أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق المنيظر - بين لذة الفكر ونشوة الجسد














المزيد.....

بين لذة الفكر ونشوة الجسد


طارق المنيظر

الحوار المتمدن-العدد: 4088 - 2013 / 5 / 10 - 21:02
المحور: الادب والفن
    


جالس وإياها في الحديقة على كرسي مشئوم، تُذكره أطرافه الخشبية بطفولته المغتصبة وبماضيه الرشيق. ارتمى البائس بين أحضانها مثل الصائم الذي يقتله الظمأ قبل مغيب الشمس. بدأت هي الأخرى تداعب أذنه وعنقه وتضاريس جسده الملتوية بأناملها الخفيفة كريش الحمام. أحس حينها بنشوة ملتهبة تسري في ذاته العطشانة، فجرته عند صدرها كما يطوي البحر جدولا منحدرا إليه، فسبح به فكره على طفولته وبات يسترجع كنهها ولهيب أصابعها يحرق بعض أفكاره السوداء ويخصب بعضها المُشرق ليطفو دخانها في شكل كلمات مطربة ربما لم يُسمِعها بعدُ عاشقِ إلى عشيقتهِ، في الحين الذين بات المشئوم مرميا بين نشوة الفكر و جسده المكهرب، أسرع ينشدها من شعره عن غير وعي منه مردفا:
مالي ومالي الليل من ظلامه الحالك والظالم
عشقي لك أيها الليل كعشق الطفل لحليب أمه
فيك الوهم والحلم والأنس والوحدة والسفر
فلولاك يا ليل ما خيمت معشوقة على مخيلتي
ولا ترقرقت دمعة على مآقي وكبريائي
فيك وحدك يا ليل ألفي وأعانق طعم الوجود
أنام وأحلم وأستيقظ وأحي وأغسل وأكفن وأنسى
ليحرق نار الشوق تضاريس وجداني
ويندلع في أوتاري كما تندلع نار الصيف في الهشيم
وحدك يا ليل من يكشف عن مطاوي نفسي
حتى لو شق علي طريق النوم أو تولاني القنوط مالي دونك
فيك وحدك ياليل أحيا على حافة جنوني.
- سألها بنبراتٍ تُنم عن براءة طفل لم يتذوق معنى الشر بعد.
همس قائلا: "هل أبدو لكِ مجنونا حين أخاطِبك هكذا؟ أجابتهُ قائلة "أنت إنسان تناقش كل شيء في رونقٍ أدبي وفكري جميل، لاحظتُ أن الأدبَ يسري في دمك حد الجنون" فأردف هو الآخر قائلا "ربما أنني مجنون ينجذب عن العالم الذي تقطنينه أنت إلى عالم يبدو لك غريبا وبعيدا، لكني أريد أن أستر عنك جنوني، لأني أؤثر الجنون وحدي في عالم الأدب والفكر، إن لي في هذا العالم لذة لا يُسبَرُ أغوارها، لذلك أنا راضِ عن جنوني ولا أمله. فلذة الأدب والفكر التي ينعكس ثمارها في الكتابة والإبداع لا يتذوق طعمها إلا من كان محشوا بعالم الخيال والتفكير في الأشياء بمنطق الوجود والفكر.
في الحين الذي كان فيه مسندا رأسه فوق صدرها، وهو ينتعش طعم نهديها المنتصبين مثل تمثال الحرية، كانت الحديقة في تلك اللحظة مبرقعة بالضباب الذي يرمي به البحر في سماء الممكنات كما رمى القدر بهذين العاشقين في عالم العشق والهوى الممنوع. وفيما هو يحملق في عينيها مبتسما انحنت العشيقة بدون تردد يذكر متناولة شفتيه كما يرتشف الرضيع حليب أمه. يا لها من بائسة! كيف قدر لها أن تشارك هذا المجنون أفكاره وأدبه وترقص بحفاوة لعاطفته البراقة لتحرك فيه ثورة الذات المريضة والعليلة حبا، والملتهبة شوقا، والهائمة حنانا!؟ إنها رفيقة الشقاء و الأسى مع هذا العاشق المعاند.
هكذا، حاولت المشئومة تهييج جوعه وعطشه الذين لا يسد رمقهما لا أكل ولا شراب، هائمة به على عالمه الفكري والإبداعي في عالم اللانهاية من غير أن تتذوق طعم موهبته، في الحين الذي توجد فيه شاخصة وهي تتذوق بفن وحذق قبلاته العسلية في استسلام جديد وخضوع سعيد.
أحسا معا أن الليل بدأ يُجَن، وسكونه بات أعمق، ظلا معا إلى ساعة متأخرة من الليل ولم يتولاهما القنوط قط، وهما يترقبا ساعتهما الهاتفية بين آونة وأخرى، رغم مضايقة الوقت لهما من جهة، ومضايقة البدر المضيء الذي يبدد راحتهما بين الفينة والأخرى. اكتشف العاشق أنه اخترع في ليلته هذه لذة جديدة استعصى على الملائكة والشياطين بعد خصام ونقاش تعريفها. أحس أن عناقها المتوحش تركه معلقا بين الالتهاب والجنون وهو يتلمس جسدها النحيل والضامر كخشب يابس، لكن شفتيها المطبقتين بعناية كانت تكهرب جسده مثلما يهيج البحر بين حركتي مد وجزر عنيفين.

طارق المنيظر



#طارق_المنيظر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة حب
- نتيجة حرمان
- عيد الميلاد العشرين
- النفوس اللعينة
- وطن بين التبعية الفكرية والاضمحلال الثقافي
- الأمل
- الزمن العاهر
- في الذاكرة


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق المنيظر - بين لذة الفكر ونشوة الجسد