أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لؤي قاسم عباس - جنازة السيد المدير ( قصة قصيرة )















المزيد.....

جنازة السيد المدير ( قصة قصيرة )


لؤي قاسم عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4093 - 2013 / 5 / 15 - 21:19
المحور: الادب والفن
    


اخترق صوت الناعي أُذني وهو يردد :- ( أخواني المؤمنين , أنقلوا اقدامكم الى جامع ... لتشيع جثمان المرحوم المغفور له ) حملت الريح الصوت بعيداً . هرع والدي كعادته يسترق السمع ويصغي اليه .
عاد الصوت من جديد ليتم عبارات النعي :- ( الحكم لله الواحد القهار ) , ضرب أبي براحة يده على ظاهر يده الاخرى وقال بأسف شديد :- ( الى رحمة الله ) , لطمت امي وجهها وقالت بلهجتها العراقية :- ( سودة بوجهي .. مات المدير ) .
بفرح شديد استقبلتُ خبر وفاة السيد المدير ... اي صباح جميل هذا , فيه يموت المدراء , وتغلق المدرسة ابوابها .
عاد صوت الناعي من جديد :- ( اخواني المؤمنين ... ) لم اتمالك نفسي اذ سبقتني قدماي الى اعلى سطح منزلنا ...
:- اه نعم انه السيد المدير . هرع ابي بـ ( دشداشته ) على غير عادته ونسى ان ينتعل عاد الى البيت مصعوقاً مذهولا ً لا يعي ما يفعل ولا يدري ماذا يقول وهو يتململ :- هل حقاً مات السيد المدير . انا لله وانا اليه راجعون .
انا لا استطيع ان اكتم فرحتي اريد ان ارقص في الهواء ... هل حقاً مات السيد المدير ... من سيقف مكانه في باحة المدرسة ومن سيرث عصاه ويلوح بها ويردد ( العصا لمن عصى ) من سيرتدي ربطة عنقهِ . الحمد لله مميت الاحياء الذي استجاب دعائي . ولو يستجيب الله دعائي مرة اخرى فيقبض روح ( معلم العلوم ) لكنت اسعد انسان في هذا الكون . احسستُ بيد والدي تجذبني من كتفي:- تعال معي الى جنازة السيد المدير رحمه الله .
:- أبي دعني وشأني منذ متى وانا احضر الجنائز ؟ ! لكن والدي اصر ان احضر معه في جنازة المدير . لم يكن ابي وحده من هرع يلبي نداء الناعي فاولياء امور تلاميذ مدرستنا كلهم هرعوا الى جنازة المدير . حمل المشيعون الجنازة بموكب مهيب يتقدمهم الناعي ينادي ( لا اله الا الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير ) .
:- نعم لقد امنتُ فعلاً بان الله على كل شئ قدير . فمن يصدق ان المدير يموت ؟! ومن يجرئ على ان يقبض روح المدير . الا الله الذي على كل شئ قدير . لستُ ادري لماذا يمرون بجنازة المدير من امام بيتنا . انهم يزفون الي هذه البشرى ، غداً ساصفع وجه ابنه بيدي هذه فلطالما آثره علي فهو الاول في كل شئ رغم انه لا يستحق تفوقه المزعزم .
صورة المدير تتقدم موكب العزاء .قلت في سري :- هذه صورة المدير لكن ملامحه قد تغيرت فليس فيها القسوة والصلابة التي عهدتها بل هو انسان وديع . لست ادري لماذا تتشابه صور الموتى فهم طيبون تحفهم السكينة والوقار ويعلوا قسمات وجوههم الحزن .
المنادي ينادي :- ( لا اله الا الله الحي الذي لا يموت مالك الملك العزيز الجبار الواحد القهار قهر عباده بالموت والفناء وهو حي لا يموت بيده الملك وهوعلى كل شي قدير ). لا زالت يد ابي تجذبني بقوة لتساير ركب المشيعين .
أبي يتبرك بلمس جنازة المدير واخي الكبير يقلده في كل شئ . ( معلم العلوم ) خلف الجنازة يبكي ( فشبيه الشئ منجذبٌ اليه ) استاذ رؤوف معاون المدير ذلك الانسان الطيب , الوديع , الهادئ لم اره ذات يوم يحمل عصا ولم يضرب طالباً في حياته اتمنى ان يكون هو المدير .
هذا ابن المدير يبكي خلف الجنازة شكرا لك يا ربي فلقد تحققت كل امنياتي .. ما كنت اظن ان ساعيش لارى ابن المدير يبكي اباه وما ان نظر الي حتى حظنت ابي اريد لعلي اثير في نفسه الغيرة والحقد فلا زال ابي على قيد الحياة يرعاني ويحتظنني وابيه فارق الحياة بلا رجعة .
لا زال ابي يمسك بيدي ويحرص ان اظهر في الجنازة امام ( معلمي مدرستنا ) فهو يخترق الصفوف ويتزاحم مع المشيعين ليتقدم الصفوف الاولى يد ابي تجذبني بقوة انشغلت ُ عن النظر الى ابن المدير بالنظر الى صديقي ( مهند ) الذي تجذبه يد ابيه هو الاخر ورحنا نتبادل الابتسامة الصفراء فيما بيننا .كنت احاول ان افلت من يد ابي لابارك لصديقي مهند ( هذا الخبر السار ) لكن يد ابي تجذبني بقوة ...
قلت لابي :- الى اين نحن سائرون
اجابني :- الى مثواه الاخير ... المشيعون مزدحمون حول الجنازة والركب يسير الى مثواه الاخير كما اخبرني والدي ... صديقي مهند يغيب عن عيني في الازدحام واعود المحه ونتبادل ابتسامتنا الصفراء .
وصلنا مقابر الموتى . لم استطيع ان اسأل والدي ( لمن هذه البيوت الصغيرة ) . تعالت الاصوات من كل مكان حين اقتربنا من حفرة صغرة ( لا اله الا الله , لا اله الا االله ) حمل المشيعون جثة المدير وانزلوه في تلك الحفرة الصغيرة . كنت اتطاول في النظر الى تلك الحفرة لارى ما فيها , كانت تخلو من كل شئ , هل هذا مثوى السيد المدير الاخير . اين اثاث مكتبه الفخم ؟ واين ربطة عنقه؟ ونظارته ؟ وعصاه ؟ اين ترك عصاه ؟ في غرفته في المدرسة ؟ ام في بيته ؟ كيف سيعرف عالم الاموات ان القادم الجديد هو المدير ما دام لا يحمل معه عصى ؟ لا شك ان خطأ ما قد حصل فلا يمكن للمدير ان يرحل بلا عصى .
نزل حفار القبور يلقن المدير:- ( اذا اتاك الملكان الصالحان وسألاك عن ربك فلا تخف وقل بلسان عربي فصيح الله ربي )
سألت والدي :- ابي ماذا يحصل لو لم يستطيع المدير الاجابة عن هذا السؤال ؟
:- صه يا بني
:- ابي اريد ان اعرف
:- سيضربوه بعصا من نار
تمنيت في سري ان يتلعثم المدير فلا يستطيع الاجابة , اه ٌ لو كنت انا احد هذين الملكين لتجاوزت ُ عن هذا السؤال الذي يعرف الجميع اجابته وسألته عن حاصل ضرب تسعمائة وخمسة وستون الف وثمان مائة واحدى وعشرون مضروبا في سبعمائة وخمسة وعشرون مليون وستمائة وسبعون الف وثلاثمائة وتسعة عشر .
اهال الحاضرون التراب على جثمان المدير وحملتُ بيدي الصغيرة التراب كما يفعل الكبار ورششته على القبر . اه لو كنت استطيع ان ابني فوق قبرهِ جبل من تراب خوفاً من ان يعود الى الحياة من جديد .
صاح حفار القبور:- ( رحم الله والديه من يبرئ ذمته) قلت في نفسي:- ( لا ابرئ ذمته فلازالت اثار عصاه الغليظة في يدي) . لمحتُ صديقي ( مهند ) تزين ملامحه ابتسامته الصفراء ويكاد الفرح يفر من عينيه ( مثلي تماماً ) .
صاح المشيعون :- الفاتحة ، قرأ الجميع سورة الفاتحة اما انا فقد قمت اعد من الواحد الى العشرة ولم اتم العد فقد استكثرتُ عليه ان اعد للعشرة مسح المشيعون بوجوههم تبركاً بسورة الفاتحة ومسحت ذقني تبركاً باتمام العد والحساب .
عاد المشيعون بعد ان تركوا المدير يلاقي ذنوبه واثامه ليس معه سوى ( منكر ونكير ) في تلك الحفرة . وصلتُ الى البيت منهمكاً وقد اخذ التعب مني كل مأخذ واثار قبضة ابي على معصمي . اخذتني اغفاءة صغيرة واستيقضت على صوت أمي يوقظني من نومي .
:- اه امي اتركيني فليس عندنا مدرسة اليوم
قالت امي :- انهض
:- امي الم يمت المدير؟ فكيف تفتح المدرسة ابوابها بلا مدير ؟
:- انهض يجب ان تذهب الى المدرسة . استسلمت ُ لاصرار والدتي وخرجت احمل حقيبتي وانا امني النفس بان أجد ابواب المدرسة مغلقة , وجدتُ لافتة على جدار المدرسة فيها نعي السيد المدير . لكن ابواب المدرسة مفتوحة والنظام الصباحي نفسه ليس فيه اي اختلاف وقفت ُ في المكان المخصص لي في كل يوم وما هي الا لحظات حتى خرج الينا استاذ رؤوف ( الطيب , الوديع ) يحمل معه عصا المرحوم ويرتدي نظارات وربطة عنق شبيه بتلك التي كان ( يرتديها رحمة الله عليه ) اندهشتُ حين رأيت ابن استاذ رؤوف يقف خلف والده تماماً مثلما كان يفعل ابن المرحوم في عهد ابيه وفي اول افتتاحية له قال وهو يلوح بعصاه:- ( العصى لمن عصا ) ونعاهدكم ان نسير على خطا السيد المدير ( رحمة الله ) والويل لمن تسول نفسه ان يسئ لسمعة مدرستنا فلقد ولى عصر الانفلات بلا رجعة فهذه العصى لمن عصا .



#لؤي_قاسم_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة الاحلام ... قصة قصيرة
- عتيق للبيع ( قصة قصيرة )
- بغداد عاصمة الثقافة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لؤي قاسم عباس - جنازة السيد المدير ( قصة قصيرة )