف آنيّة تغض النظر عن الحقائق ، بل أن كثير من الأوساط السياسيّة من مختلف الإتجاهات تكاد لا تفارق اروقة الأدوائر الكبرى سعيا وراء فرصة جديدة في رسوّ مناقصة أخرى ، مبدأ المناقصات ما زال هو السائد في كل شئ ومنها المناقصات السياسيّة ، وليس هذا تماهيا مع حقيقة كوني مهندسا.

*
*
*
بعيدا عما أنجبته ثورات الخراب العربي ..
كل الثورات لم تبق على ماجاءت به ، فسدَت ونالت منها حماقة التحريف.
6. هل فشل الثورات يوقف تحول الشعب الى ثوريين أم سيخلق وضعا جديدا ،يُقيدُ النار في صيرورة ثورية راهنة ، تحدد مستقبل تاريخ أمة ؟
الجواب :
الثورة لها شروط وعوامل تعمل على إنضاجها وقيامها وليس بوسع أحد أن يصنع ثورة وقتما شاء فهي في صلب الفكر الماركسي تعني تحولا نوعيا في مسار التاريخ وهذا لا يمكن أن يحصل إلاّ وفق قوانين الجدل المعروفة وأن نتابع تراكم الأنشطة الإجتماعية كميّا وأن نستمر بهذا دون كلل وأن يكون هناك صراع إجتماعي بين متناقضات تنشأ بينها وحدة وعلاقة جدليّة وثقى وأن التحولات تستمر بحيويّة وفعاليّة عالية بالإضافة لعدد من الشروط الأخرى وهي كما حدّدها الثوريون الأوائل مثل لينين ، تتطلب تنظيما دقيقا ولا أقول حديديا إنما أقول له إنضباط عالي كما تتطلب وجود قضية واضحة ومفهومة من قبل الجماهير وبالإضافة لكل هذا تتطلّب الثورة وجود قيادة على قدرة وفعالية وعمق نظري ورؤيا ستراتيجية بعيدة مع قدرة كبيرة على صنع وخلق تكتيكات مرحليّة ضمن السياق الإستراتيجي ، فهل حدث هذا مثلا في ما يُسمّى بثورات الربع العربي؟ طبعا كانت وما زالت تفتقر إلى أهم شرط وهو القيادة الديناميكيّة ذات القدرة التكتيكيّة مما جعل الجماهير المنتفضة تشعر بالخيبة بعد فترة وجيزة من قيام ذلك الربيع .
إن الأحزاب والتنظيمات الثوريّة عموما فقدت القدرة على بناء تنظيمات سياسيّة فعالة وأهم شئ أنها فقدت القدرة على أن تنزل تحت الأرض في احوال القمع الشديد فأصبحت بعد فترة قصيرة من الإضطهاد في جملة وعداد أدوات وعيون الأجهزة القمعيّة للأسف مما جعل العمل السياسي يفتقر لأي شكل يُقاوم فيه القمع ويفتقر إلى وسائل صيانة التنظيم ولم يعد كل القياديين يُفكّرون إلاّ بملاذ آمن إذ ليس لهم بيئة حاضنة ولا يمتلكون القدرة على بناء بيئة سياسية حاضنة بديلة
القادة السابقون نجحوا عندما جعلوا مصيرهم مرتبط بجماهيرهم وعاشوا وماتوا وهم إلى جانب جماهيرهم وشعبهم ولم يُغادروا إلاّ في أحوال محدودة جدا وللقيام بوجائب مطلوبة ولكن فيمابعد رأينا كثيرا من القيادات تتشكّل في الخارج وتنشط بين أوساط بعيدة عن هموم جماهير التنظيمات السياسيّة وبعيدا عن أولويات الهم الوطني ، وأنا لا أتهم أحدا بشئ ولكن كلما أقوله أنه كان يجب أن لا يحصل هذا ، لقد كان بمقدور الرفيق فهد أن يهرب إلى الخارج وكان بمقدور سلام عادل أن يفعل هذا أيضا وجميع رفاقهم الأبطال ولكنهم كانوا إلى جانب شعبهم وقدّموا حياتهم رخيصة في سبيل قضايا شعبهم كانوا كمن كان لا يجد ما يأكل فإنه يقوم بزرع ما متوفر من أرض أمامه ولا يطلبون من أحد شيئا
كهذا تكون الحركة الثوريّة قويّة وحيّة لا تموت وتتوالد كما يتوالد الأرانب وطبعا كانت هناك عوامل أخرى كثيرة ولكن باعتقادي أن ما ذكرته هو واحد من أهم العوامل .
*
*
*
يقول ديفيد هيوم : كل أشكال القوة، حتى أشدها استبداداً، ترتكز في النهاية على الفكر.
ويقول شكسبير: الفكر حر
ومن الفكر ، ما فشل ..!
وَ من السياسة ، ما قتل ..!


7. كل حاكم يمتطي صهوة الحكم ، لم يتوان عن سحق أي حزب أو طائفة تتخذ من الإضرابات أو التظاهرات، قرصة إذن الحكومة ، فتحيل حدود خطاب مطالبهم إلى أفق الخطاب السياسي المعارض ، فيتصاعد نسغ القمع والأعتقالات التعسفية ..أليس هناك من حكومة حرة مسيرة بإرادة الشعب ، لا تعلن حالة الطوارىء أو حظر التجول وفرض المخبر السري ؟
الجواب :
بلداننا تعاني منذ أمد بعيد من ندرة السياسيين من ذوي الخبرة والمران وكذلك ممن يفتقرون إلى التحصيل الثقافي والعلمي المناسب ولا أعني أن المسؤولين يجب أن يكونوا من الأكاديميين أو العلماء أو ما يُدعون بالتكنوقراط فهذا ليس ملا ئم أبدا لأن مبدأ القيادة لا يقوم على إختصاص محدد بل هو نوع من التمثيل مع الخبرة والقادة في كل مجال عندنا يُعانون من هذه النواقص سواء من هم في سدّة المسؤوليّة في الدولة أم في الأحزاب السياسيّة أم النقابات والجمعيات أم في الهيئات التمثيليّة المختلفة ولا يُشترط في القائد الجماهيري ما يُشترط بالعلماء أو الفنانين أو الأدباء ففن القيادة نعم يتطلب ثقافة مناسبة وعامّة ولكن أهم شئ الخبرة في التعبئة الشعبيّة والتعامل مع المتغيرات المرحليّة دون أن يفقد التوازن في السعي للأهداف البعيدة وتتوفّر له مزايا سرعة المبادراة
إن أغلب القادة والسياسييين يرون أنفسهم على حق دائما وهذا مستحيل وهم يأنفون من نقد سياساتهم بل أنهم لا يحرصون على تنمية قادة جدد بدوافع أنانيّة فإذا كان القائد الجماهيري لا يتخرّج من معهد ولا جامعة فأين يكتسب الخبرة والثقافة والمران والتجربة؟ لا بدّ أن تكون هناك مدرسة لكل مهنة وحرفة ومدرسة القادة هي مؤسسات القيادة نفسها وليست الجامعات ولا الكليات ولهذا توجد الأحزاب والمؤسسات التمثيليّة ، هذا ما وقع فيه جميع السياسيين العراقيين منذ العهد الملكي ولغاية يومنا هذا فجميعهم أنانيون لا يعملون على تنمية وظهور قادة جدد مكتملي المقدرة والكفاية وكل يوم نبدأ من جديد إلى حين يتعلّم الجدد مهمة ومهنة القيادة الحقيقيّة نكون نحن قد خسرنا فرصا كبيرة وصالحة للبناء والتقدّم ، ونحن في العراق ، ما شاء الله كل العراقيين يرون في أنفسهم قادة وسياسييين ومؤهلين لإدارة دفّة البلاد من أعلى المستويات حتّى إذا خربت البصرة كما يُقال ونزل الفاس في الراس اصبحوا يضعون اللوم على الشعب والناس ، لقد عمل النظام الماضي على جعل الناس مجرّد إمّعات تأتمر بإمرة عدد محدود من ذوي السلطة والقوة وفيما بعد راينا كيف إنصرف الناس عنهم بيسر وسرعة لنفس الأسباب.
القائد الجيّد هو الذي يعي أدواته وكيفية إستعمالها ويُسخّر ما متوفّر من إمكانيات ماديّة لرفع مستوى الشعب الثقافي ووعي الشعب وأن يعين أهدافه المرحليّة ويعمل لتحقيقها وليس القائد إلها قادرا على كل شئ قدير
ولكن هكذا هي الحال فقد كان أكبر قادة العصر الحديث أيضا على هذا النحو مثل هتلر وتشرشل وستالين .
من أهم ما يميّز القائد عن باقي الناس ولكن بلا مبالغة هو الحدس أي توقّع بعض الأحداث قبل حصولها ولكن ليس عن طريقة الخرص بل عن طريق الخبرة والعلم وبمساعدة أهل الإختصاص
إننا ولا شك نعي اشد الوعي أن للأشخاص أثر كبير في صناعة التاريخ ولكن ليس على أساس التصرفات العشوائية والتخرصات البالية بل عن طريق إستيعاب دروس التاريخ والتبصّر في العبر
إن الحاكم لا يستطيع مطلقا أن يقمع الواقع على السير باتجاه يستند إلى رغباته ولنا في العالم وتراث الإنسانية الكبير أمثلة لا تُحصى فضلا عن أن العالم الآن صغير جدا والجميع بات يعلم أن أي نسيم بسيط وهادئ ربما يكون سببا في حدوث عاصفة في مكان آخر من العالم كما أوردنا في المقال المترجم عن نظرية الفوضى .
نعم لا نريد أن نطلب المستحيل فنحن نقرّ بوجود الأخطاء إلى جانب سلامة الأداء ولكن لا يجب أن تكون الأخطاء كبيرة بحيث لا يمكن إصلاحها أو يكلفنا إصلاحها كثيرا من مستقبل أحفادنا

*
*
*
8. لِمَ اتبع بعض الحكام المعيار الفارغ والنبرة الخطابية المتشدقة وكاريزما الهجوم بحق شعوبهم ؟
الجواب :

يعتقد كثير من الناس أن التفكير هو العنصر الأساس في نظرية المعرفة وهذا ليس صحيحا فكثيرا ما نعلم أن كذا هو الصواب ولكننا لا نفعله أو نحب أن نفعل سواه أو نستهجن عمله وهكذا ولو تجنبنا نتائج التفكير السليم وعملنا أو مارسنا سواها لا نتعلّم ولا تحدث دورة المعرفة التي تبدأ بالتأمل الحي والفكر المجرّد ثم الممارسة الفعالة وهذا أحد عناصر التسويف والتحريف الذي يبتعد بنا عن الأهداف المقبولة فكريا فماذا ينفعنا بعد أن نعلم جيدا أن الطبيب والدواء هما أفضل وسيلة للشفاء ولكننا نذهب بعد ذلك إلى العرّاف ؟
ليس المهم أن نفكّر جيدا بل المهم أن نستخدم نتائج تفكيرنا السليم بفاعليّة وإخلاص وعندما لا نحصل على نتائج طيّبة أو تحدث أخطاء علينا أن نعمل كما يقول أهل الحاسوب ( Do loop) حتّى تتلاشى الأخطاء ونحصل على نتائج وإن لم تكن دقيقة جدا فإنها كافية للحياة العمليّة .
بعض الحكام كالعسكريين مثلا يتعلمون إصدار الأوامر ويعتقدون أنها الوسيلة الوحيدة لصناعة الأحداث والفعاليات ولهذا قلنا في مقال سابق أنهم لا يصلحون للقيادة العليا فهم لا يعرفون شيئا إسمه حقوق الإنسان ولا الديمقراطيّة ولا الحريات الأساسيّة إنهم يتعلمون التعامل مع حالة خاصّة من المجتمع وهي حالة حديديّة التنظيم ولا تقيم وزنا للحقوق والحريات في الوقت الذي نجد أن المجتمع يتصرف كالكائن الحي يجب أن يتغذى ويتنفّس ويرتاح ويُعبّر عن رغباته ..إلخ
وبعض السياسيين يرون أنهم في حال أتيحت لهم الفرصة للحكم والقيادة فإنهم سيكون بمقدورهم أن يفعلوا أي شئ يخطر في بالهم وهذا غير صحيح أو ممتنع جدا لأن العالم صغير كما قلنا وهناك تبادل تأثير بين الوضع الداخلي والوضع السياسي الدولي والوضع الإقليمي ولم يعد ممكنا أن نعيش فما وراء ستار حديدي وكل ما هناك أن الأمر لا يعدو عن عمليّة تحميص البن فبعد كل دقائق علينا أن نقلّب بالمحماس ما موجود أمامنا من بن موضوع على النار وتبدو أنها عملية مستمرة .
كما أن كثيرا من الحكام كالمقاولين تكون أسعارهم أقلّ من الأسعار التخمينيّة كثيرا فيضطرون إلى القيام بأعمال تتقاطع مع المواصفات وتظهر المشاكل ويتأخر العمل وهلمجرا ، ولا أقصد هنا سياسيين بعينهم بل كثيرا من سياسييي المنطقة والبلاد تحت التنمية عموما وكذلك أعني كثيرا من قادة التكتلات السياسيّة والمكونات الإجتماعية ولا أقصد الرموز العليا فقط.

*
*
*
وفق سياقات متعددة وأزمات أمنية متتالية ، تغلغلت الخلافات السياسية داخل كيانات المحاصصة عامدة الأخيرة رفع سقف مطاليبها لاسقاط حكومة المالكي ..
9. هل سيعمد على الاستقطاب الطائفي وحرب التفجيرات لحكومة ثالثة ؟
الجواب :
إن إستمرار الحكومة ليس شيئا سيّئا بل سيُرينا مدى إمكانيّة تحقيق أهداف دون أخرى وإن محاولة عزل التيار الإسلامي ليس صحيحا أيضا إذ أن هناك مكونات ورجالات سبق لها أن ساهمت مساهمة فعالة في الخروج من بودقة الدكتاتوريّة ولا بدّ أن يتعلّم الجميع أن قيادة السلطة لا تعني خلق المعجزات حتّى لو توفّرت إمكانيات ماديّة كبيرة وليس امامنا سوى أن نصبر لكي نرى إلى أي وجهة تسير الأمور ، مبدأ المشاركة مبدأ ينفع كل الأطراف ومنها أطراف الأغلبيّة لأنه يوفر الفرصة لتنفيذ ونجاح تنفيذ البرامج المختلفة ولا تعني الشراكة مطلقا تقييد الأغلبيّة بقيود تمنعها من تسجيل أهداف لصالحها بل أن الشراكة مهمة في القرارات المصيريّة التي تخص الوطن والعباد بصورة عامّة إن الديمقراطيّة لا تعني أننا عندما نجد أن هناك كتلة سياسية تقترب من تحقيق أغلبية ساحقة نسبق الأحداث ونقوم بهجوم مقابل قبل توليها السلطة كما حدث ويحدث في مصر الآن ، هذا التصرف يؤدي إلى تبادل الكراهية والتخندق في متاريس وربايا ولا يوصل إلاّ إلى شق صف البلاد وتجزئتها، علينا أن نقبل بحكم الأغلبيّة مهما كان ولكن الديمقراطيّة أيضا تعني حماية الأغلبيّة للأقليات على إختلافها وضمان حريتها في التعبير عن آرائها.
ولا يجوز أن نفهم أن تحقيق الأغلبيّة يؤدّي إلى حالة من دكتاتوريّة الأغلبية أي لمرّة واحدة ثم يجري الإنقلاب على الأسس الديمقراطيّة في الحكم ! فالديمقراطية لها آليات إن كنا مؤمنين بها لا نستطيع أن نفصم بعضها عن البعض الآخر فمبدأ الإقتراع كل بضعة سنوات يعني أن الراي العام يتحوّل باستمرار وأن الرأي العام يتأثّر بالتأكيد بالإعلام ولهذا فإن التأثير على وسائل الإعلام أمر يضر بالمبادئ الديمقراطيّة ويمنع حركة المجتمع من التحولات الضروريّة ولهذا لم يكن صحيحا جعل وسائل الإعلام بيد الحكومة التي قد تؤثّر على الراي العام وتوجّهه باتجاهات ضيّقة ، إننا لكي لا ندفع بالأمور نحو ما تفضلتم به يجب القبول بنتائج الإنتخابات ولكن التشديد على نزاهة الإنتخابات أمر ضروري جدا .
أنا دائما أقول أنه يحق لأي طرف أن يدعو لنفسه أو لحزبه أو لجماعته ولكنه لا يحق له أن يدعو ضد أحد فالبائع يحق له أن يُروّج لبضاعته ولكن لا يحق له أن يروّج ضد بضاعة غيره من الباعة فالمشتري يرى ويختار
ولا ننسى أن بعض ممارساتنا التي لا تستند إلى التسامح وتكافؤ الفرص وحقوق الآخرين تجلب لنا مصائب وقد تضطر الأخرين إلى الإنفعال واعتماد وسائل عدوانيّة
إن مهاجمة الدين والرموز الدينيّة والعقائد والشعائر يصب في صالح التخندق الطائفي وأنا اقول دائما أن ما علينا السعي له هو إحترام مختلف الطوائف لبعضه ا البعض وليس من الضروري تقريب وجهات النظر الدينيّة والمذهبيّة بل الإحترام المتبادل فيه ما يكفي لنزع فتيل الطائفيّة والتعصّب .

*
*
*
ظلَّ يتساقط المطر*
في حقلِ الدّمِ حيثُ يتكاثر نسل ُ الأماني وحيثُ العقل الإنساني
يحتضن جشعه ، تلك اليرقة على جبين قابيل

10. أ اغتيال هابيل (المتظاهر) موضة أم صيرورة ثورية ؟
الجواب :
بالتأكيد إنها ليست ممارسات عابرة بل هناك من يؤيّدها ويدعو لاعتمادها منهجا على سبيل إنجاز أهداف محددة ولكننا لسنا في تلك العصور التي يمكن أن يتم إنجاز مثل تلك الأهداف فضلا عن أن التحولات المختلفة في العالم على قدم وساق ولا أعتقد أن أحدا أمامه فرصة بهذا المدى والطول لكي يُنجز هكذا صيرورات جذريّة فنحن لا نعلم كيف ستسير الأحداث بعد مشوار متوسّط ويصلح أن نستشهد بالواقع العربي والإقليمي الذي يهتزّ بمحاوره المختلفة ويُنبي بتحولات غير متوقّعة .
*
*
*

11. هل سيستمر الوضع قائم على العراقيين في الظلم المطلق ، وعليهم أن يدركوا حدودهم في التمني قبل كل شيء ، وما هم إلا أدوات حربية أو حجارة تستخدم للرجم ؟
الجواب :
لا أعلم بالضبط ولكن ما أنا متأكد منه أن هناك متطلبات تسعى لتحقيقها كافة الدول العظمى والكبرى المتطلعة للإنظمام للعظمى ولا بد أن تستمر معاناة الشعب العراقي حتّى يحين الوقت اللازم حيث تكون السبل لتحقيق غايات القوى العظمى سالكة أو ممهدة وسيكون الأمر أيسر لهم ما دمنا على حال التشرذم والتمزّق الحالي وما تسميه بالظلم وسواه ليس سوى عمليّة ترويض كبرى لن يكفّوا عن القيام بها ولا إستكمالها ولا مخرج لشعبنا منها إلاّ بالوعي الفائق والنظر البعيد والتلاحم وقد يُصبح ذلك ممكنا لو أنهم بالغوا في معالجاتهم وترويضهم .

*
*
*

12. أليس من حق الشعب في بلد ثري مثل العراق ، يحيا ويمتلك إمتيازات لاتشعره بأن هناك ثمة خطر قادم ( حرب أخرى) عبر ساسة الطوائف ؟
الجواب :
لا شك أن لديهم خارطة طريق لنا وهم يُريدون لنا أن نسير بموجبها ولكن طبيعة الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة سريعة التحوّل لا تتيح لهم عمل كل ما يُريدون دون أن نكون نحن موافقين على ذلك ونرغب فيه لقد كانت كثير من الأوساط الدولية غير راغبة بانتهاء حروب الخليج وبعضهم كان يقول والآن كيف يمكن أن تحدث حرب أخرى؟ولا شك أن إعادة تصميم المنطقة يتطلب تأجيج صراعات إقليمية كثيرة وعلى مراحل وعلى نار هادئة
ومع أن بعض أسئلتكم تتضمن واقعا إفتراضيا وهذا لا يصح في السياسة وأغلب الأسئلة لحد الآن سياسيّة ولكن تعلمون أن الماركسيين واليساريين واقعيون وينطلقون من تحليل الواقع القائم باتجاه محاولات تغييره ولهذا أقول نعم من حق هذا الشعب ولكن علينا أن نعمّق الشراكة مع بعض الأطراف الدوليّة أولا وحيث أنه لا توجد قوى دولية الآن تؤمن بالإشتراكيّة أو الشيوعيّة ولا حتّى اليساريّة وقد تخلّت كثير من القوى العالمية عن هذا الطريق فإنني أقول إن تعميق المشاركة مع الولايات المتحدة اليوم هو أقرب وأقصر الطرق لإنجاز ما يتحدّث عنه السؤال وهذا يضمن إحداث فرصة للإعمار وإعادة الإعمار ورفع مستوى أبناء الشعب معاشيا وعلميا وكل ما يلزمنا هو إقناعهم بالعمل على إحترام الخصوصيات الوطنية كالتراث الديني والتاريخي والثقافي مع المساعدة على تخطي سلبيات التأخر ووضع حد للفساد وإيلاء الجانب العلمي أهمية في العلاقات الثنائية لكي نتمكن من إحياء الواقع الإقتصادي بكل مكوناته وإنجاز مرحلة التحولات الديمقراطيّة وأي طريق آخر سيؤدّي إلى بلقنة البلاد للأسف ولا أرى أفقا لمسار آخر الآن .

*
*
يقول الإمام علي بن أبي طالب : "من ينصب نفسه للناس إماماً ،فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه".
ويقول زينوفون: "إذا فكرت فيما يطلق عليه فضائل الإنسانية، فستجد أن التعليم والتثقيف يساعدان على نموها."
والتعليم في الوطن يفتقد لذاك الإمام ولتلك الفضائل الإنسانية ...!
13. هناك شرائح اجتماعية متضررة اقتصاديا وأمنيا في وطن فاق فيه تسيس التعليم وافتقاره وفساد مالي وإداري وقضائي وأخلاقي ، فما مدى علاقة ملاءمة كل ذلك مع الحكم الحالي ، وإلى متى ستبقى ركيزة الاقتصاد في ذهبه الأسود، تمثل عقاراتهم وحساباتهم البنكنوتية ؟
الجواب :
لا نريد أن نظلم أحدا ولا أن نحابي آخرين ولكن الفساد المالي والإداري إبتدأ في البلاد منذ زمن طويل وكان لأذرع النظام السابق يد في إزدهاره وتفشّيه وأنا شخصيا عملت مهندسا في الدولة العراقيّة وكان لي إطلاع على بعض أوجه الأمور وخفاياها ولهذا أستطيع أن أقول أن الفساد مستشري منذ العهد الماضي ولم تكن هناك آليات تسمح بمواجهته ولا توجد شفافيّة مطلقا وقد عانيت طويلا من هذه القضية بشكل شخصي واضطُررت للخروج من الوظيفة لأنني تعرضت لبعض مظاهره وأنا وإن كنت أرى أنني يحقّ لي أن أفخر بموقفي من ذلك ولكن المعاناة كانت جسيمة وقد حمل تبعتها أبنائي وعائلتي ولهذا لا يجب أن نلقي التبعة كلها على الوضع الجديد مع أننا لا ننزّه الجميع ولا نقول باعتباره أمرا عاديّا ، يجب مكافحة الفساد بكل أشكاله والجميع مسؤولون عن مواجهته وليس كتلة معينة أو شخوص بعينهم فقط يجب أن تكون هناك تربية إجتماعيّة جديدة ومهمة المثقفين والإعلاميين ورجال الدين والسياسيين معهم كبيرة ولا نقول بسهولة المواجهة ولكن علينا أن نعرض الأمثلة الطيبة ونوفّر للناس البديل للفاسدين امّا الحكومة الحاليّة فإنها برأيي تواجه حملة سلبية عنيفة وما هو مطلوب أن يتم التعامل مع أركانها دون أزمات وإثارة نفسيّة فمن يُصبح رئيسا أو رئيسا للوزراء أو وزيرا أو من هو بهذه المستويات يجب أن يُعامل على أنه رمز من رموز العراق مهما كان رأي الآخرين الشخصي به فقد يكون شكل العلم العراقي لا يعجبني ولكنني أؤدّي له التحية وأقف أمامه بإجلال إمتثالا لإرادة الشعب وكرمز لسيادة واستقلال البلاد ، إن الحط من رموز البلاد والوطن غير صحيح ولن يؤدّي إلاّ إلى تبادل الكراهية وتمزيق الوطن، وهذه أوليات أخلاقية وليست قوانين فهي تسبق القوانين وتعلو عليها ولكن بطبيعة الأحوال يجب ملاحقة المفسدين وإجبارهم على ردّ الحقوق على أقل تقدير.ولن ننتهي من هذا إلاّ بواسطة حكومة تختص بذلك .

*
*
*
14. أيلوح في أفق السياسة ولادة مشروع سياسي - ديمقراطي عابر للطائفية ، يقوم على توزيع ثروات الوطن وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ومحاسبة المفسدين ماليا وإداريا وقضائيا؟
الجواب :
هذا قد يكون سؤالا إفتراضيا أيضا مع أنه يُصاغ بصيغة دبلوماسيّة فأنا لست من الطبقة الحاكمة ولا من موظفي الدولة الكبار ولا علم لي بنوايا الحكومة ولكن أحسب أن الحكومة تدرك الآن كم هو مضر ترك آفة الفساد تضرب يمنة ويسرة وتعبث بإقتصاد البلاد ومقدراته ولهذا لا أستبعد مطلقا وجود نوايا طيّبة وخيّرة لمواجهة هذا الخطر الداهم وأنا أقف مع كل خطوة مخلصة ولا أشترط موقفا سياسيا أو توجها محددا لأن العراق فوق كل شئ ووحدته وسيادته وتحسين الخدمات والأحوال المعيشية لكل عراقي هدف نبيل جدا لا يجب أن يتخلف أحد عنه مهما كانت الإنتقادات والخلافات وأعتقد أن الأجيال القادمة لن تغفر لنا وقوفنا متفرجين أبدا

*
*
*
15. أليس من الضرورة أن تمتلك سياسة الأحزاب الديمقراطية رؤية بديلة تناقض النظام الحالي ، وتسعى لإعتلاء سلم العمل السياسي ؟
الجواب :
نحن في مرحلة حرجة وحساسة ولا يجب أن نتفرّق شذر مذر بسبب تفاصيل رؤانا المختلفة بل أن نضع أيدينا يدا بيد ونتقاسم العمل والنتائج وأن نشمّر عن سواعدنا فالشعب ينتظر الكثير ، علينا أن نجد القاسم المشترك الأعظم ونعمل بموجبه ونحاول أن نتحاشى الخلافات والإنقسامات وأن نشترك عن طريق الحوار الجاد في بلورة الأهداف المشتركة وأنا واثق كل الثقة انه توجد مشتركات كثيرة يشترك فيها الجميع
*
*
*
عمدت الحكومة إلى عنف الإلزام أو الإقصاء بالتصفية الجسدية.واعتبار كل عصيان مدني أو محاولة الخروج على السلطة هو تطرف وإرهاب وخروج على القوانين..فسخرت قنواتها ومنظومات إعلامها لتكون وجها آخر للسلطة وشكلاً للهمينة.
16. كيف يتماهى كل ذلك مع ما ضمنه الدستور الحالي من مواد عن حرية ونزاهة أجهزة الإعلام وحياديتها ؟
الجواب :
من حيث المبدأ يمكن إعتبار هذه الأفعال أخطاء ولكن الحكومة من جهة أخرى تخشى أن يندسّ في هذه التظاهرات بعض ذيول التطرف ومثيري الفتن الطائفيّة ولهذا تضع هذه الإعتبارات في مقدمة توجهاتها وتفكيرها مع أن الكثير من التظاهرات خصوصا التي يشترك فيها التيار الديمقراطي العراقي والحزب الشيوعي العراقي هي تظاهرات سلميّة ونظاميّة تماما ولم يسبق لهذه الكتل والمكونات التي ذكرناها أن أخلّت بالممتلكات العامّة ولا الخاصّة بل أنها تتم في الغالب كما لو أنها تجري في بلد اوربي
ولهذا أنا أتأمّل وأتوقّع أن تتلافى الحكومة هذه الإجراءات خصوصا مع مواطنين يفهمون حقوقهم وواجباتهم ويتظاهرون وفق القانون والدستور مطالبين بمطالب مشروعة بوسائل مشروعة
كلّي أمل ورغبة في أن تجري هكذا تظاهرات بجو من الحريّة بل مع حماية الدولة للمتظاهرين أيضا فهؤلاء يمارسون تطبيق النظام بأفضل صورة ولهم منّا أزكى تحيّة وتقدير.

*
*
*
17. ماذا تقول في ..؟
- بلترة الفكر :
الجواب:
منذ أن قرأت كتاب فرانز كافكا وأنا مشغول به وبما أوّل به ونعت كافكا كيفية تحويل الإنسان إلى مخلوق آخر وكيف يلفظه محيطه وما حصل سابقا للمثقفين عموما من قمع كان ويبقى يصب في هذه العمليّة التي تخالف منطق الأشياء والتي لا تكتفي بتجهيل المتعلّم بل تتعدى ذلك إلى تجهيل المثقف ثم تجهيل المفكّر وتحويله إلى مجرد حشرة كبيرة ، هذا أقبح ما يمكن أن يحدث للفكر وأشدّ إيلاما ويكفي أنه ضد نواميس الطبيعة وقواعدها

*
*
- سياسة المماطلة :
الجواب:
ليس لدينا وقت لهذا النوع من السياسة فالوقت يمضي وكما يُقال إن الوقت من ذهب ولكن ربما لكسب بعض الوقت فيما يُستشار بعض الأصدقاء !
*
*
- التقهقر الثقافي :
الجواب:
أمر مؤسف ولكن المثقفين يُسألون عن كثير من هذا التقهقر عندما أصبحوا يجرون وراء المنافع الماديّة وقسم كبير منهم لا يتردد عن أن يبيع قضايا الشعب الأساسيّة مقابل منافع تافهة ولهذا يجب أن نحاول إعادة المثقف إلى حاضنته الحقيقية وهي الشعب ومن يُريد التجارة فميدانها مفتوح ولأي من الناس أن ينخرط فيها ولكن من كان يريد أن يعمل في الفكر والثقافة فعليه أن يُخلص لقضايا الشعب الأساسيّة ويعمل على تطوير الوعي الثقافي والإجتماعي وله المجد وليس المال على أنه لا يجب إفقار هذه الشرائح الفاعلة والمهمة أبدا كما تحاوله بعض التنظيمات السريّة ما كان منها مرتبطا بالدولة أم بغيرها

*
*
- تفقير المواطن :
الجواب:
وسائل سياسية هابطة للتعبئة عن طريق لقمة العيش ، إنها أحد أسباب تحويل الناس إلى إمّعات والإمّعة يضرّ ولا ينفع .

*
*
_____________
و من الأدب والفن مافتن ...!

وقد وشّى ثيابَ الهمسِ وردُ كلّهُ سعدُ *
على عُشبٍ من الهجرانِ بحرُ السّهدِ يمتدُّ
ومن قيلولةٍ للـــوجدِ يلقى ثغـــــرَها الخدُّ
خطىً كسلى نرى فيها
رموشَ الشّوقِ ترتدُّ

حين يعاقر الروح بعض همس، قد يأخذنا إلى وزن خليلي أو تفعيلة ، وقد يعرج بنا عند خاطرة .أو يربض عند نص مجنون ، فإن طال تشكّل في قصيدة نثرية (سُميت مؤخرا بالنص المفتوح ) وإن اختزل نزل عند دار ابن الهايكو . أو يجرنا إلى سردية تنسل من أكمامها قصة ، أو قد يربو على يديك رواية ..
18. فكيف السبيل إلى الحؤول دون وصول النص إلى حالة التشرذم و أنسنة آسنة للمفردات وللفكرة ، في كل الأجناس الأدبية ؟
الجواب:
ربما تكون إهتماماتي في الغالب تتعلّق بالشعر فأنا مثلا لا خبرة لي بالقصّة أو الرواية فهي بالنسبة لي عالم عجيب وصعب بل لُغز معقّد ، أمّا في الشعر فإنني أعتقد أن الحفاظ على خلطة متوازنة من الغنائيّة والتلقائيّة ووجود وحدة حالمة أي ليست غامقة ولا قويّة للموضوع بل هلاميّة تُساعد على عدم تفكك النص لا شكلا ولا موضوعا وهذا نجده في مختلف المدارس الفنية فبالرغم من أنني اقر وأعترف بوجود أغراض وأشكال كثيرة في الشعر لكنني أعتبر القصيدة أغنية وقد تحكي قصة طويلة في سطور محدودة كما في بعض أغنيات فيروز القديمة منها على وجه الخصوص ولكن الشعر أيضا كما هو أمر فن الرسم ترتقي به اللحظة والمصادفة وعدم التصنّع لا في المفردة ولا في الفكرة والموضوع ،فهناك أهمية للخبرة والمهارة وهذه أمور ينشدها كل الشعراء وهي أقل شأنا في القصة أو الرواية إذ أن المفردة لا تبدو إلاّ لبنة صغيرة في بناء ضخم كبيربل ربما بناء جبّار

*
*
*
مسافرٌ زادهُ الخيالُ في وادي عبقر !
19. هل من قرين يفترش ظلك ، ويعلق الروح على سدرة قلبها ، كقرين لافظ بن لاحظ صاحب امرؤ القيس ، أو هبيد بن الصلادم صاحب عبيد بن الأبرص ، أو هاذر بن ماهر صاحب النابغة الذبياني و مدرك بن واغم صاحب الكميت بن زيد. .فيلقنك الشعر ويساقط بين يديك الحكايا ؟
الجواب:
لا أكذبنّكِ إنه يوجد شئ من هذا وشئ من ذاك أي عندما يكون معي حاضرا وهو ليس كذلك دوما أجد أن المفردات والأبنية الشعرية تتكدّس أمامي فأقوم بانتقاء ما أرى منها ( أي كما يقول مايكلانجلو : أنا عندما أقف أمام قطعة الصخر أرى فيها شخصا فأقوم بتقشير الصخرة كما يُقشّر الصبي برتقالته) وأكون أكثر ثقة بما أكتب ولكن عندما لا يكون حاضرا أخرج مما أكتب تُصاحبني كآبة بسيطة أو مسحة من الكآبة ولكن حضور هذا الذي تُسميه أنتِ بالقرين متعِب ومرهِق فهو لا يبصم على كلماتي إلاّ بعد جهد جهيد وقد يُرهقني حتّى أتردد كثيرا في معاودة الكتابة ، إنه شئ كالصداع أو الألم ولكنه ليس ألم فبقدر ما هو مفيد فهو يعتصر صاحبه حيث تصل الأمور إلى النظر إلى الحصيلة والناتج وكأنه لغز آخر يقع في يدي وهذه أمور محيّرة وأنا أعبّر عنها لأول مرّة، إذ لم أكن أجرؤ لئلاّ يسخر منّي الناس وأنا من محبّي العلم والمنهج العلمي وقد يحسبه بعضهم تناقضا غير محمود .

*
*
*

يقول يوسف الخال:
" القافية التقليدية ماتت على صخب الحياة وضجيجها. الوزن الخليلي الرتيب مات بفعل تشابك حياتنا وتشعبها وتغير سيرها. وكما أبدع الشاعر الجاهلي شكله الشعري للتعبير عن حياته علينا نحن كذلك أن نبدع شكلنا الشعري للتعبير عن حياتنا التي تختلف عن حياته ."

ويقول سناننا :
" إن اتخاذ قدر من القيود العروضية وقيود القوافي والقيم النقدية الأخرى, تساهم في تفعيل الالهام واعطاء فرصة لظهور اللاوعي ويكون هذا معيارا مناسبا في ان نجد الشعر اوفر في القدرة على ادهاش المتلقي لقيم الابداع والالهام من باقي انواع الأدب النثري الأخرى.."

وأنا أقول :
عند جغرفة الذات الشعرية وأنسنتها ، تكون القصيدة المنسلة من تلابيبها آثمة بالجمال وعابثة كذاكرات نهر، تبحث عن شواطئ لغة مكتنزة بالشفافية ،وحلم يحسن قنص خيال طريدة مبللة بالرمزية.
20. أَ وَ ليس النص الحداثوي التعبيري ، المتعفف من صيغة السرد ، أكثر تحررا من معايير وقوانين وبحور الشعر العمودي بثوابته الفراهيدية ؟
الجواب:
مع الحداثة ، أنا، ولا أعتقد بوجود ما بعد الحداثة أي أنني أعتقد بأن الحداثة تتبعها أيضا حداثة ولكن مفهوم الحداثة ليس مفهوما جامدا كما أن النصوص الحداثويّة بعد أن تتحرر من كثير من القيود والقوانين كبحور الشعر الخليلي والقوافي ومما ندعوه بعمود الشعر أي صفاته ومواصفاته فإنها في الوقت نفسه تضع قواعد جديدة مضافة وشروط تتماهى مع القواعد السابقة فتتطلب وجود جناس في موسيقى المفردات أو تعاقب يُحاكي تعاقب التفعيلات وهنا نجد أننا قد نستبدل قواعد بأخرى وكلها تعيدنا إلى حيث قلت أنا مما ذكرتم من أن مختلف القيود وأعني ما كان موجودا أو ما جاءت به الحداثة بل أكثر من هذا نجد أن ما جاءت به الحداثة ربما أو في كثير من الأحيان يُضيف قيودا إلى ما هو متعارف عليه من قيود ومع ذلك فإن قيود الشكل لا شك تساعد على إحداث شرخ في الوعي لكي يتسلل شئ من اللاوعي فيبدأ بالظهور وهو ما يُسميه بعضهم بالإلهام فمثلا نعلم أن القافية هي إحدى القيود الرئيسة ولكننا نهتدي إلى بعض القوافي في أحيان كثيرة بغير قصد وكأنها حدثت بالمصادفة وكذلك موسيقى السطر أوالبيت أو المقطع فإننا نجدها مع التفعيلة وكأن أحدا ما قد أخبرنا بها أو جاءنا بها صديق عزيز لأننا لم نتعمدها وهذا ليس قاعدة أو شرط ولكنه يحدث كثيرا ولا نستطيع أن نبرهن عليه ولا أن ننكره.

*
*
*
قال فيديريكو غارثيا لوركا في مقالته " الروح المبدعة " :
"أن الشعر بحاجة إلى ناقل .. إلى كائن حي" .
وأنا لست برجل، ولا بشاعر أو ورقة، بل نبضة مجروحة تسبر الطرف الآخر من الأشياء.

وربط الأستاذ سنان في مقالته "قولٌ في الطرب..وفي الروح المبدع..!" بما قاله لوركا في الشعر :

" إذ أن كل الأصوات السوداء فيها روح مبدع فالقصيدة التي تتحدث عن الآلام والحزن والمراثي وذكر الموت والفناء نجد أنها تمتاز بتلك الروح التي تستميل الناس وتُطربهم وتجعلهم يقولون : أعد أو الله ..الله ."

القصيدة النثرية معجونة بالموسيقى الشعرية على صعيد المخيال والإنزياحات اللغوية ،، عميقة في فكرتها وفي دلالاتها الإيحائية ، مكتوبة بدم الشعر ، تسري بك إلى خلوة مع سمفونية .
21. متى تجنف بك القصيدة إلى قرقعة وتأخذ بيدك باب النص ؟
الجواب:
ما يقوله لوركا سليم جدا وهذه الروح ( الروح المبدع) هي خلاصة مادّة الشعر بل ليس الشعر فقط بل معظم الفنون وعندما تكون حاضرة فإن الله الله ( أولي) يستحقها الشاعر أو الكاتب أو الفنان وهي جائزته إنها شئ يُجبر الناس على التمايل والتصفيق ومنح الرضا عمّا يقول الشاعر أو الأديب أو الفنان فعندما يقول داخل حسن : أحّا ولك دلاّلي وبالذات كلمة ( أحّا) فإنه يأتي بها من أعماق الأعماق ويستحق عليها أن نتمايل طربا ونفرك مسبحتنا كما يفعل داخل نفسه وهذه تحدث مع القليل من الشعراء والكتاب والفنانين وأضرب هنا مثلا آخر فلو إستمعنا لفيروز تغني وتقول فجأة : وكيف بيكون الوفا إعطيني جواب؟ فهذا هو الروح المبدع يحضر معها وعندما نقرأ لعبد الله بن الدمينة يقول: بكيتُ كما يبكي الوليد ولم أكن ...( جلودا) وأبديت الذي لم أكن أُبدي
فإننا نشعر بحرارة الفقد والفراق وكأنه يحصل الآن رغم مرور قرون عديدة على هذا القول ، كل هذا يحدث لأن هناك شئ يُسميه لوركا الروح المبدع وعندما تغيب هذه الروح فإن الشعر يتحول إلى كتابة فنيّة وليس أكثر من ذلك رغم الموسيقى ورغم الإيقاع ورغم إنتقاء المفردات الجميلة ولكن تكون روح الأحياء قد فارقت النص .

*
*
*

يقول الاستاذ سنان : "إن باليت مزج الألوان العائدة لبيكاسو كشفت عن تطوّر طريقة عمل فريدة " في أسود وأبيض بيكاسو.. !*

لم يتوقف على أسوده وأبيضه، بل برع بيكاسو في مرحلته الزرقاء ذات اللون الأحادي وأشخاصها الحزانى ذوي المزاج المكتئب، فتميز أسلوب رسمه بـ " ظاهرة العمى" .
22. هل تماهيه وفق رؤيا داخلية روحية بألوانها الثلاث مع الأشخاص التعساء الذين كان يرسمهم، أم مرده خوفه العميق من العمى أن يتقرب منه ؟
الجواب :
إن باليت بيكاسو وكأنه أوجد لصاحبه غاية نهائيّة في الأسود والأبيض وهو منهج لا يستطيع أن يرقى له حتّى الأزرق ولا مفاهيم وتعابير الحزن فقد أوجزت قبل عدة أيام هذه الغاية في إيراد بيت أو بيتين من القصيدة التي تُسمّى يتيمة الدهر لدوقلة المنبجي :
ضدّان لمّا استُجمعا حسُنا...والضدّ يُظهرُ حُسنهُ الضدُّ
فليس كالأسود والأبيض ضدّان متباينان كما هو ما بين جميع متضادات الألوان ولكن إجتماعهما هو غاية حال الألوان جميعا إنه يُجسّد مفهوم وحدة وصراع الأضداد إنه الأصل وإنه المصير في آن واحد واختيارهما غاية في حُسن الإختيار خصوصا في المواضيع الكبرى التي تناولها كلوحة( جيرنكا) إذ لم يكن إختيار أية ألوان أخرى سيخدم الموضوع الذي يُعالجه إنه تضاد لا ينتهي ووحدة لا تنفصم .

*
*
*
سبرت غور المخالف.. والمقام ينسل منه الطاهري والبشير والخلوتي والتفليس والسيكاه والحجاز ديوان ومقامات العربيون عجم والحجاز شيطاني والحجاز أجغ والحليلاوي والبيات عجم والسعيدي والنوروز عجم والقوريات والخنبات والنوى والمنصوري والدشت ودشت عراق ومقامات الأورفه والأرواح والرست والبنجكاه والهمايون والحويزاوي والمثنوي والبيات والعجم والحسيني و الدشتي والأوج والصبا والأوشار والجمال والنهاوند ...

23. فأيُّ الغماز من المقام تخشع له أوتار القلب عند قرار وجواب مؤديها ،فتستهوي ذائقتك ويطيب لك المقام عنده ،ولِمَ ؟
الجواب:
كما يقولون تماما إن المقام بحر وهناك متخصصون كبار أعلم وكل ما قدّمته لم يكن سوى محاولة لتوضيح أسباب كونه مقاما مخالفا حيث يرجع إلى كون سلّمه يتبع النغمات الملونة ( Chromatic tones)وعلى سلّم النغمات الموسيقيّة الإعتيادي نفسه وليس كسلّم الموسيقى السودانيّة حيث ينقسم البعد الموسيقي الميلودي إلى خمسة نغمات بدلا من سبعة والباقي يصب في نفس المعالجات ولهذا كان مقاما مخالفا لسلّم باقي المقامات وهو كما يبدو مقاما محدودا إلى حد ما ولكنه ساحر وعجيب وما مكتوب من ألحان يكاد يُفقدنا عقلنا من حيث أنواع الأحزان واللوعة كما أوردت في المقال ولكنه على أية حال مقام ككل المقامات
ومن حيث الغماز فأعتقد أن الغماز ليس نغمة ثابة محددة بل هو موقع نغمة من حيث السلّم الموسيقي لكل مقام وهذا يعني أن لكل مقام غماز محدد يُسايرنغمة الأساس لكل مقام كأن يُساير نغمة البيات مثلا أو السيكاه وهو أشبه بعلامات التحويل يقع فيما بين الأجناس المقاميّة أي يؤشّر الإنتقال إلى جنس آخر وأهل المقام أعلم منّي ولا أدّعي لنفسي عليهم شيئا ومعلوماتي تبقى محدودة بالنسبة لعمالقة المقام وأهله ومحبّيه ولكن على أية حال يمكن أن نصف الغماز بالمفصل أو النغمه على السلّم الموسيقي للمقام كما هو حال نصف النغمة فيمابين التتراكوردات في السلّم الكبير لدى الموسيقيين الغربيين وحيث أن الموسيقى الشرقية أكثر ثراء ميلودي فإن هذه التحويلات تكثر وتتنوع
أمّا ما يُطربني فهو مقام الإبراهيمي وهو مقام كبير ويتطلب تأدية متمكّنة وكذلك سلّم مقام السيكاه فقد بلغنا أن ما يسمعه أهل الجنّة هو موسيقى من سلّم السيكاه وأحب أن أسمع المقام بصورة عامة بصوت الأستاذ محمد القبانجي رحمه الله خصوصا ما سجّله في ريعان شبابه حيث كان صوته عجيبا ومبهرا .

*
*
*
____________
عند ناصية التاريخ والثقافة
قال بول فاليري : " التاريخ أخطر العقاقير التي ابتكرتها كيمياء العقل."
وَ " التاريخ عِلم الأشياء التي لا تتكرر. "
وألبير كامو يقول : " الثقافة هي صرخة البشر في وجه مصيرهم."

مفهومي للمثقف هو من يحمل فكر بنسق إجتماعي متعدد البنى والظواهر ، لايخلو من سياسة واقتصاد ، وفلسفة ، وايديولوجيا ، ويحتفظ بالكثير من الاستقلالية .
24. هل ياترى مثقف اليوم ،مساحة فكره تسع السيرورة الذاتية، ومجابهة صيرورة التحولات السياسية والإجتماعية المادية، ولم يعرض قلمه لغاية في نفس يعقوب ؟

الجواب:
إن القمع المستمر لعدة عقود قد إستطاع أن يُحوّل الثقافة إلى سبّة وقد إدّعى من إدّعى الثقافة والفكر بلا مؤهلات صادقة وبلا موهبة حقيقية ولهذا لا يُستغرب أن يكون قلم المثقف قد نالت منه الأغراض ولكنني أرى أن إحياء الحريات الأساسيّة من شأنه أن يُرينا صدق الصادقين من زيف الأدعياء والطارئين إذ هناك سمات كثيرة يجب توفرها في قلم المثقف ولا تقتصر القضية على الإخلاص فقط إذ أن هناك المقدرة والكفاءة والتثقيف الذاتي فهي جميعا تدعم الإخلاص وتبريه وتشذّبه وأن النوايا وحدها لا تكفي لعبور هذه المحطّة المزدحمة بالبضائع الفكريّة والثقافيّة ومع كل ما قيل وما يُقال فإنه يحضرني قول للناقد الراحل نجيب المانع : إن الشعر السئ يصلح سمادا للشعر الجيّد.

*
*
*
عند الأستاذ سنان الفوضى من خلال الرياضيات* ، معرفاً :
"نظرية الفوضى ":
هي مفهوم يمتدّ إلى ما وراء الرياضيات فقد لوحظ في الفيزياء والحقول الطبيّة والإقتصاد بل حتّى في الفلسفة . إن ماهيّة نظريّة الفوضى بسيطة ؛ إنها تعتمد على الحساسيّة الحادّة لمنظومة تغيّرات محدّدة مهما كانت متناهية في الصّغر في ظروفها الإبتدائيّة .

و الفوضى من خلال الرسم
* في لوحة "نقطـة التـقـاء " لجاكسـون بـولـوك، هناك فوضى عارمة من الألوان الصفراء والبرتقالية والبيضاء. تتلاقى أو تتناحر من خلال ضربات الريشة ،كخطوط وأشكال وظلال تتكدس أو تطاول بعضها البعض.
* وعند مونيه : تذوب ملاذاته الآمنة في فوضى من الألوان.

وأما الفوضى من خلال الكتابة
نجد في قصيدة " المجيء الثاني " للشاعر ييتس يتحدث فيها عن حدث جسيم يوقع فوضى دامية.
وفوضى عارمة تحدثها مسرحية "سيمفونية الفئران المروّعة". للكاتب ريتشارد فورمان .
25.أ. كم تشغل "نظرية الفوضى " من تفاصيل عالمك الكتابي في تشكيل الفراغ أو إعادة تشتيته ؟

الجواب:
في البداية أود أن أعيد ما سبق طرحه بشان نظرية الفوضى فهي مفهوم رياضي يتعلق بحل المعادلات التفاضليّة الإعتيادية عالية الرتبة حيث يعلم جميع من له إلمام بهذه المواضيع أن حلول تلك المعادلات تعتمد على حلقات أو دوائر تتكرر من دوال اسيّة ولوغاريتميّة وأن تكرارها يُحدث تراكم في الفروق لمجموعة الحلول وهكذا نجد أن حدثا ما قد تكون له عودة مضخّمة جدا وهذا هو مضمون النظرية التي تُتّخذ تفيسرا لأثر الفعاليات الصغيرة في الأحداث الكبيرة بل والعظمى ، وأنا لست إستثناءً من مفهوم هذه النظرية فكلما وطأت أرضا جديدة كان لذلك منوال ضخم جدا على أدواتي ومنها كتاباتي التي كلما تكرر ذلك كان تأثير حركتي أكبر ، إن أثر هذه النظرية يأخذ مدى أوسع على الفكر كما لو أن منطوقا جديدا قد دبّ في الفكر الفلسفي ولكن لحد الآن لا يوجد ما يؤكّد كون هذا المفهوم يُعدّ من الكليات التي يتعاطى بها الفكر والأدب الفلسفي وأظن أن السبب يكمن في كون فلاسفتنا في الغالب يشغلون أنفسهم بالمواد الأدبيّة و قليل جدا منهم من يُتابع الأدب الرياضي والفيزياوي والعلمي بدقّة ، من المهم عدم إنتظار مفكري العالم ليطرحوا ما يتوصلون له ومن ثم مطالعته فقط بل يجب أن نواصل الإطلاع على المنجزات العلمية على إختلافها فالأحياء هذا اليوم تحرز تقدما مشهودا ويجب إستخلاص مفاهيم توازي تلك الحقائق ولكن بعد هضمها حيث لا تحل المنجزات العلمية محل المفاهيم الفلسفيّة بشكل مباشر بل عن طريق المفاهيم الكلّيّة ومن جانب آخر يمكنني أو إذا أمكنني تبسيط معنى النظرية ( الفوضى) بأن أضرب مثلا من حساب المثلثات لأنها أي المثلثات تكراريّة أيضا فمثلا نعلم أن جيب الزاوية التي مقدارها 30 درجة ستّينيّة هو 0.5 أي نصف ولكن توجد زوايا لا نهاية لها يكون جيبها نصف أيضا فالزوايا 150 و 750 و360030 درجة يكون مقدار جيبهن جميعا نصفا أيضا وكذلك أجوبة أو مجموعة حلول المعادلات التفاضليّة عالية الرتبة ولأنها تعتمد على دوال تكراريّة فإننا نحصل على تراكم لتلك المجموعات يجعل من الحل يُعطي نتائج مضخّمة كمضخم الصوت ( Amplifier ).

*
*
25.ب. وهل تعمد ميكانزمية تفكير الاستاذ سنان في ترتيب ثنايا الذات المتطلبة ؟
الجواب:

أنا ليست لي ذات متطلّبة حيث أرضى بالقليل إن لم أجد سواه ولكن لا يعني أنني أرفض أن أتقدّم في كل مجال تتاح لي فيه فرصة إلى أمام فأنا إنسان تقدّمي وأسعى إلى بناء وإعمار الحياة بالمعاني الماديّة والمعنويّة ولكن كما يقولون إن لم أجد؛ صنعت مما هو أمامي ما يسد حاجتي لحين تحقق ما أبتغي ولا آسف على ما فاتني دون إهمال فلقد تعلمنا ونحن صغارا أن نبني لعبنا بأيدينا وكم عملنا سيارات صغيرة من أسلاك فائضة عن الحاجة وقد عملنا لأنفسنا مجلات نحررها بأنفسنا في دفتر صغير ونرسمها ونلونها ونروي فيها حكايات طريفة ونوادر وأشعار وهكذا تعلمنا أن نعمل ما نحتاج ولا نتطلّب أو نسأل أحدا شيئا ولا نكلف أهلنا تكاليف لا قبل لهم بها ، وهكذا هي الحال مع الثقافة والفكر فنفسي لا تفكّر كثيرا بالتطلّب بل تصنع من المتاح ما يفي بحاجتي فأنا أتعلم من الصغار والكبار ومن الأميين والمتعلمين على حد سواء ولا أحقر شيئا أو أأنف من شئ

*
*
*

الأستاذ سنان يقول : منطق التاريخ ليس فيه دائن ولا مدين..!...
وابن خلدون يقول :إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق.
26. ماالذي يجعل التاريخ إلى جانبنا ،وما الذي يجعله فخ يقضي على مستقبلنا ؟
الجواب :
أنا أعتقد أن التاريخ محايد ولا يقف إلى جانب أحد دون الآخر ولكن المؤرّخ هو الذي لا يمكن أن يكون مستقلا أو محايدا والفرق كبير بين الإثنين ونحن نستطيع أن نشخص وقوف المؤرخ إلى أي جانب وننظر للأمور من خلال عدد من المؤرخين لنخلص إلى رؤية التاريخ المحايدة والتي تروي لنا ما حدث فعلا وحقّا وهنا لا يمكن أن يكون التاريخ مخطئا فعندما نقول أن هولاكو إحتلّ بغداد وأسقط الخلافة فهذه حقائق تاريخيّة لا خطأ فيها ولا يمكن لأحد أن يُكذّبها ولكننا نجد أن زيدا يقول كذا وعمروا يقول كيت في كيفية حصول ذلك فهذا ممكن جدا وهو ما يعمل عليه جميع المؤرخين.

*
*
*
ساظل أنا *
وما أنتمي له لا يُلغيه شئ كما لا يستطيع أي شئ أن يُخرجني من جلدي ولا من بيئتي المحيطة ...
27.معايير الإنتماء إلى وطن هل تثلم بالبعد عنه ،وعدم القدرة في الاستمرار بحمل جنسيته؟

الجواب:
لا توجد قاعدة مؤكدة هنا إذ ليس كل من كان بعيدا عن الوطن كان لا يحمل همومه ، ولكن طبعا البعد يورّث قلّة الإهتمام ( الكطع)، أمّا الجنسيّة فليست مما يستطيع الإنسان أن يطرحه كما يطرح رداءه فهي جلودنا ومهما أقنعنا أنفسنا بأننا نستطيع أن نبدّل جلودنا فهذا لا يحصل أبدا وليس أمراواقعيا.

*
*
*
_________________
28. و لمن ستقول :
- أشياء أفتقدها :
الجواب:
لكل من فقدتهم واغلاهم والداي وزوجتي وثلاثة من أقرب الأصدقاء رحمهم الله جميعا
أفتقد إبتساماتكم وكلمة مشتاقين بل أغنية سهام رفقي ( إشتقنا يا حلو والله إشتقنا ) التي كنتم تنادوا عليّ للإستماع لها عندما تُذاع من الراديو المرفوع على الرفّ العالي وأفتقد العبارات المختارة التي يصفني بها مهدي وقولته يا توأم الروح أو عندما يقول صداقة حميمة
أفتقد التفاؤل والمرح الممزوج بالبراءة.
*
*
- ذاكرتي فيك مجروحة:
الجواب:
صديق الطفولة الراحل الشاعر مهدي محمد علي ولكنني لا أستطيع أن أعود بالذكريات بعيدا وكثيرا فلم يعد أحد يستطيع أن يتصوّر كم كانت ذكرياتنا متداخلة
*
*
- نسمة من جحيم:
الجواب:
الوظيفة ( الوظيفة فقط وليس العلم )كمهندس فقد أحببت الهندسة والعلوم الهندسيّة بل إشتقت لها أيضا ولكنني لم أكن أعرف أن العمل بهذه المهنة جعلني أشعر بهبوب نسيم يخرج من جهنّم كان شيئا بعيدا عمّا تعلّمته جداوليت من تعلّمت على أيديهم يعلمون بهذا
*
*
- قلبي على شفا حطام:
الجواب:
لكل من أحبوني وكانوا يرون بي مستقبلا جيدا ،ولكنني خيّبت آمالهم، أودّ أن أقول لهم أن الأمر لم يكن يجري كما هو جريان النهر بل كان عاصفا كما هو البركان المتفجّر ، ولا سبيل للتحكم فيه !
*
*
- لص شريف :
الجواب:
المحبوب !وحده هو الذي يستحق هذا اللقب وأرغب وأنا مرتاح الضمير أن أقول له أنه يحق له أن يسرق بشرف كما سرق قلوبنا
*
*
- ذاكرة الصمت :
الجواب:
أقول لها كم تضمين من مآسي وتُخفين من حكايات لا نتحاكاها
*
*
- سياط من مطر :
الجواب:
الثناء !والمديح هو الذي أقول له لا تجلدني بسياطك في الوقت الذي تنهمر كالمطر وتتمثّل لنا وكأنك غوثٌ وبركة
*
*
- أمنية من قلق :
الجواب:
أقولها للحبيب المجهول وكما هو الحب دائما محفوف بالقلق ولكن لا حب بلا أن نقول به أو نخبر به للأسف
*
*
*
في آخر المطاف ، سأبحر وذاكراتك عند سنان أحمد حقــّي ، مهندس منشغل بالثقافة ، من مواليد البصرة عام 1946 .
29. هل يبحث عن يوم أسقطه رحم ولادته، ويعبأ لأي شهر ينتمي، لتجذير ذاته في الحياة وإقامة توازناتها في عالم من فلك ، أم سيكون معرفته من الضرورة القصوى في ترسيخ نبض مداده في التراجم والسيّر ، أم يكتفي عند سنة إحتوائه ؟

الجواب:
مقتنع بيوم مولدي وأحبّه وكذلك الشهر الذي ولدت فيه ولكن لا يشغلني التفكير في 25 آب وغالبا ما يمرّ هذا اليوم وأنا في لهوٍ عنه وانشغال وقد يُذكّرني أبنائي به فأشعر بسعادة وطيب خاطر، ولا أكتم سرّا لو قلت ربما يكون لتاريخ مولد أي إنسان نصيب في تكوينه ولكن ليس بالشكل الذي يبالغ فيه كثيرون وخصوصا الفتيات اللاتي أدمنّ على الأبراج وهنّ يؤمنّ بها بقوة ولكننا لا شك لنا إنطباعات متفاوتة عن كل شئ وليس بالضرورة أن نفهم غاياتها وعللها فنجد أننا نحب ألوانا دون أخرى وأنغاما دون أخرى وأرقاما دون أخرى وهكذا وقد أجاب ماركس وهو الفيلسوف المادّي والعلمي عن مثل هذه الأسئلة كما بلغني سابقا ، فلو سألتني عمن أحب من المطربين أو أية أغنية أفضل وأخبرتك فلا تعليل لديّ إن سألتِ عن السبب في الغالب، أنا أحب الأرقام الأوليّة أي التي لا تقبل القسمة إلاّ على نفسها وعلى الرقم واحد فقط وأنا أحب مؤلفات تشايكوفسكي ومندلسون واللونين الأبيض والأسود أيضا ونغمات القرار حيث أجدها تنطق بالحكمة وهكذا>

شكرا للقدير سنان أحمد حقــّي ، على أجوبته الجميلة وتنوعها الثقافي .. وعلى أمل اللقاء في حوار قادم مع شخصية جميلة أخرى..

_________________
- من قصيدة شكلُ الحريّة..لونُ الحرّيّهْ..!
- من قصيدة القمر الأزرق
- عنوان حكاية " ذات التنورة النيلية والسماء الزرقاء " بتصرف جعل العنوان نكرة .
- من قصيدتان " في المطر..! " للشاعرة الأنكليزيّة أيدث سيتويل، ترجمة سنان أحمد حقّي
- من قصيدة " القصيدة الريفيّة "
- عنوان موضوع " مسافرٌ زادهُ الخيالُ "
- من نصه " في أسود وأبيض بيكاسو.. !"
- الغماز : لكل مقام أصلي درجة حساسة وضرورية في المسار اللحنى وتعتبر نقطة تحول وانطلاق الى الأجناس الأخرى وتمثل عمق روح المقام في الدرجة الخامسة من سلمه .
- جملة من نصه " نظريّة الفوضى توطئة مترجمة عن الإنكليزيّة " - عنوان نصه "منطق التاريخ ليس فيه دائن ولا مدين..!..."
- من موضوع .." في الإنتماء..!"



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- يا مليكي
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- أنت الوحيد
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- مراغ أفكار
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- عبث المرايا
- أخلد إليك


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد حقّي في بؤرة ضوء .. جزء سادس