أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإنجليزي – كونستابل - تيرنر















المزيد.....


الفن الإنجليزي – كونستابل - تيرنر


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 01:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جون كونستابل، هو خليفة جينزبورو في فن رسم المناظر الطبيعية. مكان ميلاده يبعد 14 ميلا عن مكان ميلاد جينزبورو. لذلك نتوقع أن يكونا قد شاهدا نفس مناظر الطبيعة الخلابه.

عندما توفى جينزوبرو، كان عمر كونستابل 12 سنة. والده كان طحانا، هو نفسه عمل كطحان في صدر شبابه لكي يساعد والده. قام بدراسة المناظر الطبيعية في الخلاء. كان يستلهم الفن من جمال نهر "ستور"، الذي توجد على ضفافه طاحونة والده.

عندما كان طفلا، كان يسير حالما على ضفاف نهر ستور. يقول كونستابل: "هذه المناظر, هي التي جعلتني رساما. وأنا ممنون لذلك". ثم برهن على امتنانه، بأن وهب نفسه لرسم المناظر الطبيعية، وصار فنانا. رسم أجمل لوحاته على ضفاف النهر، وحول الطاحونة القديمة، كما كان يسميها.
http://www.wikipaintings.org/en/john-constable/stratford-mill-1#supersized-artistPaintings-191227

كان يعرف المباني القديمة في قريته، ويراقب السحب وهي تتشكل وتتغير مع تغير الطقس. وعرف كيف يرسمها في أوقات مختلفة، ليبين بها اتجاه الريح، وأين تتجمع الأمطار. الأشجار في لوحاته، تميل مع النسيم، أو تنحني مع العاصفة، أو تهيج وتموج مع غضبة الطبيعة. في أحد لوحاته، التي تصور هطول المطر، قال أحد الفنانين الذي كان يشاهد لوحته: "كونستابل جعلني أبحث عن معطفي و مظلتي".

كونستابل، مثل جينزبورو، يحب البساطة، حقل ذرة، قرية بسيطة، غدير، مراعي، قطيع أغنام. هو أيضا، يحب أن يُظهر في لوحاته حصان أبيض اللون. كان ينتظر حدوث شئ ما، أو مرور شخص بعينه. لكي يُظهره في لوحاته بطريقة طبيعية لا يبدو فيها التكلف.

إذا كان جينزبورو قد اهتم بالمناظر النائية الوعرة، والغابات الغير مأهولة، كان اهتمام كونستابل بالريف الوديع، والمزارع والحدائق والمراعي الحية. تفاصيل كونستابل، أكثر دقة من تفاصيل جينزوبورو.

لوحة الحصان الأبيض لكونستابل.
http://www.wikipaintings.org/en/john-constable/stratford-mill-1#supersized-artistPaintings-191248

أشجاره أكثر خضرة، سماؤه أكثر زرقة، لوحاته أكثر حيوية. لذلك، كونستابل، وليس جينزبورو، هو "أبو المناظر الطبيعية الإنجليزية". إذا كان جينزبورو فنانا تأثيريا (لا يهتم بالتفاصيل الدقيقة)، فكونستابل فنان واقعي (أقرب إلى الحقيقة).

كان كونستابل معجبا بالرسام "كلود"، أمير وشاعر المناظر الطبيعية الفرنسي. وكان كلود يبادله الإعجاب، ويشتري لوحاته.

منظر طبيعي للرسام الفرنسي كلود.
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/b/b4/Claude_Lorrain_014.jpg

لم يحصل كونستابل على منحة للدراسة في أكاديمية الفنون بلندن، إلا بعد أن حصل على ميداليتي تقدير في باريس. في الواقع، لم يلق كونستابل، على الإطلاق، التقدير المناسب في وطنه.

منزله كان مليئا باللوحات. وكان يعرضها بالمجان للمشاهدة. لكنه لم لم يستطع بيعها بسهولة. كان قلقا على الدوام، بسبب الضيق المالي. قال له صديق يوما ما: "مهما بلغ بك الأمر، يا كونستابل، عليك أن تترك القلق".

بارك ويفنهو لكونستابل، بساطة وجمال وسلام، لا أكثر ولا أقل.
http://www.wikipaintings.org/en/john-constable/stratford-mill-1#supersized-artistPaintings-191264

توفى كونستابل عام 1837م. بعد وفاته بخمسين عاما، وهبت عائلته لوحاته إلى الشعب الإنجليزي.

بعد جينزبورو وكونستابل، تقدم فن رسم المناظر الطبيعية تقدما كبيرا. وصف الفنانون في كل أنحاء العالم، في لوحاتهم مناظر الطبيعة الخلابة. لكن أعمال الفنانين القدامى، لاتزال هي المنهل العزب الذي يرتوي منه الفنانون المحدثون.

نترك الآن كونستابل، ومراعي سوفوكل الخضراء، ونذهب إلى منزل متواضع في حارة ضيقة من حارات لندن. هنا تعيش عائلة تيرنر. الغرفة الأمامية بالطابق الأرضي، تحولت إلى دكان حلاقة للأب تيرنر.

الأسرة صغيرة، تتكون من أب بشوش رغّاي، وهذا دأب غالبية الحلاقين، وأم لها طباع عصبية، والابن وليام، المولود عام 1775م. عندما كان وليام طفلا، مرضت والدته وأودعت مصحة الأمراض العصابية.

تينر الأب، كان يرتزق من الحلاقة ومن مهنة تصفيف الشعر والعناية بالبواريك الصناعية التي تلبس على الرأس، كانت مهنة مربحة في ذلك الوقت. بعد فقد الأم، لم يكن الابن والوالد يفترقان.

عندما كان عمر الصغير تيرنر خمس أو ست سنوات، في يوم من الأيام، رافق والده إلى منزل تاجر فضة ثري. بينما كان الحلاق يبدر باروكة الثري ويعتني بها، جلس الصبي على كرسي مرتفع، أخذ يبحلق في رسم الأسد على الصينية الفضية الموضوعة على الطاولة أمامه.

أثاء العوده، ظل ويليام صامتا. في المنزل، جلس على المنضدة وجاء بورقة كبيرة، رسم عليها من الذاكرة صورة طبق الأصل للأسد التي شاهدها على الصينية الفضية.

بخلاف الآباء الذين تحدثنا عنهم سابقا، تيرنر الأب، كاد يطير فرحا. عرف منذ هذه اللحظة، أن ابنه سوف يكون رساما. تحققت نبوءة الأب، وأصبح تيرنر، فيما بعد، من أعظم رسامي المناظر الطبيعية الإنجليز.

مع مرور السنين، سمح لتيرنر بمرافقة البحارة، والتجول على ضفاف نهر التايم، والسير تحت جسور لندن، وبين السفن الراسية في الميناء. ربما تكون هذه الحياة غير مناسبة لصبي في هذا العمر، لكن تيرنر الصغير كان يحب رؤية الماء والنهر.

قام بدراسة كل شئ عن السفن. وكان يجلس ليراقب تأثير الضوء والظل على أشرعة المراكب في الأيام المشمسة، والأيام التي يكثر فيها الضباب. وكان يرسم ما يراه بأمانه وما يحس به بصدق.

عندما بلغ وليام 10 سنوات، أرسله والده إلى مدرسة في برينتفورد، وكان يقيم مع عمه الجزار. هنا في الريف، كان يجد ويليام سعادة غامرة في التجول بين الحقول، يرسم الطيور والأشجار والزهور، على غلاف كراساته وكتبه.

لو استطعنا أن نجمع في معرض واحد، كل الشخابيط والاسكتشات التي رسمها الفنانون الذين سبق ذكرهم، عندما كانوا صغارا، لكان لدينا معرضا فريدا يستحق الاهتمام والدراسة. وكنا سنجد اسكتشات تيرنر من بين أفضلها. لأنه في سن الثانية عشر، عرض له اسكتشان في الأكاديمية الملكية بلندن.

بعد برنتفورد، ذهب تيرنر إلى مدرسة في مارجيت، قرية جميلة في مقاطعة كنت. هناك، ولأول مرة، رأى البحر. كان حريصا على مراقبة ورسم أشعة الشمس والصخور والأمواج. هنا أيضا، وقع في غرام أخت أحد زملاء الدراسة.

كان يجد صعوبة في دروس اللغة اللاتينية. درس قليلا من التاريخ والميثولوجيا، التي وظفها فيما بعد في بعض لوحاته. قرية مارجيت كانت مكان بهجة لتيرنر، وجد بها الفن والحب. في سنواته الأخيرة، غالبا ما كان يأتي إليها لقضاء أجازته.

كل هذا الوقت، والوالد الحلاق، كان يعمل ليل نهار، لكي يوفر لابنه تعليما جيدا. عندما كان يُسأل عن مستقبل ابنه، كان يجيب بكل فخر، أنه سوف يصبح رساما.

بعد عودة تيرنر من مارجيت، بدأ في دراسة علم المنظور (الأشكال القريبة كبيرة والبعيدة صغيرة). لكنه لم يحرز تقدما في هذا العلم. مما جعل مدرسه ينصح والده بتوفير فلوسه وعدم ضياعها في دراسة الفن. ونصح الوالد، لكي يعد ابنه للعمل كاسكافي أو خياط.

بعد ذلك، حاول تيرنر دراسة الهندسة المعمارية، لكن المدرس نصح الوالد بإرسال ابنه للأكادمية الملكية للفنون. لأن هذا هو مكانه الطبيعي. بعد التحاقه، اختفت متاعبه وبدا كل شئ على ما يرام.

في الأكاديمية، بدأت حقا حياته الفنية. سرعان ما اكتشف أساتذته عبقريته الفنية. فيما بعد، أصبح عضوا في الأكاديمية الملكية، ثم مساعدا. قضى باقي حياته، يكرس جهوده لخدمة الأكاديمية.

توم جيرتين، الفنان الذي أسس مدرسة الرسم بالألوان المائية في إنجلترا، كان صديق الصبا لتيرنر. في الريف، كانا يقومان بالرسم معا. في المدينة، كانا يكسبان بعض المال من رسم لوحات لتجار الفاكهة وإضافة مناظر السحب والسماء إلى لوحات المباني الهندسية.

جيرتين توفي شابا في سن السابعة والعشرين. حزن عليه تيرنر حزنا بالغا. كان يعترف بنبوغه، ويقول أنه لو ظل جيرتين حيا، لتضورت جوعا. في سنواته الأخيرة، فقد تيرنر أصدقاء آخرين. منهم الشاعر مور، والمثال روجرز.

صورة بورتريه، رسمها تيرنر لنفسه عام 1799م.
http://www.wikipaintings.org/en/william-turner/self-portrait-1#supersized-artistPaintings-238804

في وقت ما، وهذا من حظه، كان تلميذا للسير جوشوا رينولدز. لكن السير جوشوا توفي قبل أن يستوعب الفنان الشاب أسلوبه في الرسم. عندما كان تيرنر عمره 18 سنة، بدأ رحلاته سيرا على الأقدام، والتي ظل يحبها طول حياته.

كان قوي البنيان، غير مهندم لا يهتم بمظهره. يلبس ملابس لاتناسبه، ويضع أمتعته في صرة مربوطه في عصا، يحملها على كتفه أو ظهره. في بعض الأحيان، يحمل حقيبة ومظلة قديمة، يدها تصلح أن تكون عصا سنارة صيد سمك. لأنه كان يحب الصيد، وصيد السمك بصفة خاصة.

كان معتادا على المشي 20 أو 25 ميلا في اليوم. أثناء رحلاته، لا يفوته شئ هام أو ملفت للنظر. عندما يعجبه مشهد، يقوم برسم كروكي، ثم يرسمه لاحقا على لوحة، مستعينا بذاكرته القوية.

كراسة اسكتشاته، بها تنويعات كثيرة. حساب مصاريفه، وما يسمعه من أخبار وإشاعات، وما شابه. جولاته الأولى كانت داخل إنجلترا، ثم تخطت الحدود إلى بلاد أجنبية أخرى. وكان دائم البحث عن منظر فريد له معنى ينقله إلى لوحاته.

كان يفضل تيرنر السفر بمفرده. لذلك كان يسمى ناسك الطبيعة الكبير. بعد عودته من أحد هذه الرحلات، وجد خطيبته قد هجرته، وتمت خطبتها لشاب آخر. وهو شئ عادي يحدث للكثيرين منا. لكن هذا الحادث، كان له تأثير سئ على فناننا الشاب.

تغيرت شخصية تيرنر، من رجل سعيد يأمل في المستقبل، إلى شخص عابس بائس مائل للعراك. منذ تلك اللحظة، رتب أموره على أن يكون هدفه في الحياة شيئان، الفن والغنى. هذا شئ طبيعي لإنسان صدم بقسوة في حبه، وجرح بعمق في كبريائه وكرامته.

لعده سنوات، ظل يرسم الناس، ولم يكن صبورا مع طلبته. في عام 1808م، عين مدرسا بالأكاديمية، وظل يشغل هذا المنصب لمدة 30 سنة. في البداية، لم تكن محاضراته ناجحة. جمله كانت غامضة ومملة. وكان يتكلم بغمغمة وعدم وضوح.

في أحد المرات، اعتلى منصة المدرج، وبعد أن تحسس جيبه، صاح مذعورا، قائلا: "سادتي، لقد تركت المحاضرة في العربة". بعد أن سكن في عدة أماكن في لندن، استقر به المقام، لمدة 40 سنة، في بيت قديم في شارع الملكة آن.

السقف كان يرشح، والأبواب كانت مهزوزة. التراب وخيوط العنكبوت، والرطوبة في كل أركان البيت. وقططه عديمة الذيل، تجول في المنزل بحرية وأمان.

لكن هذا البيت مليء بالإسكتشات واللوحات النادرة. الأب تيرنر أصبح الآن يعيش مع ولده الفنان. مهنة العناية ببواريك الشعر لم تعد مربحة بعد تغير الموضة.

كان الأب يساعد في شغل البيت ويعد اللوحات للابن. ثم يطليها بطبقة من الورنيش بعد رسمها. وكان تيرنر يقول: "والدي يبدأ اللوحة وينهيها".

كان تيرنر يمتلك منزلا بالريف، بمنطقة تويكنهام، لمدة 15 سنة. في هذا المنزل ، كان يحى حياة ريفية حقا. له قارب، وعربة بعجلتين يجرها حصان عجوز. كان يعشق الطيور، ويحمي أعشاشها. كان لديه بالمنزل نموذج سفينة. في حديقته مخزن كان يحفظ فيه لوحاته.

لكن تيرنر باع المنزل الريفي، لأنه كان يعتقد أن والده يعمل خارجه كثيرا مما يعرضه للإصابة بالبرد كثيرا. الأب والإبن كانا لا يفترقان عن بعضهما، وكان الأب فخورا جدا بابنه الفنان. عندما مات الأب عام 1830م، حزن تيرنر حزنا بالغا لوفاته.

سنرى الآن لماذا يعد تيرنر من بين عمالقة فن الرسم. بدأ حياته بالرسم بالألوان المائية، ثم الرسم بالزيت. يرسم بسرعة ولمساته واضحة ومحكمة. لا يهتم بالصيغ الفنية قدر اهتمامه بالألوان وما يضفيه البحر والسماء من تأثير على المشهد.

في بعض الأحيان يستخدم الإسفنج، لرسم زبد البحر أو السحب. وفي أحيان أخرى يستخدم أي شئ حتى أظافره لتشكيل موجات البحر. لا أحد من الفنانين استطاع أن يرسم مثله. ولم يترك فنان آخر مثل هذا العدد الهائل المتنوع من لوحات المناظر الطبيعية مثل تيرنر.

صيادو السمك في البحر في ضوء القمر.
http://www.wikipaintings.org/en/william-turner/fishermen-at-sea#supersized-artistPaintings-238718

لكي نعرف حقا فن تيرنر، علينا أن نزور كل أوروبا، بما في ذلك إنجلترا واسكتلندا، وضفاف الراين والقلاع والكاثيدرائيات العريقة. وأيضا قصور النبلاء في جبال الألب. ونعرف شيئا عن تاريخ اليونان والرومان والبندقية وقرطاجة. ونحب البحر والسماء والطبيعة بجمالها وجلالها.

تيرنر لم يكن ينقل المشهد كما يراه مثل الكاميرا. لكنه كان يرسمه بروح شعرية عميقة مليئة بالتصوف. صوره من الصعب فهمها. لأنه من غير الممكن للآخرين رؤية وجهة نظره.

غرق سفينة نقل.
http://www.wikipaintings.org/en/william-turner/the-wreck-of-a-transport-ship#supersized-artistPaintings-238865

البعض يرى فنه غامضا لا معنى له، مجرد لطع لونية، آخرون يحاولون جاهدين رؤية انطباع تيرنر عندما قام برسم المشهد. أحد السيدات أخبرته يوما أنها عندما كانت تنسخ لوحته، اكتشفت أنه يضع لمسات من الأحمر والأزرق والأصفر في كل مساحات اللوحة.

هنا أجابها تيرنر: "حسنا، هل ترين نفسك أيضا كجزء من الطبيعة؟ إذا لم تكني، فلتساعدك السماء". بعد أن رسم المساء في أحد لوحاته، اعتقد أن اللوحة تحتاج إلى منطقة غامقة في المقدمة لاظهار التباين. لذلك، قص صورة كلب أسود ولصقه على اللوحة. هذه الورقة، لا تزال ملتصقة على اللوحة حتى الآن.

مرة أخرى رسم عاصفة ثلجية في البحر. في أحيان أخرى. قال عنها النقاد أنها رغوة صابون ومنظر باهت. تيرنر الذي أمضى الساعات مربوطا إلى عمود الشراع في السفينة، حتى لا يسقط في الماء، لكي يلتقط المنظر الحقيقي للعاصفة، غضب من قول النقاد، ثم قال: "أنا لا أعرف كيف يرون العاصفة. أتمنى لو كانوا معى داخلها".

رسكين، الناقد الفني العظيم، كان معجبا بفن تيرنر كل الإعجاب. في كتابه "تاريخ الرسامين المحدثين"، يقول بالنسبة لرسم تيرنر: "فقط الفحص الدقيق أو بالنظر بالمجهر، يمكننا اكتشاف كل الروائع المختبئة بين حنايا اللوحة".

اللوحة التي يأخذها رسكين كمثال لفن تيرنر، هي لوحة "سفينة العبيد".
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/26/Slave-ship.jpg

اللوحة موجودة الآن في متحف مدينة بوسطن بالولايات المتحدة. اللوحة تمثل سفينة محملة بالعبيد، تصارع عاصفة رهيبة في المحيط. المحيط مقسوم نصفين. أشعة شمس المغيب تتسلل من بين السحب في صورة سيف بتار يقسم المحيط، ويعلن رفضه لما يحدث، والثورة على تجارة العبيد.

تجار العبيد يلقون بالأموات والذين يحتضرون إلى الماء المضطرب بالأمواج العاتية. أصفادهم وأغلالهم وأياديهم المرفوعة تظهر من تحت الماء. الأسماك تظهر أيضا من بين الأمواج.

الظلام والليل الحالك يتجمعان للانقضاض والسيطرة على المشهد. تيرنر كان معجبا بهذه اللوحة. وعندما باعها، قال لقد فقد أحد أبنائي.

لوحة أخرى قريبة إلى قلبه، هي لوحة "تيميرير القديمة"، وهو اسم سفينة حربية تجر إلى الشاطئ. هذه اللوحة، رفض تيرنر بيعها، ووهبها بعد وفاته إلى الأمة الإنجليزية.

قبل أن يرسم هذه اللوحة بسنوات عديدة، كان قد ذهب إلى بورتزموث، لكي يرى أسطول القائد نلسون، بعد انتصاره في ترافالجار ضد الأسطول الفرنسي والأسطول الإسباني مجتمعين. هو نفس الأسطول، بقيادة نلسون، الذي هزم الأسطول الفرنسي من قبل في معركة أبوقير البحرية.

رأى تيرنر السفينة الحربية "تيميرير" وهي تحمل بكل فخر العلم الإنجليزي. السفينة، أثناء المعركة البحرية، وقعت بين سفينتين حربيتين فرنسيتين، لكنها استطاعت أن تأسرهما معا.

الآن بعد مضي عشرات السنين على هذه المعركة، وبينما كان تيرنر يسير على شاطئ نهر التايمز، رأي السفينة الحربية ذات التاريخ المجيد، يجرها زورق سحب صغير، إلى ورشة بحرية لكي تفكك وتقطع إلى أجزاء صغيرة.

صرخ تيرنر قائلا، هذا موضوع رائع. وهو ينظر إلى السفينة البطلة، التي أمضت سنوات مجد وفخار كثيرة. ثم رسم صورة السفينة. وهج الشمس الغاربة يغمر المشهد بالضياء، الذي يودع السفينة العجوز الوداع الأخير.

الشفق يظهر في الأفق، والقمر، الذي أشرق لتوه، يلقي ضياءه الخافت في الماء. إنه مشهد حزين ومثال للدراما في فن الرسم. هنا تتحقق مقولة الصورة خير من 1000 كلمة. لذلك كان يسمى تيرنر "أستاذ الغروب والأمواج".

بالنسبة للتكوين الفني للصورة، نجد تيرنر يضع السفينة شمال اللوحة بقامتها العالية، وجعلها تبدو كالأشباح، بالمقارنة بألوان باقي اللوحة. حجم السفينة ولونها يتباين مع قارب السحب البخاري. معنى اللوحة هو الضعف بعد القوة، والشيخوخة بعد الشباب. ولا دائم إلا الله.

هناك من يعتقد أن السفينة ترمز لتيرنر نفسه، فقد رسمها في سن متأخرة. ولأنه يعتبر هذه اللوحة أعز لوحاته، ربما يعطينا هذا دليلا على أنه يتوحد مع السفينة، ويتوقع اقتراب أجله، وأنه يعيش أيامه الأخيرة.

كبر تيرنر في السن، وبدأ يضعف أسلوبه، ويسرف في لمساته. لوحاته الأخيرة بهتت ألوانها، وأصابها التشقق. بالإضافة إلى رسم المناظر الطبيعية، قام تيرنر بعمل رسوم توضيحية للعديد من الكتب. وأنشأ مدرسة جديدة لفن النحت. وألف كتابا لمساعدة الطلبة على دراسة الرسم، يشمل مشاهد من كل أنحاء العالم.

كان يأمل أن يشغل وظيفة رئيس الأكاديمية الملكية، لكنه لم يكن كفؤا لهذه الوظيفة بسبب شخصيته لا فنه. الملك لم يكن مهتما بفنه. لذلك لم يحصل على لقب فارس. لكنه أصبح ثريا من بيع لوحاته ونقوشه.

عمل بإخلاص لفنه حوالي 60 سنة. عرض لوحاته في 45 عرض سنوي في الأكاديمية الملكية. لكن في العرض السنوي لعام 1851م، لم يرسل لوحات للعرض كالعاده. اختفى تيرنر وترك ملحوظة يقول فيها لا أحد مسموح له بدخول منزله.

صحة تيرنر بدأت في الأفول. ثم وُجد مريضا في كوخ صغير على ضفاف نهر التايمز. مات هناك في غرفة متواضعة تطل على النهر، حبه الأول. دفن في كاثيدرائية القديس بولس بجوار السير جوشوا رينولدز.

عند قراءة وصيته، وجد أن الثروة التي حرص في حياته على جمها، قد تبرع بها لمساعدة الفنانين الفقراء وتدريبهم. لوحاته الكثيرة، وهبها للشعب الإنجليزي. وهي هبة تزيد قيمتها عما تبرع به أي فنان إنجليزي آخر في تاريخ البلاد.

وإلى اللقاء إن شاء الله، لكي نواصل حديث الفن والفنانين.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن الإنجليزي – جينزبورو
- الفن الإنجليزي – رينولدز
- الفن الألماني – هانس هولباين
- الفن الألماني – دورير
- الفن الهولندي – العصر الذهبي
- الفن الهولندي – رامبرانت
- الفن الفلمنكي – فان دايك
- الفن الفلمنكي – روبينز
- الفن الفلمنكي – فان آيك
- الفن الإسباني – موريللو
- الفن الإسباني – فيلازكويز
- الفن الأسباني – عمارة الأندلس
- الفن الإيطالي – رسامو البندقية
- الفن الإيطالي - تيتان
- الفن الإيطالي - كوريجيو
- الفن الإيطالي - رفائيل
- الفن الإيطالي - ليوناردو دافنشي
- الفن الإيطالي – بداية عصر النهضة
- الفن الإيطالي - كانوفا
- الفن الإيطالي - سيليني،بولونيا،برنيني


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإنجليزي – كونستابل - تيرنر