أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - يوسف ابو شريف - رسائل الى ابناء لم يولدوا بعد من أيام الرسائل الورقية















المزيد.....

رسائل الى ابناء لم يولدوا بعد من أيام الرسائل الورقية


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 16:21
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


أحبائي :
اليوم بلغت الثامنة عشرة من عمري، أطفأت شموعي ووقفت أمام المحتفلين بمولدي وفي حلقي تتزاحم كلمات ملتهبة قادمة من أعمق نقطة في مركز تعبيري، توقفت قبل أن أبث بكلماتي المتحفزة إلى من كانوا يتهيؤون للاستماع إلي وحاولت اعتصار حلقي لأخرج ولو جملة واحدة مما كان يثور في خاطري ولكني عجزت عن ذلك.
و درءا للحرج أمام الناس تناولت على الفور كلمات باهتة استدنتها من ذاكرة المجاملات الاجتماعية العابرة والقيت بها على المحتفلين من حولي ، ثم أنكفأت إلى زاوية من زواية المكان أبحث عن العطل الذي أصاب لساني؛ مترجم أفكاري، و بوابة نفسي إلى العالم الخارجي.فزادت حيرتي وضاق نفسي حين تأكدت بأن الأعطال المعروفة التي عادة ما تصيبه؛ كالخجل والخوف ليست هي سبب عجزه هذه المرة .
انتهت الحفلة، وما زالت ذات الكلمات إلى الآن مصلوبة على مخرج كلامي، ممنوعة من الخروج إلى مسامع أي بشري من حولي أو العودة إلى حافظة الأسرار والأفكار في وجداني، حيث المكان الطبيعي لكل الكلمات المخنوقة المتراكمة عبر السنين في جوفي. وثبتت كلماتي في مكانها هناك تسد مخارج أنفاسي، حتى صرت أحملها ثقيلة على وعيي، بالرغم من أن جمالا لا يضاهيه جمال قد خزّن فيها. ثم احترت في أمرها وهي تتقلب في خاطري كما يتقلب جنين في بطن أمه، تنتظره أن يخرج إلى الوجود بمخاض قد بكر؛ ثقله حب،وخروجه شوق وبقاءه في مكانه قلق.
كلماتي لم تكن صنيعة لحظة شعرت فيها بأني أعبر إلى عالم الكبار عبورا لا رجعة فيه وعلي في تلك اللحظة التاريخية أن أخلد نفسي بمقولة تستقر في تاريخي وتنحت في ذاكرة من هم حولي، بل كانت كلمات جمعت حروفها على مدى فصول حياتي الشابة حرفا حرفا، واصطفت آمالا وأحلاما ومخاوفا وأحزانا. صممها تكويني من أدق تفاصيل مشاعري، وركبتها عضلات قلبي لنوع من الأحبة لم ترهم عيناي من قبل، على الرغم من إحساسي بهم في كل يوم مشرق؛ يتسلقون عظامي، ويركضون في دهاليز دماغي، ويتزحلقون في مجاري دمي.
حروف كلماتي نقشتها نفسي بإزميل الأبدية، واستخدمت فيها لغة سرية لا يمكن أن يفهمها أحد غير اولاء الذين نقشت لأجلهم، فإن دخلت يوما إلى مسامع غير مسامعهم غرقت في بحيرة اللاشيء، أوذابت كما لو أنها ثلج سيبيري زار الربع الخالي في يوم حر. إنها تعابير يحفر القلم طريق جريانها ولا يكتبها، أو رسومات تدب فيها الحياة في أعين أصحابها وتبقى جامدة في أعين غيرهم . فأهلا بكم أحبائي في عالمي؛ عالم أبيكم ، ذلك العالم الذي هرّبته من واقع ليس لي يد في صنعه ، إلى أرض حلمي بكم ؛الحلم الذي صنعنا أنا وأنتم أدق تفاصيله وخططنا لكل حركات الفرح فيه ، فكنتم تناولونني أدواتي وأنا أبنيه أمام ناظركم، وأرفعه فوق رؤوسكم فتفرحون ببنائه ، وتكثرون من أسئلتكم عنه، وأطيل لكم في شرحي وأنا أجيبكم .
فاقرأوا رسائلي التي كتبتها جيناتي، ودققتها حياتي ، وختمتها ابتساماتي . واتركوني اقرأ ردودكم عليها في نبضات قلبي التي تتسارع حين تزوروني وتطيلون زيارتكم إلى خيالي .

2
أي ابنائي :
استيقظت من سبات الطفولة باكرا. أيقظني إزعاج أصوات واقعي التي كانت لا تطيق أن ترى طفلا ينام قريرا في سرير براءته. وصرت أحلم منذ ذلك الحين أن ألملم طفولتي التي تبعثرت بين بؤسي، واستعجال الدنيا على خطفي من عالم بريء أحببته، الملمها وأنتم كيسي الذي أجمع فيه لمامها .
حلمي الذي كان يراودني في سباتي صار يلاحقني في حياتي ، فعبث بروحي عبثا جميلا،ومنعها من أن تكبر كما تكبر الأشياء من حولها ، ثم سيطر عليها حتى جعل من واقعي الذي أعيشه غربة، وما يدور حولي طيف لا أفقه منه شيئا، وحول حياتي إلى قربان على مذبح الأمل بقدومكم، فصرت أعيش أيامي قبلكم وكأني لم أنطق في حياتي سوى لغة الأحلام ـ لغتي ولغتكم ـ. ولم أعش إلاّ في بلادها.
لم يكن ليسرني حتى أن تتحقق أحلامي وأنتم في عالم الغيب بعيدا عني، لأني لم أحلم يوما ولم أتمن أن تتحقق أحلامي إلاّ بمعيتكم.
هناك في عالم الأحلام النظيف ولدتم أنتم ، بشرا يأكلون ويشربون ويلهون ويحييون حياة سحرية معي ، وطال مكوثكم في خاطري، في انتظار أم بشرية تأخذكم إلى رحمها، فتردوا بعد ذلك إلى عيني فامسح برؤيتكم دمعاتي ، وأبصر النور بأطلالة وجوهكم علي .

3
أي ملوك أفكاري :
أكثرت من السؤال عني وعنكم ، كيف ستتقبلونني وأتقبلكم، وهل ساكون لكم قدوة تسعدون بصحبتها صغارا، وتفتخرون بوضع اقدامكم على أثرها كبارا ! أم سأكون عبرة تعتبرون من فشلها وتكرهون سوء معشرها وتخجلون من ذكرها ؟! هل ستسعدكم لحظات نجلس فيها معا لنلعب لعبة أو نقرأ كتابا ،و ستهرعون لاستقبالي بفرحة وأنا عائد إلى البيت مساءا، وتتعلقون على صدري كما يتعلق العقد على صدر حسناء؟
ثم تكبرون وأصاحبكم، فتسرون لي بما في نفوسكم كما لو كنت من أصحابكم أبناء جيلكم ، وأجادلكم فأقنعكم أو تقنعوني ، وأصارعكم فاهزمكم وتهزموني .
لقد أعددت طويلا لأصنع إجابات ترضيكم وتبهج حياتكم على كل ما دار في بالي عنكم من أسئلة ، فكنت أغوص في أعماق نفسي لأنتشل لكم كنوزا غرقت مع حطام حياتي، وأضعها أمامكم تتحلون بها وتزينون بها حياتكم . كنت أراقب الآباء الصالحين وأتابع مسالكهم، ثم أقيم مقاما طيبا في أذهانهم عل شيئا من دفء أبوتهم يصيبني فأحمله لكم. ثم أرصد السيئين منهم لأنفّر نفسي من قسوتهم، وأجاهد نفسي لأحيد عن مسالكهم. أحلم بابتسامة رضى أراها على محياكم تعبرون بها عن سروركم بالمقام في أسرة أنا ربها ، بأمان أراه وأنتم تشقون طريقا معولي يجتث مع معولكم أشواكه .
قرأت لأبحث عن حكمة أقولها لكم إن ضاقت بكم حكمتكم، وكتبت لتجدوا في أوراقي فكرة دارت في خلدي وغابت عن أذهانكم ،بكيت لكي لا يعتاد قلبي على قسوة أحملها إليكم، وضحكت حتى لا تأخذ شفتاي قالبا متحجرا وأعجز عن تقبيلكم في يوم تكون القبلة فيه دواءا يخفف عنكم . حسنت أخلاقي و سلوكي وحاربت ما ساء من طبعي والقيت ما أكرهه من خلقي خارج حياتي . رققت مشاعري وثقفت نفسي وهذبتها، ونظفتها مما قد يعلق بها من جراثيم سوء معيشتي، حتى لا أكون لكم في يوم ما مصباحا بضوء خافت، أو شمعة تحملونها وتخافون في كل لحظة أن تنطفيء وتضلون الطريق حين يغيب ضوؤها .
كل ذلك لأني أراكم دائما بشرا استثنائيين؛ أبطالا خارقين، وعلماء أفذاذ، وأمراء من أمراء الحكايات، يستحقون أن يمنحوا أبا جديرا بأن يكون جذرا لهم .
كنت أخزن ألعابي التي لم أحصل عليها صغيرا في صندوق أحلام وردي، حتى أخرجها لكم واقعاً في يوم ما . فيعجب الناس من صبي حرم وفرح، بدلا من أن يحرم و يبكي ، لأنهم لا يعلمون بأني حين حرمت وضعت ماحرمت منه في صندوقي الجميل لكم . وحين كانت العواصف تهب علي وتخيفني كنت أضعكم في حضني وتضعوني في أحضانكم فاشعر بطمئنينة في دفء أحضانكم وأحس بأن العاصفة لم تنفخ ريحها إلاّ أملا في غد سأراه في وجوهكم أكثر إشراقا من الشمس ذاتها


4

أي عصارة أحلامي
سيأتي يوم ويصل آدم اليكم، سيأخذ خطي وخط أبي كما كان يفعل منذ آلاف السنين ويدق أبوابكم ، وسيتحقق الحلم الذي يسعى اليه بنوا البشر في الأبدية . ويدفعون في سبيله أغلى ما يملكون.... وأفرح حين تولدون كما فرحوا حين ولدنا. ثم أسلمكم الشعلة، وتتنفسون ما بقي لي من أنفاس . لتفرحوا بعد ذلك حين يولودون كما فرحت حين ولدتم.
ولأني لا أختار أبنائي ولا تختارون آباءكم فتعالوا بنا إلى كلمة سواء بيننا ، أن أفني عمري أبحث لكم عن واقع تقبلون أن تعيشوه تحت مظلة أبوتي، على أن تتركوا لي لحظات من عمركم لتروني ماضٍ أحببت أن أعيشه في جنة بنوتكم، فنتبادل الآمال والأحلام حين نعيش واقعنا تحت سقف محبة واحد. فأنا لم أر فيكم يوما تكثيرا لنسلي وفخرا بفحولتي، بل أنتم عندي تطوير لكياني ، وامتداد لإنسانيتي . فليتني أرحل معكم رحلة، فتسبقوني خطوة واحدة إلى الأمام يوم تنتهي مهمتي معكم، و تكلل أبوتي معكم بالنجاح، ونحقق هدف البشرية بمحاولة السمو عن كل مكونات الأرض من أشياء. فذاك سمو لا يأتي إلا بالبحث المضن عن الذات، ودراسة النفس في كل لحظة من اللحظات، لأن معرفة النفس هي خير المعارف تلك هي المفتاح الذي يفتح لكم باب العلوم كلها ، لأنكم إن عرفتم أنفسكم وما فيها صار من السهل عليكم أن تتعاملوا مع الكون من بشر وما فوق البشر وماتحتهم، وسهل عليكم اتخاذ قراراتكم في حياتكم بعلمها وعملها . فهيا بنا أحبابي لتعبروا أنهار السوء فوق جسر محبتي. وتقطفوا طيب الحياة وأنتم تتسلقون كتف أبوتي.

أبوكم المشتاق



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا وكلب هايدي
- سنة أولى سياسة
- قصة لا دينية جدا جدا جدا
- ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة
- كيف تقضي على الإسلام في 5 أيام بدون أوهام
- عمى الوان
- حياة جديدة من رواية طين بلادي رواية لم تنشر بعد
- رائحة ابطي بين المشوي والمحشي
- أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - يوسف ابو شريف - رسائل الى ابناء لم يولدوا بعد من أيام الرسائل الورقية