أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم محمد علي موسى - لنمضي معاً –قصة قصيرة














المزيد.....

لنمضي معاً –قصة قصيرة


ميثم محمد علي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4093 - 2013 / 5 / 16 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


لنمضي معاً –قصة قصيرة
أستيقضت صباحاً بعد أن سمعت صوت مزلاج الباب عندما غادرت زوجتي المنزل إلى عملها. لم أكن مستعجلاً فأنا في أجازة لعدة أيام ، وعادة ما أقوم بقراءة عدد من صفحات كتاب ، قبل النهوض من الفراش في يوم الأجازة أو العطلة.
في يوم ربيعي مبكر جميل كهذا تشرق فيه الشمس في سماء صافية ، تشعر بالنشوة والنشاط يسريان في جسدك، وتتسسلل أفكار دافئة إلى رأسك، ويصبح مزاجك رائقاً، فتنسى متاعب الأيام السابقة وهموم العمل !
قمت أولاً بأزاحة الستائر عن النوافذ لأستمتع بالدفء الذي تبعثه أشعة الشمس المتسللة عبر زجاج النافذة ، وأخذت حماماً دافئاً ، وأرتشفت قهوتي بتمهل .
تناولت أفطاري الذي وضعته زوجتي على الطاولة مع قصاصة ورق تُذّكرني بضرورة شراء بعض الأحتياجات المنزلية مع قبلة مِنها . قرأت الصحيفة التي تركتها زوجتي على الطاولة قبل خروجها ولم أجد الكثير من الأخبار المثيرة فيها ، وكأن هذا اليوم مُخطط بشكل كامل ليبعث الحيوية في المرء.
أحساسي بالدفء والنشاط دفعاني للخروج إلى الحديقة لتشذيبها وأزالة الأعشاب منها ، وبدون شعور كنت أدندن بأغنية أطفال قديمة سمعتها في الصغر . وبعد ساعتين من العمل في الحديقة في دفء الشمس أرتديت ملابسي للذهاب إلى السوق وشراء طلبات زوجتي.
بيتنا يقع على أطراف المدينة ويحاذي سكة الحديد ، وبين الحين والحين يمر قطار مسرع في أحد الأتجاهين. كما ان هناك شارعاً يتقاطع وسكة الحديد ، تشاهد المارة أو السيارات تقف عند حاجزه .
غادرت البيت سيراً على الأقدام . ووصلت السوق بعد نصف ساعة من المسير في هذا الجو الجميل ، دلفت وأشتريت الحاجيات التي طلبتها زوجتي ، وعدت أدراجي.
كنت أحيّي جيراني الذين ألتقي بهم أو أرد على تحياتهم وابتساماتهم ، فأشعة الشمس لاتبعث على الدفء فحسب بل والمزاج الرائق والابتسام على مايبدو . لمحت زوجين عجوزين ، كما يتضح من مشيتيهما المتهادية ، يتكئان على بعض ، متلاصقين ويسيران هويداً . توقفا لبرهة عندما لاحظا طفلاً يجري مع لعبته في الشارع ، وتابعاه بنظراتهما ، ثم اِلْتَفَتَا إليه ، فأنتبهتُ إلى باقة وردِ تحملها العجوز مضمومة بحنوٍ إلى صدرها . نادت العجوز على الطفل فدنا منها متطلعاً بعينين متسائلتين . دس الرجل يده في جيبه وسلم رفيقته شيئاً ما. أنحنت العجوز على الطفل ومسحت بيدها على رأسه بحنان ، طبعت قبلة على وجنته ووضعت في يده ما أخذته من رفيقها و ربتت على رأسه. شكرهما الصبي وأنطلق راكضاً لايلوي وهو يضحك جذلاً ، وجرى بعيداً وهما يودعانه بأبتسامة ونظرات حانية ملوحين له بأيديهما. طوق الرجل رفيقته بذراعيه وضمها إلى صدره وراح يقبلها بحنان غريب ..فيما بعد واصلا سيرهما وتوجها إلى تقاطع الشارع مع سكة الحديد ثم وقفا عند التقاطع على بعد أمتار ، كما لو أنهما بانتظارشيء ما. توقفت وصرت أراقب حركتيهما حيث أرخت المرأة العجوز رأسها على كتف الرجل مثل طفل صغير يغفو على كتف أمه.
مرت دقائق قبل أن أسمع من بعيد صوت القطار قادماً من أحدى الجهتين . تحرك الرجل العجوز والمرأة خطوات نحو سكة القطار ، وماهي سوى لحظات حتى أقترب القطار ليقفز العجوزين وهما متحاضنين تحت عجلاته لينهرسا أمام مرأى من عيني على السكة ويتناثرا مثل رذاذ المطر !

وقفت للحظات ، كأنها ساعات ، دهشاً، صامتاً ، مشتتاً حائراً وأنا أتطلع إلى هذا المنظر المرعب..مرت دقائق خِلتها قرنا من الزمن قبل أن أصحو على صرير مكابح القطار قبل توقفه على مسافة ، لأسمع من بعيد أصوات سيارات الإسعاف والشرطة. تم تطويق المنطقة وعزلها عن أعين المارة و الفضوليين .
قضيت بقية يومي مذهولاً ومرتمياً على مقعدٍ غير قادر على إبعاد شبح ذلك المنظر المفجع عن ذاكرتي وبأنتظار زوجتي لأخبرها بتفصيلات الحدث المروع. مر اليوم ثقيلاً ، ولم أستطع النوم بسهولة ليلاً .
في الأيام التالية كانت الصحف تنشر صورة لعجوزين أنيقين و قصة أنتحارهما معاً تحت عجلات قطار . تزوجا وعاشا حياتهما سعيدين وأنجبا عددا من الأطفال الذين كبروا وتزوجوا وتفرقوا في أرض المعمورة . بعد خمسين سنة من زواجهما أصيبت الزوجة بمرض عضال لاعلاج له ، ولم تكن تنفع معه المسكنات كثيراً ، وظلت تعاني من آلالام سنوات عدة لم يفارقها فيها زوجها العجوز، معتنياً بها ومشاركاً إياها آلامها .
وحين أصبحت غير قادرة على تحمل الألم ، قررت أن تنهي حياتها أنتحاراً ، وأسرَته بالأمر . ولأنه لم يكن ليتصور حياته بدونها ولا يقوى على فراقها ، فقد قرر أن يرافقها في رحلتها الأبدية . كتبا رسالة ألى أولادهما عن نيتهما وغادرا البيت.
.وهكذا وفي يوم مشمس كذلك اليوم ، متحاضنين أرتفعت روحاهما معاً إلى السماء.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظة : القصة من وحي حادثة حقيقية حصلت في مدينة هولندية في شهر فبراير 2013
(د.ميثم محمد علي موسى)



#ميثم_محمد_علي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمن الوفاء للوطن أو الملك؟ هولندا مثلاً !
- (( أبناء ميدان الشرف))
- أولئك الذين يُقبّلون الأيادي والأقدام!
- موت الشيوعي ماقبل الأخير ..
- تركيا ( تطلق سراح كتب معتقلة) !
- حروب سلفية - وهابية علنية
- مجزرة سنجار بين ألاسلام وألبوذية !
- زمن البعث وقائمة باسماء المغفلين والحمقى
- لماذا يُشتم هذا الكاتب مثلاً ؟هل عاد خلف بن أمين؟
- مصير القادة/هل من يتعض؟
- مازالت هولندا تغلي على مِرْجَل - علي!
- ماذا دهانا ؟
- الجرائم بلا عقاب ! وجريمة سامراء منها !
- ابعاد ثورة الكاريكاتيرالذي هز ملياراً !
- عار العراق
- الإعلام العربي .. إلى اين ؟
- سخرية ألأقدار من ألدوري ، قبل وبعد موته !
- قصر لساجدة خير ألله طلفاح في لاهاي !!
- ملاحظات سريعة حول مداخلة د. سيار ألجميل
- درس في ألتواضع


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم محمد علي موسى - لنمضي معاً –قصة قصيرة