أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رباعية إسماعيل فهد إسماعيل















المزيد.....



رباعية إسماعيل فهد إسماعيل


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 01:11
المحور: الادب والفن
    


رباعية إسماعيل فهد إسماعيل

إسماعيل فهد إسماعيل كاتب رواية في الدرجة الأولى قبل أن يكون ناقد أو كاتب مسرح، ، تعرفنا علية من خلال رواية المستنقعات الضوئية في العقد الثامن من القرن الماضي، حيث كان أدب القمع العربي تحديدا أكثر ما يستهوي القارئ في ذاك الزمن، والآن وبعد أن ابتعدنا عن واقع القمع والمحرمات ـ نسبيا ـ سنحاول تقيم تلك الأعمال، بعيدا عن الانحياز وبحيادة قدر المستطاع، لقدم تم فقدان رواية المستنقعات الضوئية ولم نتمكن من الحصول عليها، ولذلك سيتم التطرق إلى ثلاث روايات من الرباعية، وهي " كانت السماء زرقاء" و"الضفاف" و "الحبل".
في الرباعية كانت الفكرة التي تناولتها الرواية تتمثل في القمع السياسي تحديدا، وما يواكبه من حرمان من العمل والمنع من السفر والاعتقال أو المطاردة، فكان الاعتقال أو التشرد أو المنفى الجبري كوابيس تطارد كل من يعارض النظام، إن كانت هذه المعارضة ذات طابع سياسي أم شخصي، فكل من يمس النظام أو الدولة هو مطلوب ومتهم، كان إن فكرة الصراع الطبقي واضحة المعالم في الرباعية،وضمن حالة الصراع كان لا بد من وجود ـ حرية للمرأة كمتنفس وحيد للواقع البائس، وكان تعاطي السجائر والخمر يمثل تمرد ـ ولو شكليا ـ على الواقع.
كما كانت المرأة تلعب دور أساسي وحيوي في الرواية، أم كان ذلك من خلال الراوي والأحداث أو من خلال إعطائها حرية التعبير عما يجول في نفسها، وهنا كان الأدب في تلك الفترة ينسجم تماما مع فكرة الحرية التي تطالب بإعطاء المرأة كامل الحرية، من هنا كانت الرباعية تتمثل الأنموذج للأدب الواقعي الاشتراكي بكل جلاء.
كما أن المكان كان حاضرا وبقوة في الرباعية، فهناك بغداد والبصرة، وكذلك تم ذكر لشخصية عبد الكريم قاسم، ليتأكد للقارئ بان أحداث الرواية في العراق تحديدا، وفي فترة العقد السادس من القرن الماضي. ومن يتابع أحداث الروايات يتأكد له بان كاتبها عراقي وليس من قطر آخر.
أما على صعيد شكل الرواية واللغة التي استخدمها الكاتب، فقد كانت لغة بسيطة سهلة تتناسب تماما مع فكرة ( الأدب للجماهير) و وهدف الأدب عند الاشتراكيين، كما أن الكاتب استخدم الحوار بشكل يطغى على السرد الروائي، مما جعله اقرب إلى كتاب المسرح منه إلى الرواية، لكنه استطاع تجاوز ـ طغيان الحوار ـ من خلال إعادة مقاطع من الحوار ومن خلال استخدام الخط الغامق لتميز الواقع عن الماضي أو التخيل.وما يميزا عماله أنها تخلوا من ذكر الأسماء تماما، وحتى أن رواية "الطيور والأصدقاء" و"رواية خطوة في حلم" كانت شخصياتها مجهولة الأسماء، وكأن الكاتب عنده حساسية من ذكرها، لكن الجزء الرابع من الرباعية " الضفاف" تم كشف عن الأسماء بكل وضوح، وحتى أن هناك فصول تم تسميتها بأسماء أبطال الرواية، فلم نكن نعرف أسماء أبطال "رواية السماء زرقاء" أو "الحبل" إلا بعد قراءة "الضفاف" حيث تم الكشف عن بعض الغموض الذي استخدم في الروايات السابقة، وما يلاحظ على رواية "الضفاف" تحديدا أن الكاتب استخدم لأسماء بطريقة اشعر القارئ بان هناك قرارا قد اتخذ بالتخلي عن إخفاءها.
وسنحاول هنا إضاءة بعض هذه العناصر في رباعية إسماعيل فهد إسماعيل.


الطرح الطبقي

الطرح الطبقي من أهم ميزات الواقعية الاشتراكية، فبدونه يكون العمل الأدبي ـ منحرف ـ طبقيا، ومنحاز لصالح البرجوازية،وبما أن الكثير من الأدباء كانوا يتطلعون إلى مساحة أوسع من الحرية والى تحقيق الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة، وإيجاد الكرامة للفرد وللأمة، كان لا بد من اللحاق بركب الجماهير وحمل همومها من خلال طرح المسألة الاقتصادية العدالة الاجتماعية، من هنا تناول الكاتب في رباعيته وتحدث في "كانت السماء زرقاء" "على الفرد كي يحقق الأخلاقية الاشتراكية التي هي جزء من الاشتراكية التطبيقية أن يؤمن بأنه جزء من الآخرين، ولأجل ذلك يخلص نفسه من شوائب الأنانية.. آن لك أن تطبق ذلك على نفسك" ص63فنجد هنا دعوة للتماهي مع المجموع ونكران الذات تماما، لتحقيق أهداف الطبقة التي ينتمي إليها، فهنا الطرح غير مفصل عمليا وهو اقرب إلى النظرية منه إلى التطبيق، لكن في رواية "الحبل" يتحدث عنه بشرح واضح فيقول " كنا 13 رجلا من دون امرأة. احدهم كان عربيا (أنا) ننام في غرفة واحدة. وبعد أسبوع استلمت عملي.
زميلي الإيراني سلفني دينارا. اشتريت ـ بتوجيه منه ـ جاروفا. وعملت معهم في خفر مجاري شوارع الكويت.
الأجرة ... "دينار واحد لقاء14 ساعة عمل في اليوم فقط"
وبعد يومي الأول في العمل لزمت الفراش ثلاثة أيام. كفاي تورمتا. مفاصلي تنز ألما. وفي اليوم الرابع عاودت العمل" ص58 نجد هنا الحياة البائسة التي يعيشها العمال في صحراء الكويت، فمكان النوم أشبه بزريبة حيوانات منه إلى مكان للبشر " 13 رجلا في غرفة" ظروف العمل صعبة جدا، وتسبب المرض بسبب الإرهاق "بعد اليوم الأول لازمت الفراش"ساعات العمل طويلة جدا "14 ساعة" الأجرة زهيدة "دينار واحد" تفاصيل العمل حقيرة " مجاري شوارع" نتائج العمل الإنهاك والمرض "كفاي تورمتا مفاصلي تنز ألما" ضمن هذه الظروف لا بد من العمل على تحسين الظروف وحيثيات العمل، فبمجرد ذكر هذه التفاصيل لا بد للقارئ أن ينحاز ـ طبقيا ـ أو إنسانيا أو أخلاقيا للعمال، فهنا يطرح الكاتب فكرة تحقيق العدالة للعمال بطبقة غير مباشرة، وهذا الأمر يحسب له، وعلى ذلك ينقلنا الكاتب إلى فكرة متقدمة تتمثل في النقابات وتنظيم العمال ورص صفوفهم لمواجهة الرأسمالي.
وإذا كانت رواية "الحبل" قد رفعت من مفهوم الصراع الطبقي فان رواية " الضفاف" كانت أكثر إسهابا وتفصيلا لحالة الصراع بين العمال والرأسمالي، حيث كانت ظروف العمل تتحدث عن مصنع وليس ورشة، وهذا يعطي العمال مساحة اكبر ـ زمنا ـ لكي يتفهموا ظروف عملهم، على النقيض من الورشة حيث لا يستمر العمال لأكثر من شهور في أفضل الأحوال، من هنا كانت "الضفاف" تمثل الأنموذج الأمثل لهذا الطرح، "ـ اليوم نبدأ عملية التحريض على الإضراب
ـ ...
وتحس بضرورة تبرير وجهة نظرك
ـ ...
ـ هم رفضوا مطالبنا
ـ نحن نطالب بحقوقنا المشروعة ... ساعات العمل ...الظروف الديمقراطية.. الأجور
ـ أنا اعمل من أجلك وأجلي
"ومن اجل الطبقة العمالية"
لكنه أحتفظ بالجملة الأخيرة:
"من اجل كرامتنا" ص60 و61 هنا ارتفع مستوى الوعي عن العمال، حيث أنهم متحدون معا لتحقيق مطالبهم، كما أننا نجد القيادة العمالية تعرف كيفية النضال من اجل تحقيق المطالب العمالية، وكأن الكاتب عمل في رباعيته على التدرج بتقديم المفاهيم العمالية حتى أوصلها إلى هذا المستوى الراقي، وسيتكرر كلمات " الإضراب، التعاون مع العمال، الطبقة العاملة، النضال من اجل أهداف عليا" ص116 في أكثر من موضع في الرواية، كتأكيد على وصول النضال العمالي إلى مستوى رفيع وناجح.
وقد استطاع الكاتب أن يقدم لنا أسلوب جديد في الصراع الطبقي لتحقيق مطالب العامل وذلك عندما تحدث عن أشكال جديدة لنضال العمال في رواية "الضفاف" ، وهو سرقة منزل مدير المصنع "ـ طرحي لفكرة سرقة بيت المدير ما كان وليد قرار اعتباطي. وإنما نتج عن دراسة علمية موضوعية
... ـ عوائد العملية ستعود على عوائل العمال المعتقلين
ـ عصفورين بجحر واحد. إرباك المدير. توجيه الأنظار ناحية السرقة. أشغالهم عن مراقبة سير عملية الإضراب. توفير المال الضروري ل...
ـ حربنا هي حرب طبقية طاحنة. ولا بد من الاستعانة بجميع أنواع أسلحتنا. كاسترو كان يسرق من الإقطاعيين والرأسماليين من اجل توفير ال ... "ص198 و199 نعتقد إن ذروة التماهي مع الفكرة تمكن في استخدام أساليب ـ غير تقليدية متطرفة ـ نسبيا ـ ، لتحقيق أهداف العمال ومطالبهم، فعملية الخروج بهذه الفكرة كانت تدل على تنامي الوعي عند ـ الكاتب والعمال ـ وعلى أن الكاتب لم يكن بعيد عن هذه الأعمال النضالية، فهنا كانت الواقعية الاشتراكية تبرز بشكل أوضح في الرواية.
وإذا أخذنا ظروف العمال العرب في العقد السادس من القرن الماضي وظروفهم حاليا لوجدنا ضعف وبطئ التغير الايجابي الذي حدث للعمال، فما زالوا يعيشون في ظروف قاسية وصعبة، ومع هذا لا نجد هناك تحركات عمالية كلتي حدثت في القرن الماضي، تطالب بحقوقهم، وهذا التراجع والتقهقر يتم عن فقدان اليسار العربي للكثير من قدراته عند الجماهير العمالية، فهل ماتت الاشتراكية أم أن العمال حصلوا على كافة حقوقهم، ولم يعد هناك مطالب لهم!



الاعتقال والتحقيق

حالة طبيعية أن يشعر الإنسان بالخوف والجزع من عملية الاعتقال، خاصة في دول لا تعرف من حقوق الإنسان أي شيء، وذلك ليس لان السجن يعني الحبس عن الأهل والأحباء والحرمان من الحرية وحسب بل لان المعتقل كان يتعرض الأشد أنواع التعذيب ـ الجسدي والنفسي ـ فهناك صورة لهذا الوضع في رواية "الضفاف"
" ـ أين أخفيت منشورات الحزب؟
ـ الحزب؟!
ما كانت دهشتي كذبة
ـ وتظاهرت بالغباء!
ـ "ابد" .. أنا لا انتمي لأي ..
ولم استطع الإتمام. كلمة حزب تكسرت داخل فمي جراء الصفعة المدوية التي سقطت على وجهي
ـ حمار!.. كلب!!. فوضوي
وبرد فعل لا واع ارتفعت يدي. لم أضرب أحدا. فقط رفعت يدي، لكن الضربات..
ـلماذا تضربوني؟
ما آلمني ضربهم لي. كنت أتوقع ذلك، لكن الذي مزقني أن زوجتي شاهدتم.
لم استطع أن تتمالك نفسها، انهارت باكية وهي تصرخ:
ـ شرطة! .. مجرمون! اقترب أحدهم منها ـ أيتها ال..
كدت أجن. هو يرفع يده." 61 و 62، لم يكن الاعتقال إلا مرحلة عذاب نفسي وجسدي يضاف إلى ما يعانيه المعتقل العربي في الوطن، فنجد في هذا المشهد طريقة التعامل القذرة مع المعارض، فمن خلال الضرب والنعت بأقذر الألفاظ والصفات " حمار، كلب، فوضوي، لم تكن المعاملة السيئة في المعتقل وحسب بل أثناء عملية الاعتقال "لماذا تضربوني؟، لماذا تضربونه، اقترب احدهم منها أيتها ال..، كدت اجن وهو يرفع يده" إذن المعارض في الدول العربية كانت ومازالت تنصب عليه نار جهنم بمجرد أن يوضع على القائمة السوداء، وليس هو وحسب بل سيطال الأمر إلى عائلته التي تعتبر شريك له في تمرده على النظام، وهذا التحقيق لم يكن لمدة يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، ولكن يستمر لستة شهور كاملة " نتبادل النظرات. نفزع. نرثي لمن جاء دوره
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق
والتحقيق يمتد، ويمتد. ستة أشهر
قرص الشمس ما عاد يأبه لعينه
يجيء رجل الأمن. خطواته معروفة لدينا. يقف قبالتنا يصرخ:
ـ كاظم عبيد!
أتبادل النظرات معه فقط
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق
ـ اسمك؟
ـ كاظم عبيد
ـعلاقتك بالحزب؟
ـ والله لا علاقة لي!
ـ اسمك الحزبي؟
لا اسم لي
ـ من هو مسؤول خليتك؟
ـ لا احد
ـ رفاقك؟
ـ لا احد
ـ الأفضل لك أن تعترف
ـ بماذا اعترف؟!
ـ أعترف فنطلق سراحك
ـ أنا لا املك أية معلومات فكيف ...
و التحقيق يمتد، ويمتد، ستة أشهر" ص92 و93، لم يكن المعتقل ينتمي لأي حزب، ولكن لمجرد قصيدة هجا فيها رأس النظام، فتم اعتقاله والتحقيق معه، لمدة ستة أشهر متواصلة، "ما كنت سياسيا، ولا رفيقا، وهي مجرد "قصيدة نزوة" هجوت بها

ـ رفضك يلصق التهمة بك. تهمة الانتماء لتنظيم حزبي محضور. وثبات هذه التهمة معناه..
ويبعد ملفي إلى حيث سلة في طرف المكتب، ويستطرد
ـ ما لا يقل عن خمس سنوات سجن
الظلام يخيم تماما
خمس سنوات!.. ماذا فعلت كي أسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد " قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن"ص95، لم تتوانى السلطة عن استخدام كافة الأساليب وأنواع التعذيب ، الترغيب والترهيب، لكي تنزع اعترافا ـ حتى لو كان غير حقيقيا ـ فهي تريد كسر شوكة الإنسان فقط، لا يهمها تحقيق العدالة وإيجاد الحقيقة، فقط كسر وتحطيم الإنسان لكي لا يعود قادرا على النهوض مرة أخرى أبدا، فبعد الاعتقال الذي استمر لستة أشهر ودون أن تثبت أي تهمة تؤكد انتماءه للحزب أو لتنظيم سياسي ، لا بد من دفع ضريبة دخول المعتقل، وكأنه هو الذي قام بهذا الجرم بحق السلطة، وليس السلطة هي التي قامت بالاعتداء عليه وعلى حقوقه وعلى عائلته، وها هي تطالب بإعلانه عن براءته من الحزب الذي لم يكن ينتمي له أصلا، فيتم تهديده بالسجن لندة خمس سنوات إذا لم يعلن عن براءته "خمس سنوات! .. ماذا فعلت كي اسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد "قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن، وزوجتي لا معيل لها سواي!!
ـ أعلن عن براءتك فنطلق..
لم يبقى من أثاث المنزل سوى المهم. وصوت المحقق بلهجته التي لا تخلو من تعاطف
ـ اسمع يا كاظم! .. هل أنت حزبي؟
ـ لا والله
ـ أنا شخصيا أصدقك، لكني بحاجة إلى دليل ملموس أقنع به المسؤولين على براءتك!
وقتها سألت نفسي:
ـ "هل سأكون في يوم من الأيام حزبيا؟"
فوصلني الجواب سريعا وقاطعا:
ـ "لا"
ـ "إذن فما المانع في .."
وصوت المحقق بلهجته التي..
ـ "ها" .. ما رأيك؟
ـ ..
ـ ما رأيك
ـ أنا طوع أمرك" ص95 و96، بهذه الكيفية تم كسر كاظم عبيد، هو لم يكن حزبيا ولم يفكر أن يكون في المستقبل أيضا، ومن خلال ابتسامة صفراء يتم إعلان براءته من الحزب، الذي لم ينتمي له صلا، لكن المستقبل المزري يدفع به إلى التعامل مع هذا الحزب الذي تبرأ منه، لكن ما يستنتج من الكلام الذي قاله المحقق بان النظام يهتم كثيرا بعزل الناس عن الأحزاب والتنظيمات المعارضة، وخلق حالة من العداء بينهم.
قد يبدو للوهلة الأولى بان الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد هذه البراءة ويعود المعتقل إلى ممارسة حياته الطبيعية السابقة، لكن الواقع مخالف تماما، ليس من السهل على الذي يتهم ـ مجرد اتهام ـ بالعمل السياسي أو معارضة النظام أن يتخلص من (اللعنة) التي حلت عليه، فبمجرد أن يوضع اسم في ملفات الجهات اللعينة، تحل لعنة النظام وأدواته على صاحب الاسم، ولن يستطيع التخلص من هذه الوشم، حتى لو قام بعملية جراحية، فليس هناك مجال للتوبة أبدا، والإيمان بعد الكفر لا يفيد ولن يفيد أبدا.
فبعد الخروج من المعتقل وتحقيق براءة كاظم عبيد يتم ملاحقته اقتصاديا، فهو مثل الثور الابرق، أينما ذهب يعرف بسيماه، وعليه مطاردة لقمة الخبز في عاصفة هوجاء، "وعندما غادرت السجن اكتشفت:
ـ أنت مفصول من عملك
ـ لماذا؟
ـ التنظيم الحزبي المحضور
ـ لكن براءتي ثبتت!
بحثت عن عمل آخر، وآخر، في كل مرة..

ـطلبك مرفوض
ـ لماذا؟!
ـ التنظيم الحزبي ال..
ـ لكن براءتي ثبتت!"96 و97 ، عملية حرمان المواطن (المتهم سياسيا) من الحصول على لقمة الخبر بطريقة نظيفة وشريفة محضورة في النظام الرسمي العربي، وليس هناك مجال لأي كان أن يحصل عليها، وعليه البحث عنها مدى الحياة ولن يجدها، فهناك التعليمات من الجهات المختصة، ومصالح رأس المال تتناقض مع تشغيل ( المعارضين) الذي يشكلون خطورة على فكر العمال والعاملين، من هنا يجد إبعادهم قدر الإمكان، وعدم الرأفة بهم أبدا، ولنستمع إلى الأحوال المعيشية التي مر بها هذا المعتقل
"ـ في الكويت مجالات عمل كثيرة
تقدمت إلى المسؤولين بطلب:
ـ زودوني بجواز سفر!
ـ أنت ممنوع عن السفر
ـ لماذا؟
ـ التنظيم ال..
ـ لكن براءتي.
وفي الكويت مجالات واسعة للعمل. السفر بلا جواز سفر. السفر سيرا على الأقدام. السفر بصحبة إيرانيين مجهولين"ص97، هنا تكمن مأساة المواطن، فهو بلا جواز سفر، لا يستطيع التنقل إلى دويلات الطوائف، وعليه أن يجد مخرج يستطيع من خلاله إعالة عائلته، من هنا يأتي المخرج الأقل سوءا، الخروج إلى دولة الجوار مهربا، فلا مجال للبقاء في ظل نظام لا يراعي ابسط الحقوق الإنسانية ـ حرية العمل ـ .
في رواية "الحبل" يفصل لنا إسماعيل فهد إسماعيل حالة كاظم عبيد بعد خروجه من السجن، فيقول
" لم لا تذهب إلى الكويت؟
يقال "العمل متوفر هناك" وطرقت أبواب مديرية الجوازات والسفر. قالوا لك بعد شهرين من الركض المتواصل:
ـ بعد أيام تصل الموافقة من بغداد.
أخيرا وبعد شهرين ـ أيضا ـ وصلت أوراقي. كتبوا على الأوراق... "سياسي خطر .. ويمنع من السفر إلى الخارج" إن كنت خطرا فأبعدوني
وباعت زوجتي سريرنا. باعت دولاب الثياب، تجمع لدينا عشرة دنانير. دفعت ثمانية منها لرجل مجهول
ـ سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر"ص56، هذه التفاصيل تبين لنا حجم القسوة التي يستخدمها النظام بحق المواطن، فرغم انه لم يكن حزبيا ولم ينتمي لأي تنظيم سياسي، كانت قذارة النظام لا تتوانى عن ملاحقته ومطاردته، وكأنه مصاب الطاعون، ولا يمكن شفاءه، ومن هنا يجب التخلص منه، من خلال الحضر عليه ووضعه في ـ عزلة عن الآخرين ـ لكي لا يعدي أحدا.
إنسان يبيع أثاث منزله لكي يأكل أو لكي يجد طريقا للبحث عن عمل، أليست صورة تثير الدهشة؟، فهنا يدفع بنا إسماعيل فهد إسماعيل إلى التناقض مع هذه التصرفات ومن ثم مع هذه الأنظمة المستبدة، فليس هناك أي رحمة أو إنسانية تصدر عن هذه الآلات الصماء، ولا مجال تتعاون معها أبدا.
عملية الضغط على ( المعتقل) لم تكن تقتصر على السجان والمحقق وحسب بل تعدتها إلى استخدام الأهل للضغط عليه أولا ثم عليهم ثانيا "ـ المسؤلون قالوا لي .. "نحن نحبك... أنت تخدم الحكومة منذ ثلاثين سنة.. لكن ابنك عنيد.. لو انه قدم براءة من الحزب الذي ينتمي إليه لأطلقنا سراحه فورا..
وردف بحزن:
ـ ابني يرفض ذلك قال لي :"أنا لا انتمي إلى أي حزب .." الحبل ص21، إننا أمام حالة من عدم الإنسانية تستخدم من قبل النظام العربي ضد كل من يعتقل وأيضا ضد كل من له قرابة به، فالأمر لم يقتصر على المعتقل وحسب بل سيطال (طراطيش) للأهل ـ الأب، الأمن الأخت، الأخ، الزوجة، الأبناء ـ وهكذا يتم تعامل النظام العربي مع مواطنيه


المنفى والتشرد

الذي لا يقع في أيدي السلطة يكون طريدا أو شريدا داخل الوطن أم خارجه، الكثير من المعارضين تعرضوا لتشرد أو النفي أو الاعتقال، فهم في كافة الأحوال يجب أن يعانوا من هذه الأمور مجتمعة أو بعضها، ولا مجال أبدا لان يكون خارج هذه الأوضاع، فليس لهم الحق في العمل كما أنهم محرومين من السفر للخارج، وهنا يكونوا إما معتقلين أو مطاردين في الوطن، وهذا الأمر تعرض له الكثير ممن عملوا في السياسية أو كانوا معارضين للنظام العربي الرسمي، وقد أعطانا إسماعيل فهد إسماعيل فبرباعيته عدة صور ففي "السماء زرقاء" قال "أنا قررت إنهاء كل شيء.. وتحطيم كل ما له صلة بي، على أن ابدأ بأرض جديدة"ص29، نجد هنا فكرة التخلص من للوطن وما فيه، وهذا الطرح بمثابة الطلاق وإنهاء لكل مل له صلة بهذا الوطن، فالكلمات واضحة "إنهاء كل شيء" وتحطيم كل ما يربط به، والبدا من جديد وبمكانة جديدين لا يكون عائقا أمام الاستمرار في الحياة، قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا السفر عادي ولا يحتاج إلى أي مجهود خاص، لكنه في حقيقة الأمر ليس سفرا عاديا، بل هو هروب وتهريب، ويمكن أن تكون تبعيته القتل أو الإصابة بأعيرة نارية تسبب الإعاقة الدائمة أو في حالة القبض عليه ـ من سلطة الوطن أم سلطة الدولة المجاورة ـ فهو معرض للاعتقال بتهمة تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية " ـ سأعبر بكم شط العرب قبل الفجر بقليل. وسآخذ النقود مقدما، وأنزلكم وراء مصافي النفط في عبدان.
بالأمس كان قد اتصل بأحد أصدقائه القدامى من سكان ناحية السيبة. أخبره بأنه قرر اجتياز الحدود العراقية إلى إيران"ص20، هذه الصور توضع ظروف وطبيعة هذا (السفر) فهو في حقيقة الأمر الأقدام على فعل خطير جدا وله عواقب مدمرة، لكن لا بد من القيام به، في النهاية طريق الخلاص الوحيد، فهو أفضل بكثير من الموت البطيء الذي ينتظره، كما أن المحاولة تعني بأنه حصل على مبرر ـ نفسي ـ فقام بكل ما يمكن القيام به.
هذه الحالة كانت في رواية "السماء زرقاء" أما في رواية "الحبل" فكان الوضع "سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر" الصحراء. النعل المربوطة بخرقة قماش. الإيراني
"هل لديك معارف تذهب إليهم
"نقودك بالكاد تكفيك
عشرون دينار. زجاجة عطر. خمس علب سجائر
"أخزيتمونا ..
"ابن الكلب
العمل. الشرطة الكويتية. الشرطة العراقية"ص124، نجد هنا توضيح لسبب ترك الوطن واختيار المنفى، التضيق على الإنسان في لقمة عيشه ومن ثم وضعه في زاوية ضيقة ـ التعامل مع السلطة أو الجوع والتشرد أو الاعتقال ـ فالكثير من السياسيين فضلوا التشرد على التعامل مع السلطة.
وما يلاحظ هنا أن كافة أبطال الروايات التي تحدثت عن القمع العربي قد (خضعت أو اعترفت أو قررت التعاون مع السلطة) لكنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها المتناقضة مع النظام، وهذا الأمر تم في "شرق المتوسط" لعبد الرحمان منيف و "الوشم" لعبد الرحمن الربيعي و"رباعية" إسماعيل وصورة "الهؤلاء" لمجيد طوبيا و"صورة الروائي" لفؤاد حداد، كافة أبطال هذه الروايات (استسلموا) بطريقة أو بأخرى للنظام، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا فسرعان ما يصحا البطل من سكرته ويعود اشد صلابة وجلدن ولكن لا بد من التنويه إلى أن فيصل الحوراني في رواية "المحاصرون" أعطانا صورة البطل الايجابي الكامل، الذي ينتصر على الجلاد ولا يقدم أدنى مساحة للمهادنة أو التراجع، وهذه الرواية تستحق أن نتوقف عندها.


الصمود

ضمن هذه الظرف لا بد للإنسان أن يصمد أو ينهار، وفي كلتا الحالتين هو كطعون وعلى النظام التخلص منه والحجز عليه، سنأخذ صورة الصمود التي ذكرها الكاتب، فحالة المعتقل غير المتزوج ستمنحه فرصة صمود اكبر من المتزوج، لان الأول سيخفف عنه عملية الضغط النفسي والاقتصادي "الآخرون مشدودون إلى الخارج بزوجات وأطفال، أنا .. لا شيء. ذلك وحده يمدني بقوة يفتقرون هم إليها. استطاعتي الصمود إلى ما لا نهاية، ... ومن بعيد جاءنا العريف. وقف بمواجهتنا
ـ محمود السلمان!
ـ ماذا تريد!
محمود السلمان معرون لدينا. إنسان صلب، قضى سنوات شبابه في خدمة القضية
ـ نعال معي!
قالها عريف الشرطة بتشف حاقد. تقترب محمود السلمان منه. وقف أمامه
ـ إلى أين تأخذني؟!
ـ إلى جهنم
ـ جهنم تأخذ رأسك
يجن جنون العريف، يرفع يده، يصفع محمود السلمان، محمود السلمان يركل العريف في بطنه
ـ قتلتني!! قتلتني!!
العريف على الأرض يتلوى، ورجال الشرطة يتوافدون راكضين" "الضفاف" ص106 و107، من هنا يتبين لنا عوامل الصمود الموضوعية بالإضافة إلى العوامل الشخصية للمعتقل، فالضغط العائلي تجعله اضعف في المواجهة، وأكثر حذر في الأقدام على أي خطوة يمكن أن توتر الأمور أكثر، أما في حالة العزوبية فيكون الأمر غير ذلك، فلا يوجد زوجة ولا أطفال يثقلون الكاهل.
من خلال هذا المشهد يتبين لنا حجم الحقد والغضب الذي يثقل صدور المواطنين، فالأنظمة لم تترك فرصة للمسامحة أو العفو، فهي كتلة من البطش والجهل مركبتا معا، وكذلك يبين لنا الشجاعة والبسالة التي يتحلى بها المعتقلون السياسيون.


العلاقة الزوجية

الكثير ممن تعرضوا للاعتقال والمطاردة لهم زوجات، فهم يعيشون ضمن المجتمع ويشكلون جزءا حيويا منه، وقد تناول اسما عسل فهد إسماعيل هذه العلاقة بإسهاب وتفصيل "قيل لعوام فقد قدرته على احتمال زوجته، راودته فكرة شيطانية سارع إلى تنفيذها. "ليذهبوا إلى الجحيم!"هرب إلى بغداد سرا، ضاربا بكل شيء عرض الحائط. زوجنه كانت حاملا أيضا. هو قرر التسلل إلى الأردن بطريقة ما....
ـ ما هذه السخافات التي سمعت عنها..!.. عليك أن تعود إلى البصرة حالا، ومحاولة إيجاد حل لمشكلتك.. من اجل أطفالك على الأقل.. أأنت مجنون" "السماء زرقاء" ص72و73،
"ـ من بغداد كانت زوجتي نزيلة المستشفى
ـ هل شرعت بالانتحار مرة أخرى؟
ـ لا.. بل شرعت بإسقاط الطفل من بطنها أكثر من مرة. هي مرضت. وهو رفض السقوط
ـ ليتها ماتت!
ـ أن أربيه ما دام أبوه قد هجرني
كانت قد تعللت. وأتم:
ـ بعد أشهر ولدت الطفل. ولدته مشوها، ومن حسن الحظ انه مات في يومه السابع" "السماء زرقاء" ص74، يتبين لنا هشاشة العلاقة الزوجية بين الطريد وزوجته، فهو لا يلقي بالا لها، ضغط الحياة وهمومها يجعلانه بهذه الشاكلة، يفكر بنفسه فقط، تاركا كل ما يربطه وراء ظهره، والزوجة لا تقل عن هذا المستوى من عدم المسؤولية اتجاه زوجها وطفلها، فها هي تفعل كل شيء لتنزيل جنينها قبل أن يكتمل، الظروف جعلتها قاسية وحتى قاتلة، فلم تراعي مسألة الأمومة بتاتا، وها هي تفرح لموت طفلها الذي ولد، وهنا يتبين لنا حجم المأساة التي تقع فيها المعارض في جحيم النظام العربي، فالكاتب هنا يريدنا أن نفكر بهذا المسهد الذي يفتقر الأدنى المشاعر الإنسانية، فالإنسان هنا فقد معنى الحياة الاجتماعية، وكأن الساعة قد قامت، فتذهل كل مرضعتا عما أرضعت تضع كل ذات حملا حملها، إذن القيامة حدثت في الدول العربية ولم يعد هناك استهجان لأي فعل غير منطقي.
أن يترك الرجل زوجنه وان تسقط المرـة طفلها، وان تفرح لموته، لم تحدث إلا في (ظل من يحموم) نعتقد هنا أوصل لنا الكاتب فعلا إلى الجحيم العربي بكل دقة ووضوح، فلا مجال للبقاء فيه أبدا، حجم الضغوطات النفسية التي يتعرض لها السياسي في ظروف المطاردة والتشرد لا بد أن تدفع به ـ أحيانا ـ لمثل هذه الأفعال، التخلي عن الزوجة، ليس لأنها غير مناسبة، لكن لأنه لم يعد يستطيع أن يقوم بدور رب الأسرة فعليا، فالعجز بالإضافة إلى الضغط والقهر وفكرته عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان تجتمع معا فيتشكل لديه حالة مركبة ومتداخلة من عدم الاستقرار وانعدام المنطق، فالسياسي المعارض هو فعلا طاعون يجب التخلص منه ومن كل يقترب منه، منها نجد الزوجة التي من المفترض أن تحمل حنان وعطف الأم، ها هي تفرح لموت طفلها وتقول كلمة لا تنم عن الأمومة حتى بأدنى أشكالها، فالحيوان يعمل بكل قوته للدفاع وحماية الصغار، ولا يوجد حيوان يقدم على قتل صغاره أبدا، لكن السياسي المعارض العربي يقدم على ذلك بضمير مستريح!

المرأة



لقد أعطا الكاتب مساحة جيدة للمرأة لكي تعبر عما يجول في نفسها من مشاعر وأحاسيس، فوجودها في الأدب الاشتراكي حيوي ومهم، ومن دونه يفقد هذا الأدب احد أهم منطلقاته وأهدافه، "ـ هل تكرهني؟
كيف لا وهي القيد الذي يهد عنقه.. كيف لا وحبها يسعى إلى استعباده.. الم يكفها حرمانه من اقتناء الكتب ومطالعتها!!
ـ أنت لم تحبني؟!
حقا!.. سامحيه.
ـ ألا زلت تحبني؟
ـ أنا أراك بوجهين!
ليته يراك بأكثر من وجه. مل هذا الوجه الناعم والعينين الصغيرتين. بقولون عنها. جميلة هو لا يدرك في أي جزء يكمن جمالها. لعله في لسانها الذي لا يكف ثانية عن العمل. حتى في النوم كانت لا تني تمارس نشاطها بكلمات لا يفهمها.
ـ قبل أيام قال لي ابن خالي.. جمالك من نوع خاص آخذ بالازدياد رغم الولادة والرضاعة
ـ تضنك لا تزال تكره ابن خالي
كيف لا وهو الذي يبعث فيها الغرور مرة في الأسبوع على الأقل
ـ هل تسمح لي بإغلاق الباب!
وسيلة ناجعة للمصالحة.
عادت وجلست إلى جانبه. نظرة خاصة التمعت في عينيها، وشابت صوتها بحة معينة
ـ الثياب الداخلية التي جئتني بها أخيرا ضيقة جدا. تحز خاصرتي .. انظر!
وكشفت ـبحركة لا تخلو من غنج ـ عن نصفها الأسفل"" "السماء زرقاء" ص59 و60، نجد هنا قدرة المرأة على استخدام طرق وأساليب للحفاظ على العلاقة بالرجل، ففي كلامها الناعم الهادئ عناصر الجذب والاستقطاب للرجل، وقد أوجدت منافس ـ شبه وهمي ـ ليندفع الزوج نحوها أكثر، فحديثها عن ابن خالها يمثل عنصر منشط للمساعدة في عودة العلاقة إلى طبيعتها، ولم تكن المرأة العربية مجرد زوجة تنجب الأطفال وحسب بل أيضا مشاركة وفاعلة في العمل السياسي، وها هي فاطمة تقوم بدور يحوي في عملية التحضير للإضراب رغم أنها تحمل مشاعر جياشة اتجاه زوجها البعيد عنها فتبقى محافظة على الرغم من حرمانها من الزوج لأكثر من أربع سنوات " رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة
كاظم عبيد ينام في بيتي وأنا امرأة لي إحساساتي. رغباتي.جسدي
ـ أنت إنسانة رائعة جديرة بزوج..
ـ إنسانة رائعة جديرة بزوج
ـ .. رائعة جديرة بزوج
ـ .. جديرة بزوج..
ـ زوج.. زوج.. زوج..
ألا تفهم؟! .ز ألا تشعر؟! .. ألا تدري؟!
واليوم. فجر اليوم. وأنا خلف الباب بانتظار كاظم عبيد. توقعته يخرج ليسرق بيت مدير المصنع، وبالفعل خرج، فسارعت لإغلاق الباب، وطفقت أنتظره، وفي صدري عاصفة حقد، وعندما عاد:
ـ هل وفقت؟!
فيندهش:
ـ لا افهم!!
ـ هل وفقت في مشروعك؟!
دهشته تتضاعف:
ـ لا افهم!!
وأنا الغبية التي لم تفهم، وأصر على أن أصنفه مثلك. وأكاد اصفق الباب في وجهه:
ـ سرقة بيت المدير؟!
كنت عند زوجتي.
أحسست بالخجل وبتفاهتك. شوقه لزوجنه دفعه لارتكاب مغامرة محفوفة بالمخاطر
وأنت:
ـ الزواج مسؤولية والتزام، وأنا ما خلقت لكيلا أعيش مقيدا...
وفجأة تغيب.. تختفي. تتلاشى. تنعدم لو انك كنت لعرفت كيف أنساك. أبع سنوات يا ظالم!.. وأمل عودتك يظل يشدني من قلبي، وقلبي فجر اليوم انتفض.
ت كنت عند زوجتي
أنا .هو الليل.
وتفرعت في داخلي إلى الرجل. أي رجل. ليس مهما أن تكون أنت. ولو انه قرأ عيني.ز لكنه أكثر نظافة منك/ كما هي حال زوجة احمد عبد الله" "الضفاف" ص243 و244، في المشهد السابق نجد الصراع داخل المرأة المخلصة لزوجها والمرأة التي تبحث عن تفريغ غريزتها، فهي تبدي ما في نفسها من مشاعر وأحاسيس الأنثى اتجاه الرجل، فهي كائن بشري يشعر ويحس ويحمل الغريزة والدوافع الجنسية والعاطفية اتجاه النظير الآخر، وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يحسب للكاتب الذي نحج في تقمص دور المرأة وجعلنا ننسى بان الكاتب هو رجل وليس امرأة، فالدور الحيوي الذي أخذته لم يكن أن ينجح بدون أن يكون الكاتب قد وصل إلى حالة من المقدرة الفائقة على تفهم مشاعرها ومعرفة طبيعتها.
كما أن الكاتب لم يقتصر فكرته عن المرأة في المشاعر والأحاسيس التي تحملها، بل تعدى ذلك إلى إعطائها دور حيوي في أحداث الرباعية، يوازي دور الرجل أم لم يتفوق عليه، فقد منح فاطمة مساحة جيدة لتعبر عن ذاتها، "رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة"من خلال هذه الكلمات يتبين لنا مشاعر المرأة الأنثى اتجاه الرجل، فهي ذات قدرة هائلة على التحمل والجلد،فرغم الحرمان من الزوج لمدة تزيد على الربع سنوات تبقى محافظة لزوجها، فهي تحترم كاظم عبيد لأنه ذهب لزيارة زوجته قبل أن يقدم على عمل السرقة التي يمكن ينكشف أمره ولن يتمكن من وداعها، فالمرأة السياسية (متحررة) تقوم بأعمال يمكن أن تكون ذات شبهة أخلاقية في مجتمع ذكوري لا يرحم، ومع هذا كانت صلبة وتجلد نفسها على الانزلاق وراء غريزتها وانفعالها، وما المشاعر التي أبدتها إلا حوافز ودوافع للزوج لكي يعود ليس أكثر.


المجتمع ألذكوري

لم يكن لأي كاتب أن يتجاهل طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، فالمجتمع العربي ذكوري بامتياز، والرجل فيه صاحب (القول الفصل) خاصة بالأمور التي تتعلق بالزوجة أو المرأة فهم (قوامون على النساء) "لا يستطيع نسيان شروعها بالانتحار. كانت حاملا ذلك الوقت "هه!... زوجة"
تحدثه بقتل نفسها، فيضحك منها. جاءت بزجاجة كبيرة مليئة بالنفط قبالته
ـ"سأشرب !
عاد يضحك، فأصرت:
ـ "والله اشرب!"
ضحك بصوت عال، وكان أن أتت على أكثر من نصف الزجاجة، لم يمنعها، بل على العكس داخله إحساس بالراحة بادئ الأمر. ولكن
ـ لن أظل معك .. طلقني!
ـ لن اسكن معك نحت سقف واحد!.. كنت تضحك مني أثناء شربي!

ـ طلقني
تملكه الغضب. انهال عليها بصفعة قوية
ـ مجرم
صفعها ثانية، وثالثة" "السماء زرقاء ص57 و58، المشهد السابق يظهر كيف أن الرجال هم السادة والنساء هن الجواري، فها هو يقوم بمعاملتها بإهمال ولا يبدي أدنى اهتمام بزوجته، وكأنه يستمع لتمثيلية إذاعية لا تخصه، ولا يكتفي بذلك بل ويزيد في احتقارها وأهانتها من خلال الصفعات التي وجهها، فالرجال في المجتمع العربي (كالحجارة وشدة قسوة)
ولم يكتفي المجتمع العربي بهذه الممارسة اتجاه المرأة بل انه أعطاها صورة مشوهة ومتخلفة تعكس طبيعة التفكير المتخلف "ماذا تضن بنفسها؟! ... وكيف عرفت بان مشروعي لن يضيف ؟! مسكينة!.. امرأة .. مجرد امرأة مهجورة تجد في العمل السياسي متنفسا لكبتها الجنسي" "الضفاف" ص257، هنا تكمن الكارثة، عندما ينحرف التفكير إلى هذا المنعطف ولا يعود قادرا على معرفة الخطأ من الصواب، ويقاد من خلال مشاعر شخصية ويتحكم به التخلف والجهل، فمثل هذه الكلمات سمعناها عن الشهيدات (دلال المغربي وسناء محيدلي وابتسام خرب) وحتى طال الشهداء الذين تم تشويهم من خلال ( خلافه مع والده دفعه لهذه العملة، كان سكير حشاش لا يعرف ماذا يعمل فاختار طريقة للانتحار ويقال عنه شهيد) مجتمع قاسي جدا ولا يحترم حتى أبطاله، فبصرف النظر عن منطلقات أي عمل بطولي من المفترض أن تحترم هذا العمل ومن قام به، أن اختلفنا أم اتفقنا معه، لكن في ظل مجتمع أهمل أهم أداة عنده ـ العقل ـ لا نستغرب مثل هذا القوال وطريقة التفكير البائسة.


الخمر

السجائر وشرب الخمر احد أهم أشكال التمرد ورفض الواقع عند الكثير من المثقفين والذين عملوا في السياسة الخمر المحرمة دينيا واجتماعيا، تعاطيها يمثل المس بقيم المجتمع ومفاهيمه، وبما أن السياسي والمثقف هم على خلاف وتناقض فكان لا بد من تجاوز هذه المفاهيم واختراقها وبقوة، أعطانا إسماعيل فهد إسماعيل في رباعيته مشاهد عديدة وكثيرة حول تعاطي الخمر، حتى أنها تشكل احد أهم الأعمال التي يقوم أبطال الرواية، وها هو كريم البصري يتحدث عن الخمر وكأنها الصديق الحميم له.
" ـ الله بالخير ـ ربع عرق مسيح إذا سمحت!
ـ حاضر الصديق وقت الضيق، والعرق خير صديق، وهذا الرأس الحقير يجب أن يظل مخدرا إلى الأبد
ـ تين العرق؟!" "الضفاف" ص130 الخمر هنا يمثل وسيلة للهروب من الواقع ونسيان الهموم التي تثقل كاهل السياسي، وقد قال كريم البصري بكل وضوح ""نص عرق" والساعة لم تجاوز الرابعة والنصف، ولم لا .ز ما دام الصحو عذابي؟!
أليس الأفضل لهذا الرأس أن يظل مخدرا؟!" "الضفاف" ص125، الهدف من وراء شرب الخمر تخدير العقل ونسيان الهموم، فالضغط النفسي واليأس الفكري تدفع إلى إيجاد مخرج، هذا يكون بشرب الخمر، ورغم أن هذا التخدير والمخرج مؤقت وليس دائم إلا انه لا بد منه.
وهناك صورة أخرى تتحدث عن شرب الخمر وكأنه أمر عادي جدا ولا يثير أي حساسية اجتماعية.
" ... وجرعة العرق التي أصبحت عملا روتينيا صغيرا من بين الأعمال التي تنهد للشروع بالسرقة" "الحبل" ص10، كاظم عبيد يتحدث وكأنه يتحدث عن شرب الماء أو العصر، الذي يمنح الجسد الحيوية والنشاط، فالخمر هنا ليست مخدرا بل منشط ولها مفعولها الحيوي قبل الأقدام على فعل يحتاج إلى تركيز وذهن صافي وجرأة، فالخمر يشكل مادة ذات تأثير متباين تخضع طبيعة تأثيرها لحالة الشخص النفسية، كما أن تمثل الفاكهة التي يتناولها المثقفون والسياسيون "كل المثقفين يشربونه. ولا يحلو الحديث في السياسة إلا على مائدته.جربته مرة ومرة. ثم اتخذت منه وسيلة مساعدة" "الحبل"ص111، من هنا يتبين لنا أن الخمر احد وسائل وأشكال الرفض لهذا المجتمع وللسلطة والقوانين وللمفاهيم فيه.



الدين

طبيعة الأدب الاشتراكي تتناقض مع الفكر الديني، ويعتبر الفكر الديني من الأدوات التي يستخدمها النظام والمجتمع لدعم حالة القمع والتخلف، فتناول الكاتب المسألة الدينية بشكل حوار يدور بين السياسي المطارد وضابط الحدود، فكان الضابط الذي يدعي الإيمان مجرد شخص مدعي لهذا الفكر الديني وتشكل ممارسته للعبادة مجرد شكل فارغ لا يحمل أي مضمون أخلاقي أو فكري، فهو يتقلب بفكره وسلوكه بسرعة مذهلة وهو على استعداد للتخلي عن المعتقد الديني لمجرد أن يتعرض لأبسط أنواع التهديد، وها هو الضابط الذي كان يتجبر ويفاخر بإيمانه يسقط سقطة مدوية أمام أول امتحان.
" ـ سأصرخ لو اقتربت!!
ـ حقا!
وانحنى على جسد الضابط، مستطردا:
ـ لماذا تصرخ؟ .. ستموت أولا وأخيرا.
رقت لهجة الضابط:
ـ يمكنك أن تذهب.. لا تدع وجودي يقيدك.
ـ أمس طلبت مني أن أضع نهايتك بيدي، وأرجأت أنا العمل إلى اليوم
امسك بالرقبة الضخمة. الأصابع الواهنة تتشبث بيديه
ـ أتوسل إليك لا تقتلني
ـ قل ..لا ترحني
ـ لا ترحني!! ـ لماذا لا؟
ت من اجل أطفالي!!
ـ أطفالك!... أنت بعت الآخرين بمعية أطفالهم!
ـ أليس من اجل الأطفال... من اجل زوجتي!
شاعت ابتسامة في وجه الجالس، وضيق قليلا من قبضة أصابعه
ـ طلقها ـ سأطلقها
شد من أصابعه
ـ طلقها ... بالثلاث.. طلقتها .. أرفع يديك عن رقبتي
أرخى من أصابعه قليلا
ـ إلا تؤمن بالآخرة؟
ـ بلى .. بلى والله أؤمن!
ـ كيف تطلق زوجتك إذن؟!.. ستبقى هناك بلا زوجة!
ـ من أجلك أتنازل عنها!
ـ من اجلي أنا .. أومن أجل دقائق تعيشها؟
ـ سمها ما شئت
ـ بدأت تستعير كلماتي!
ـ أنا آسف!
ـ آسف .. آسف ...هه
وشد منى أصابعه
ـ أليست الآخرة هي الحياة الخالدة؟
ـ بلى والله.. لكنك تقتلني!
ـ سأعجل بذهابك إليها!
ـ لا أريد أن اذهب .. لا أريد
ـ غريب !!..لماذا؟
ـ لا ادري .. لا ادري! ـ أتؤمن باني قادر على زهق روحك؟
ـ نعم .. فقط دعني الآن!!
خفف ضغط الأصابع، ثم تحررت الرقبة تماما
ـ هذا ما قصدت إليه!
...
ـ ماذا قصدت؟
ـ أن اثبت لك عدم أيمامك
ـ إيماني !! فأجاب الآخر بتسليم:
ـ أنت لست مؤمنا!... كنت لا تتورع عن بيع إلهك لقاء دقائق معدودة نعيشها معذبا!
عقد الضابط حاجبيه:
ـ حقير! .. كنت نجري تجربة! .. ساومتني على إيماني!
ـ وأنت بعته لي
ـ في الضرورات تباح المحرمات
ـ عذر مقبول بالنسبة لرجل مشرف على الموت!
ـ الله غفور رحيم
ـ أتقنعني؟ .. أم تقنع نفسك؟!
ـ ذاك ما ورد بالنص
ـ والنصوص الأخرى؟!.."اثنان لا تقربهما الشرك بالله ولأضرار بالناس"
ـ هو غفور رحيم!
ـ لكنهم ما فعلوا مثلك!
ـ من هم؟
ـ المسلمون عامة، والأوائل خاصة. كانت قريش تعذبهم حتى الموت، بينما هم أصحاء يطمعون بحياة خمسين أو أكثر، كانت ألسنتهم ـ رغم العذاب ـ لا تكف عن ذكر الله. هم ما باعوا ربهم بحياة خمسين سنة، وأنت بعته بساعات
ـ أأنت الذي يدافع ؟!
ـ أنا لا أنافق
ـ قبل قليل ألقيت برأسي وتملك غضب مجنون بمجرد كلمة قلتها؟
ضيق الضابط من فتحة جفنيه محاولا التذكر، ثم قال:
ـ أظنني قلت.. الإنسان الملحد مجرم بالفطرة..
ـ لم اغضب من هذه. بل تذكرت الكلمة الأخيرة!
ـ ها ... الإنسان الملحد يفتقر إلى راحة الضمير والثقة بالنفس
ـ هذا أمر مفروغ منه بالنسبة لمن مثلك.
ليست هذه .. تذكر الأخيرة!
ـ أضنها .. الذي لا يؤدي الفرائض الخمس ليس بمسلم
ـ ذاك ما قلت أنت بالحرف
ابتسم الضابط، وقال:
ـ أهذا ما أغضبك؟!
ـ ليس تماما..لكن لهجتك كانت تبايعني إنسانيتي
ـ كيف؟!
ـ كانت تشير إلى جميع الطيبين وتحمل شعار جميع الحاقدين، كنت سأثبت لك كونك ملحدا بانت الدهشة والانزعاج على وجه الضابط
ـ كيف كنت تصلي؟
ـ منذ أكثر من عشرين سنة. ما عدا الأيام التي تلت الانقلاب الأخير
ـ قل الثورة الأخيرة
ـ حسنا .. الثورة الأخيرة
ـ وهل كنت تصوم؟
ـ منذ أكثر من عشرين سنة أيضا عدا النصف الثاني من رمضان هذا العام
ـ لماذا انتقصت الشهر؟
ـ مشاغلي كثيرة
ـ وشغلتك عن ربك؟!
ـ ليس تماما ... أطعمت الكثير من المساكين لقاء إفطاري
ـ هل هي عملية مقايضة؟! أطعمت المساكين ومعدتك البرجوازية بمعيتهم.. أليس كذلك؟" " السماء زرقاء" ص121 – 125، رغم أن هذا الضابط لا يمثل رجل دين إلا أن الكاتب أراد من خلال هذا الحوار نتأكد بأن العديد من الذين يدعون الإسلام والإيمان ليس لهم أي علاقة إيمانية به، وما قولهم وعبادتهم إلا أفعال وأقوال فارغة من المضمون الحقيقي للإيمان، وهذا الشكل الفارغ سرعان ما يزول عند أول قطرة ماء، فبينما كان الملحد السياسي صلبا ومقنعا في كلامه، كان على النقيض منه رجل الدولة الضابط الذي يمثلها، فهو لم يتوانى عن التنازل عن زوجته ودينه مقابل لمجرد أن تم تهديده فأي إيمان هذا؟.
ونجد الصلاة والصيام التي تمثل أركان أساسية في الدين الإسلامي، لا يقوم بها تجاوبا مع نهج النظام الجديد الذي كان لا يحبذ الفكر الديني، يتضح لنا النظرة السلبية للدين، ولو أعدنا كتابة الرواية من منظور (الاشتراكية) المنفتحة عصريا لكان من الأفضل أن يعطى الدين الصورة الإيجابية وان يتم الاستشهاد برجال يمثلون الجوانب الإيجابية فيه كما كان القسام.
هناك مواقف أخرى تم ذكرها في الرواية حول المسألة الدينية، فقد اظهر لنا الكاتب موقف الرفض المطلق لدين " ـأنت بحاجة للتنفس عما يعتمل فيداخلك!
ـ حسنا .. من أجلي تكلم.. بالله عليك!!
عدنا إلى السلطة الدينية!" "السماء زرقاء" ص87،فهنا كان التطرق لأبسط الأمور الدينية ـ كلمة "بالله عليك" تثير الحفيظة، وهذا ينم على درجة المعارضة لكل ما هو ديني في ذاك الزمن.
لكن هذا الموقف السلبي والمتطرف جدا من الدين والفكر الديني تم تجاوزه في رواية "الضفاف" حيث تم ذكر كلمات ذات مدلول ديني وكأن قائلها مؤمن بها "أحس بأني على شفا حفرة من الجنون!.. لأسكر ولامت بعد ذلك .. والى جهنم وبئس المصير"ص124، من هنا جاءت صورة الإنسان المسلم العادي الذي يأخذ من الإسلام ما يكفيه على لسان (الزاير) السجان السابق الذي انقلب على أسياده "أنا بالرغم من كل شيء رجل...
أصلي وأصوم... وابني استشهد في سبيل الوطن... "ولا تجسسوا ولا يغتب .." "الضفاف" ص169، فهنا أعطانا الكاتب صورة المؤمن الذي يحافظ على العبادة،فهو هنا مخلص لدينه ولفكره، لكن الرجل هنا من المعارضين للنظام وليس من أتباعه كما هو الحال مع ضابط الحدود، وكأن الكاتب أرد أن يعطي صورة إيجابية لكل من يعمل في المعارضة حتى لو كان يحمل فكرا دينيا وحتى لو شغل وظيفة سجان.






المكان

الكاتب لم يهمل المكان أبدا، على النقيض من تعامله مع أسماء شخصيات الرباعية حيث ،تم تجاهل أسماء الأبطال تماما، حتى أنهم كانوا مجهولين الاسم، ولكن المكان كان حاضرا، فهناك بغداد والبصرة والكويت والأردن وإيران، "هرب إلى بغداد" "السماء زرقاء"ص72، فالمكان هنا لا يشكل استقرارا مستديما، وإنما مؤقتا، هو يتماثل مع حالة التشرد والنفي التي يعاني منها الأبطال، فرغم أن الجغرافيا تعني الثبات والاستقرار إلا أن الكاتب جعله أيضا مماثلا لحالة شخصيات الرواية، كما انه يشكل حالة ضغط وعامل منفر للشخصيات ومساعد للنظام في عملية القهر التي يتعرضون لها "طرقات البصرة شبه مقفرة" "الضفاف" ص36 هذا المشهد يؤكد حالة الضغط الذي يسببه المكان على شخصيات الرواية.
وقد أعطانا الكاتب التأثير الذي يتركه المكان في نفسية الشخصيات الروائية، في حالة التواجد فيه يكون ثقيل الظل ويسبب الهم والكآبة للشخصيات، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون اقرب إلى القلب، وهنا يمكننا الاستنتاج بان المكان في ومن القهر يشكل عبئا أضافيا، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون كالحم الذي يشكل الحافز للمزيد من العطاء والتضحية "... البصرة ... علام لا أحبها إلا إذا فارقتها؟!" "الحبل" ص31، وهنا تكمن المأساة العربية، الاغتراب داخل الوطن والتشرد فيه، والاستقرار والراحة والسكينة خارجه! هكذا هو الوطن العربي.



الكتاب


لقد كان الكتاب وما زال وسيلة التثقيف والتعليم لكل العلوم والمعارف الإنسانية، فالكثير من الذين يتعاملون مع الكتاب هم مثقفون أو معارضون، فنكاد لا نجد سياسي غير مثقف أو مثقف غير سياسي، ففي القرن الماضي كان التلازم بينهما حاضرا وقويا.
فالكتاب يشكل احد وسائل الخروج من الواقع البائس إلى عالم رحب مترع بالخيال والجمال، شخصيات الرباعية مثقفة باستثناء (الزاير) السجان، من هنا كان ذكر الكتاب في الرباعية حاضرا وقويا، فهذا الاهتمام يؤكد على الحالة التي يوليها المعارض السياسي لعملية التثقيف "ألم يكفها حرمانه من اقتناء الكتب ومطالعتها!!" "السماء زرقاء" ص59، الكتاب يشكل إحدى الوسائل التي تخفف الهموم والمتاعب عن السياسي، فهو هنا بمثابة عامل مساعد على المواجه والصمود ومقارعة الواقع والمجتمع، كما أن الكتاب يشكل عامل موحد وجامع للمثقفين والمعارضين " ويوما شاهدت في يده كتابا. هو حاول إبعاد عنوانه عن عينيك. "العمل" ومن طرف خفي و"الأجير". وأنت قلت مبتسما:
ـ يبدو انك تقرأ مثل هذه الكتب!
... كنت تتحرق شوقا بقراءة الكتاب. وكتاب مثل هذا بالذات" "الحبل" ص61، يعتبر كتاب لينين "ما العمل" من أهم الكتب التي روجها الشيوعيون لأعضاء الحزب، فهو يمثل خطط عمل للوصول إلى الخلاص من الاستبداد والظلم، فهو بمثابة مرجع لكل الثوريين في العالم، فذكر هذا الكتاب يؤكد التوجه العام لدى المثقف نحو الأدب الاشتراكي تحديدا دون سواه، "وفجأة اكتشفت وجود مكتبة في المنزل. فما عادت ابنتك.. توجهت بكلي إلى المكتبة. قصص. روايات. دواوين شعر. فلسفة. سياسية...
ـ سأستعير هذا، وهذا، وهذا، و...
كنت أشبه بالمأخوذة أمام طوفان الكتب" " الضفاف" ص30،نجد هنا الهوس بالكتاب وكأنه كنز ذهبي تم العثور عليه، فكلمة "سأستعير هذا وهذا" تشير إلى الجوع للكتاب والأهمية التي يوليها المثقف للكتاب، فهو وسيلة معرفة وتفريغ ويدفع بالفكر إلى الأمام ثم يتبعه العمل، الذي يشكل احد أهم ميزات المناضل، فكان الكتاب بمثابة الطاقة التي يتزود بها المثقف للاستمرار في نضاله.


الرمز


الأدب الاشتراكي لا يولي الرمز أهمية كبيرة، فهو يهتم بالواقع والصور القريبة منه، لكن في عالم الأدب لا يمكن التمسك بالنظرية بحذافيرها، ولا بد من الخروج عليها، ولهذا نجد هناك بعض الجمل التي وضعت كرمز، تخدم الفكرة أولا ثم جمالية الرواية ثانيا، "ثوبها كان اصفر تلك المرة.
لم يكن يتطلع إلى الثوب. هو يكره اللون الأصفر" "السماء زرقاء" ص42، كان ومازال اللون الأصفر يمثل الجهات الرجعية عند اليسار، واصفة اللون (الأصفر) تطلق على كل ما هو رجعي ورأسمالي، من النقابات إلى القيادات، وقد أخذ اللون الأصفر مساحة جيدة كمصطلح عند اليسار والمعارضة.
"لحم الأغنياء له طعم خاص. عندما تأكله تخشى التخمة" "الحبل" ص101، نجد هنا الكناية عن التخمة التي يتصف بها الأغنياء على حساب العامة، ففي الأدب الاشتراكي لا بد من التطرق إلى التفاوت الطبقي، وهذا ما لم يستطع الكاتب التخلي عنه في رباعيته.




الحيوانات


في حالة القرف من الواقع يتجه الكاتب إلى الحيوانات كتعبير عن القرف الذي يعاني منه فقد ذكر شكسبير في "الملك لير" العديد من الحيوانات كتعبير عن حالة السخط لكل ما هو قائم، وقد انزل عبد الرحمن منيف على كلبه (وردان) في رواية "حين تركنا الجسر" اشد وافضع اللعنات كتعبير عن حالته المضطربة، وهذا المر قام به إسماعيل فهد إسماعيل في رباعيته، فهناك ذكر للضفادع والسلاحف "سلحفاة صغيرة اعترضت طريقه. تخطاها، ثم حانت منه التفاتة إليها... كانت تعاود الزحف."لماذا خلقت داخل هذا القفص المحكم؟!" "السماء زرقاء" ص47، هنا منحت السلحفاة البطل دافع للاستمرار في الدرب وكما أن حركتها البطيئة تجعله يعي أهمية التقدم حتى لو كان متواضعا، "صوت الضفدع انتزعه من خيالاته" "السماء زرقاء" ص50، الضفدع هنا يمثل الواقع والإزعاج الذي يحرم البطل من السكينة والتخيل، فهو رمز الشؤم والشر الذي سيحل على الآخرين.
"قدماه في الطين. رائحة الماء تصافح أنفه. نقيق الضفادع" "الحبل" ص26، الرمز الذي يمثله الضفدع جاء هنا كواقع معاش مما جعل الرمز والواقع يتداخلان معا، من هنا أعطا الكاتب بعدا رمزيا لحدث الواقعي.


اللون

استخدم الكاتب عدد من الألوان في رواياته، خاصة اللون الأزرق الذي أطلق على الجزء الأول من الرباعية "كانت السماء زرقاء" وقد انتشر في الرواية كانتشار لون السماء على الأرض، فتم استخدامه في الرواية كعامل محفز ومثير للحب والجنس معا، "كان ثوبها ازرق ضيقا يبرز مفاتن صدرها وفخذيها" " السماء زرقاء" ص24، مثل هذه الجمل تم توزيعها على كافة أحداث الرواية، وهنا لا بد من التذكير بان هناك انسجام تام بين اسم الرواية وأحداثها، هنا كان تأثير اللون الأزرق الطبيعي ـ لون السماءـ يمنح الحرية والفضاء الرحب والجمال والانطلاقة، وهذا ما فعله لون الثوب الأزرق على شخصيات الرواية فهنا نجد التخيل والفرح التمتع بالجمال الذي يتركه الثوب وصاحبته في نفس البط، فرغم السواد الذي يطغى على أحداث الرواية وطبيعة القمع والذي يعاني منه بطل الرواية، إلا انه وجد متنفس وفضاء رحب من خلال هذا الثوب ومن يرتديه.
أما في رواية "الحبل" فتم استخدم عدة اللون "لكنها ـ رغم معرفتها للقرأة ـ لم تلبس بنظام اللون الليلي. الأسود" "الحبل"ص15
"اللون الرصاصي يهيمن على البصرة" "الحبل"ص57"
"رفعت قميص سيدتها الوردي" "الحبل" ص104، فهنا تناثرت مجموعة من اللون لكلا منها طبيعته الميزة


سينما الرافدين و(شارلي شابلن) وسينما الحمراء و(طرزان)

استعان الكاتب بفلم شارلي شابلن كمساعد لترويج فكرته في رواية "كانت السماء زرقاء" وبشخصية (طرزان) في رواية "الحبل" وهنا كان التماثل بين حدث الرواية ـ السرقة وتسلق السور بواسطة الحبل ـ وبين فلم طرزان. وهنا لا بد من التذكير بان الكاتب نجح في اختيار أسماء الروايات التي تشكل الرباعية، ففي "كانت السماء زرقاء"
حيث كان اللون الأزرق حاضرا في العديد من المراحل الأحداث الروائية وفي رواية "الحبل" كان الحبل و(طرزان) يشكلان عناصر أساسية من أحداث الرواية، أما رواية "الضفاف" فكانت تتماثل مع قطبين كان لشخصات الرواية أن تختار احدهما.




#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق والغرب عند توفيق الحكيم
- العامة في يوليوس قيصر والعرب الآن
- الطرح الطبقي في عصفور من الشرق
- المفكر الامام البوطي
- خذني الى موتي
- المرأة ملاذ الشاعر من الواقع
- الرفض في القصة الفلسطينية
- شيطان في الجنة هنري ميللر
- بسام عويضة والربيع العربي
- رحى الحرب قسطنطين سيونوف
- الاحياء والاموات
- قصة الرعب والجرأة
- الانسان اللآلي
- الخندق الغميق سهيل إدريس
- قلادة فينسي
- ام سعد
- صورة (صورة الروائي) مرآة الضحية والجلاد
- لغة الماء عفاف خلف
- لعبة المتناقضات في رواية - إنهم يأتون من الخلف
- وادي الصفصافة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رباعية إسماعيل فهد إسماعيل