أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله صديق - أَيَانْدَا الصغيرة التي أبت أن تكبر















المزيد.....

أَيَانْدَا الصغيرة التي أبت أن تكبر


عبد الله صديق

الحوار المتمدن-العدد: 4097 - 2013 / 5 / 19 - 01:29
المحور: الادب والفن
    


Ayanda, La petite fille qui ne voulait pas grandir

أَيَانْدَا الصغيرة التي أبت أن تكبر

‎* عبد الله صديق

(أهدي هذه الترجمة لأطفال الوطن العربي، يتقدمهم اطفال سوريا الذي أبدعوا صيغة أسطورية في جمع بين البراءة و الرجولة

Véronique TADJO

Bertrand DUBOIS (Illustrateur)

Ayanda

La petite fille qui ne voulait pas grandir

..........

أَيَانْدَا

الصغيرة التي أبت أن تكبر

طفلة كانت أياندا، باسمةً دوماً و سعيدة بين أحضان أبويها، و جدتها و أخيها الأصغر.

حبها لأبيها كان غامراً و كبيراً.

و في يوم من الأيام، اشتعلت حرب رهيبة، حرب مجنونة، فأخذوا أباها الرجل الطيب المسالم ليقاتل في جيش الحاكم.

دارت رحى الحرب طويلاً، و انقطعت أخبار الأب عن عائلته.

و عندما انتهت الحرب ، بدأ رجال القرية يعودون إلى بيوتهم، يملؤهم الزهو و الفخار.

و كلما عاد رجل من الرجال، كانت الفرحة تعم القرية كلها.

ظلت أياندا تنتظر أباها، متلهفة إلى لقائه، سعيدة بما سيكون بينهما بعد عودته.

لكن أباها الطيب المسالم لم يعد.

كان قلب الصغيرة أياندا يتحطم، و عيناها كانتا تجريان بالدمع في كل وقت، و لا أحد يستطيع أن يواسي الصغيرة و يخفف من حزنها.

تحول حزن أياندا إلى غضب صارخ: « لماذا قتل أبي الحنون الطيب في الحرب؟ إن هذا الظلم كبير ! »

و قررت ألاَّ تكبر بعد الآن.

و ذات مرة سألها أحدهم :

- كيف يعقل أن تبقي صغيرة ولا تكبرين؟

أجابت بكل بساطة :

- لأن الكبار قساة، يشعلون الحروب، و يقتل بعضهم بعضاً، و أنا أرفض أن أكون مثلهم.

وعام إثر عام، كانت صغيرات القرية يكبرن، و يصبحن أجمل ، بينما ظلت أياندا طفلة لا تكبر.

كانت رفيقاتها يحذرنها دون أن يخفين سخريتهن منها:

- إذا بقيت على هذه الحال فإنك لن تستطيعي أن تتزوجي !

تجيبهن أياندا: لا يهمني ذلك.

و ذات مساء مرضت أم أياندا مرضاً شارفت معه على الهلاك، سافروا بها إلى مدينة بعيدة حيث يوجد المستشفى، و حين قام الأطباء بفحصها قرروا أن يحتفظوا بها في المستشفى لمدة غير قصيرة، حتى تستعيد عافيتها.

كانت جدة أياندا طاعنة في السن، و على الرغم من ذلك كان عليها أن تقوم في غياب أم أياندا بكل أشغال البيت، و كان ذلك يرهقها و يضاعف آلام ظهرها.

شعرت أياندا بالحزن و هي ترى جدتها المريضة تغالب ضعفها و أوجاعها لتنهض بأعباء البيت: «ربما لو كنت أكبر قليلاً، لساعدت جدتي في أعمال المنزل»

وأدركت أنَّ عليها أن تكبر بما يكفي لتكون قادرة على القيام بشؤون البيت و خدمة جدتها العجوز.

و في كل مرة كانت تشعر أن عليها القيام بأمر من الأمور كانت تترك نفسها تكبر أكثر فأكثر ..

كان قدر أياندا أن تتوالى عليها الأحزان، واحداً تلو الآخر، فبعد أن طال غياب أمها التي ترقد في المستشفى البعيد، هاهو الموت يخطف جدتها.

و بين يوم و ليلة وجدت أياندا نفسها وحيدة مع أخيها الصغير، لكن على الرغم من الحزن الأليم ، فقد استنهضت عزيمتها، و أدركت أنها مسؤولة عن هذا الصغير الذي يحتاج لعطفها و رعايتها.

فكانت في كل يوم تغسله، و تغير كسوته، تحضر أكله و تنظف ألبسته .. كانت تبذل قصارى جهدها في رعايته .. و في آخر كل نهار كانت تجد نفسها مرهقة لا تقوى على الحراك، و هي تسأل نفسها: «ترى هل سأقدر على الاستمرار هكذا، ربما علي أن أكبر أكثر كي أكون قادرة على رعاية أخي، في انتظار أن تعود أمي»

فتركت نفسها تكبر أكثر فأكثر ..

بعد أن تماثلت أم أينادا للشفاء ، عادت إلى البيت، و كم كانت دهشتها عظيمة حين وجدته مرتباً و نظيفاً ، و وجدت صغيرها بصحة جيدة، ثم كانت دهشتها أعظم حين رأت ابنتها قد تغيرت فصارت كبيرة .. كبيرة إلى حد أنها لم تتعرف إليها من الوهلة الأولى.

صارت أياندا من جميلات القرية، و كان كل من يراها يتطلع إلى قامتها ثم يتسائل:

- عليك أن تتوقفي يا أياندا عن النمو، لأنك إذا بقيت على هذه الحال فلن تجدي أبداً زوجا مناسبا في مثل حجمك و طولك.

كانت أياندا تجيب : لا يهمني ذلك..

بعد عودة أمها ، صارت لأياندا أوقات فراغ كثيرة، لكنها لم تكن تستمتع بها في صحبة قريناتها من بنات القرية ، بل كانت تفضل أن تقضيها في مساعدة الجيران، ولاسيما العجوز بائعة الفواكه التي لم تكن تقوى على حمل سلالها الثقيلة إلى السوق.

و في صباح ذات يوم ، و بينما كان كل سكان القرية منهمكين في أشغالهم، سمع دوي طلقات نارية في الأرجاء .. لقد كانت عصابة من اللصوص المدججين بالسلاح يهجمون على القرية، و كأنهم أسراب من الجراد تنقض على مزرعة.

انتشروا في أرجاء القرية شاهرين مسدساتهم و بنادقهم في وجوه أهل القرية

ليسلبوهم ما يدخرونه من النقود و الجواهر و الأشياء الثمينة، صارخين فيهم:

- أنصتوا جيداً أيها القرويون، إذا حاولتم أن تخفوا قرشاً واحداً من أموالكم، فسوف نحرق القرية و ندمرها فوق رؤوسكم و نقتلكم جميعاً.

كان الخوف يستولي على القرية و يدفع الأهالي إلى إحضار كل ما طلبه اللصوص، في حين كانت أياندا تتسلل من بيت إلى بيت، تشحذ همم الناس، و تدعو الأهالي إلى المقاومة .

لكن خوف الناس كان يسلب من قلوبهم الشجاعة و يمنعهم من التصدي للمعتدين.

أدركت أياندا أن عليها أن تواجه بمفردها هؤلاء الغزاة : «سوف أقاوم، سيكون علي أن أكبر و أنمو، حتى أصير في حجم شجرة الباوباب ، حينئذ سيمكنني أن أتغلب على هؤلاء الأشرار »

أخذت أياندا تكبر و تكبر بسرعة حتى جاوزت أسقف البيوت ، استمرت في النمو حتى صارت عملاقة جاوزت في طولها و ضخامتها شجرة الباوباب المعمرة التي تنتصب في قلب القرية.

وقتها كان اللصوص المزهوين بجبروتهم، ينتظرون أن ينتهي القرويون من تجميع ممتلكاتهم و تقديمها لهم دون أي مقاومة.. و بينما هم على تلك الحال سمعوا رجة قوية تحت أقدامهم .. كانت أياندا العملاقة تخطو خطواتها نحو عصابة اللصوص، و كلما سارت خطوة اهتزت الأرض تحتهم كأن عليها قطيعاً من الفيلة الضخمة الهائجة .

و ما إن لمحوها تتجه نحوهم حتى تملكهم الخوف و أخذتهم الرهبة من هول ما رأوا، فأسرعوا يفرون بجلودهم ، مخلفين أسلحتهم وراءهم.

لكن الوقت كان قد فاتهم للنجاة، إذ انطلقت أياندا بخطواتها العملاقة خلفهم، تمسكهم واحداً واحداً و تلقي بهم في الحظيرة المسيجة بين الخراف و العجول، صارخة فيهم:

- سوف تبقون هنا محبوسين، فلن تتأخر الشرطة كثيراً لتعتقلكم أيها الأشرار!

عندها خرج أهل القرية جميعا من مخابئهم ، يهتفون من البهجة، متحلقين حول أياندا و هم يرقصون و يغنون :

أياندا الصغيره .. أياندا الكبيره

مثال الشجاعة والطيبة والحنان

أنقذت يا كبيرة قريتك الأسيره

فعـــــــاد السلام و عــــاد الأمان

و بعد أن انتهى أهل القرية من احتفالهم بأياندا عاد كل واحد منهم إلى بيته.

و فكرت أياندا أن تعود هي أيضاً إلى البيت لكنها اكتشفت أن جسمها صار أكبر من أي باب و أطول من أي سقف، حاولت أمها و أخوها مساعدتها ، و لكن دون جدوى.. فقضت ليلتها تلك في العراء تحت السماء رفقة النجوم و القمر، متألمة، باكية من الحزن و الحيرة :

« ترى كيف سأتدبر أمري و كيف سأحيا حياتي و أنا بهذا الجسد العملاق؟

ترى ماذا يخبئ لي الغد ؟

ليتكِ أيتها النجمة المتوهجة قرب القمر تخبرينني بالذي يخبئه لي الغد؟

فأنا أريد أن أكون كالفتيات الأخريات»

ظلت الأسئلة تضطرب في رأس أياندا، حتى استسلمت للنوم .

و لم تستيقظ إلا مع أولى خيوط الصباح التي داعبت وجهها، فتحت أياندا عينيها المتعبتين ، شاعرة بخفة غير معهودة ، وهي لا تكاد تصدق ما ترى .. كانت يداها و قدماها و جسدها كله قد عاد إلى طبيعته الأولى.

أخذت تتحسس جسمها الذي لم يعد عملاقاً كما كان، حتى إنها قرصت نفسها لتتأكد أنها لا تحلم .

و حين أدركت أن ما تراه حقيقة استعادت هدوءها و انطلقت إلى البيت، دخلت من الباب لتجد أمها و أخاها في استقبالها:

- أمي ! أخي !.. أنظرا ، لم أعد عملاقة كما كنت.

أجابتها أمها : الله ... كم أنت جميلة يا أياندا !.

و شاع الخبر في القرية ، فتقاطر الأهالي نحو بيت أياندا مهنئين حاملين لها هدايا كثيرة.

و في كل مرة كان يسألها أحدهم :« أخبرينا كيف فعلت هذا ؟ ما الذي صنعته حتى أصبحت بهذا الجمال كله.

لم تكن أياندا تجيب بأكثر من ابتسامة ساحرة.

تلك الابتسامة نفسها التي كانت ترتسم على وجهها كلما كان أبوها الطيب المسالم يأخذها بين أحضانه



انتهى

ترجمة عن الأصل الفرنسي : عبدالله صديق
*شاعر وباحث حاصل على الدكتوراه من جامعة محمد الأول-وجدة، قسم اللغة العربية،
صدر له في الشعر: ـمُثْقلاً بالندى، دار خطوات، دمشق 2011
كما صدر له: "كتاب الألفاظ المغربة بالألقاب المعربة" لعيسى بن قتيبة الدينوري، تحقيق ودراسة، عن منشورات مركز جمعة الماجد بالإمارات العربية 1432هـ-2011
ــــــــــــــــــ



#عبد_الله_صديق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله صديق - أَيَانْدَا الصغيرة التي أبت أن تكبر