أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 12















المزيد.....

إختفاء رباب ماردين 12


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


الشعور بالخطر


لم أنقطع عن التفكير في حديثي مع حسام ماردين طيلة تلك الليلة. لماذا يحذّرني بهذه الشدّة من أخيه؟ إنّه يتحدّث عنه وكأنه يشكّل خطورة على حياتي. ما معنى ذلك؟ لماذا يقول لي إنني في خطر بسبب صداقتي مع وسام؟ هل هي مجرد غيرة؟ حقد؟ إزعاج؟ ام ربما... يعرف شيئا ما لا أعرفه؟! لا... لا أصدّق أن وسام، ذلك الرجل الرقيق واللطيف، يمكن أن يكون كذلك. إنه حريص على راحتي ومهتمّ بأمري.
استنتجت في قرارة نفسي أن ذلك يشبه حسام ماردين. حقد... غضب... غيرة... وكراهية. إلا أن ملامحه لم تفارقني كما رأيتها حين اتّهمته بقتل رباب. إذ لأول مرة أحسست فيه بشيء من البؤس.
ولكن، رغم كل ذلك، هناك أمر غريب أدهشني وحيّرني؛ ما سر برودة العلاقة بين الأخوين: حسام ووسام؟!
وفي المرة التالية، حين التقيت بوسام قرّرت أن أسأله عن الأمر.
"وسام، أريد أن أسألك شيئا."
"تفضلي؟"
"يبدو لي أن علاقتك مع أخيك حسام نوعا ما... غريبة. هل حدث شيء بينكما؟"
"ولِم تظنين أن علاقتنا غريبة؟"
"ذلك واضح. أنت لا تحبّ الحديث عنه وهو..."
"... هو ماذا؟"
"... يبدو... وكأنه، لسبب ما، لا يثق بك."
رأيت علامات التعجّب ترتفع الى وجهه. "هل تحدّث اليك؟" سأل في ارتياب.
"نعم."
"ماذا قال لك؟"
لم أرغب في إخباره بما قاله لي فقلت: "لا يهمّ."
"لينة... هذا أمر في غاية الأهمية. هل ضايقك؟"
"لا. ولِم أنت قلِق هكذا؟"
"طبعا أنا قلِق. أنا قلِق عليك."
"من أخيك؟!"
"من كل شيء. هناك أشياء لا تعرفينها."
"يبدو أنني لا أعرف الكثير."
"لينة... عزيزتي... من الأفضل لك أن تبقي بعيدة عن هذه الأمور. أنت رقيقة وطيبة، ومن الأفضل لك أيضا أن تبقي بعيدة عن أخي. ألا تثقين بي؟"
أومأت له برأسي أن نعم، متجاهلة شكوكي.
ثم قال: "إذن اسمعي كلامي وخذي بنصيحتي. لا أريد أن يزعجك أحد في هذا البيت."

...............................

مضى أسبوعان على مقتل السيدة نخايلة. لم يتمّ كشف هوية القاتل، والمحقّق غانم لم يعد يطلّ علينا كثيرا. وكأنه وصل الى طريق مسدود. استعادت السيدة ماردين بعض صحّتها ولكنها لم تكن تخرج كثيرا من غرفتها. ونادرا ما كانت تشاركنا طعام العشاء. كل شيء في البيت يذكّرها بالسيدة نخايلة. أحيانا كانت تطلب الذهاب الى الحديقة فتمضي بعض الوقت في الحديث مع العم قاسم. وكانت السيدة أخشيد قد تولّت مهام السيدة نخايلة في تدبير المنزل، بطوعها، الى أن تهدأ الأمور. أما أنا فقد انشغلت بالسيدة ماردين أكثر من ذي قبل، وكنت سعيدة بذلك. لم أرغب في الانفراد بأفكاري المثقلة على رأسي.
لم أصادف حسام ماردين منذ حديثنا الأخير. ولم أكن أراه كثيرا في البيت. كنت أراه فقط على مائدة العشاء لبضع دقائق قصيرة، وكنت أتفادى لقاءه قدر الإمكان. انقطعت عن التجوّل على شاطئ البحر في ساعات بعد الظهر لعلمي بأنه يتزحلق على الأمواج في هذا الوقت.
ثم صادفته ذات مساء، عندما كنت في طريقي الى غرفة شادية ماردين لإعطائها دواءها قبل النوم، كعادتي. وحين رآني أمامه، جمد في مكانه قليلا ورشقني بنظرة ذات مغزى. لم يقل شيئا. ولم أقل شيئا. ولكنني أحسست في نظرته بجرح ما... عتاب صامت. تنحّيت عن طريقه وأكملت طريقي دون إلقاء نظرة الى الوراء.
كانت شادية تقضي جلّ وقتها في غرفتها. قليلا ما كانت تخرج حتى الى الحدائق. ورغم ذلك، كنت أحسّ كأنها تعايش أحداث البيت عن كثب. لم تكن تكثر من الكلام. أحيانا كانت تحدّثني عن حياتها في المصحة وأيامها السابقة في البيت، وأحيانا كثيرة كانت صموتة... ذاهلة... ولا تبادلني كلمة واحدة.
في ذلك المساء، كان الكلام ينزلق من شفتيها انزلاقا. أحسست بانفعالها وتوترها. كانت متبرّمة من والدتها ولم أعرف لتبرّمها سببا واضحا.
"إنها تصرّ على إبقائي في المصحة." قالت بنبرة مستاءة. "إنها تقول إنني بحاجة الى رعاية دائمة. إنها لا تفهم أنني أفهم ما تريد. إنها لا تريدني هنا، هذا ما في الأمر. إنها تعلم أنني أحب هذا البيت وأرغب في العيش فيه، ولكنها لا تريدني فيه. إن كان عليّ العيش في المصحة لأنني بحاجة لرعاية دائمة فهي أيضا عليها العيش في مركز العجزة لأنها أيضا بحاجة لرعاية دائمة، مثلي تماما! ولكنها أحضرتك اليها. ألا ترين أن بإمكانها أن تحضر لي أيضا من يعتني بي مثلما تفعل لنفسها؟ إنها تظن أنني لا أفهم. ربما لأنني مجنونة. ولكنني لست حمقاء. أنا أفهم كل شيء. وأعرف أشياء كثيرة. أشياء لا يعرفونها."
"ماذا تعرفين؟" سألتها وقد أثارت فضولي.
"أعرف كل شيء. صحيح أنني لا أخرج كثيرا من غرفتي ولكنني أحسّ. أتعلمين؟ يقولون إن المجانين يشعرون بأشياء لا يستطيع غيرهم من العقلاء أن يشعروا بها. السيدة نخايلة المسكينة مثلا. في تلك الليلة التي قُتلت فيها، أبى النوم أن يأتيني. وكأنه يحذّرني أن شيئا ما سيحصل. كنت أشعر بذلك. حتى رباب..."
توقّفت عن الكلام فجأة، وكأنها تتلذّذ بذهولي ودهشتي.
حاولت استنطاقها بحذر. قلت برقة: "بماذا أحسست يوم اختفت رباب؟"
قالت: "رباب المسكينة! لا أعرف كيف اختارت حسام زوجا لها! كم تعذّبت في حياتها معه! كنت أراها وهو يهينها، أسمعها وهي تبكي. وكانت نادمة على زواجها وطلبت الطّلاق. ولكن حسام أبى أن يطلّقها. وكانت هي إنسانة رقيقة وضعيفة... لم تمتلك الجرأة لتضع حدا لعذابها."
رأيتها تنقل عينيها نحو النافذة وتحملق نحوها، ثم استأنفت قائلة: "أذكر مرة حين رأيتها تطلب المساعدة من وسام وهي تبكي بحسرة. وسام العزيز! إنه دائما شديد اللطف مع الجميع. حتى معي. إنه الوحيد الذي يهتمّ بي في هذا البيت، الوحيد الذي يزورني في المصحّة من حين الى آخر."
انتظرت أن تكمل كلامها عن رباب، ولكنها زمّت شفتيها وبقيت تحملق نحو النافذة.
فسألتها بحذر: "ألم يسطع مساعدتها؟"
أجابت: "إنه أراد مساعدتها. وقد حاول التحدّث مع حسام، ولكن... دون جدوى. كانت المسكينة محطّمة. كم أشفقت عليها! وكم أردت مساعدتها، أن أخلّصها من حياتها لترتاح!"
وفجأة، رأيتها في مخيّلتي وهي تقتل رباب وتريّحها من عذابها. إنها مريضة... مجنونة، كما تصف نفسها، تشعر بالأشياء التي يشعر بها المجانين. فلِمَ لا؟! إنها شعرت بعذاب رباب، أشفقت عليها، وبحكم جنونها... قتلتها لتخلّصها من عذابها.
سألتها بغية حثها على الكلام أكثر: "هل تعرفين أين اختفت؟"
"أنا أعرف كل شيء. ألم أقل لك ذلك. أنت مثل الآخرين، لا تصدّقينني. الكل لا يصدّقني. كلّكم تظنون أنني مجرّد مجنونة. ولكنكم لا تعرفون. أنا أعرف."
"ماذا تعرفين؟"
"أعرف كل شيء... لأنني... رأيتها."
"أنت رأيت شيئا ما؟"
"أنا رأيت كل شيء."
"ماذا رأيت؟ أخبريني."
"لن أخبرك. ولِمَ أخبرك إن كنت لن تصدّقيني؟"
"سأصدّقك."
ألقت عليّ نظرة لاذعة، حادة، وقالت: "أنت غريبة الأطوار، يا آنسة مدنية." ثم أضافت فجأة: "يبدو لي أنك جئت الى هنا لغاية ما."
ابتلعت ريقي بعسر. "غاية؟ ماذا تقصدين؟"
"يعني جئت الى هذا البيت لغاية ما في نفسك."
"جئت لأعتني بالسيدة ماردين."
"الى جانب ذلك، هل كنت تعرفين رباب؟"
"أنا؟! وكيف لي أن أعرفها؟"
"إذا، لماذا أنت مهتمة بأمرها الى هذا الحد؟"
"إنه مجرد فضول."
"يجب أن تخشَي على نفسك، يا آنسة، بسبب فضولك المبالغ هذا."
"ماذا يعني ذلك؟ لماذا؟"
"لأنك تعيشين في بيت وقعت فيه جريمة قتل ولم يتم القبض على القاتل، وهو يسير حرا طليقا، وربما يكون قريبا جدا، يسير بيننا."
"وما علاقة ذلك بي؟"
"من يحاول كشف الأسرار الغامضة معرّض دائما للخطر، فهو لا يعرف ماذا يختبئ من ورائها. أليس هذا من المنطق؟"
أصابني كلام شادية بالرعب ولم تفارقني كلماتها طوال تلك الليلة. هل أنا حقا أعرّض نفسي للخطر ببحثي عن سر اختفاء رباب؟ لقد حذّرني قبلها حسام ماردين ولم أصدّقه، وها هي الآن شادية ماردين تحذّرني هي الأخرى. ألا أرتكب حماقة كبيرة ببحثي عن سر يمكن أن يستتر من ورائه مجرم خطير؟!

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختفاء رباب ماردين 11
- إختفاء رباب ماردين 10
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8
- إختفاء رباب ماردين 7
- اختفاء رباب ماردين 6
- الرجل غير العادي
- إختفاء رباب ماردين 4
- اختفاء رباب ماردين 3
- شيء من دفء- قصة قصيرة
- إختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين 1
- المستعجلة
- أنا أحس
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي
- الحب والعاصفة 23
- كلمات حب في القمامة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 12