أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - «حماس» وطلبنة غزة














المزيد.....

«حماس» وطلبنة غزة


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4091 - 2013 / 5 / 13 - 08:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ليس من حق "حماس" ولا أي جماعة إسلامية أو غير إسلامية أن تتحكم في سلوكيات المجتمع وحريات الأفراد وتتجبر فيها بالقوة والقانون طالما أن تلك السلوكيات والحريات لا تعتدي على حقوق الآخرين. ما تقوم به "حماس" في غزة، ويناظره هوس الأحزاب الإسلاموية الأخرى بالسلوكيات الفردية وأسلمة وطلبنة مجتمعاتها، يدلل على أمور كثيرة جديرة بالنقاش والكشف والنقض. في الأشهر القليلة الماضية تسارعت وتائر وتوترات الطلبنة في قطاع غزة بشكل غريب، وأعادت الناس إلى المربع الأول من زمن حكم "حماس" للقطاع عندما شعر الناس بضغط المناخ الطالباني يهبط فجأة على حياتهم وحرياتهم الفردية. بعدها تعقلنت "حماس" وتراجعت بعض الشيء عن تعليمات وقوانين أثارت السخرية مثل قانون منع المرأة من تدخين الأرجيلة وسؤال كل امرأة ورجل في أي مكان عام عن إثبات رسمي لطبيعة العلاقة بينهما، وكأن الجميع مُتهم إلى أن يثبتوا العكس، وهي سلوكيات رسمت صورة كاريكاتورية عن حركة المقاومة أكثر من أي صورة أخرى.

بيد أن الهوس والتوتر في السلوك الاجتماعي والفردي للناس عند "حماس" والجماعات الدينية في قطاع غزة عاد ليفرض ذاته على المناخ المخنوق أصلًا في القطاع. ففي الفترة الأخيرة هناك أخبار متلاحقة عن ممارسات قسرية تتدخل في خصوصيات الأفراد وتفرض عليهم أنظمة شمولية وأبوية تريد أن تراقب علنيتهم وسريتهم. وتتنوع تلك الممارسات بين صدور قوانين وتعليمات واضحة إلى تبني توجهات عامة غير مكتوبة لكن يُناط بالأجهزة الرسمية تطبيقها (وبحيث يتم التنصل منها في حال اشتد الرفض لها وجوبهت بمقاومة واسعة)، وصولًا إلى خلق المناخ العام الذي يتيح لأفراد الشرطة والمباحث فرض رؤاهم هم على مسلكيات الناس، منطلقين مما فهموه من إشارات وتعليمات عامة للحفاظ على "الفضيلة" أو على "الأمن الفكري" للمجتمع.

في سياق ذلك المناخ تعدد منظمات حقوق الإنسان قائمة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها حكومة "حماس" في قطاع غزة، سواء بحق النساء، أو الفنانين، أو الكتاب والأكاديميين، وأخيراً بحق مرتادي المكتبات العامة حيث أغلقت بلدية غزة نادياً لتعليم اللغة الإنجليزية بسبب الاختلاط، ومنعت جلب واستخدام الكمبيوترات الشخصية إلى المكتبة (بسبب سوء استخدامها!). كما عادت إلى الفضاء العام الممارسة البغيضة المتمثلة في سؤال أي امرأة ورجل عن إثبات "العلاقة الشرعية" التي تخولهما مرافقة بعضهما بعضاً في أي مكان. وبُعض هذه الممارسة لا يتمثل في سوء النية المُفترض في كل اثنين، بل يتجاوزه في الاتصال بأهل المرأة وإخبارهم عن "إلقاء القبض" على من تخصهم وهي في رفقة رجل ما، وهي ممارسة تجسسية صبيانية تخلو من الحد الأدنى من المروءة. ولا نعرف على أي أساس يمكن تبرير هذا التصرف الفوقي الذي لا علاقة له بما عُهد من مروءات مسلكية في تاريخنا تنهى عن التجسس على أسرار حياة الناس الخاصة، وحتى عن دخول الرجل على زوجته في بيته من دون إعلامها مسبقاً!

والخطاب الرسمي لـ"حماس" وحكومتها يتجه دوماً لنفي أي سياسة لها علاقة بكل ما ذكر أعلاه، والإحالة على مبالغات خصوم "حماس" ومحاولاتهم تشويه سمعتها، وتضخيم "بعض" الأخطاء التي تتم على أساس فردي. وهذا رد فعل تقليدي لأي سلطة تدافع عن سياسات وسلوكيات صبيانية ترفضها الغالبية من المجتمع. والأجدى والأجدر بـ"حماس"، حتى لا نقول الأكثر رجولة، هو أن تواجه ذاتها وتُطلق نقاشاً فكرياً وسياسياً وفقهياً داخل دوائرها حتى تصل إلى إجابات داخلية أولًا ثم تناقش ذلك مع مجتمعها الفلسطيني وتعرض عليه رؤيتها كي يقبلها أو يرفضها بشكل حر وديمقراطي. أما سياسة "الفرض المتدرج" و"خلق المناخ" ثم التهرب من المسؤولية فهي فضلاً عن كونها مكشوفة ولا توحي برصانة وثقة، فإنها تدميرية للمجتمع و"حماس" معاً. وعلى "حماس" أن تواجه المعضلات الكبرى التي تواجهها كل الحركات الإسلامية التي تجد نفسها في مأزق خلط الدين مع السياسة، وتحاول أن تجد أجوبة خاصة بالسياق الفلسطيني وليست "مستوردة" من أي سياق آخر. وهذه المعضلات التي يفرضها خلط الدين بالسياسة على الصعيد الاجتماعي، ونرى تمثلاتها في سياسات التخبط في قطاع غزة، هي عملياً كعب أخيل الإسلاموية السياسية عاجلًا وآجلًا.

وتتعلق واحدة من أهم المعضلات النظرية والعملية بفهم الديمقراطية من قبل الإسلاميين، الذين يفهمونها من زاوية سياسية فحسب وكآلية لهزيمة الخصوم انتخابياً ثم الوصول إلى الحكم. ولكن الديمقراطية أوسع من العملية الانتخابية إذ هي نظام اجتماعي للعيش المشترك، فإن قلنا إن هناك "ديمقراطية سياسية" تنظم التنافس السياسي والتداول على السلطة سلمياً، فهناك "ديمقراطية اجتماعية" تقر بالاختلاف السلوكي والثقافي والديني والاجتماعي على قاعدة التعايش. وإذا تعدت الديمقراطية السياسية على تلك الاجتماعية تحول النظام إلى نظام شمولي أبوي على النمط الستاليني أو الكوري الشمالي، حيث تتدخل السلطة في التفاصيل الفردية للبشر وتتجسس على تنفسهم، وحيث تحاول أن تصهر المجتمع والبشر في قالب واحد يُنتج أفراداً متماثلين ونمطيين لا يقرون بالتعددية ولا يشعرون بـ"المواطنة" إلا مع الشبيه والمتماثل وفقط. وعملية الصهر وتوحيد الأفراد هي عملية مستحيلة وفاشلة حتى لو انطلقت من منطلقات دينية، لأنها ضد طبيعة الحياة وتنوعها، وإلى ذلك يشير النص القرآني الذي يقرر اختلاف البشر وعدم خلقهم على دين أو ملة واحدة.

و"الديمقراطية الاجتماعية" تقرر أن المجتمع طيف واسع من القناعات والسلوكيات والحريات الفردية التي لا دخل للسلطة فيها طالما أنها لا تؤثر على حقوق الآخرين. وعندما تنحدر السلطة، أي سلطة، إلى تسنم دور ضابط الشرطة الأخلاقي الذي يريد أن يراقب تفاصيل الحياة وانضباطها لملايين الناس، فإنها تحفر قبرها بذاتها، والتاريخ لا غيره يقدم مئات الشواهد على ذلك.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيضان المستنقع الأسدي
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2 ...
- «البوكر العربية»... ومسألة الهوية
- قانون مدمّر في مصر: الشعارات الدينية في الانتخابات!
- مخاطر «أخونة» الأزهر
- العرب والغرب وتسليح الثورة السورية
- تسليح الثورة السورية مصلحة عربية
- «الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!
- جرائم الشرف بين الدين والقانون
- تديين الفضاء العام وتصنيع «المجتمع المحافظ»
- خمس كاميرات محطمة!
- الإسلاميون: الولاء للحزب... أم الوطن؟
- درويش بين الاحتكار والابتذال!
- «هندسة» الانتخابات الفلسطينية
- الأزمة السياسية في مصر
- العشائرية والطائفية... والأمية الانتخابية
- ازدواجية معايير المقاطعة الشعبية!
- كارثة تسييس الدين وتديين السياسة
- جائزة -البوكر- للرواية العربية: توسيع فضاءات الحرية
- ضمير الناس يهزم «الفتاوى المتأسلمة» ... ولكن!


المزيد.....




- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - «حماس» وطلبنة غزة