أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كلكامش نبيل - التحزّبات العابرة للحدود وخطرها على المواطنة















المزيد.....

التحزّبات العابرة للحدود وخطرها على المواطنة


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لطالما عرفنا بأنّ المواطنة الحقّة المبنية على أسس المساواة والعدالة، والتي لا تفرّق بين مواطنيها إلاّ على أساس الكفاءة وفق معايير موضوعيّة وحياديّة، هي من أهم الأسس في بناء دولة مدنيّة حديثة وناجحة يمكن لها أن تتقدّم وتواكب ركب دول العالم الأخرى في هذا السباق العالمي المتسارع والذي تأخّرنا كثيرا عنه ولا نزال نبتدع الطرق تلو الأخرى لتعطيل دولنا بشتّى الطرق والوسائل عن اللحاق به. وليست آخر هذه الطرق المبتكرة نشوء أحزاب لا تؤمن بالوطن ولا تحترم حدوده ولا علمه وتفضّل إنتماءاتها الغريبة على الهويّة الوطنيّة، وقد تزايد حضور هذه الأحزاب على الساحة الشرق أوسطيّة بعد أحداث ما يعرف بالربيع العربي، فها نحن نبصر كلّ يوم جماعات ذات أفكار راديكاليّة متطرفة وهي تحمل أعلام تجسّد أحلامها الغير الواقعية والتي ستؤدي بدولنا إلى الرجوع إلى عصور مظلمة لم يمض وقت طويل منذ أن تحرّرنا من نيرها وبدأنا نخطو أولى خطواتنا نحو المدنيّة التي وجدت أوّل ما وجدت على أرض الشرق الأوسط هذه.

تحاول هذه الأحزاب الدينية دقّ آخر مسمار في نعش المواطنة في دولنا، والتي عانت الكثير من الأفكار القوميّة في وقت سابق. فقد عاشت الأحزاب القومية فيما مضى وهي تحاول جمع دول كثيرة تمتد من الخليج وحتّى المحيط الأطلسي تحت لواء دولة قوميّة واحدة متناسية الفوارق الكثيرة بين شعوب هذه الدول وصعوبة إيجاد كيان يجمعهم وغاضين الطرف عن قدرتهم على تنمية أقطارهم الصغيرة بشكل ناجح يؤدي بنا إلى تصديق أحلامهم في أن تقوم تنمية على نطاق أوسع في هذا الوطن الكبير المفترض. والغريب أنّه وبعد فشل تلك المشاريع ينهض مشروع ديني يريد توسيع نطاق أحلامه ليجمع كل الأقطار المختلفة لغويّا أيضا هذه المرّة في كيان واحد، غير مدركين بأنّ هذه الأفكار ستؤدي إلى تقسيم هذه الأقطار الصغيرة إلى كيانات أصغر، لأنّ العصر الحالي لم يعد مناسبا لفرض رؤية طرف واحد على الأطراف الأخرى، ولم يكن الأمر ممكنا من قبل إلاّ من خلال وسائل القمع الوحشيّة، ولكن الأمر أكثر صعوبة هذا اليوم بسبب تعدّد وسائل التعبير وتنوّعها وصعوبة قيام دول دكتاتوريّة تجعل من أوطانها جزرا منعزلة عن بقيّة دول العالم وتحجب مواطنيها عن تأثيرات الدول المجاورة والمشاريع التي تسوّقها.

لا تعترف هذه الأحزاب الدينيّة بالوطن أبدا، بل ويتعارض وجودها مع وجود دولة المواطنة المذكورة آنفا، ولهذا ترى أتباعها يرفعون أعلامهم الخاصّة في العراق وتونس ومصر وسوريا وغيرها من دول أخرى التي عصفت بها زوابع هذا الربيع. وإذا ما أمعنّا النظر في أفكارهم ومشاريعهم ندرك بأنّهم لا يعترفون بحدود هذه الأوطان أيضا ولا يهمّهم إن تقسّمت أو تجزّأت بشكل يضمن لهم حكم أراضٍ تسكنها أغلبيّة من أتباع فكرهم، ويروّجون أحيانا إلى أنّ هذه الحدود نتيجة لإتفاقيّة سايكس-بيكو – التي كانت الأنظمة القوميّة ترفضها هي الأخرى- ممّا يعطي إنطباعا عن قراءة قاصرة للتاريخ، إذ إنّ أغلب دول العالم في حدودها الحاليّة تشكّلت في أعقاب الحرب العالميّة الأولى بما في ذلك دول أوربيّة كثيرة، وكون المستعمر هو من رسم هذه الحدود لا ينفي أنّها قائمة على أسس تاريخيّة وجغرافيّة رصينة، فهي فعلا تجمع سكّانا لهم ثقافة متشابهة ولهجة متقاربة وتاريخ يثبت وحدة هذه الأراضي. قد نجد بعض المناطق الحدودية التي تشذّ عن القاعدة وبعض الأجزاء الصغيرة التي وضعت ضمن دول معيّنة لضمان وجود سبب دائم للصراع في المنطقة أو لتحقيق هدف سياسي معيّن في حينها، كما هو حال شريط صغير في أفغانستان يسكنه بدو القرغيز والذي ضمّته بريطانيا لأفغانستان كي يفصل بين ممتلكاتها في الهند – لم تكن باكستان قد إنفصلت عنها بعد – وبين روسيا القيصريّة. بغض النظر عن هذه الإستثناءات فإنّنا نرى بأنّ هذه الحدود واقعيّة وتعبّر حقّا عن طبيعة شعوب المنطقة ولطالما ضحّى الآلاف من ابناء شعوبنا دفاعا عن هذه الحدود عندما كان الوطن يمثّل أولويّة حقيقيّة، والآن تحاول هذه الأحزاب التي تعيش أحلام الماضي وتحاول بناءها على جثث الآلاف من الضحايا هدم قدسيّة الوطن وحدوده في نفوس أبناءه وتقنعهم بأنّها حدود مصطنعة وتروم رسم حدود جديدة لدول المنطقة بشكل يثبت أنّ هنالك أيادٍ معادية تحرّك قادتها على الأقل وتنفّذ الأغلبية الساحقة من أتباعها تلك الخطط عن جهل مكّنهم من غسل أدمغتهم وجعلهم ماكنات قتل بلا رحمة وهم يخدعونهم بوعود ميتافيزيقيّة مجنونة.

مثل هذه الأفكار تنتشر الآن ببطء أو أنّها إنتشرت فعلا ومن دون أن يتمّ رصدها، ففي إستفتاء لهيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي، تمّ إجراءه قبل فترة عن طريق طرح السؤال فيما إذا كنت تشعر بالإنتماء إلى أبناء وطنك من دين آخر أو أنّك ترى بأنّ مواطنا أجنبيّا من نفس دينك هو الأقرب إليك، وقد كانت النتائج وبعض التعليقات صاعقة فعلا وتثبت بأنّ المواطنة في دولنا على شفا الهاوية، فقد فضّل الكثير من المعلّقين إنتماءهم الديني على مبدأ المواطنة وهذا أكبر خطر يمكن أن يعصف بأيّة أمّة، ولهذا لا تسمح الدول المتحضّرة والتي تحترم الحريّات وحقوق الإنسان تأسيس مثل هذه الأحزاب التي يتعارض وجودها مع وجود الدولة، بينما تحترم الحقوق الثقافيّة لكل مكونات الوطن وحقّهم في إقامة نوادي إجتماعيّة ومدارس وغيرها من أنشطة ثقافيّة تكفل لهم الحفاظ على هويّتهم الخاصّة ولكن من دون أن تشكّل كيانا سياسيّا يتعارض مع كيان الدولة الأكبر، ولكن تبقى طبيعة دولنا القمعية عائقا في وجه مثل هذه الخطوة، وذلك أنّها تعرّف الوطن وهويّته بهويّة الأغلبيّة من أبناءه وهو ما يمنح الفئات الأخرى الأقل عددا شعورا دائما بالإضطهاد، وبأنّهم مهمّشين وغير معترف بهم ولهذا تتكوّن لديهم ردّة فعل من أجل إثبات وجودهم وهويّتهم، وهنا يجب علينا البحث عن سبيل لحل هذه الأزمة وعدم ظلم حق أي فئة، وهو بسيط جدّا ولا يتطلّب سوى تنازل عن كبرياء الأغلبيّة وخضوعها هي الأخرى لمبدأ المواطنة والمساواة مع سائر أبناء الشعب، فتكون هويّة الوطن محايدة وجامعة لكل أبناءه ضمن حدوده مهما كان إنتماءهم العرقي أو اللغوي أو الديني. ولنأخذ الهند مثالا على ذلك، فهي وعلى الرغم من وجود أغلبيّة هندوسيّة لم تعتبر الهندوسيّة دين الدولة الرسمي ولهذا السبب تتعايش كافة الأديان في ظلّ وطن علماني في سلام وتبوّأ المسلمون مناصب عليا في الدولة بما فيها منصب رئيس الجمهوريّة في تعبير عن التسامح الشديد ونسيان كل المشاكل السابقة، بما فيه تسبّب المسلمين في إنقسام جزئين كبيرين من شبه القارّة الهنديّة ألا وهما باكستان وبنغلاديش، ومؤخّرا تبوّأ منصب الإستخبارات مواطن مسلم رغم أنّ الهند لا تزال تتعرّض لهجمات إرهابيّة مصدرها باكستان في تأكيد لإحترام نظامهم السياسي لمبدأ المواطنة البعيد عن التميّيز. وعلى الرغم من وجود ما يزيد عن إثنتين وعشرين لغة مسجّلة في الهند وعشرات اللغات الأخرى وإمكانيّة إختيار اللغة الهندية التي ينطق بها الغالبية العظمى من الشعب إلاّ أنّ الدولة فضّلت عدم فرض لغة الأغلبية على البلد ككل وإحترام حقوق الجميع فلم تذكر وجود لغة رسميّة للبلد وجعلت من الهندية والإنكليزيّة لغتي دوائر الدولة الرسمية ولكنّها لم تهمّش اي لغة أخرى وأو ترفض الإعتراف بها، إن من شأن هذا كلّه أن يحفظ السلم الأهلي ويعزز الإنتماء للوطن كهويّة عظمى ينضوي الجميع تحت لواءها في فخر، وبالمثل يمكن لنا أن نحذو حذوهم ونبعد إنتماءاتنا الصغرى وننحيها جانبا عندما نتعامل في دوائر الدولة كمواطنين فقط. قد يتم وضع نصوص برّاقة كهذه في الدستور ولكن تطبيقها على أرض الواقع وحده هو ما يصنع الفارق ويجلب لنا التقدّم، ولهذا علينا أن ندرك أنّ من شأن هذا التنازل عن كبرياءنا ودكتاتوريّتنا الذاتيّة كشعوب- والتي منها تنشأ النزعات الدكتاتوريّة لدى حكّامنا - أن تجلب لنا الرخاء والسلام والنهضة.

إنّ وجود هذه الأحزاب الدينية أو القومية في السلطة يؤدي إلى فشل الدولة بالضرورة لأنّها لن تتمكّن من النظر إلى الشعب كلّه كوحدة واحدة لا تتجزّأ، فهي لا ترى منه إلاّ قاعدتها الشعبيّة التي يمكنها الإعتماد عليها إذا ما داهمها الخطر والتي يمكن أن تصعد بها إلى سدّة الحكم عن طريق الإنتخابات، وقد تخدم هذه الفئة فقط لضمان بقاءها في السلطة أو تلجأ إلى خداعها فقط وهو أمر سهل إذا ما ساد الجهل أو توفّر سبب يثير مخاوف ركيزتها الشعبيّة ويجعلها تشعر بالأمن مع وجود مثل هذه الأحزاب المتطرّفة. كما أنّ وجود مثل هذه الأحزاب في المعارضة يهدّد وحدة الوطن أيضا، لأنّها وفي محاولة لتحقيق مصالحها قد ترمي بالوطن ووحدته من أجل أن تحكم أراضيها غير آبهة بأي شيء عدا مصلحتها، وهنا يبرز دور المواطن الحقيقي المحب لوطنه في منع مثل هذه الأحزاب من الوصول إلى سدّة الحكم أو اللجوء إليها لإنقاذه من ظلم قد يشعر به، فبنبذ مثل هذه الأفكار التي لا تعترف بالوطن يمكننا أن ننهض من جديد.

إنّ تعدّد الأحزاب ذات الإنتماءات والأهداف التي تتجاوز حدود الوطن أو تلجأ إلى تجزئته وتعتبر جزءا فقط منها شعبها من دون باقي مكوّنات الشعب لن يؤدّي سوى إلى قيام دولة فاشلة تعصف بها الإضطرابات والحروب أو أن تؤدّي في النهاية إلى ضياع الوطن وتشتيته، وقد ناقش الفيلسوف الفرنسي السويسري المولد جان جاك روسّو ذلك عندما قال بأنّ تعدّد الإنتماءات سيؤدّي بالتالي إلى تعدّد المصالح الخاصّة وعندها ستبحث كل جماعة عن تحقيق هذه المصلحة التي ستكون بالضرورة بعيدة عن المصلحة العامّة للشعب وكلّما تعدّدت المصالح الخاصّة تضاعفت صعوبة تحقيق المصلحة العامّة إن لم يؤدّي ذلك إلى تلاشيها التام وبالتالي فشل الدولة عن القيام في مهامها في نظري. ولهذا علينا اليوم أن نقف مع أنفسنا موقفا حازما ونضع صورة وطننا أمام كل الصور الهامشيّة وعدم الإنسياق وراء مشاريع تجزئة أوطاننا وننفذ بأيدينا وبلا وعي مشاريع تخطّط لنا من الخارج، ولن تفشل هذه الخطط إلاّ إذا غلّب كل مواطن هويّة الوطن على هويّته الفعليّة وهذا يتطلّب من الحكومات هي الأخرى أن تقوم بمسؤوليّتها في توفير الأسس اللازمة لبناء هذا النوع من التفكير عن طريق تحقيق العدالة والمساواة.

بقلم كلكامش نبيل
26-5-2013



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الأرض
- الديمقراطيّة الحقّة بالضرورة علمانيّة
- الفيدراليّة، حل أم مشكلة جديدة؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كلكامش نبيل - التحزّبات العابرة للحدود وخطرها على المواطنة