أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - تأريض الإسلام (12)















المزيد.....



تأريض الإسلام (12)


زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)


الحوار المتمدن-العدد: 4099 - 2013 / 5 / 21 - 21:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تحولات الدعوة المحمدية:

اولاً: الدعوة السلمية ،محمد كواعظ ومرشد في مكة


” ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ.. وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً.“
"صَدَقَ اللهُ العَظِيمْ"(مما نزل على قلب محمد من الوحي في مكة،أثناء دعوته السلمية).


بدأ "أول المؤمنين" دعوته في البداية كواعظ للناس يتلوا عليهم آيات ربه،التي كانت تقتصر على الهداية المسالمة، من وعظ وإرشاد ووعد بالجنة وتحذير من عذاب الله في الآخرة، ثم بدأ بالتعرض لآلهة أهل مكة، بالسفه والإستحقار والإبتذال، بعد أن أصيب بخيبة أمل كبيرة،لعدم تجاوب أهل مكة مع دعوته، وانتابه شعور بالإحباط والإخفاق الشديدين نتيجة ذلك، فجاء القرآن بآيات لتواسي محمداً وتخفف عنه قنوطه ويأسه من إتباع قومه دعوته، وهي بنفس الوقت تعبر عن الفشل الكبير الذي منيت به دعوة محمد في "العهد المكي"،ومنها هذه الآيات:

آيات الهداية والموادعة أثناء الدعوة السلمية إلى الإسلام في مكة:
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ. يونس الآية 99. وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ . يونس الآية42. وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ . يونس الآية43. وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . المائدة الآية 48. وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً. الكهف الآية 29. وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . النحل الآية 93. لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . النور الآية 46. يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر.ِ المدّثر الآية 31. ليْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ. البقرة الآية 272 .

وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . البقرة الآية 213. وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ.الأنعام 66. وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ. الأنعام 107. أرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً . الفرقان الآية 43. وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ . يونس الآية 100 . وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يحزنون. الأنعام 48. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. الحج 49 . أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ . الزمر الآية 19 . أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ . الزخرف الآية 40. وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ . النحل الآية9 .
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . الزمر الآية 23 . أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ. الرعد الآية 31 . وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. يونس الآية 25 . وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ . الرعد الآية 27 . وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إبراهيم الآية 4. إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ . النحل الآية 37. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ . الحج الآية 16.
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . القصص الآية 56. وَإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُمْ، أَوْ نَتَوفَّيَنَّك، فَإنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وعَلَيْنَا الْحِسَابُ. سورة الرعد 13 . أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . فاطر الآية 8 . اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ . الشورى الآية 13. ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. الأنعام الآية 88 . وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ . الأنعام الآية 35. لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. البقرة 256 . قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ العنكبوت 56 .
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً. المزّمِّل 10. قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين (6). الكافرون. ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. النحل 125. وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِينا. الإسراء 53. وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ المبين. المائدة 92 . وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ. النمل 92. وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. العنكبوت 18. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ. الشورى 6.
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ. ق 45. فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ. (22) الغاشية. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. التغابن 2. وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. السجدة .13 . وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. هود 34. فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ. (الغَوايةُ الانْهِماكُ في الغَيِّ . ويقال : أَغْواه الله إِذا أَضلَّه. محيط المحيط). الصافات 32. وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ. فصلت 25. أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً. النساء 88.

لقد أردت إيراد هذه الآيات مع كثرتها والتي تطفح رقة ولطفاً وحكمة وتسامحاً مع مافيها من تهديد ووعيد بالعذاب الشديد أحياناً، لثلاثة أسباب:

السبب الأول:
أن محمداً قد استنفد قصارى استطاعته الإنسانية والأدبية والأخلاقية في هداية أهل مكة سلمياً خلال مدة الثلاث عشرة سنة من دعوته وهو في مكة.
السبب الثاني:
لأشير هنا إشارة عابرة إلى أن هذه الآيات الغيت ونسخت وبطل العمل بها بعد استقرار "المبشر" في يثرب وتشريعه للجهاد وإعلانه القتال والحرب لدفع العرب والعربان إلى إعتناق دينه بقوة السيف، فاندثرت بعد أن داست عليها حوافر خيول المجاهدين في غزواتهم .كما ذكر القرآن نفسه وكذلك الرواة والمفسرون الأوائل والأواخر في الإسلام كالطبري وابن كثير والقرطبي والسيوطي وابن عطية وغيرهم كثير.
فقد ذكر كل من الحافظ ابن كثير والإمام الطبري في تفسيريهما أن قوله تعالى: "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره" البقرة. 109. أن الله جل ثناؤه نسخ العفو والصفح عنهم، بفرض قتالهم حتى تكون كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة أو يؤدوا الجزية عن يد صغاراً.
وقال القرطبي في تفسيره للآية التالية: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" التوبة: 73. أن هذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصفح.
وذكر السيوطي في حديثه للآية التالية: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" أن "آية السيف هذه ناسخة لآيات العفو والصفح والإعراض والمسالمة، واستدل بعمومها الجمهور على قتال الترك والحبشة". ثم يذكر السيوطي أيضاً مايلي: "كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف" (الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص: 138)
ثم يأتي الإمام والمفسر ابن عطية لينبري لهذه الآيات الموادعة والمسالمة كغيره من المفسرين لينسفها من أساسها حين يخبرنا بأنها الغيت ونسخت وذلك في تفسيره لآية السيف حيث يقول: "وهذه الآية نَسَخَتْ كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك، وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية: الجزء السادس ص 412).
السبب الثالث:
أن نعلم جيداً أن ترديدنا لهذه الآيات لامعنى له ولاجدوى، لأنها غير ملزمة للسبب المذكور آنفاً.أما بقاؤها بين دفتي "الكتاب المتشابه" فيعود لإعتبارها من كلام الله. ويذهب بعض الفقهاء من أنصار الوسطية في الإسلام، إلى الأخذ بها فقط عندما تكون الأمة ضعيفة ليس لديها من أسباب القوة مايكفي من إعلان الجهاد على الكفار.

من خلال قراءة هذه الآيات الكثيرة ـ التي تم نسخها فيما بعد كما أجمع الأئمة المسلمون على ذلك ليس تأويلاً وإنما بإعتمادهم على صريح القرآن كما أسلفت ـ يتجلى لنا بكل وضوح، ان إيمان الإنسان ليس بإرادته،إنما هو بإرادة الله، والله وحده هو الذي يقرر ذلك،فهو الذي يضل من يشاء وهو الذي يهدي من يشاء، فلا تحرص على هداهم، ولاتذهب نفسك عليهم حسرات، وما عليك هداهم ،وماأرسلناك عليهم حفيظاً أوجباراً أو وكيلاً او مسيطرا، إن أنت إلا رسول، وماعليك إلا إبلاغهم ما أمرتك به، فمن صدّقك وآمن بك رسولاً ونبياً من عندي فقد فاز فوزاً عظيماً، وضمن مقعده من الجنة، ومن كذّبك ولم يؤمن بنبوتك وافترى عليك بإنك لست سوى شاعر مجنون تسحرهم ببيانك وبلاغتك، فدعهم في ضلالهم يعمهون، فقد تبوأ كل واحد منهم مكانه من جهنم وبئس المصير، فلك دينك، ولهم دينهم، فاصبر عليهم واهجرهم هجرا جميلاً، فعسى أن تحب هدايتهم وهو شر لك، وأن تكره ضلالهم وهو خير لك. ومن دون إمعان في التفكير بالآيات السابقة ينتابنا شعور بأنها تحمل معاني سامية تحترم حرية الإنسان وإرادته الذاتية، وأن هذه المعاني والمبادئ تنسجم مع تصورنا الفطري والنقي كبشر عن "الله" المحب للخير والسلام والإنسان وكل شيء خلقه، والبعيد كل البعد عن العنف والقهر والإذلال وإكراه خلقه بالغصب والإجبار وحتىالقتل على الإيمان والإعتقاد، كما أننا نلاحظ أن معظم هذه الآيات تنسجم إلى حد كبير مع الدعوة العيسويّة وكأنها تكاد تكون نسخة طبق الأصل ـ في المعنى وليس في المبنى ـ عما جاء في الإنجيل تماماً، بعكس ماسيأتي من آيات لاحقاً بعد لجوء "يتيم قريش" إلى المدينة ، وتحوله من "الناصح الأمين" إلى "الجبار المنصور".

ولكي لايتهمني الراسخون في العلم بالجهل وبأني غير قادر على فهم كلام الله، اورد فيما يلي تفسيري "الطبري" و"ابن كثير" لآية واحدة من هذه الآيات التي تتمحور كلها حول نفس الفكرة: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ." يونس الآية 99 .

تفسير الطبري:
"القول في تأويل قوله تعالى : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا يقول تعالى ذكره لنبيه : ولو شاء ( يا محمد) ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا بك , فصدقوك أنك لي رسول وأن ما جئتهم به وما تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبودة له حق , ولكن لا يشاء ذلك -;- لأنه قد سبق من قضاء الله قبل أن يبعثك رسولا أنه لا يؤمن بك ولا يتبعك فيصدقوك بما بعثك الله به من الهدى والنور إلا من سبقت له السعادة في الكتاب الأول قبل أن يخلق السماوات والأرض وما فيهن. وقوله : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ، يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنه لن يصدقك يا محمد ولن يتبعك ويقر بما جئت به إلا من شاء ربك أن يصدقك , لا بإكراهك إياه ولا بحرصك على ذلك , أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين لك مصدقين على ما جئتهم به من عند ربك ؟ يقول له جل ثناؤه : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين والذين حقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون."

تفسير ابن كثير:
" يقول تعالى: " ولو شاء ربك " يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وقال تعالى " أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " ولهذا قال تعالى " أفأنت تكره الناس " أي تلزمهم وتلجئهم " حتى يكونوا مؤمنين " أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " " إنك لا تهدي من أحببت " " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ، "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر "، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى هو الفعال لما يريد الهادي من يشاء المضل لمن يشاء لعلمه وحكمته وعدله."

لايستعصي على أحد استيعاب معاني الآيات السابقة، ولاسيما بعد قراءة التفسيرين، لكني أريد أن الفت النظر هنا إلى نقطتين هامتين جدا ربما لاتثير إنتباه الكثيرين:

النقطة الأولى: هي كيف يمكن لله أن يكون مضلا ً؟ "فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ"، "يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ"، "يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ"،"فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ" ، "وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ".
هنا يؤكد القرآن لنا في خمس مواضع منه على الأقل وبشكل لايقبل الشك إطلاقاً، أن الله هو الذي يضل من يضل من الناس ويهدي من يهدي من الناس، والسؤال هنا من هو هذا الإله الذي يقبل أن يدفع فئة من البشر إلى الضلال ، ومن ثم يملأ بهم جهنم ، ويدفع فئة أخرى الى الهدى والإيمان ويجعلهم في جنات النعيم يتمتعون بمايشتهون ويتمنون، أوليس هذا تمييزا ظالما ومجحفاً لايليق بإله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فبماذا يختلف هذا الإله عن أي دكتاتور يفعل مايشاء، فيقتل معارضاً وينصر مؤيداً ، ويرفع قريباً ويخفض بعيداً، ويعز وضيعاً ويذل سامياً ، ويكرم لئيماً ويذل كريماً، ويكافئ جاهلاً ويعاقب عالماً، ويفقر هذا ويغني ذاك، ويحب من يشاء ويكره من يشاء، فهل يختلف الإله الذي يضل فئة "أ" من عباده ، ويهدي فئة "ب" من عباده عن الدكتاتور المذكور؟ من الإجحاف الشديد أن ننسب لإله عادل وحكيم ومنصف ومدبر ومدير لهذا الكون العظيم الرائع في نظامه وتناسقه وتوازنه أشياءً يبدو لنا هذا الإله من خلالها وكأنه حاكم مزاجي الطبع يتصرف على هواه، دون إعتبار لمبدأ أو قيمة أو علة او حكمة، وحين تذكر كلمة حكمة يتنفس الراسخون في العلم من رجال الدين المسلمين الصعداء ،ويقولون إن الله يفعل مايفعل لحكمة لاتدرك من قبلنا نحن البشر المحدوي الإدراك والعقل، وليس علينا معارضة حكمته عز وجل، ويكفي أن نتبع أوامره وننفذها، سواء أدركنا الحكمة منها أو لم ندرك ،فلا إعتراض على حكمة الله وإرادته وقدرته ومشيئته، فاتبع أمره ونفذه ولاتعترض، فتكون من الفائزين، وبذلك يذهبون مذهباً أقسى من المذهب المتبع في الجيوش العسكرية العدوانية القائم على مبدأ "نفذ ثم إعترض" فهنا في النظام العسكري يستطيع المرء على الاقل أن يعترض بعد أن ينفذ ما أمر به، أما عند الراسخون في العلم فلا إعتراض على حكمة الله، وللإنصاف أذكر أن أغلبهم يردون على إعتراضات كثيرة،لكنهم يستندون في ردودهم على الكتاب والسنة التي هي موضع إعتراض،ولهذا فإن ردودهم لاموضوعية فيها ولاتححق الغاية، وهي تناسب فقط من هو أصلاً ليس لديه إعتراض على أي شيء من "الكتاب المسطور" أو السنة المحمدية، فمثلاً لو طرح السؤال: لماذا لايترك الله الناس أن يضلوا بإرادتهم وبقرار من أنفسهم هم؟، وذلك حتى يكون قرار الله إلقاءهم في النار مبرراً وعادلاً، وكذلك لماذا لايدع الله البشر أن يهتدوا بإرادتهم الذاتية وبقرار ذاتي من أنفسهم هم؟(وقد ظهرت فرق إسلامية نَفَتْ هذه الصفات عن الخالق، كفرقة المعتزلة التي إستعانت بالقرآن نفسه في إثبات نظريتهم أن الهداية والضلال من الإنسان ذاته وليس من الله، ومن الآيات التي اعتمدوها في ذلك:" وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً " النساء . الآية 60. " وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ " الآية 99 من سورة الشعراء. " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً" الآية 3 من سورة الإنسان. وقد جوبهت فرق المعتزلة بشدة من قبل فرق أسلامية كثيرة واتهموا أفراد هذه الطريقة بالزندقة والإلحاد والنفاق). وذلك حتى يكون قرار الله إستضافتهم في الجنة إلى الأبد قراراً عادلا وحكيماً ومبرراً، هنا يقع رجال الدين في مأزق حرج جداً،لكن المفارقة أنهم لايبدون أدنى حرج في الإجابة، وكأنك تسألهم عن مجموع واحد زائد واحد، مع أن هذه المسألة أرهقت عقول المتكلمين من المسلمين الأوائل، وأعني بها قضاء الله وقدره،وسببت نزاعات كبيرة، وقتل من أجلها من قتل ، ومع أن الإعتقاد بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان الستة (قال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن ‏ ‏محمدا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج ‏ ‏البيت ‏ ‏إن استطعت إليه سبيلا . قال فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. أما أركان الإسلام فهي خمسة: الأول:الإيمان بالله وبمحمد كرسول والثاني: إقامة الصلاة والثالث: إيتاء الزكاة ,الرابع صوم رمضان وأما الخامس فهو القيام بالحج لمن إستطاع إليه سبيلاً، وقد يبدو لنا لأول وهلة أن هذه الأركان ستة، لأنه هنا جعل محمد "الإيمان بالله وبه كرسول له" ركنا واحداً لاينفصم، وأعتقد أن هذا يرفع محمد إلى درجة الألوهية في الإسلام، إلا أنه من المكن ـ وهو الأرجح عندي ـ أن رجال الدين المسلمون هم من جعلوا الشهادة بالله وبمحمد كرسول ركنا واحداً لاينفصم تعصباً له).،إلا أن رجال الدين استحسنوا إقصاء ركن الإيمان بالقضاء والقدر من دائرة النقاش والجدال والبحث ، لما أثار هذا الركن من تناقضات وإشكالات وإختلافات عندهم. (هنا نجد أن ثمة فروق واضحة بين الإيمان والإسلام ، وبالتالي تبين أن الإنسان المؤمن أشمل من الإنسان المسلم وأكثر إرتباطاً بخالقه لأنه يؤمن بالله وبالملائكة والكتب المنزلة ويوم الحساب وبقضاء الله وقدره. بينما لانجد أن الإيمان بالملائكة والرسل والكتب والقضاء والقدر في أركان الإسلام. ونجد أحياناً أن الإسلام يأتي بمعنى الإستسلام، كما في الأية التالية: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ." الحجرات 14. أي أن الإسلام هو أدنى درجة من الأيمان ، وتوضح الأية السابقة بأنه ليس بالضرورة أن يكون المسلم مؤمناً.ومع ذلك نجد عدد كبير من الآيات تكفِّر المؤمنين من اليهود والمسيحيين والمجوس والصابئة وغيرهم، بدعوى أنهم غير مسلمين، وأن الإسلام هو دين الحق ولن يقبل الله من أحد غير الإسلام ديناً. وهنا لابد للمرء أن يتساءل عن هذا الإختلاف بين أركان الإيمان وإركان الإسلام ، ولماذا جعل محمد هذا التباين بين الإيمان والإسلام، ومالحكمة من ذلك، أوليس يدل هذا التباين على شيء من الإعتباطية، ويجلب مايكفي من الإرتباك والحيرة إلى النفس. كنت أستغرب وأندهش كثيراً في صغري، عندما كنت أرى اسم محمد إلى جانب اسم الله بنفس الحجم،في الجوامع التي كنت أصلي فيها، وفي بعض الجوامع كان اسم محمد يعلق على يمين المحراب واسم الله على يساره على عكس أغلب الجوامع، وكنت أحس بفطرتي كطفل كأن محمد والله متعادلان ومتساويان في القيمة، أو هو شريك له كما كانت توحي تلك المعلقات ،وكان ينتابني إثر ذلك شعور بعدم الإرتياح ،لكني لم أكن أقدر الإفصاح عنه لأن الثقافة الدارجة خلقت لدي إنطباع بأن التحري والسؤوال عن مثل هذه الغوامض من المحرمات،أما الإعتراض عليها ماهو إلا ضرب من الكفر أو الجنون في أحسن الحالات).

ولنسأل أنفسنا لماذا يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء ومع ذلك يعاقب الذي أضله والذي لاذنب له في ضلاله الذي شاءه له الله؟ وعندما يفكر الإنسان بعقله المجرد من تأثير الدين ، يدرك بسهولة أن هكذا إله مزاجي الطبع لايمكن أن يوجد لا في السماء ولافي الأرض، إننا كبشر قد ننحاز لهذا ضد ذاك، أن نحب هذا ولانحب ذاك،أو أن نساعد زيداً هنا، ونترك عبيداً هناك، لأننا كبشر لانتمتع بعقل مطلق قادر على الإلمام بكل شيئ ويقدر دائما على تمييز الخير من الشر ،فنحن في النهاية بشر ومهما حاولنا الإعتلاء فلن تبلغ قاماتنا أعالي السماء، فلنا مصالحنا المادية وميولنا الذاتية الغامضة المشوبة بالأنانية وآفات الثقافة المكتسبة التي تتحكم بقرارتنا، ومع ذلك ننتقد بعضنا بعضاً ونتهم غيرنا بالنقص وندرك أخطاءنا وقراراتنا غير السوية ولو متأخراً وأحيانا نقر بذلك ونتراجع، لكن ليس لدينا بعد قدرة خارقة في تحييد أنفسنا بالمطلق وتحقيق العدالة المطلقة في قراراتنا، ومع ذلك نلوم أنفسنا كثيرا على قراراتنا الخاطئة المجحفة، وقد يستمر ذلك مدة طويلة عند بعضنا، لكن في النهاية يعثر كل واحد منا على تبرير ما، وغالبا مايكون تبريراً نشأ على الوهم لايتضمن أية موضوعية أومنطقية، ومع ذلك نتصالح مع أنفسنا رغما عنا، لأننا كبشر نشعر دائماً بأن ثمة شيئ ما ينقصنا، وأن الإنسان أياً كان فيلسوفاً أونبياً لايمكن أن يكون مطلق الكمال أبداً ، بعكس الإله الذي يتصف بداهة بالكمال المطلق على الأقل حسب إعتقادنا وتصورنا له، فكيف يقع هذا الإله في هذا المطب الخطير فيتصرف على هواه ، فيضل أباالحكم ويهدي أبا بكر، ويدفع أحد العمرين إلى الإيمان والآخر إلى الضلال، ويذل من يشاء ويكرم من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب بأموال لاتأكلها النيران، وجاه واصل الى العنان، ونسب رفيع وجمال بديع وعقل وسيع، ويمنع عمن يشاء مايسد به رمقه، ومايستر به عورته، ويجمّل به قبحه، ويقلل به غباءه؟، هنا قد يقول أحدهم أن الله هوالذي خلق الناس ويعلم حقيقة كل نفس وعلى ضوء ذلك يتخذ الله قراره، فأرد عليه بالقول: إن الله في القرآن قد أفصح في مواضع كثيرة أنه هوالذي قدر وكتب على الإنسان ماسيلاقيه قبل أن يخلق هذا الإنسان، أي أن هذا الإنسان لادخل له في مصير حياته، خيرها أو شرها، ولاحول له ولاقوة، ولايستطيع أن يعيش بإرادته ويتخذ قراراته بنفسه، إلى هنا لا إعتراض على حكمته،لو أنها وقفت هنا، لكن حكمة الله تتجاوز ذلك لتبلغ أن تحكم على من دفعت به إلى الضلال بالعذاب المهين خالداً مخلداً في السعير ، فما ذنب هذا الإنسان الذي قدر عليه الله الضلال والكفر قبل أن يُخلق؟ أن يعاقب لضلاله الذي شاءه الله له ويلقى به في الجحيم تأكله النار ويأكلها، كما جاء في الحديث "يجعل الله لهم مشافراً( شفاهاً) كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار ،يقذفونها في أفواههم فتخرج من دبرهم".(سيرة ابن هشام الجزء الأول ص )406. أفيعقل أن إلهاً بطيبته وخيره الذي ملأ ما بين السموات و الأرض، وبرحمته التي وسعت كل شيء، أن يكون مضلاً لناس خلقهم وسواهم بنفسه ثم يعذبهم عذابا شديدا مختلف ألوانه؟ ثم أن الهول في أن الله لايكتفي في تضليل الإنسان بنفسه فقط، بل يكلف بذلك من الشياطين والجن مايشاء ليقوموا بتضليل الإنسان وتزيين ضلاله وتفخيمه له لألا يفكر بالتخلى عنها، كما في هذه الآية: "وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ. فصلت 25.

وهنا تأتي العدالة لتحتج بدورها، فتعلن: "أن من يمتلكني لايمكن أن يكون مزاجياً وتعسفياً وظالماً لهذه الدرجة، حتى لوكان هذا هو الله بنفسه". طبعاً هذا كلام محظور علينا كمؤمنين "بالقرآن العظيم" والله الذي أنزله على عبده طه، لكن هذا الحظر لايمكنه أن يلغي عقولنا أو مايدور في عقولنا من إعتراضات وملاحظات، هذا العقل الذي خلقه خالق، وهذا الخالق لهذا العقل كان بإمكانه محق هذه الإعتراضات من عقولنا لأنه هو الصانع له، فلماذا إذن لم يفعل ذلك؟.
ثمة إجابتان لدينا، فإما أن يكون هذا الخالق ليس بخالق لعقولنا هذه التي تعترض على حكمته، وإما أن يكون هذا الخالق هو ليس نفسه الله الذي أخبرنا به آخر الأنبياء والرسل، وأن "أول العابدين" هو من صور لنا هذا الإله حسب ما رآه وتصوره في تلك اللحظة من الزمن وفي تلك البقعة من المكان وفي جوف ذلك المجتمع وتلك البيئة ، متلائماً مع أفكاره وثقافته ورؤيته للأمور والمتغير تبعاً لرؤيته وأهدافه، فهو في مكة إله يضل أحدهم أو يهديه حتى قبل أن يولد أو بعد أن يولد ثم يرمي به في جحيمه أو جنته إلى الأبد، دون أن يأمر نبيه بضرب الرقاب حتى يؤمنوا. ثم يتراجع هذا الإله عن ذلك حين يستمكن عبده محمد بن عبدالله في يثرب ليكلفه والمجاهدين بهداية الناس بالقوة، ويحلل لهم من أجل ذلك فعل أي شيءٍ للمشركين، بما في ذلك قتلهم والإستيلاء على أملاكهم وأولادهم ونسائهم وعبيدهم.
لاشك أنك حينما تناقش رجل دين راسخ في العلم،وتسأله هل فعلاً أن الله مضل؟ تراه يذهب بك يمينا وشمالاً ويتلو عليك ماتيسر له من آيات القرآن وجملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة والمسنودة بسند جيد أوبسند ضعيف، ويتبعها بجملة أحاديث وضعية إذا رآك مازلت في شك في أمرك، ثم يليها بتأويلات وتفسيرات وقياسات لانهاية لها حتى ينسيك ما جئته لأجله، ولاينسى أن يذكرك بين الحين والآخر ببأس الله الشديد على المشككيين، وأنه على المؤمن تجنب الدخول في التفاصيل،لأن الشيطان كائن في التفاصيل ومترصدك بكل ماأوتي من شر وخبث ودهاء ومكر، ليوقعك في حبائله التي لاخلاص منها لمن يلفه بها، ثم يأمرك بعدم السؤال عن أشياء قد تسبب لك مالا يخمد عقباه، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ." المائدة الآية 101 ، ثم يختصر العقل والفكر كله في مخافة الله بالقول بأن العاقل من اتقى الله واشتغل بطاعة مولاه وعمل ليوم تجد فيه كل نفس ما كسبت فينال غاية المنى والمرتجى فإن رأس الحكمة مخافة الله. فلاتجد نفسك إلا ابعدت قسراً عما كنت تسأل فيه، وكفى المؤمنين شر التفكير.

النقطة الثانية: هي أن الكفار من أهل مكة الذين كان يتيمهم "يس" يخاطبهم، ما كانوا يكفرون بالله،وماكانوا له منكرين، كما قد يعتقد الكثير،بل كانوا يؤمنون بالله، لكنهم كانوا ينكرون على "يتيمهم" دعوته ويكذبون قرآنه بأنه ليس من عند الله "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ." سبأ 31 وأن ماتدعيه يامحمد إنما من عندك ولم ينزل إليك من السماء كما تدعي ، ويوضح الطبري هذه الفكرة كما ذكر لنا آنفاً: "ولو شاء ( يا محمد) ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً بك , فصدقوك أنك لي رسول وأن ما جئتهم به وما تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبودة له حق"، وكذلك عند ابن كثير:" ولو شاء ربك " يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به (أي القرآن) فآمنوا كلهم" ، أي أن أهل مكة كانوا يؤمنون بالله ولم يكونوا منكرين له،وإنما كانوا منكرين لنبوة محمد، ومكذبين لقرآنه، وقد تركزت جهود محمد مع أهل عشيرته قبل لجوئه ألى يثرب الى إقناعهم وتصديقهم له بأنه رسول من الله، مثله مثل موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، وبأن ماجاء به إن هو إلا ذكر حكيم من عند ربهم، لكن بعد نزوح محمد الى المدينة، طرأ تغير كبير على نهجه ،فلم يكتف فقط بوصم أهل مكة بالكفر بالله والشرك به، وإنما أعلن الحرب عليهم، "فمن لم يسلم طوعاً عليه أن يسلم كرهاً".
ثم إذا كان الإسلام قد إعترف بالوثنية كدين كما ورد في القرآن في سورة الكافرون على لسان محمد "قل ياأيها الكافرون، لاأعبد ماتعبدون،... لكم دينكم ولي دين" ،وكذلك في سورة الحج حين أشار القرآن بأن الله هو الذي سيفصل بين المسلمين وبين غير المسلمين ـ بمن فيهم المجوس ـ يوم القيامة "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" الحج الآية 17. فلماذا إذن عاد وسحب إعترافه بهذه الأديان؟ وأعلن إن الله لن يقبل غير الإسلام ديناً.
وقد فسر المفسرون الأوائل الآية السابقة على نحو واحد تقريبا، فقد ذكر الطبري: "إن الفصل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف , والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام , والذين هادوا , وهم اليهود والصابئين والنصارى والمجوس الذي عظموا النيران وخدموها , وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله , وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء وفصله بينهم إدخاله النار الأحزاب كلهم والجنة المؤمنين به وبرسله، فذلك هو الفصل من الله بينهم. "
وجاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية:"يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم من اليهود والصابئين وقد قدمنا في سورة البقرة التعريف بهم واختلاف الناس فيهم والنصارى والمجوس والذين أشركوا فعبدوا مع الله غيره فإنه تعالى " يفصل بينهم يوم القيامة " ويحكم بينهم بالعدل فيدخل من آمن به الجنة ومن كفر به النار فإنه تعالى شهيد على أفعالهم حفيظ لأقوالهم عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم".
وكذلك يتفق القرطبي مع سابقيه ويذكر أن المجوس:" هم عبدة النيران القائلين أن للعالم أصلين : نور وظلمة . قال قتادة : الأديان خمسة , أربعة للشيطان وواحد للرحمن . وقيل : المجوس في الأصل النجوس لتدينهم باستعمال النجاسات ،إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي يقضي ويحكم -;- فللكافرين النار , وللمؤمنين الجنة. وقيل: هذا الفصل بأن يعرفهم المحق من المبطل بمعرفة ضرورية , واليوم يتميز المحق عن المبطل بالنظر والاستدلال."
من هذه التفاسير نجد أن الآية واضحة جدا من حيث إن الله هو الذي سيكلف نفسه بالقيام بعملية التحكيم بين المسلمين من طرف وغير المسلمين من طرف آخر،وسيفتح أبواب الجنة للمسلمين ،وسيلقي بالآخرين الى النار،بإعتبار اليهود والمسيحيين والصابئة والزردشتيين والعرب الذين لم يصدقوا محمدا من أتباع الشيطان، والسؤال هنا: لماذا إذن كلف المسلمون أنفسهم لقتال كل هؤلاء؟ مادام الله سيحكم بينهم وبين الآخرين، ويبدو هنا أن صفة النجوس اطلقت على المجوس للتشابه اللفظي بين كلمتي المجوس والنجوس، ممايدل على بساطة وسذاجة التفكير عند بعض المسلمين.



#زاغروس_آمدي (هاشتاغ)       Zagros__Amedie#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا بدّ من ثمن إضافي لنجاح الثورة السورية
- تأريض الإسلام (11)
- إلى من يتغنى بالفسيفساء الجميلة في سوريا
- الضربة الإسرائيلية الأخيرة ومفارقات مضحكة
- هل جاء الدور على غوّار بعد البوطي على مذبح الفداء ؟
- سوريا الجديدة بحاجة إلى أسلحة كيميائية ؟
- فلتحترق سورية، ولا للتدخل الأجنبي؟
- قبل أن يفوت الأوان
- تحذير! قتل الأكراد السوريين قد يقوض الثورة
- جمهورية البجع السورية
- أكراد سوريا... من دكتاتورية الأسد إلى دكتاتورية ال PYD ؟
- قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (4)
- قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (3)
- متى كان أكراد سوريا يلجؤون للسلاح؟
- ألا يمكن تدمير إسرائيل دون تدمير سوريا؟
- كَيف لِمَنْ يَخافُ ريشَةَ رَسامٍ سَاخِرْ أنْ يقاومَ أوْ يُما ...
- المسيح يقول: -زوجتي- إكتشاف جديد، عن صحيفة ألمانية
- قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (2)
- قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (1)
- هل الوصاية الدولية على سوريا يمكن أن يكون حلاً ؟


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - تأريض الإسلام (12)