أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - جرح مفتوح















المزيد.....

جرح مفتوح


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 23:24
المحور: الادب والفن
    






من أين هطل كل هذا العدد من الذئاب الضخمة شائهة الألوان ؟! .. صدرى المترع بالأسى والحزن يطل عبر عيوني المجهدة من قلة النوم إلى المروج التي أجدبت والخضرة التي اصفرت وتحطبت .. الغبار يغطى الأفق ويتعالى من تواصل دهس الحيوانات التي قدمت فجأت ورسمت المشهد الكئيب . من داخل غرفتى العلوية أرقبها خلال خصاص النافذة . ضوء الفجر الشحيح يسقط عليها وهي تتهادى كالطواويس الملعونة . نسمات قليلة تتسلل إلي أنفى كلما فتحت شراعة الباب أو زجاج الشباك.. النسمات محملة بمزيج من راوائح لحم ودم وعفونة وبقايا شجن ليلى متفحم . تتخاطف الذئاب أفخاذ الماعز التي أقفرت منها المزرعة . أختنق بأنفاسى وأنين قلبى المحطم على قارعة سنوات طويلة قضيتها بحماس وعرق يحفر مجاريه على جسدى وأنا أبنى هذه المزرعة حتى صارت حديث الحساد والعابرين . أعرف كل عشبة فيها وأمر بينها وأطمئن عليها وأسألها عن أحوال نضرتها.
الظلمة تشمل كل شيء، لا تثقب زجاجها الأسود إلا دوائر الضوء المبهر تنطلق من عيون الذئاب . عشرات الثقوب اللامعة والمرعبة تمتد في خطوط مستقيمة .. الأفكار تنهكنى بلا جدوى .. الجنون يزرع شجره بأعماقى ، والعجز يرويها . أضرب رأسى في الجدران التعسة . أصبح من المستحيل أن أغادر بيتى إلى مزرعتي التي تبعد نحو ثلاثمائة متر .. المسافة الآن بينى وبين المزرعة مثل المسافة بين السماء والأرض ومثل المسافة التي تفصل بينى وبين من عاشوا قبل عشرة آلاف عام .. تسافر نظراتي في المكان المعتم فلا تقع إلا على أشعة حادة تطلقها عيون الذئاب ، بينما ضوء الفجر يلامس أعالى الأشجار التي بدت كمردة يرتدون السواد.
أين كان عقلى عندما تسللت تلك الكائنات ذات الأفواه التي تشبه أفواه التماسيح وهي مغارات تصطف على جوانبها الأنياب البيضاء المسنونة ؟ ! . كائنات لم أشهد ولم أسمع عن مثلها من قبل .. أين كنت عندما تفجرت الأرض عن تلك الكائنات الأسطورية التي تهيمن تماما على كل الطرق المؤدية إلى المزرعة وإلى النهر ..لابد إنها قضت تماما على البقر والماعز والدواجن.. كانت عندى بندقية لكنها الآن جثة بعد أن أهدرت الرصاصات القليلة فى محاولة قتل بعضها ولم أقتل غير اثنين .. كانت عندى ثلاثة كلاب قوية وسريعة ويقظة .. ليلة بعد ليلة تلاعبت بها الذئاب فرافقتها واستنامت إليها ثم اختفت أو تأذبت.
بالنهار أرقب الذئاب وهي ممددة على التل الأخضر وعلى قطيفة حقل البرسيم ، تستمتع بدغدغة أشعة الشمس الصباحية الوديعة ، ثم تتمطى وتلوى أعناقها نحوى ولا تبالى ، بينما في الليل يمزقنى عواؤها وهى تتنادى وتهدد من يفكر في الاقتراب. الليل يحمل مع ظلامه كتل الصقيع وأنا ريشة طائر هزيل في مهب الريح.
فكرت طويلا في سبل طرد الذئاب والتخلص منها بأى صورة ، فلم أعثر على أية سبيل مجدية . ودائما كان الأمر ينتهي بي إلى النوم والإحساس بأني مجوف مهما قضمت من خبز.. لما نفد الطعام لم أجد غير الخبز الجاف الذي كنت دائما حريصا على تخزينه ، فقد كانت عبارة جدتي موشومة على صدرى :
- .. لا تحمل الهم .. العيش مخبوز والمية في الكوز
طلمبة المياه في الحديقة الخلفية المكشوفة ، بسرعة أختطف منها كل يوم ملء دلو .
قمت مفزعا من نوم كان ثقيلا وأنا أضحك عاليا وأرتعد فقد كنت أحمل مشعل نار وأركض خلف الذئاب وهي تفر منى فرار الجبناء . بقيت مستيقظا ومندهشا حتى الصباح .. لا ينام النوم الثقيل إلا خالى البال ، فهل أنا هو ؟! .. مضيت أتأمل الحلم الذى يمكن أن يتحول إلى حقيقة .. أعددت كل شيء ثم قررت ألا يكون ذلك بالليل حتى أتمكن من رؤية أرض المعركة بكامل أطرافها .. راجعت نفسى عدة مرات .. إما أن تكون الهبّة قوية وكاسحة أو الموت .. الذئاب كثيرة ومتوحشة .. لابد أن تكون الفكرة محكمة إلى حد كبير . لابد أن أغرسها بأعماقى وأرويها ..لن أفلح إلا إذا أصبحت الفكرة أنا وأنا الفكرة .. لن يعيش الإنسان حياته مرتين. ولكنه إذا قرر أن يعيش مرفوع الرأس فسوف يعيش إلى الأبد.
في الصباح الباكر انطلقت بالمشاعل في اتجاه الذئاب المسترخية .. كانت معلقة بصدرى عدة سكاكين ومدى. كالعاصفة هجمت وأنا أصرخ . أبهجنى الذعر الذى أصاب الأعداء . تخلصوا من عباءة الدعة . هبت الذئاب كأنها عازمة على الطيران . وقع بعضها من فرط الاضطراب وصدمة المفاجأة . انتشيت واندفعت وهم يتفرقون في كل اتجاه، الذي ألحقه منها أطعنه عدة طعنات .. ما أعظم النصر ! . لن أتوقف . سوف أقضي عليها تماما . بقدر القهر المكدس بأعماقى سأنتقم .. لن أسمح بعودتها أبدا فقد أوشكت أن تقضى نهائيا علىّ.
بلغت المزرعة وأنا في أعقابهم لا أتحول . مزقتنى الحسرة وأفسدت نصرى لحظات وأنا أراها جرداء خاوية . ازداد هجومي وطعنى . فجأة ارتد كبيرها نحوى وطار فوقى .. أوقعنى وأنشب مخالبه في بطنى . سقطت ورغم صدمتى فقد أسرعت بسحب سكينى وأخذت أطعنه حتى أغرقتنى دماؤه .. ظل ينبض بقوة ويلهث حتى خار .. اختلطت دماء القاتل بدمائ المقتول . كان لحمه المحموم يصرخ في لحمى ، وقلبه يدق في قلبي حتى تهاوى وسكن .. دفعته عني .
أرسلت نظراتي إلى السماء وإلى التلال البعيدة الحمراء .. كان المشهد فسيحا و مشرقا . خلت الساحة جميعها من أى أثر للكائنات القميئة الشرسة ، لكن الجرح كان في بطني مفتوحا باتساع العالم . أحشائى تتدلى إلى جانبى بينما رعدة تسرى في بدني كلمسة الكهرباء .. تيار الهواء موجه إلى داخل بطنى المبقورة .. لا أستطيع الحركة بينما الألم ينهش عروقي ولحمي . عيناى على المزرعة . . بعد لحظات .. يا للسعادة ! .. لمحت عنزة وعدة دجاجات تطل برؤوسها في رعب . لابد إنها ولدت جميعها الآن فقط . ولدت في قلبي . ابتسمت ثم انشغلت بالجرح المفتوح . حرارة الشمس شرعت تكويه . الذباب يلعقه ويلسعنى . الغربان حطت بعيدا ثم دنت . حومت حدأة . ماذا أفعل ؟ إذا طال بي الوقت وأنا ممدد وعاجز ومهدد بالجرح المفتوح فلن يكون مصيرى إلا الموت البطيء الذي سأعيش كل لحظاته بقلبى وأعصابي . سوف تعود الذئاب أقوى مما كانت وسوف تبدأ بجسدى مفتتح عصرها الجديد . الجرح مفتوح .. وأمامي عمل كثير .. أمتار قليلة تفصلني عن المزرعة .. إذا قدر لى أن أعيش فسوف أنقل إليها بيتى . لا يجب أن أكون بعيدا . الذباب بالمئات ينهش جرحى المفتوح ، بينما كانت روحي تهش للأمل الذي يتشكل على وجه الأفق ، وتمنيت أن أمتلك القدرة على الغناء .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابحثوا معنا عن .. الرئيس
- لماذا قبلت ؟
- من جرائم الجماعة في حق الشعب
- أخيرا .. يا حبيبتي
- بغيرالعقل والشجاعة .. لن تصبح رئيسا
- ماذا ينتظرون ؟! !
- الحرب الأهلية تدق الأبواب
- الهُوية المصرية بين الإخوان والإنجليز
- من يحكم مصر الآن ؟
- رسالة إلى صديق إخواني
- يا ناس .. وَجَبَت مُحاكمته
- عقلية مرسي
- جماهير لا تعرف معني الوطن
- أري ما لا يراه الناس..!
- العرق النبيل
- الصاعد إلى السماء
- من الثورة إلى السيرك
- نعم .. نكره العلم
- الجماعة تكره الثقافة
- أسباب العنف في مصر


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - جرح مفتوح