أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - على حسن السعدنى - الأستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراع إدارة الصراع الدولي توازن القوى















المزيد.....


الأستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراع إدارة الصراع الدولي توازن القوى


على حسن السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 06:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تسعى الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد أكثر من نصف قرن لتحقيق استراتيجية الهيمنة وفي الوقت نفسه أن يكون لها القدرة على الضرب دون أن يلحقها عقاب.
ولكنها لا تقول ذلك أبداً فالغرض – كما تصرح – هو الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ الباليستية التي قد تطلقها الدول المارقة على أرضها مهددة أمن الوطن والمواطن حتى لو اقتضى الأمر الإنسحاب من معاهدة انتشار الصواريخ الباليستية " التي مضى عليها 30 عاماً حتى يفتح لهنا الطريق إنشاء دفاعات صاروخية لمناهضة ما يتعرض له العالم من تهديدات إذ ان المعاهدة المشار إليها لا تستوعب تغيرات الحاضر ولا تعين على مواجهة المستقبل. كما قال الرئيس جورج بوش الصغير في خطابه أول مايو 2001 الذي وجهه إلى الأمة من جامعة واشنطن ومعنى ذلك أنه ينسحب من معاهدة قائمة بطريقة فردية بالرغم من معارضة روسيا الأتحادية الطرف روسيا الأتحادية الطرف الثاني في المعاهدة لأن المعاهدات كما تثبت أحداث التاريخ لا تساوي الأحبار التي كتبت بها مع احترامنها لأساطين القانون الدولي لأنها تعبر عن توازن قوى الموقعين عليها لا عن توازن مصالحهم المشتركة وبذلك فهي قصاصات ورق مؤقتة تستنذف أغراضها إذا تعارضت مع مصالح الطرف الأقوى شأنها شأن المنظمات الدولية المنظمات الدولية التي لا يلجأ لها إلا غير القادرين فالقانون نفسه لا يحترم في كوكبنا إلا إذا ساندته القوة.
فالولايات المتحدة تريد بناء حائط الصواريخ لتكون قادرة لضرب من تشاء بالضربة الأولى دون أن تخشى عقاباً يمكن ان يوجه إليها عن طريق الضربة الثانية فإذا حالت المعاهدة القائمة دون ذلك مزقتها ولو من جانب واحد!!! ولكن ما هي بداية القصة وتفاصيلها والمراحل التي مرت بها؟ ما قصة المعاهدة؟ وما الغرض من بناء حائط الصواريخ هذا؟ القصة معقدة سنحاول سردها بكل تبسيط ممكن سندخل إلى الموضوع عن طريق كتاب نشرته في أواخر السبعينات بعنون كسينجر والصراع الدولي " تحدث في أحد فصوله عن آرائه في الردع "فحينما أطلقت القبنلتان الذريتان على هيروشيما وناجازاكي أصبحت الولايات المتحدة سيدة العالم دون منازع فلم تكن تخشي عقاب مماثل من أحد فلا دولة غيرها تمتلك ما تمتلكه من قوة تدميرية جعلت كلمتها امراً ومشيئتها قدراً إلا أن مخازن دولة أخرى هي الاتاحاد السوفيتي أخذت تمتلئ بنفس السلاح الرادع وأصبح الأمن المطلق للولايات المتحدة مجرد وهم فبعد أن كانت البلاد آمنة جغرافياً من محيطين كبيرين يفصلانها عن اليابسة في أي بقعة مكن بقاع العالم وكذلك احتكارها لأكبر قوة تدميرية انهار هذا كله لامتلاك الاتحاد السوفيتي نفس القوة التدميرية المخيفة وأيضا لامتلاكه الصواريخ عابرة القارات بذلك أصبح الأمن القومي الأمريكي يعاني فجوتين : فجوة استحالة استخدام ما لديها من قوة تدميرية في ظل التدير المؤكد المتبادل بينها وبين الاتحاد السوفيتي وكذلك فجوة الصواريخ عابرة القارات التي تفوق فيها الجانب الآخر " ثم حدث آخر مقلق في اللعب في التوازن القوي فكان يمكن قبل العصر الذري تغيير توازن القوى عن طريق الغزو أي كسب الأراضي أي الجغرافيا بما يهدد نشوب الحروب أما بعد بداية العصر الذري وأصبح من الممكن الحصول على التفوق في ميزان القوى في المعامل عن طريق حرب التكنولوجيا وهذا لا يمكن أن يبرر حتمية الحرب فهو ليس غزواً خارج الحدود ولكن مجرد تفوق تكنولوجي داخل حدود دول ذات سيادة بل داخل معاملها.
وأصبح الوضع معقداً لا يرضي الرغبة الأمريكية في الهيمنة فالتعادل النووي بين القوتين العظميين في ذلك الوقت كان معناه أنهما قد وقعتا معاهدة عدم اعتداء ضمنية لا يمكن خرقها إذ أصبح شعب كل منهما بمثابة رهينة عند القوى الأخرى وأصبحا كعقربين يعيشان في أنبوب واحد إذا لدغت إحداهما الأخرى فإن هذه ستلدغها قبل أن تموت وبذلك وصل العالم إلى ما يسمى بالجمود الذري "و كذلك إلى الإستقرار على المستوى العالمي واستحالة المواجهة بين القوتين العظميين مع السماح بالتصادم غير المباشر عن طريق الحروب الأقليمية التي كانت تتم في الغالب بالوكالة By Proxy ولذلك لقبت بالحروب الإقليمية العالمية.
لم قلق يكن الولايات المتحدة وقت النظام العالمي ثنائي الأقطاب من التعادل النووي الذي فرض الاستقرار العالمي بقدر ما كان من الصواريخ الباليستية عابرة القارات التي كانت تهدد أراضي و شعب الولايات المتحدة التي كانت تعتبرها قلعة يصعب الوصول إليها والتي اخذ الأتحاد السوفيتي في إنتاجها بكثرة ليسقط عن طريقها نظريات أمريكية كانت تطلقها عن الحرب الذرية مثل " الرد الشامل" و"الرد المرن " والحرب المحدودة" وذلك تنفيذاً للإستراتيجية السوفيتية " أنتم تريدونها محدودة ولكن من يضمن أنها ستكون كذلك؟ والتي عبر عنها المارشال زوكوف ماريشال ماريشال الاتحاد في كتابة " ذكريات وأفكار –ج.ك. زوكوف" والتي ولدت قلقاً لدى الأمريكيين عبروا عنه " بفجوة الصواريخ" ودخلت القوتان في سباق حياة أو موت للحصول على التفوق في كل من الصواريخ والرؤوس الذرية هدد الأستقرار المنشود مما دفع القوتين عام 1972 إلى ابرام معاهدة "مناهضة الصواريخ البلاستيكية ABM Anti Ballistic Missile التي تم بموجبها تحديد نشر هذه الصواريخ في أرض كل منهما وبذلك تصبح أرض كل منهما مكشوفة للأخرى حتى إذا ما قامت إحداهما بتوجيه الضربة الأولى للأخرى نالها عقاب مماثل من تلقيها الضربة الثانية إذ إن القدرة على توجيه الضربة الأولى من إحداهما يحول بينها قدرة الدولة الأخرى على امتصاص الضربة الأولى ثم القيام بتوجيه الضربة لاثانية تطبيقاً لمبدا التصدي أو الاعتراض في مواجهة الاختراق Prevention Penetration وبذلك تحقق التوازن الاستراتيجي بين ( العقربين) دار بعد ذلك نقاش كبير ومستمر عما إذا كان من المصلحة الحفاظ على هذا الاستقرار الإستراتيجي أم أن المصلحة تفتضي نشر صواريخ دفاعية لتدمير صواريخ الطرف الآخر فكما أن الطائرات تدمر الطائرات في الجوار أو على الأرض فإنه يمكن للصواريخ أن تقوم بالمثل.
وعلى هذا الأساس بدأ مشروع الرئيس رونالد ريجان المعروف بمشروع حرب النجوم الذي أعلنه على الأمة في 23 مارس 1983 " فسوف نبني في القضاء الخارجي مئات من المصاطب و القواعد حاملة آلاف من أسلحة الفضاء لحماية الشعب من أسلحة الخصم " وكان الدرع الأمريكي " في مواجهة السيف السوفيتي" أعترضه مشاكل تقنية فتتجمد ولكنه أدى في نفس الوقت إلى تحلل الاتحاد السوفيتي وتراجع الشيوعية بعد أن دخل في تنافس لم تتوفر له الإمكانيات الهائلة المطلوبة إذا بينما كانت صورايخه تصل إلى كل بقعة في الكوكب الذي نعيش فيه بل إلى كواكب أخرى عجزت سلعة تبلبي حاجاته الداخلية أو التنافس في الأسواق الخارجية.
وتراجع المشروع بعد ذلك وتغيرت أهدافه أثناء إدارة الرئيس بلك كلينتون لأسباب متعددة ولذلك تمسك بمعاهدة النظم المضادة للصواريخ كحجر زاوية للاستقرار الاستراتيجي مكتفيا بمحاولة تعديلها وأخيراً أصدره قراره في يناير 2000 بنقل القرار الاستراتيجي لهذه المشكلة إلى خلفه فأراح واستراح .
وكان الخلف – ولسوء الحظ العالم – جورج بوش الصغير ووزير دفاعه رامسفيلد الذي كان يتولى قبل توليه منصب الوزارة الدفاع رئاسة لجنة تابعة للكونجرس لتقويم تهديد الصواريخ الباليستية للولايات المتحدة. والرجل من الصقور ذو أراء متطرفة تبناها رئيسه الذي يبدو أنه لا يعرف وسيلة لممارسة الدبولوماسية إلا استخدام القوة وقال – لا فض قوه – فيما يخص موضوعنا " نحن في حاجة إلى تصورات جديدة حول الردع تسند إلى قوات هجومية – يعني السيف – و دفاعية – يعني الردع- فالدفاع يدعم الردع – ولذلك علينا أن نتجاوز عوائق تضعها معاهدة مناهضة الصواريخ الباليستية التي مضى عليها 30 عاماً " واتبع القول بالفعل وأعلن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة واسقط كلمة قومي من تعبير من تعبير نظام الدفاع بالصواريخ حتى يكسب إلى جانبه حلفاءه الأوروبين، وأكد أن النظام ضد صواريخ الدول المارقة وهي كوريا الشمالية وإيران والعراق ولكنه يعني بالقطع الصين أيضا وتليها ورسيا يعتمد النظام على الردع الذي يجب أن يضمن القدرة على توجيه الضربة الأولى ( الهجوم) وعلى القدرة على امتصاص الضربة الأولى للعدو المحتمل (الدفاع) ثم توجيه الضربة الثانية.. اقتراح بخفض الصواريخ النووية لكل من روسيا وأمريكا وهو اقتراح غير جاد إذ ما يضير البشرية في حالة استخدام الأسلحة النووية أن تقتل مرة واحدة او مرتين.. وتفاتصيل أخرى كثيرة.
ولكن الرئيس بوش تناسي أن تهديداً آخر يمكن أن يفرقع من الداخل ونسى أيضا الدرس الذي كان من الواجب أن يركز عليه وهو ما حدث للولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر 2001 حينما أتك التهديد من أجوائه ظل أجهزة إنذار وسطوة مخابراته وقوته التدميرية غير المسبوقة ونسى ايضا أن الولايات المتحدة فائقة القوة مازالت مكشوفة وأن تحقيق الأمن الكامل للوطن لا يعني تحقيق الأمن الواجب للمواطن وأن انتشار الإرهاب العالمي وهو الأساس نتيجة طبيعية لافتقار النظام العالمي الذي تقوده بلاده إلى العدالة وتنكره الشرعية.. تماماً كإسرائيل فهي قوية ولكنها خائفة وهي قاتلة لكنها مقتولة في نفس الوقت تبحث عن الأمن والأمان دون جدوى!!
ويبقى السؤال الذي يتردد في الدوائر الحاكمة الأمريكية وهو لماذا يكهرهوننا؟ الجواب ليس في تعديل نظام الدفاع ضد الصواريخ ولكنه أيضا في تعديل جذري لسياسة الولايات المتحدة التي عليها ا، تكون منارة ولا تكتفي أن تبقى كقلعة فالقلاع التي تحدث عنها التاريخ سقطت وزالت وأصبحت في زوايا النسيان أما المنارات فظلت قائمة لأنها نور يضئ وليست ناراً تحرق تبيد. ويا أمريكا حل مشاكلكم الخاصة بالأمن يمكن أن يكون في تعديلات يجريها الساسة في وزارة الخارجية " في جي بوتوم" وليس عند طريق آلات جهنمية يأمر بها جنرالات وزارة الدفاع في النتاجون.

إدارة الصراعات الدولة
القرار السياسي
ركزت علوم السياسة على دراسة القرار السياسي ، خاصة أثناء إدارة الأزمات ، وربما يكون هذا التركيز مناسباً تماما للدول العظمى ولكنها يتناقض مع ظروف الدول الصغيرة والمتوسطة في النظام الدولي.
فالتعامل مع القرارات منفردة قد يقود إلى كارثة بالنسبة للدول الصغيرة والمتوسطة، وقد تصلح القرارات متفردة للدراسة ولكنها تتناقض تماما مع فن السياسة ومع حكمة الفعل السياسي ، خاصة لو أن تلك القرارات تتعامل مع بيئة معقدة ومع صراعات مصيرية، فالحكمة تملي تأمل أو تصور رد الفعل المحتمل من جانب الخصم، فإذا اتخذ طرف ما في صراع كبير قرار بعينه يؤثر على مثار هذا الصراع ، فالطرف الآخر سيبحث البدائل المحتملة لرد لافعل ، وسوف يختار من بين هذه البدائل ما يناسبه للتضييق على الطرف المقابل أو إحباط أهدافه، وينشأ بذلك موقف جديد حيث يطر الطرف الاول إلى القيام برد فعل ما إزاء الفعل الجديد لتحقيق نفس الغرض ، وبذلك تنشأ سلسلة من الأفعال وردود الأفعال التي قد تغير جوهرياً مسار الصراع على نحو أو آخر ، والنموذج المعروف لهذه السلاسل هو ما يسمى علم العلاقات الدولية بالتصعيد الصراعي الحلزوني، وفي أسوأ الحالات قد يؤدي قرار التفجير العنيف إلى هذا النوع من التصعيد دون أن يكون ذلك محسوبا برمته ، وهو ما يؤدي بدوره إلى نتيجة مخالفة للهدف من القرار، وربما إلى خسارة حروب كبرى لم تكن مقصودة منذ البداية.
والامر في هذه الحالة يشبه تماماً التفاعل بين لاعبين حول لوحة الشطرنج ،إذ لا يصلح ابدا أن تتخذ قراراً بتحريك قطعة ما بغض النظر عن تصور ما سيفعله الخصم في المقابل ، ولاعب الشطرنج الجاد هو الذي يملك مهارة تصور سلسلة ردود أفعال محتملة من جانب الخصم لتحرك ما سيأخذ به، ويكون مستعدا لتلك الأفعال ، أي هو هذا اللاعب الذي يقود الغريم إلى تحركات خاسرة من حيث لا يدري هذا الأخير، حتى يضطر النهاية إلى أن " يكش الملك" أي أن يعترف بخسارة اللعبة ، النقلة المنفردة قد تبدو بحد ذاتها حمقاء ولكنها قد تكون تجسيداً للنبوغ ، إذا فهمت كبداية لتحرك كامل يشمل مجموعة من النقلات المتسلسلة والمبنية على تصور متكامل للاختيارات المتاحة للاعب المقابل، وتلك المتاحة للاعب الذي نتحدث عنه، وقد يحدث العكس أيضا فتكون النقلة الأولى ذكية فيما يبدو شكلاً ولكنها تقود إلى خسارة اللعبة عندما تكون جزءاً من تصور كامل للتحرك على اللوحة من الجانبين.
نريد أن نؤكد هنا، أن فن السياسة أو السياسة الفعلية في الممارسة ، لا تقوم على القرار المنفرد وإنما على تصور لسلسلة من القرارات المعدة جيداً، التي تأخذ في اعتبارها الخيارات المحتملة والمرجحة للطرف أو الأطراف المقابلة ، فالمهم هنا هو البراعة السياسية في اختيار وحسنا تطبيق لسلسلة من القرارت ، وهذا هو ما يسميه العسكريون التكتيك ، وهي تسمية معتمدة في مجال السياسة ايضا.
هذا المعنى يهمنا للغاية لأن الممارسة السياسية العربية ، غالباً ما تحركها العاطفة وخاصة الغضب، وأكثر الناس يفكرون في السياسة بمعنى اتخاذ قرارات ما ، سواء كفل أولى أو كرد فعل دون أن يتعبوا أنفسهم بتصور سلسلة الأفعال وردود الأفعال ، أو ما إذا كان الفعل الذي يطلبونه أو يختارونه متوافقاً مع قدرات حقيقية، وبالتالي مع اختيارات حقيقة وليست وهمية، وحتى عندما يفكر هؤلاء في اتخاذ فعل ما يعلمون تماما أن نتائجه ق تكون سيئة بعدما يقع رد فعل مضاد، فهم يعتقدون أن عليهم التفكير في المواقف الجديدة فقط عندما تنشأ و ليس عندما يتخذ الفعل الأصلي الذي نرتب عليه هذا الموقف.
وغالباً ما يفكر حتى أكثر السياسيين بدائية ، في تحرك ما أو تكتيك كامل بسلسلته كلها، ومن ثم فإن أكبر الأخطاء تقع عند تصور رد الفعل المرجح للخصم ما بينالاختيارات المحتملة أمامه ، لقد أضاع العسكريون الفرنسيون بلادهم في بداية الحرب العالمية الثانية ، عندما وضعوا كل قواتهم عند خط ماجينو ، كان هذا التحرك بارعاً لأن هذا الخط لم يكن من الممكن قهره لو أن الاختيار الوحيد للقوات الألمانية هو اختراق هذا الخط وبذلك استبعاد احتمال بل أرجحية أن يقوم الخصم بحركة التفاف واسعة حول هذا الخط من الأراضي السويسرية ، وهو ما جعل خط ماجينو بلا فائدة أو قيمة وانهارت فرنسا لهذا السبب ، وأضاع الرئيس صدام حسين بلاده لأنه لم يتصور أن يختار الأمريكيون الحرب كرد فعل على احتلال الكويت، ما هذا السبب الذي يحدث بحيث يقع سياسيون أو العسكريون بعضهم كان ناجحاً تماما في مثل تلك الأخطاء. هناك أسباب كثيرة، من أبرز تلك الأسباب القياس على نجاح سابق في ظروف مختلفة ، كان هذا بالتحديد هو الخطأ القاتل للرئيس الراحل عبد الناصر، عندما تصور النتائج المحتملة لأزمة عام 1967 على ضوء ما انتهت إليه أزمة عام 1956 ، أو قريبا منها رغم التغيير الشامل في الظروف، وقد ينجم هذا الخطأ أيضا عن تصور حسابي أو نظري صرف لمساحة الصراع ، دون معرفة دقيقة بالخصم أو المحركات الفعلية له، وكان هذا هو ايضا الخطا القاتل الذي وقع في الرئيس صدام حسين عام 1990 ، إذ بنى قرارته على معايير حسابية بحته تعكس انعدام الخبرة والمعرفة بالولايات المتحدة وبدو الخليج ، شملت هذه الحسابات عبء نشر قوات أمريكية ، والتكلفة المالية لهذا العبء ، والآثار المحتملة على سوق النفط ، وهي عوامل مهمة ولكنها ليست بالضرورة العوامل الحاسمة، في الآخذ بالاختيارات المضادة ، إذ لم يفهم التركيبة السياسية والاستراتيجية الأمريكية وطبيعة المرحلة التاريخية التي جعلت أزمة الخليج الثانية امتحاناً للقطبية الواحدية البازغة،وهو امتحان لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لخسارته من الزاويا السيكولوجية و الإستراتيجية معاً.
ويعني ذلك أيضا أن المحرك الصحيح للتكتيك السياسي ، هو الحسابات العقلانية وليس غيرها ، وهنا نأتي إلى مناقشة خطاب الكرامة ، فالموقع الصحيح للكرامة هو بين أهداف الفعل السياسي في مجموعة، فالأمم والدول لها كرامة يجب أن تصان ، لكن الكرامة لا موقع لها عند اتخاذ أو اختيار تكتيك سياسي ما ، فهزيمة تكتيك ما اتخذ بشكل لا عقلاني يطعن الكرامة في مقتل ، والدفاع الصحيح ، عن الكرامة يكون عندما ينجح الفاعل السياسي في تحقيق الفوز أو الأنتصار في المعارك القومية الكبرى ، ولنتصور الأمر في ميدان الحروب الفعلية ، فأي قائد عسكري كبير يجب أن تكون مهمته العامة هي الدفاع عن حقوق وكرامة بلاده، ولكن الكرامة لن يكون لها موقع أو دور في رسم التكتيك العسكري ، وإلا إنتهى الأمر إلى كارثة ، ولا يمكننا من نفس المنظور ، استبعاد الحق في الغضب الأخلاقي، ولكن اتخاذ قرارا ما بتأثير هذا الغضب كان وقد يظل لأبد الآبدين أحد أهم أسباب الهزائم والنكسات الكبرى في تاريخ الأمم الإنسانية بوجه عام ولنتصور الأمر هنا أيضا في ميدان القتال ، فهل يمكن أن نحمل أي تقدير لضابط أو قائد كبير إذا استجاب لأي استفزاز يطعن كرامته لو أساء تحريك قواته لمجرد وقوع هذا الاستقرار ؟ ولو عرف أي طرف أن غريمه يتحرك بتأثير الغضب، فما أسهل أن يورطه في اتخاذ قرارات غير محسوبة عن طريق إغضابه وهذا هو فعلا ما نجح فيه شارون عندما اقتحم الحرم الشريف في سبتمبر عام 2000، فقد انطلقت الانتفاضة واستمرت كفعل غاضب دون ان تتحد أهدافه بواقعية ، وهو ما قاد إلى سلسلة من الأفعال و ردود الأفعال الصراعية ، التي لم ينجح أحد في تحسس إلى أين تقود الشعب الفلسطيني ، الخطأ هنا لم يتمثل في إنفجار الغضب ضد اسرائيل بذاته وإنما في الإنسياق وراء منطق الغضب بدون حساب دقيق للأهداف الممكنة التحقيق ، والطريقة على ضوء المعطيات الفعلية لتحقيقها ، وبالمقابل وقع باراك في أخطاء سياسية جسيمة وهو ما أفضى إلى تولي شارون ، وقادت أخطاء اسرائيل إلى الكشف الكامل عن التوحش الكامن في ايديولوجيتها السياسية وخطيئتها الأصلية ، وهو التوحش الذي استماتت في إخفائه تحت عباءة ديمقراطية زائفة.
هنا نعود من جديد إلى ما بدأنا به ، وهو أهمية الاختيار الدقيق للتكتيك السياسي ، وبالتالي التصور المسبق لكل سلسلة الأفعال وردود الأفعال المترتبة على فعل ما ، فالانتفاضة بدأت كنضال مدني استهدف اساسا تطويق اسرائيل معنوياً واخلاقياً على المستوى العالمي ، ولكن هذا الهدف لم يكن من الممكن تحقيقه بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد مباشرة ، إلا إذا قام القادة الفلسطينيون بشرح ما حدث أثناء هذه المفاوضات بصورة مقنعة للعالم ، ولان هذا الشرح لفم يتم فقد قابل العالم الانتفاضة في البداية بالرفض لأنها بدت كمحاولة لنقل الصراع مع اسرائيل من المستوى التفاوضي إلى المستوى العنفوي ، في وقت بدا فيه العرض الإسرائيلي في كامب ديفيد للعالم معقولاً ومقبولاً على الأقل كبداية ، لان العالم لم يعرف بالدقة ما حدث فعلاً هناك ، وسريعاً ما بدأت الأخطاء الإسرائليلية الكبيرة عندما قابل باراك – وهو رجل بدائي من الناحية السياسية – الانتفاضة بالعنف الدموي ، وما أن بدأ الشعب الفلسطيني ينزف حتى تعاظم غضبه الأخلاقي المشروع وفشلت القيادة في كظم الغيظ من اجل التمكن من التعامل العقلاني مع الموقف السياسي الجديد برمته ، ونتيجة للتعاظم السريع للتضحيات الفلسطينية بدأ أن وقف الإنتفاضة في الوقت المناسب صعباً للغاية بدون تحقيق عائد سياسي ، ولأن العالم لم يمكن الفلسطينين من تحقيق هذا العائد مثل استمرار الانتفاضة بتضحياتها المهولة الطريقة الوحيدة لإجبار العالم على الانتباه والدخول إلى حلبة الصراع ، عبر حل وسط يعوض الفلسطينين سياسا عن تضحياتهم الهائلة ، ومن جديد أثبت هذا التقدير عدم سلامته ، كما أن تصور أن الحكومات العربية ستتدخل في لاوقت المناسب بأشكال أقوى لتسبب أزمة عالمية تفرض على أمريكا التدخل لفرض حل عادل على إسرائيل ، لم يكن سليما بدوره ، وقاد الصمت و العجز العالمي ، والعربي إلى التخلى في النهاية عن الطابع السلمي وإضطرار الشعب الفلسطيني الرد على العنف الاسرائيلي بعنف ثورة مضاد، من خلال العمليات الفدائية ، وهو ما لم يقدره العالم أو يفهمه في الوقت المناسب، وقبل أن تقع كارثة إعادة الاحتلال والتدمير الهائل للبنية الأساسية للسلطة والمجتمع ، من هنا تحرك مسار الصراع على نحو لم نتصور القيادة الفلسطينية منذ البداية ، بينما كان هذا واجبها تحديداً حتى لا يقع ما وقع من إحباط لقد وقعت أخطاء جسيمة في الحساب من جانب القيادة والقوى السياسية الكبرى في فلسطين ،كما وقعت أخطاء سياسية أكثر جسامة بالطبع من جانب اسرائيل ، كل ما هناك أن اسرائيل تستطيع لأنها الأقوى تحمل تبعات أخطاء من الممكن تجنبها بشئ من المهارة السياسية ، وقعت تبعات اكبر من طاقة الشعب الفلسطيني على الاحتمال العادل والمعقول لأخطاء جوهرية في الحساب والتكتيك السياسي ، ولذلك فقد الصراع أي طابع عقلاني، الأمر الذي أدى إلى موقف يخسر فيه الطرفان سياسياً وإن كان بطرق ومعان وأشكال مختلفة



#على_حسن_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تعاظم دور الأداة العسك ...
- للأهداف أجنحة المحاضرة السابعة والاخيرة فى ( التنمية البشرية ...
- الصعود للقمة المحاضرة السادسة للنتمية البشرية
- الطريق الى الامل المحاضرة الخامسة تنمية بشرية
- الجيش المصرى خط احمر
- فتامين الثقة المحاضرة الثالث للتنمية البشرية
- الهروب من الغضب المحاضرة الرابعة فى التنمية البشرية وتطوير ا ...
- الخروج من الكهف, المحاضرة الثانية ( تنمية بشرية )
- النمط الإستراتيجي الأميركي في إدارة الأزمات الدولية ( ادارة ...
- رحالة الى الذات محاضرة تنمية بشرية
- حل المنازعات عن طريق التحكيم


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - على حسن السعدنى - الأستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراع إدارة الصراع الدولي توازن القوى