أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - طلال الربيعي - إن الله ميت ولكنه لايعلم إنه ميت: الإلحاد وصنمية السلعة















المزيد.....

إن الله ميت ولكنه لايعلم إنه ميت: الإلحاد وصنمية السلعة


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 01:22
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


بالنسبة الى الطبيب و المحلل النفسي الفرنسي لاكان, فالله الملحد ليس ميتا, فالمعادلة الحقيقية للإلحاد تعني إن الله غير واعٍ (بموته) (1).
يقتبس لاكان الإخوة كارامازوف حين يقول الابْنُ ايفان "اذا لم يكن الله موجودا", فيرد عليه والده كارامازوف "إذا سيكون كل شئ مسموحا به". يعلق لاكان هنا بإن المحلل النفسي يعرف تماما إنه -اذا لم يكن الله موجودا, فإن كل شئ مسموح به- هي فكرة ساذجة تماما, كما نعلم ذلك من الاشخاص العصابيين (2).

اما الفيلسوف والمحلل الىنفسي جيجيك فيؤكد بإن ملحد الحداثة يعتقد بإنه يعلم بإن الله ميت, ولكنه لا يعلم إنه يستمر, لا شعوريا, بالاعتقاد بوجود الله (3). إن الاعتقاد السابق الخاص بملحد الحداثة يعني إنه الشخص المؤمن الذي يضمر شكوكا خفية حول معتقده وتشغل فكره خيالات آثمة. على العكس, فإن الملحد في ايامنا ينظر اليه بكونه انسان مرن يطارد اللذة ويعشق السعادة, ولكن عقله الباطني ممتلئ بالممنوعات. إن ما يقمع ليس الرغبة الفاحشة او اللذة الآثمة. إن ما يقمع هو الممنوعات نفسها. ولذلك فإن الاعتقاد بإنه "اذا لم يكن الله موجودا, فإن كل شئ مباح" يعني إنه كلما زاد اعتقاد الشخص نفسه بإلحاده, كلما زادت الممنوعات اللاشعورية الكابحة لقدرته في التمتع.(هذا لايجب ان ينسينا المقولة المعاكسة بانه: اذا كان الله موجودا, فان كل شئ محظور- فهذا ليس هو التعريف الدقيق لمأزق المتدين السلفي. يعتقد السلفي تماما بوجود الله, ولكنه يعتقد بكونه اداة الله, ولذلك فهو قادر على فعل كل شئ, لإنه مغفور له سلفا لكون افعاله تجسيد لإرادة إلهية)
بدلا من تحقق الحرية, فإن غياب السلطة القمعية ( الله) يؤدي الى مزيد من المحظورات اللاشعورية. ولكن كيف يمكن تعليل هذه المفارقة؟ يجيب جيجك على هذا بمثال مقتبس من الطفولة ويدعونا الى استدعاء وضع الطفل الذي يجب عليه زيارة جدته عصر يوم أحد
بدلا من السماح له باللعب مع أقرانه. فرسالة والده المتزمت او المُتَسَلِّطٌ الى ابنه الكاره للزيارة هي: "لا تهمني مشاعرك. يجب عليك تأدية واجبك بزيارة جدتك والتصرف معها بكل لياقة!". فمأزق الطفل في هذه الحالة ليس سيئا بأي حال. فمع إنه يجبر على فعل شئ لا يود فعله, فإنه سيحتفظ بحريته الداخلية وقدرته على عصيان أوامر والده لاحقا. ولكن الوضع سيختلف جذريا عندما تكون رسالة الأب المتساهل (أب ما بعد الحداثة) لطفله كالتالي:"انت تعلم عمق حب جدتك لك. انا لا اريد ان اجبرك على زيارتها. قم بزيارتها فقط اذا رغبت فعلا ذلك!" هنا يشعر الطفل حالا بالفخ الذي وضعه فيه موقف الأب المتساهل. فما يخفيه موقف الاب المتساهل, الذي يمنح طفله حرية الاختيار ظاهرا, هو امر اكثر قمعا من امر الاب المتزمت, لان أمر الاب المتساهل يسلب الطفل حريته الداخليه لكونه يطلب من طفله ليس فقط زيارة جدته, ولكن عليه ايضا إن يفعل ذلك وكأنه أمر ينفذه الطفل طوعا ونابع من ارادته الداخلية. إن الخيار الحر المزيف هذا هو بمثابة أوامرالأنا العليا التي تسلب الطفل حرية الاختيار, وتأمره ليس فقط بما يجب عليه فعله, وإنما ايضا ما الذي يريد (حسب التحليل النفسي فإن الانا العليا او الضمير ينتج عن تماهي الشخص لا شعوريا مع توجيهات الوالدين اثناء الطفولة و تكيفها لاحقا مع العادات والاعراف الاجتماعية)

هنالك مزحة يرددها اتباع لاكان لتجسيد قدرة الدور الذي تمثله "معرفة الآخر"
Other s Knowledge
والآخر هنا يعني المجتمع او الناس الآخرين عموما وليس شخصا محددا. مفاد المزحة كالتالي. أدخل شخصا الى مصح عقلي لاعتقاده إنه حبة قمح. حاول الاطباء كل جهدهم علاجه ونجحوا في النهاية في اقناعه بانه ليس حبة قمح وانما رجل. وعندما سمحوا له بمغادرة المصح, رجع وهو يرتعد من الخوف لإنه, كما يقول, رأى خارج المصح دجاجا وهو يخاف ان يأكله الدجاج. "ولكن يا عزيزي", خاطبه الطبيب, "انت تعلم حق العلم انك لست حبة قمح وانما رجل"." طبعا اعلم هذا", رد المريض, "ولكن هل يعلم الدجاج هذا؟". لذلك فانه ليس كافيا إن يقوم المحلل النفسي باقناع المريض بالحقيقة اللاشعورية لأعراضه, وانما ينبغي ان يكون هدف التحليل النفسي هو إن يكتسب او يصبح اللاشعور نفسه هذه الحقيقة.
(اضف هنا بشكل عابر بإن دعوة بعض الماركسيين او غيرهم الى "توعية الجماهير" لا تعني شيئا كثيرا, لان التوعية تبقى محصورة في مجال العقل الظاهر ولا تشمل العقل الباطن, وبالتالي تبقى التوعية, بالرغم من محتواها الاكاديمي, فعالية سطحية
اذا لم تقترن بفعاليات مشحونة عاطفيا لتسهيل ايقاد العقل الباطن كالمظاهرات اوالاعتصامات على سبيل المثال)

وكما يؤكد جيجيك, فإن نفس الشئ ينطبق على ما يطلق عليه تقديس او صنمية (فتشية) السلعة في النظرية الماركسية (4):
Commodity Fetishism
فحسب ماركس, تبدو السلعة لأول وهلة كشئ تافه وواضح للغاية. لكن تحليلها يبرزغرابتها الشديدة، وكثره خفاياها الميتافيزيقية و دقة تفاصيلها اللاهوتية. إن فكرة تقديس السلعة (اعتقادنا إن السلع هي كائنات سحرية مزودة بقوى ميتافيزيقية خفية) ليست كامنة في أذهاننا، إنها ليست إدراكا خاطئا للواقع, وإنما تتواجد في الواقع الاجتماعي لدينا نفسه. وبعبارة أخرى، عندما يواجه الماركسي برجوازيا مشبع فكره بصنمية السلعة، فالماركسي لا يخاطب البرجوازي بقوله "قد تبدو السلعة لك ككائن سحري مزود بقدرات خاصة، ولكنها حقا مجرد تجسيد للعلاقات بين الناس", بل يقول له "قد تعتقد أن السلعة تظهر لك بمثابة تجسيد بسيط للعلاقات الاجتماعية (على سبيل المثال، المال هو مجرد نوع من قسيمة تخول لك الحصول على جزء من النتاج الاجتماعي)، ولكن هذا ليس كيف تبدو الأمور حقا لك. ففي الواقع الاجتماعي الخاص بك، وعن طريق مشاركتك في النشاط الاجتماعي، تصبح انت شاهد عيان على حقيقة خارقة بأن السلعة تبدو حقا لك بمثابة كائن سحري يتمتع بقدرات خاصة ". ويمكننا أن نتصور هنا حضور البرجوازي لدورة دراسية في الماركسية حيث يتعلم فيها كيفية نشوء تقديس السلعة. ولكنه بعد الانتهاء من الدورة، فانه يأتي إلى أستاذه شاكيا له أنه لا يزال ضحية تقديس السلعة. بدوره يقول له أستاذه "لكنك تعرف الآن كيف تبدو الأمور، إن السلع هي فقط تعبير لعلاقات اجتماعية, ولا يوجد جانب سحري بخصوصها"، فيجيبه التلميذ: "بالطبع أعرف كل ذلك، ولكن السلع التي أتعامل معها لا يبدو أنها تعرف ذلك" - "فالدجاج لا يعرف اني لست حبة قمح", كما ورد اعلاه. هذا كان هدف لاكان في دعواه أن الصيغة الحقيقية للمادية ليست ان "الله غير موجود "، ولكن ان "الله فاقد الوعي".

تقول ميلينا جيسينسكا في رسالة كتبتها عن كافكا (5):
"قبل كل شيء، فأشياء مثل المال، الأسهم المصرفية، التعامل بالنقد الأجنبي وآلآلة الطابعة هي امور مغلفة بالغموض بالنسبة له (وهذا هو واقع الحال, ، ليس فقط بالنسبة لنا، ولكن للآخرين)".
طبعا يمكن بكل سهولة اضافة الكومبيوتر,مثلا, الى القائمة بدون اخلال جذري في المعنى.
تعالج جيسينسكا هنا كافكا ماركسيا. فالبرجوازي يعلم جيدا أنه لا يوجد جانب سحري بخصوص المال، والمال هو مجرد تعبير لمجموعة من العلاقات الاجتماعية، لكنه مع ذلك يتصرف في الحياة الحقيقية كما وكأنه يعتقد أن المال هو شيء سحري. ان تحليل جيسينيكا يمنحنا القدرة في التعرف على عالم كافكا وقدرته في التجربة المباشرة للامور الوهمية التي, كما يؤكد جيجيك, نتنصل منها نحن الاناس العاديون. فسحر كافكا هو ما يشير اليه ماركس ك "الغرابة اللاهوتية" للسلعة. ما يعنيه ماركس هنا هو انه حين نتظاهر علنا في الاعتقاد بصنمية السلعة, فاننا, في دواخلنا, نشكك او حتى تشارك في السخرية البذيئة من المعتقدات العامة لدينا-;- ففي حين نميل اليوم علنا الى اعتناق موقف مشكك او داع الى المتعة والاسترخاء، فأنه ما تزال تسكن فينا المحظورات والممنوعات القامعة لنا بشدة.
على ضوء هذه الخلفية يشير جيجيك الى قصة قصيرة وغريبة الاطوار كتبها دستويفسكي وعنوانها "بوبوك"(6), حيث اختلف المفسرون في فهم مغزاها. تروي القصة تجربة شخص يدعى ايفان ايفانوفتش الذي كان يعاني من هلوسة سمعية وبصرية, فيذهب للبحث عن تسلية فيعثر على ضآلته بزيارة قبر احد اقربائه. وفجأة وبشكل غير متوقع يبدأ بسماع تمتمة الموتى التي سرعان ماتحولت الى كلمات ساخرة وعبارات عابثة. يستشف ايفان من خلال كلام الموتى بإن الشخص يستمر بالاحتفاظ بوعيه لفترة شهرين او ثلاثة بعد موته البيولوجي الى حين تحلل جسمه وموته النهائي. ويكون الاموات بيولوجيا, خلال هذه الفترة, غير خاضعين لقواعد الحياة ومنطقها, وبذلك يطلقون العنان لانفسهم باستعراض اكثر اسرارهم الحياتية حميمية بدون اي رادع من شعور بالخجل او العار.
الدرس الأعم من هذه الحالة: عندما يدين كاتب متدين, مثل دستويفسكي, الإلحاد، فانه يفعل ذلك في كثير من الأحيان بناء على رؤية "الكون الملحد" (كون الجثث الحية الخالي من الاخلاق و الروادع) كاسقاط للجانب السفلي والقمعي من الدين نفسه.

لا نريد الذهاب بعيدا, فمنطقتنا تزخز بامثلة عديدة يطلق فبها المتدين اوالمتجلبب برداء الدين, وليس الملحد, العنان لشهواته وملذاته, كما في تعدد الزيجات وزيجات المتعة والمسيار وغيرها, وانتشار وباء التحرش الجنسي, اضافة الى ممارسة فساد وظلم لامثيل له كتعبير عن ممارسة متدنية وفظة لغرائز الشهوة وحفظ الذات والتدمير.

المصادر:
1) Lacan, J., The Seminar, Book XI, The Four Fundamental Concepts of Psychoanalysis, Penguin, 1994
2) Lacan, J. The Ego in Freud’s Theory and in the Technique of Psychoanalysis, New York: Norton 1988
3) http://www.lacan.com/essays/?p=184
4) http://www-rohan.sdsu.edu/~rgibson/commodityfetishism.htm
5) Cerna, J. Kafka’s Milena, Evanston: Northwestern University Press 1993
6) http://classiclit.about.com/library/bl-etexts/fdost/bl-fdost-bobok.htm



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس عاشوراء: ادمان و سادية-مازوخية
- الشخصية الأستبدادية: روبوت ام انسان؟
- الشخصية الشرجية واغواء الجسد او الشيطان
- الجنسية المثلية/ حمورابي وكلكامش
- الشخصية الشرجية وعبادتها للرب والشيطان معا
- الشخصية الشرجية لدى ساسة العراق وعبادتهم للغائط
- الماركسية والتحليل النفسي


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - طلال الربيعي - إن الله ميت ولكنه لايعلم إنه ميت: الإلحاد وصنمية السلعة