أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مختار سعد شحاته - حين تبت يدا أبي لهب.















المزيد.....

حين تبت يدا أبي لهب.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 18:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المُلتزم ومطاطية التسمية:
يدهشك كم الأحاديث والمرويات التي يرويها البعض عن هالات النور التي تؤطر وجه الملتزم، وبغض النظر عن كون الكلمة مطاطية للغاية، فأنت لا يمكنك بقدر ما تحديد ماهية هذا الالتزام، ولا بأي شيء يمكن أن يلتزم الجميع، ووحدها تبقى علامات إنسانيتنا فقط هي ما يمكن ان نلتزم به في النهاية، فالمسلم يرى غيره غير ملتزم، والمسيحي كذلك، والبوذي كذلك، وشأنهم شان كل أصحاب الرؤى والمدارس الفكرية، دوما كل من تبعهم –بدرجات- يمكن تحديد موقعهم تحت هذا المسمى المطاطي "ملتزم"، ولن أضرب الأمثلة هنا لأبين مدي مطاطية الكلمة وكانها مقدودة من مادة خاصة تختلف حسب الرؤى والأفكار بل حسب المعتقد والمذهب الواحد. ربما يخرج علينا هؤلاء ممن قبلوا تسمية أنفسهم –أو تسمية الغير لهم- بـ"المحدثين"، فيقولون وينظرون ما بين الجرح والتعديل درجات حديث ما، ومدى رقيه بين الصحة والاعتلال لسبب أو آخر، لكن غالبًا ما يبرر العمل به كنوع من الدعوة إلى فصيل سمى نفسه "الملتزم"، ما دام الحديث عين الاختلاف لا يمس ثوابت العقيدة او يجور على حق من حقوق العباد. ليكن لهم ما أرادوا طمعا في تحويل التصرفات الإنسانية نحو المزيد من الاحترام للذات الإنسانية بشكل عام.

تجربة عملية شاركنا من فضلك فيها:
لكن دعونا نقوم باختبار عملي سريع وبسيط، ونتابع سويًا في تلك الدردشة الداخلية مع النفس، فمن فضلك أغمض عينك، حاول التركيز في هذا الاسم قليلا، وتخيل وجه صاحبه، وليكن وجه "أبي لهب"، استمر في تخيلك، ثوان أخرى حاول فيها أن ترى تفاصيل الوجه قدر المتاح لك من قراءات ومعلومات عنه.

عودة إلى سياق الحديث:
نعود بهدوء إلى ما بدأنا، ونتوقف عند قول الرسول العظيم –سيدي- "محمد" – صلى الله عليه وسلم، وقوله عن الرجل الذي يعتاد المساجد، والشهادة له بأن هذا من الإيمان "فاشهدوا له بالإيمان"، ومن ناحية أخرى سنتذكر إفادته وتحذيره عن هؤلاء –المتواجدين للصلاة- حين ينبه بأنه "ربُّ مصلٍ لا طائل له من صلاته غير التعب والنصب"، وأنهم "لا ترقى صلاتهم إلى تراقيهم"، وهذا لنسأل السؤال، ماذا لو طبقنا المذهب الشكلاني الذي اعتمده القرطبي، هل هنا يمكن ان نرصد التباسًا ما بين النصين؟، قطعًا حاشاه –عليه السلام- لكن حقيقة الالتباس موجود، وليس في النصوص المختلفة – حتى ولو اعتمدنا مذهب القرطبي- بل حقيقة الالتباس ترجع إلى عجز التاويل عن تقديم إجابات شافية، وشروحات حقيقية لفهم النص الذي بدا يعارضه آخر، وهكذا فلا تعارض بين النصين، ولو مجرد الالتباس المعتمد على الظاهر، وهنا ربما يجوز لي أن أقول بأن الشكلانيين قد يحاولوا من خلال الجرح والتعديل إزالة الالتباس الحادث في لحظة ما، قد تزيد وتتفاقم لضعف التأويل وقصور أصحابه في أحيان كثيرة عن تقديم تأويلا يحترم العقل واجتهاده، بما لا يوقع في زلل أو مغبات جديدة، تزيد الأمر ارباكًا، هنا بأريحية تامة أقول بان العقل في بعض الحالات لا يجوز الاعتماد او التعويل الكامل على ما يقدمه من تفسيرات وتأويلات، ويجب أن يتقدم القلب ليدلو بتأويله حين يظهر ما قد يبدو التباسًا شكليًا في وهلته الاولى، فالعقل المجرد لن يدرك المدارك التى يصلها القلب البشري ولو كانت في التأويل، حيث يُفضى العقل إلى مسلمة جديدة –ربما- تصلح له وحده حين يقدم تأويله للنص، ألا وهي مسلمة التسليم، وهو ما لن يتفهمه العقل بدرجة ما كونه تجرد.
الحاجة إلى تأويلات جديدة:
أي أننا قد يضعنا العقل في إشكاليات لا يجوز له من بداية الأمر الخوض فيها، ولنأخذ مثلا ربما يقرب الصورة، فهؤلاء الذين نسمعهم يتحدثون عن نور الإيمان الذي يبدو على الوجه هو أمر لا يمكن العقل بحال من الأحوال اعتماده، ربما في عصرنا وما وصل إليه العلم من علم الأجناس والبشرة، قد يتعارض مع ذلك، وهو ما يضطر العقل دون وعي إلى تسليم زمام الأمر إلى القلب فيرى ما يود رؤيته ليُمكن من التثبيت، ويخرج العقل من فوضى التباسات عديدة يفجرها ظاهر النص، وإلا فبم نفسر جمال وإشراق وجه هؤلاء المخالفين لعقيدتنا وأعرافنا وثقافتنا، بل والانجذاب نحوهم، وكيف في أحيان أُخر لا نطيق من بني جلدتنا وجوه أخرى تعتاد المساجد، ونرى فيها ظلامًا إنسانيًا يُسبب فوضى من الارتطام والاصطدام بالكثير؟! هنا وحين يتسلم القلب زمام الأمور، يبدأ في ضح صوره القلبية إلى العقل بل والمشاعر فترى ما تريد أن تراه، فكأننا لا نرى إلا دواخلنا أو ما نريد له أن يكون، وهكذا تتنافر الأشخاص أو تنجذب منذ اللحظة الأولى، تأكيدا لكونها "ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف"، فالامر قبل الاتفاق او الاختلاف مرهون بما أراده القلب من رؤى خاصة به بعيدًا كل البعد عن الظاهر وما يدركه العقل في لحظات الالتباس.

حين سبّ المدرس الدين:
لنتابع في تلك المحادثة ونطور أفكارنا ونطبق ونقرب أكثر، فأنت شخص تاتي إلى مدرسة طفلك، ينتابك ثورة لا تنطفيء، حين ينقل لك ولدك بإدراكه الخاطيء بأن مدرسه غير المسلم يسب الرسول الكريم، ويلعن دين الإسلام، وتنتفض عصبيتك، وتزداد فوة الغضب، وتتناسى كل شيء، وكيف سمحت لودك ان يتصنت على حديث خاص لمدرسه، وكيف صار جاسوسًا على مدرسيه بدل أن يكون نتاج خير، ويظل ما يشغل ذهنك، كيف للمسيحي –مدرسًا او غير ذلك- يسب الدين الإسلامي، هنا دعني أسألك، ألمجرد كونه مسيحيًا فقط ثارت ثائرتك؟ أترضاه إن كان مسلمًا ويسب الدين- الإسلامي أو غيره؟. للحقيقة هنا لا أفترض مثالا جدليا فهي حقيقة واقعة عاصرتها بشخصي، انتهت إلى كون التلميذ لم يجب في امتحانه، فأراد تحويل انتباه والده عن السؤال عن الآداء في الامتحان، وتمادى في الكذب، لكونه يعرف عن عصبية والده التي يربيه عليها، وكيف يمكن ان يصل الحد الاقصادي مداه، فيرفض سب الدين من مسيحي بينما يتقبله وينكص على عقبيه إن كان صادرًا عن مسلم! هنا لك أن تُدرك كم ما تم هدره من قيم الكذب والتجسس والادعاء، وكيف تأصلت تلك النفرة الطائفية إلى مدي شديد الخطورة، لا شك أنه يومصا ما سينفجر فيأكل الأخضر واليابس بلا هوادة أو رحمة، ما دام هذا المعنى المطاط هو ما يصنف البشر ما بين "الملتزم" وغير "الملتزم"، هنا تبقى ان أقول بحيادية ان الوالد الثائر أحد المنتمين لتيار "إسلام سياسي" بعينه، وهذا للامانة في النقل لا للهجوم كما سيدعي البعض ممن يتعصب مثله وينساق لإدراك مغلوط.
أبو لهب وكنية عجيبة:
دعنا الأن نعود إلى مثال "أبي لهب"، كيف وجدته؟ كيف تخيلت وجهه؟ كيف يبدو لك أبو لهب؟ حتما سيستدعي العقل راتبة السورة "تبت يدا أبي لهب وتب"، وسنطلق العقل في رسم صور، هي في حقيقتها شكلانية، ضللها ما تريده أنت ان تدركه بما تدعي نفسك عليه من الالتزام، وهنا انا لا أدافع عن شخص أبي لهب –عليه ما يستحقه من خالقه-، لكن هو قدر مما أحاول فهمه حين يتسلم ميزان "التسليم" العقل فيضلل. لا شك أنك الىن قد يستدعي عقلك وصف الشيخ فلان أو فلان في وصف مثالب أبي لهب، وكلها اعتمدت على تأويل النص، دون أن تدرك أن النص لم يتعرض من قريب أو بعيد عن حاله في الدنيا وقتها، ولا عن وصف وجهه وانعدام النور فيه لكونه "كافرًا"، بل يُقر له الكسب والمال، هكذا الأمر كله وصف لحاله يوم الدينونة، وعرض لصورة من صور العذاب لهؤلاء "الكافرين" يوم الحساب. ربما أردنا أن نراه بهذه الصورة من القبح او الدمامة، وقد نستعين بتشخصيات السينما التى لا تقل افتراءًا عن تشخيصات هؤلاء المتصدرين للشروح والتأويل من نجوم الفضائيات ممن يحبون أن يسبقهم ألقاب مثل "الشيخ، والعلامة، والإمام" إلى آخره من تلك التسميات المسمومة في غالبها، فيخرج علينا جيل من الأنصاف يتحدث ويفرض علينا ما يعتقده صوابًا مُلزم.
القلب أم العقل أولى:
مرة أخرى لا أدافع عن شخص أبي لهب قدر ما أُحيلك إلى معنى الكنية "أبو لهب" عند العرب، فلربما تندهش حين تعرف أن سر التكني بها كون وجهه كان مشرقا لا يخلو من ملاحة ووسامة ورثها عن والده عبد المطلب وأمه، مما استدعى العرب أن يكنوه بهذا اللقب ومعناه "صاحب الوجه المُشرق". الآن ما رأيك؟! هل يمكن للإيمان أن يُنير الوجه حقًا؟ أم هو في حقيقة الامر ينير القلب ويربيه في نور حقيقي، وحين يريد ان يرى الناس يراهم من خلال هذا النور ويعكسه بدرجات على وجوههم، فيحب ويكره دون سبب عقلاني؟
نحتاج إلى مزيد من تأويلات جديدة وقراءات مستنيرة بنور القلب الحقيقي الذي يعلم أنه لا بشر خالق، فلا ينشغل بالتفتيش عن نوايا الناس وعن دياناتهم وفعالهم، قدر ما ينشغل بعكس هذا النور عليهم، فيقبل الآخرين بتسليم مطلق بأنه يوم الحساب لن يُحاسب عن غيره، ولن يملك أحد أن يدخل الجنة أو الجحيم غير صاحبهما كيفما خلص إلى القلوب وعرف ما فيها.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمردوا يرحمكم الله.
- رسالة الأحلام.. عامية مصرية.
- بين الامتنان والانبساط.
- ابنة الربيع
- رسالة خاصة إلى النيل.. نص أدبي.
- محطة سيدي جابر بعد التطوير.
- أنا نبيُ.
- أنا قابل .. عامية مصرية.
- ال Nickname : هوجة ولا ثورة؟
- محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء ...
- ريبورتاج المدينة.. موهبة ووعي مبدع.
- بائعة الطماطم.. قصة قصيرة.
- ويل الوطن.. ويل ليه -أغنية-.
- كيف نرى؟
- شارع سيرلانكا.. نص أدبي.
- مزاد علني
- رحلة صعود إلى أعلى الدرج.
- راجع م السفر
- أحفاد القردة والخنازير.. حقيقة أم وافتراء؟
- حكاية النملة.. إلى النملة التي تحركت من فروة رأس الجد نحو وج ...


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مختار سعد شحاته - حين تبت يدا أبي لهب.