أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند يعقوب - نظرة أولية حول مفهوم الثقافة الثالثة















المزيد.....

نظرة أولية حول مفهوم الثقافة الثالثة


مهند يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 4099 - 2013 / 5 / 21 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


سيكون مناسباً لو اقترحنا السؤال الآتي كمدخل لمعرفة الاتفاق والاختلاف او الوحدة والتشتت بين الأدب والفن والعلوم الانسانية من جهة ، والعلوم الصرفة كالرياضيات والفيزياء والفلك من جهة أخرى ، في القاء نظرة اكتراث اليه او تفسيره. فلو تسائلنا مثلاً عن الأسباب التي تجعل من الشخص مختلفاً بذائقته وطريقة تفكيره ، وكيف تنعكس تلك الندرة بالتفكير على الواقع ، خاصة عندما ندرك أن الحياة بالصيغة المتحركة والنامية هي نتاج جهود فردية وليست جماعية ، حيث الفعل الفردي هو ما أنتج كل هذا التطور الهائل على صعيد العلم والتكنلوجيا والفن والمعرفة بكل أشكالها .

سيتم توجيه تلك الأسباب الى عوامل عدة ، منها ما هو بيولوجي كحساب الألياف العصبية المحيطة بكل خلية عصبية في الدماغ ، وكلما كثرت تلك الألياف ازدات الطاقة المسؤولة عن نشاط تلك الخلايا. او الى الظروف المحيطة سواء كانت تلقي معرفة او انعكاس محيط ، وهي أسباب لا تصمد أمام بديهة العيش المشترك للجماعات ضمن محيط معرفي وبيئة واحدة ، حيث يخترق شخص ما هذه الصيغة وينفرد عن المجموع ، بينما يبقى الآخرون مجرد تنويعات انسانية ذات صفة عادية .

هناك تفسير آخر وهو صدى لروحانية الشرق وتأملاته لكنه أقل تعقيداً حيث يحصر العملية بالتوليد الذاتي او يرجعها باختصار الى ( فضل الكسل والتوقف عن المعرفة ) من أجل التوصل او الدخول الى المعرفة العميقة كما يقترح ذلك الروحاني الألماني ( ايكارت تول ) حيث يعتقد أن المعرفة العميقة هي نتاج التوقف عن التفكير وما ينتج عنهما من تأويل وعنونة. ويخلص الى ( أن ما نسبته 90% من تعاملات البشر تشير طبقاً للانفصال وتلك العنونة ، وأن حالة عدم المعرفة هي أن تجلس وتتجول وتدرك بدون الحاجة الى تأويل .وأن المعرفة العميقة تنشأ حينما لا يتم مقاومة عدم المعرفة ).ويعطي مثالاً على ذلك عالم الفيزياء آينشتاين اذ ينشط لديه جانب التخيل أكثر من جانب العقل في المختبر وتعود اليه مقولة ( الخيال أهم من العلم ، وأن الثقافة تبدأ عندما تنسى ما تعلمته في المدرسة ).

قد تبدو هذه الاشتراطات المستعجلة ذات صيغة متباينة ومتباعدة لتفسير ندرة التفكير عند الأشخاص المختلفين كمثال، لكنها ليست كذلك من حيث اجتماعهما . ففي الوقت الذي بدأت معه المعارف والعلوم الانسانية والتجريبية الجريان باتجاه متواز، كان النّاس منقسمين في الاستهلاك تبعا لهذا الجريان المتوازي . فئة داعمة ومستهلكة ومنتجة للثقافة الفنية والأدبية ( الرطانة ) وهي ( الثقافة الأولى ) ، وأخرى داعمة ومستهلكة ومنتجة للثقافة العلمية المشبعة بالتقريرية والجمود العلمي وهي ( الثقافة الثانية ) ، ولا يوجد اجتماع او تداخل بينهما ، حتى صدور كتاب الروائي والعالم سي . بي . سنو ( ثقافتان ) عام 1959 ليوحد بين الاتجاهين بمفهوم واحد أسماه ( الثقافة الثالثة ). وهذا المفهوم بالنسبة لـ سنو جيء به للتقريب بين ممثلي كلا الاتجاهين الأدبي والعلمي .

ولا يقصد سنو من هذا التداخل والتوفيق أن يتحول الفنان والأديب الى فيزيائي او العكس وانما أن تشتغل تلك القواعد الفنية والأدبية والعلمية ، أي النخب المنتجة من كلا الطرفين على معرفة كافية بالأنماط الثقافية العلمية والأدبية معاً. وبالتالي التأصيل لهذين الاتجاهين وعدم تشتتهما او تنكر ونفي أحدهما للآخر في تشكلهما للحضارة الانسانية ، لما لهذه الثقافة الثالثة من دور في مجتمع القرن الحادي والعشرين . وهي فترة يعيش فيها العالم تحولات مهولة في مجالات علمية وتكنولوجية لا حصر لها ،كالنانو تكنلوجي ، والبيولوجيا الجزئية ، والهندسة الوراثية ، والذكاء الاصطناعي والحياة الاصطناعية ، ونظرية الشواش ، والكون التضخمي .. الخ.

وتزامناً مع ذلك التقريب صدرت لدينا مجموعة من الأعمال الروائية والسينمائية والبحوث العلمية التي تشتمل على لغة أدبية عالية وحقائق علمية رصينة لا يمكن نكران مستوى التداخل فيها وليس آخرها كتاب ( الكون الأنيق ) للفيزيائي برايان غرين .

على خلاف ما يتبناه سنو من نظرة توفيقية بين الثقافتين لسد ما يسميه ( بالثغرة ) ، يعتقد جون بروكمان أن ( الثقافة الثالثة ) او متبنى (الانسانيون الجدد ) ليس قائماً على التوفيق والمقاربة ، بل على أن تتصدر الثقافة الثالثة الأنماط الثقافية التقليدية ، ويكون لها مستهلكون تفرضهم الطبيعة المتحركة للخطاب العلمي بالصورة الأدبية ، التي لا تفقده صفة العلم ولا تبعده عن الواقع ، وكذلك يفرضه اهتمام الأدباء والمشتغلين بحقل الصورة والشاشة بمنجزات العلم والثقافة العلمية ، خاصة عندما يكون التسارع العلمي قد احتل المكانة التي تؤهله لان يكوّن ثقافة جماهيرية موسعة خاصة به.

ولا يتردد محرر كتاب ( الانسانيون الجدد .. العلم عند الحافة ) ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي ، أن يطلق على مثقفي خمسينيات القرن العشرين صفة ( الرجعية ) في طريقة تفكيرهم ونظرتهم لفرويد وماركس والحداثة عموماً . ولم تعد تلك النظرة كتعلم كافية كما يرى لتأهيل مثقف من وقتنا الحالي ، ( إنه من المضحك أن يكون الشخص قارئاً لدانتي بينما يتجاهل العلم ). ويرى في مقولة ( الكل الثقافي الواحد ) التي راجت في القرن الخامس عشر أمراً غير مفهوماً من وجهة نظره . وذلك عندما يتبنى المرء المذهب الانساني ، بينما يبقى جاهلاً بأمر الانجازات العلمية والتكنولوجية حيث يقول في مقدمة الكتاب صفحة15. ( لا يسع المرء الا أن يتعجب من نقاد الفن مثلاً الذين لا يعرفون شيئاً عن الادراك البصري ، وكذلك نقاد الأدب من أتباع مذهب البنائية الاجتماعية الذين لا يكترثون بالكليات البشرية التي وثقها علماء الانثروبولوجيا ومعارض الأطعمة المعدلة وراثياً ).

وهو بذلك يحتج على الطريقة المدرسية كمنهج وتصنيف .والذي غالباً ما يرفض هذا المنهج مناطق الاشتراك والاهتمام بين الثقافتين ، او يمنع انطواء الكل بالكل . مما يجعل اهتمام الثقافة الثالثة ينصب بالدرجة الأساس على طرق التفكير، والذائقة في النظر الى التفكير نفسه ، والحياة والعلم ، والثقافة العلمية ، وطرق تسويقهما . وكذلك على تقليص المسافة بين الاتجاهين والتقليل من حدة التشائم التي عليها الثقافة الأدبية والفلسفية لصالح التفائل العلمي والثقافة العلمية . ( إن العلم في أقصى حدوده المتقدمة يضع المزيد والأفضل من الأسئلة ويعثر على الاجابات ويواصل التحرك ، في حين تواصل المؤسسات الانسانية التقليدية تفسيراتها الانعزالية المضنية ، مغرقة نفسها في تشائم ثقافي ، ومتشبثة بنظرتها كئيبة النمط لأحداث العالم ) ص 16 .

والى جانب ذلك يتفائل بروكمان ببعض النخب الأدبية والفنية التي تعمل خارج سلطة الثقافة والمؤسسة والتي تولي اهتماماً بالغاً بالثقافة العلمية، وأنها تعمل دوماً بما يخدم مكانة الاتجاهين وتطورهما معاً.وفي هذا السياق يمكن استذكار على سبيل المثال لا الحصر رواية ( عبدة الصفر ) لالن نادو، و( شيفرة دافينشي ) لدان براون و( محاربو قوس قزح ) للروائي الانجليزي أي . دي . هارفي ترجمة الشاعر رعد زامل ، والتي تشتمل على تصنيفات لكائنات البحر وبعض النباتات باسلوب يغلب عليه طابع الرمز والتحليل البيولوجي لتطور تلك الكائنات. وايضاً الفيلم السينمائي ( آفاتار) 2009 لجيمس كاميرون وفيلم ( ماتركس ) 2006 وغيرها من الأعمال السينمائية والروائية التي يمكن استخدامها كتطبيقات لمفهوم ( الثقافة الثالثة ) تلك.

وقد تزامنت مع بروكمان وسنو دعوات مماثلة في سياق معرفي عام كان أبرزها كتاب ( صوفية الكون ) لـ هاوارد ايزنبرغ وكتاب ( قوة النية ) لـ واين داير. وكذلك في سياق فلسفة وفهم الهوية الثقافية والاجتماعية لمجتمع ما ، حيث دأبت هذه البحوث على الأخذ بالمفهوم الثقافي للتعبير عن الانسان والحياة وما يرتبط بهما ، ولم يعد مقبولاً ومناسباً البقاء على المفهوم العسكري او السياسي او الاقتصادي لان يحتل نفس المكانة التي كان يحتلها حتى منتصف القرن العشرين ، في التعبير عن الانسان والحياة اجمالاً. وهناك أعمال ايضاً سبقت تلك الدعوة ، حيث يمكن اعتبارجميع اشتغالات دافينشي العلمية والفنية مناسبة كافية لتنبيه المنشغلين بكلا الاتجاهين على تكريس مفهوم ( الثقافة الثالثة ) والمضي به الى (الحافة ). ولأجله تمت صياغة مشروع كهذا لأهميته القصوى في زمن يحتاج من الأدوات الفنية والأدبية والعلمية المرهفة ، مثلما يحتاج الى التقائهما الكثير.



#مهند_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعث العابر للأجيال او صناعة العقدة المدورة
- جماليات القبيح والجريمة وعالميتهما


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند يعقوب - نظرة أولية حول مفهوم الثقافة الثالثة