أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فخرية صالح - المحارق النازية للكتب ايريش كستنر : نموذجا موقف وقصائد















المزيد.....


المحارق النازية للكتب ايريش كستنر : نموذجا موقف وقصائد


فخرية صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1174 - 2005 / 4 / 21 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


ايريش كستنر نموذجاً : موقف وقصائد

بحث وترجمة : فخرية صالح

قال الشاعر الألماني هاينريش هاينة في القرن التاسع عشر ( حيثما تُحرَق الكتب، يحرق الإنسان في النهاية). وإذ بدأت النازية في صعودها تكرس ما تسميه الحفاظ على التراث الألماني نقياً فتحرق الكتب التي تعتبرها معادية ومشوِّهة لتلك الثقافة ، فقد انتهت إلى إقامة عشرات من معسكرات العزل والاعتقال سميت بمعسكرات الموت . وباسم تنقية العرق الألماني من ثمّ ، وإعلاء الشأن القومي ، والحفاظ على نقاء الدم الجرماني ، سيق الملايين من المواطنين إلى محارق الموت وخنقوا بالغاز . وهكذا فإن المأساة البشرية التي بدأت بحرق الكتب وملاحقة واعتقال الكتاب أوصلت ، كما توقع هاينة ، إلى حرق الانسان في النهاية .

نشرت جريدة العمال المصورة في براغ في عددها الثامن عشر الصادر في العاشر من ايار 1933 مقالا على صفحتها الأولى وبعنوان رئيسي " عبر الضوء إلى الليل " لجون هيرتسفيلد ( وهو فنان شيوعي ألماني وصل لتوِّه إلى براغ هاربا من مطاردة النازيين له في برلين ) وأرفق هيرتسفيلد مقالته صورة مونتاجية خلفيتها تضم بناية الرايخستاغ (البرلمان الالماني) تلتهمها النيران، وفي مقدمة الصورة يقف غوستاف غوبلز إلى جانب أكوام من الكتب تحترق في ساحة الاوبرا في برلين.

وكما في ساحة الاوبرا في برلين، تكرر منظر الكتب المحروقة نفسه في ساحات كثيرة وفي العديد من المدن التي ضمت جامعات . كل ذلك كان قد بدأ في العاشر من أيار سنة 1933 حيث حرقت الكتب تنفيذا لشعار الخلاص من (التراث الثقافي اللا ألماني).
المظاهر الوحشية هذه والتي جاءت بعد السيطرة على السلطة من قبل الحزب النازي كانت قمة الحملة لما ُسّميَ من قبل الحكم النازي بـ (ضد الفكر اللا ألماني) التي نظمها تجمع الطلاب الالماني ويالذات قسم الاعلام والدعاية فيه بتوجيه من الحزب والدولة طبعاً. وكان جزء من هذه الحملة ما اطلق عليها تسمية (القوائم السوداء) لتنفيذ حملة ( تنظيف) المكتبات الالمانية العامة والخاصة من( التراث الثقافي الهدام). ليس هذا فقط وإنما نَشَرَ قسم الدعاية والإعلام في الصحافة اليومية أسماء كتاب وُصموا بـ ( الغير صالحين أو الغير مطاقين ) كما نشرت أسماء الساحات التي يجب أن تنفذ فيها حملة حرق
الكتب الليلية . وقد رافقت " عبارات رنانة و نارية " أطلقها القائمون على العملية والمتحمسون لها عند إطعام الكتب لالسنة النيران : كتب وأعمال ضخمة لفلاسفة وعلماء ولشعراء ولكتاب روايات، وكذلك كتب لكتاب سياسة . جرى كل ذلك بمشاركة حتى رؤساء وأ ساتذة جامعات، أحرقوا على أكوام من الحطب كتبا من بينها مؤلفات كارل ماركس( 1883 ـ 1818) وهاينرش هاينة ( 1856ـ1797) و سيغموند فرويد وتوماس مان وهاينريش مان وايريش ماريا ريمارك و برتولت بريشت وايريش كستنر، وكورت توخولسكي و كارل فون اوزيتسكي، ووالفريد كر وعشرات اخرين من الكتاب والفلاسفة والشعراء الالمان وغير الالمان .

في برلين أشرف غوبلز ، وزير الثقافة النازي ، على محارق الكتب ـ التي عوملت في ألمانيا بعدم اكتراث!! ـ و ترافق دوماً إشعال النار في الكتب شتائم وسباب ضد كتابٍ ونعتهم بعبارة: ( من انتزعت عنهم الحماية القانونية) وهم من اليهود ومن الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين الذين ليس لهم مكان في " ثقافة وفن " العصر النازي !.
وهكذا في حملة (تنظيف) المكتبات العامة صودرت واحرقت في برلين فقط ، حتى نهاية ايار 1933 ، حوالي عشرة الاف طن من الكتب الادبية . وبعد سنة من ذلك التاريخ ضمت ( القائمة السوداء) أكثر من ثلاثة الاف عنوان لكتب ونشريات أعتُبرت ممنوعة.

( حملة التنظيف ) البشعة تلك غطت كل مناطق البلاد ، وحطمت الجزء الاكبر والاهم من الثقافة الالمانية .

الروح النازية المعادية للفكر وللتراث الانساني تتوضح أكثر عندما يتصفح المرء صحيفة مدينة " ينا " التي كتبت عن محارق الكتب تقول : " طوال النهار سيطرت أجواء احتفالية وظلت تتصاعد حتى وصلت قمتها في المساء.
في الساعة الخامسة والنصف سارت وحدات منظمات الحزب النازي في المنشئات والتنظيم الطلابي المسمى " شباب هتلر" سارت بمارشات عسكرية صوب ساحة السوق الرئيسية في المدينة ، ووضعت الأعلام على نافورات بيسمارك ، ثمَّ كوِّمت أعداد ضخمة من الاعلام والكتب الماركسية في وسط الساحة ، وفجأة اندلعت نار غاضبة ضخمة افنت النتاج الفكري لسادة الماركسية . شاهدت الجموع هذا العرض بصمت وانبهار. وعندما تحولت الأكوامُ الى رماد ، إمتدت الايادي بعفويّةٍ غاضبة وصدح في الساحة النشيد الالماني النازي.
وفي المساء عاد و التقى كل سكان " ينا" في ساحة السوق لحضور كونسرتٍ أعدته فرقة الخوذ الحديدية ، بينما كانت بروجكترات مصانع " زايتس " تلقي بقوة بريقها ليلا ، ودخان الكتب المحروقة يعطي شارات النار. وبينما اعلام المانيا الجديدة تحيّا، وتدق موسيقى المارش من قبل الفرقة ، كانت تتماوج اعداد ضخمة من الناس هنا وهناك، وكانت المقاهي والبارات محتشدة بالزوار " .
لقد أهين الكثير من المثقفين في هذة الحملات البشعة ، قتل البعض منهم من قبل قطعان النازية ولوحق البعض الاخر، وأجبر آخرون على الهرب الى المهجر. وليس القليل منهم من تحطم بسبب هذا المصير . وشعر بالعجز لانعدام التواصل الثقافي فيما بينهم وكذلك مع قرائهم بعد أن سُرقَ التواصل منهم . حتى إن الكثير ممن نجا من هول النازية، لم يستطع الكتابة بعدها ابدا
احرقوني!!
بعد يومين من بدء حملة محارق الكتب وإعلان القوائم السوداء نشر الكاتب ايريش ماريا غراف موضوعا بعنوان ( ا
حرقوني ) في الجريدة العمالية في فيينا التي هرب اليها. يقول فيه :
" كأكثرية المفكرين الاشتراكيين اليساريين المعروفين في المانيا، وصلتني بركات النظام الجديد : في صدفة غيابي من ميونيخ دخلت الشرطة في شقتي هناك ، لاعتقالي . صادروا القسم الاكبر من مسودات لا تعوض من كتاباتي ، مواد ومصادر دراسات جمعتها بعناء كبير، وكل اوراقي التجارية والقسم الاكبر من كتبي. كلها ذهبت الى المحرقة المحتملة. إذاً عليّ أن أترك بيتي وعملي : والاقسى من ذلك أن أترك أرض الوطن، لكي أتخلص من معسكرات الاعتقال. واجمل مفاجأة هي ما وصلني الان: كما نشرت " جريدة بريد البورصة البرلينية " هو ان اسمي موضوع في ( القائمة البيضاء للكتاب) لالمانيا الجديدة، وكل كتبي، ماعدا أهم مؤلفاتي ( نحن سجناء )، مسموح بأقتناءه : اذأً مطلوب مني ان اكون داعية لفكرألمانيا ( الجديدة)!
عبثاً اتسائل : ماذا فعلت لأستحق هذا العار؟ هذا ( الرايخ الثالث ) دمر الفكر الثقافي الالماني وتبرأ من الشعر الالماني الحقيقي، وطارد الكتاب الحقيقين وأجبرهم الى الذهاب الى المهجر، وأصبحَ طبع كتبهم في المانيا مستحيلاً .
ان ممثلي البربرية القومية، الذين ليست لهم علاقة بألمانيا، وليس لهم أصلا هذه العلاقة، يعطون لنفسهم الحق بأن يسموني بمفكرهم، ويضعوني على ( قائمتهم البيضاء ) والتي هي بالنسبة للضمير العالمي لا يمكن الا ان تكون قائمة سوداء !.
انا لا استحق هذا الخزي ! بعد كل حياتي هذه ، وبعد كل ما كتبت . لي الحق بأن اطلب أن تطعم كتبي لأول اللهيب في كومة الحطب ، وان لا تقع في ايدي ملطخة بالدم وفي العقول العفنة لعصابات القتل البنية. إحرقوا كتب المفكر الالماني! هو نفسه لن يمحى كما هو الامر بالنسبة لعاركم ! كل الجرائد المحترمة ستفتش عن نسخة لهذا الاحتجاج " .
وبهذا الصدد كتب برتولد برشت قصيدة أعطاها نفس اسم الجريمة، قصيدة محارق الكتب قال فيها :

عندما أمر النظام ، بحرقِ كتبٍ ذات فكر مضر
علنا ، وفي كل مكان
اُجبرت الثيران، أن تجرّ عرباتٍ مليئة بالكتب
إلى أكوام الحطب ، اكتشفَ
شاعرٌ مطاردٌ، أحد افضل، طلاب علمٍ ممن قرأ قائمة المحروقات، إرتعب، من ان كتبه نُسيت.
أسرع الى طاولة الكتابة
يتطاير غضبا، وكتب رسالة الى اصحاب ا لسلطة.
احرقوني! كتبَ بريشةٍ متطايرةٍ، احرقوني!
لاتفعلوا بي هذا! لاتبقوا عليَّ ! ألم أروي
الحقيقة دائما في كتبي؟ والان
أعاملُ كالكذاب من قبلكم! انا آمركم،
إحرقوني!

ايريش كستنر سيرة حياته وبعض من قصائده

ايريش كستنر أحد الكتاب الذين التهمت نيران 1933 كتبه ، واعتقل مرات عديدة . مُنِع من الكتابة طوال الفترة التي حكمت فيها النازية المانيا . عايش كستنر الحربين العالميتين الاولى والثانية، ويمثل في الضمير الالماني ، بإرثه الثقافي ومواقفه الليبرالية حتى منتصف السبعينيات في قضايا الحرية ومناهضة الحرب والتمييز ، أحد أهم الرموزفي التاريخ الألماني المعاصر ، ويقول النقاد بأن شعره إلى جانب شعر هاينريش هاينه أكثر قراءة لدى الناطقين باللغة الألمانية . فمن هو ايريش كستنر ليحقد عليه النازيون ومن بعد القوى المحافظة ؟ .

ولد ايريش كستنر في سنة 1899 في دريسدن، و كانت تربطه بوالدته التي تعمل حلاّقة علاقة حميمة ، كاتبها طوال ثلاثين سنة قبل وفاتها بشكل شبه يومي .
في سنة 1917 اضطر الى قطع دراسته وسيق الى صفوف الجيش ليشارك في الحرب العالمية الاولى وقد عاد منها بأوجاع في القلب . ثم استأنف الدراسة ليدافع سنة 1927 عن الدكتوراة في الفلسفة في الوقت نفسه كان يعمل في صحيفة " لايبزيغ الجديدة " . بعد نشره لقصيدة إباحية طرد من الجريدة وانتقل الى برلين ليعمل كناقد مسرحي ومحرر ثقافي في العديد من الجرائد ومنها جريدة ( فيلت بونه) المعادية للحرب.
في سنة 1933 منعت كتبه واحرقت . كانت تلك الكتب تتصدى بروح السخرية لضيق الأفق في أخلاقيات المجتمع، وضد العسكرتاريا والفاشية ، واعتقل للمرة الأولى في هذا العام ( 1933 ) ليعتقل من ثمّ مرات عديدة بين السنوات 1937ـ1940. أما في سنة 1942 فقد مُنع كستنر من الكتابة نهائيا من قبل النازية، ولم يتمكن من نشر كتابيه ( ثلاثة رجال في الثلج ) الذي صدر سنة 1934 وكذلك ( جيورج والاحداث ) الذي صدر عام 1938 داخل ألمانيا ، إلاّ أنه نشر الكتابين خارج المانيا. ومع ذلك لم يهاجر كستنر ويترك بلاده المانيا كما هاجر المئات من الكتاب والمثقفين الالمان.
في خريف 1945 ، أي بعد القضاء على النازية وتحرير المانيا من قبل الحلفاء، أسس في ميونيخ الكاباريه الثقافي المشهور بأسم (كشك العجائب) واصبح المحرر الثقافي المسؤول ( للجريدة الجديدة ). وأصدر مجلة البنغوين الخاصة بالشباب وتابع نشاطاته في مجال المسرح والسينما ( ناقدا وكاتبا ) وكتابة كتب الاطفال ودواوين الشعر.
طوال السنوات من 1951 وحتى 1962 كان رئيساً لاتحاد( بن ) للكتاب في المانيا الغربية ، واستمر في عطائه الأدبي الذي انصب في معاداة الحرب والعسكرتارية حتى وفاته في تموز سنة 1974 . وكان قد حصل على ميداليات تقديرية عديدة منها ميدالية الدولة التقديرية الكبرى ، وميدالية الادب لمدينة ميونيخ و مدالية الشرف لهذه المدينة. وفي سنة 1999 أقيم أكبرمعرض لتكريمه في الذكرى المئوية لميلاده في برلين وميونيخ تحت عنوان ( الزمن يقود سيارة ).
كستنر يتحدث عن المحارق

متخفياً بين جموع الحاضرين وقف ايريش كستنر يشاهد جريمة المحارق وقال بعدها بسنوات في ذكراها : " في سنة 1933 احرقت كتبي في برلين في ساحة قرب اوبرا الدولة، من قبل من دعي بالسيد غوبلز في فخفخة احتفالية مكفهرة. 24 كاتبا، كان يجب أن يمحون رمزيا والى الابد. صاح غوبلز بأسمائهم بعنجهية المنتصر . كنت الحاضر الوحيد من بين الاربع والعشرين كاتبا في المكان، أقف لكي اعايش هذه الوقاحة المسرحية. كنت واقفا امام الجامعة محشورا بين طلابٍ يرتدون الزي الخاص بقوات الصاعقة ، نوارة الامة . رأيت كتبنا تحترق في السنة اللهب المرتعشة و تتطاير شرراً وسمعت كلمات طنانة ورنانة للكذاب الماكر الصغير.
طقس جنائزي غطى المدينة.... فجأة انطلق صوت نسائي عنيف ـ هناك يقف كستنر! ـ كانت مغنية كابارية، والتي اقتحمت الجموع مع زميل لها رأتني واقفا وبمغالات دهشتها أعلنت عن وجودي ."
تجارب ايريش كستنر ومعايشات الطفولة وفترة التجنيد الاجباري كانت كافية له ليصبح معاديا للحرب. لقد حذر دائما في فترة " جمهورية فايمار" عبر أشعاره وكتاباته من الحرب، ومما ستأتي به سيطرة الحزب النازي على الحكم . عاجزا عن الفعل كان كستنر ينظر أثناء حكم الرايخ الثالث، كيف أن تنبؤاته السابقة أصبحت حقيقة. وفي هذا السياق كتب في قصيدته التي أعطاها عنوان:

هل تعرف البلاد التي تزدهر فيها المدافع ؟

هل تعرفُ البلادَ التي تزدهرُ فيها المدافع ؟
ألا تعرفها ؟ ستتعرفُ عليها إذاً!
هناك يقفُ الوكلاءُ بفخرٍ وبجرأة
في المكاتبِ ، وكأنها ثكنات .

هناك تنمو تحت ربطةِ العنقِ أزرار العرفاء.
و هم يرتدونَ خوذاً غير مرئية .
لديهم وجوهٌ ، ولكنهم بدون عقل.
ومن يذهب منهم إلى السرير، يتناسلُ لإنجاب ذرية !

عندما يريدُ مسؤولٌ هناك شيئا ما
ـ وهذا هو عمله ، أن يريد شيئاً ! ـ
يقفُ العقلُ أولاً منتصب القامةِ ومن ثمَّ صامتاً.
العيون يميناً ! والاستدارة باستقامة !

الاطفالُ يولدونَ هناك مع مهمازٍ
ومفرق شعرهم مستقيم .
هناك لا يولدُ الانسانُ مدنياً.
هناك يكافأ من يسدّ بوزه .

هل تعرفُ هذه البلاد ؟ . كان ممكناً أن تكون سعيدة.
كان بالامكان أن تكون سعيدة وأن تصبح كذلك!
حيث توجد الأراضي الزراعية والفحم والفولاذ والحجر
والاجتهاد والطاقة وأشياء جميلة اخرى.

حتى الفكرُ والخيراتُ توجد هناك بين الآونة والاخرى!
وبطولات حقيقية، ولكن ليس عند الكثير.
هناك يختبئ طفلٌ في كل رجل ثانٍ .
يريد أن يلعبَ بجنودٍ من رصاص.

هناك لا تورِّد الحريةُ. تبقى خضراءَ فقط.
وما يبنيه الانسانُ ـ يبقى ثكنات دائمية .
هل تعرف البلادَ التي تزدهر فيها المداف ؟
ألا تعرفها ؟ ستتعرف عليها إذاً!

اصوات من قبر جماعي

هنا نحنُ ملقونَ وأصبحنا منذ زمانٍ إربا.
تمرّونَ بنا وتعتقدون : إنهم ينامون عميقا.
ولكننا نرقدُ على ظهورنا مؤرقين،
لأنّ خوفنا عليكم يمنعنا من النوم.

القذارة تملأ أفواهنا. يجب أن نصمت.
ونريد أن نصرخ، حتى ينفلق القبر !
نريد أن نخرجَ منَ القبرِ صارخين !
القذارة تملأ أفواهنا. أنتم لاتسمعوننا.

أنتم تستمعون إلى تهامس القساوسة ،
عندما يفعلون ذلك بأخويَّةٍ مع رئيسهم .
أنتم ، أيها الربُ العزيز ، لقد خسرتم حرباً
وتتركونهم يقولون لكم : دعوا الموتى يرقدون بسلام !

لكُمْ أن تمتدحوا موظفي الرب،
لقد تحدثوا في المقبرةِ الجماعيّة عن الواجب .
كنا ممددين في الاسفل ، وهم وقفوا في الاعلى.
ليست الحياةُ أكبر العطايا. ـ

ها نحنُ مُلقونَ هنا ، أفواهُ الموتى مليئة بالقذارة .
و حدث شيء آخرَ أيضاً، عندما كنا نحتضر ،
لقد متنا ، ولكننا متنا بدون هدف.
سـَتـَدَعوهم غداً ، كما نحنُ بالأمس ، أن يذبحونكم.

أربع سنواتٍ من القتلِ وبعدها تدقّ الأجراس برنين جميل !
تمرّونَ وتعتقدون : إنهم ينامون عميقاً.
أربع سنواتٍ من القتل ، واليوم بعض الأكاليل!
لاتعتمدوا على الربِ ورجاله !
اللعنة عليكم ، إذا نسيتم هذا في يوم ما !

فانتازيا ما بعد الغد

وعندما بدأتْ الحربُ الأُخرى،
عندها قالت النساء : لا !
ثمّ حبسن الأخ َ والإبنَ
والزوجَ في الشقّة

وسِرنَ في كلّ البلدان ،
طبعا إلى امام بيت النقيب
رافعات العصي في أيديهن
وجلبنَ الأوغادَ إلى الخارج.

ورَكّعوا كل واحدٍ منهم على ركبتيه ،
أولئك الذينَ أمروا بالحرب :
سادة البنوك والمصانع ،
الوزراء والجنرالات.

وهنا انكسرتْ بعض العصي إلى اثنين.
وصمتت بعض الأفواه الوقحة .
كان ثمة صراخ في كلّ البلدان ،
فلم تندلع حربٌ في مكان.

عادت النساء بعد ذلك الى البيت،
إلى الأخ والابن والزوج ،
وقلنَ لهم : لقد انتهت الحرب!
وحَدَّقَ الرجالُ من خلال النافذة
ولم ينظروا إلى النساء....

بالمناسبة، الوحدة

يمكن أن يكون المرءُ أحياناً وحيداً على نحوٍ مريع !
ولا ينفع البتة ، أن ترفعَ ياقة القميص إلى الأعلى
وتقول أمامَ الحوانيتِ لنفسك:
تلك القبعة في الداخل جميلة ، ولكنها صغيرة بعض الشئ..

لا ينفع البتة، أن تذهب إلى المقهى
وتراقب هناك ، كيف يضحك الآخرون.
لا ينفع البتة، أن تقلد ضحكاتهم .
كما لا ينفع البتة ، أن تنهض مباشرة وتغادر .

هنا ينظر المرءُ الى ظله
الذي يقفز ويستعجل ، لكي لا يتأخر ،
ويأتي أناس ليدوسوا عليه ببرود.

لا ينفع البتة ، أن يهرب المرءُ إلى البيت
و، إذا كان عنده " بروم " في البيت، أن يشرب هذا الـ " بروم" .
ولا يفيد البتة ، أن تخجلَ من نفسك أمام نفسك
و تسدل الستائر بغضب.

هنا يحسّ المرءُ ، ماذا يعني : أن يكون صغيراً.
كأطفال ولدوا تواً !
ثم يغلق المرءُ عينيهِ ويصبحُ أعمى .
ويستلقي وحيداً...

اوتيل سولو لصوت رجل

هذهِ غرفتي وهي مع ذلك ليست لي.
فيها سريرين ملتصقين .
هنا سريران، ولكني أحتاج لواحد فقط .
لأني أصبحت مرة اخرى وحيداً.

الحقيبةُ تتثائبْ . وأنا تعبٌ أيضاً.
سافرتِ إلى رجل آخر يختلف نوعا ما .
أعرفهُ جيداً . أتمنى لكِ كلً السعادة.
وأتمنى تقريباً، أن لا تصلي أبداً.

كان عليَّ أن لا أدعك تذهبين !
( ليس من أجلي . فأنا أفضلُ أن أبقى وحيداً)
ومع ذلك : عندما تريدُ النساءُ أن يخطأن ،
فيجب أن لا يقف أحدٌ في طريقهن.

العالمُ واسعٌ ، ستضيعينَ في دروبهِ.
ولكن احذري من الايغال في الضياع...
أما أنا فسأسكرُ الليلة
وسأصلي قليلاً ، لكي تصبحي سعيدة .

حالة رومانسية

عندما كانا يعرفان بعضهما البعض طوال ثماني سنوات ،
( ويمكن القول ، كانا يعرفان بعضهما البعض جيداً ) ،
ضاع حبهما فجأة
كما يُضيِّع آخرون عصا أو قبعةً.

كانا حزينين ، يخدعان أنفسهما بشكل مضحك ،
حاولا التقبيلَ ، و كأن شيئاً لم يحدث .
ونظرا إلى بعضهما البعض ولم يعرفا ماذا بعد .
بكت أخيراً وكان يقفُ إلى جانبها .

من النافذةِ كان بالإمكان التلويح للسفن .
قال ، الساعة هيِ الرابعة والربع
حان وقت شرب القهوةِ في مكان ما.
وفي الجوار كان ثمة من يتدرب على البيانو .

ذهبا إلى أصغر مقهى في الحي
وحركا مافي داخل أكوابهم .
في المساء مكثا يجلسان في مكانهما.
جلسا لوحدهما، ولم يتحدثا بكلمة.
ولم يستطيعا ببساطة أن يستوعبا الأمر ...

اغنية المهد ( من قِبَل الأب )

نام ، إبني ! نام ، إبني !
يـعتقدون بأننا أقارب .
ولكن هل نحن حقاً كذلك ؟
أنا لا أعرف . نام ، إبني!
ماما ذهبت إلى العمّة ...

نام ، إبني ! اصمت ! نمْ !
لا يمكن أن يفعل المرء ما هو أكثرُ فطنةً .
أنا الكبير ، وأنت الصغير .
من يستطيع النومَ ، عليهِ أن يكونَ سعيداً.
من يُسمح له بالنوم، فلهُ أن يضحك.

في الليل يستلقي المرءُ إلى جانبِ امرأة ،
فتقول : دعني بسلام .
إنها لا تحبني . ماكرةٌ هيَ جداً.
تسحِرُ شعري شيباً .
من يعرف ، ماذا أنا فاعل بعد .

نا م ، إبني ! يا’بنيّ، نم !
لن يفوتك شي .
ربما يحلم المرءُ ، أن يكون أميراً.
ربما يحلم المرءُ ، أن تكون المرأُةُ فاضلة.
كم جميل، أن تحلم....

يجهد المرءُ ، يحبُّ ويعيشُ ويلتهمْ
ولا يستطيعُ أن يفهمَ ،
هل من حاجة ٍ لكلّ ، ذلك !
هي تقول : لأنك تشبهني !
ليهتمّ بك الشيطان !


محظوظ ، ذلك الذي لا ’يوقظهُ أحد .
ومن هو ميتٌ ، ينامُ نومةً طويلة .
من يعرف ، أين هيَ امك الآن !
إهدأ . هل أرعبتك ؟
لم أكن أريد إخافتك .

انسى القمرَ ! نام ، يا إبني !
ودع النجومَ تشع .
أنسى الريحَ ! إنساني أنا أيضاً !
والآن ليلة سعيدة ! نام ، ابني !
و، رجاءً ، دع البكاء.....

رجل يعطي معلومة

كانت السنةُ جميلة وسوفَ لن تعود.
كنتِ تعرفينَ ، ماذا أردتّ منكِ ، فتنهضين وتخرجين .
تمنيتُ ، لو إنّي كنت أتمكن من أن أوضح لكِ ،
وتمنيتُ أيضا ، أن لا تفهميني .

نصحتكِ مراتٍ ، بأن تفترقي عني ،
وأشكرك ، لأنك بقيتِ معي حتى هذا اليوم .
كنتِ تعرفيني ولم تتعرفي عليّ.
كنتُ أخافُ منكِ ، لأنكِ تحبيني .

ربما تفكرينَ ، بأني خدعتكِ .
تفكرين بالتأكيد ، بأني لم أعد كما كنتُ في الماضي .
لم أكذب عليك بهذا أبدا!
حتى وان بكيت.

غضبتِ أحيانا لبرودتي .
وعليّ أن أقول لكِ : حينها كنتِ ذكية .
كان لديّ دائما ذلك الاحساس .
ولكن لم يكن قوياً بما فيه الكفاية .

تعتقدين ، يوحي هذا ، وكأني أريد امتداح نفسي
ووقفت متفاخرا على ما يشبه منصة.
لقد وقفتُ بعيداً عنكِ . لم أقفُ في مكان عالٍ.
أنتِ حانقة عليّ ، لأنكِ تريدين أن تتركيني .

يوجدُ أيضاً آخرون ، مَن لهم نفس إحساسي.
نحن أفقر بكثير، مقارنة بكن .
نحن لا نبحثُ ، نحن نترك الاخرينَ يعثرون علينا.
عندما نراكن تعانون ، يغمرنا الحسد.

أنتنّ محظوظات ، لأنه يسمح لكنّ بالتعبير عن مشاعركن.
وعندما تحزنَّ، لا يضيرنا ذلكَ إلا قليلا .
آه ، أرواحنا ضيّعتْ الفرص
ونحنُ ننظر إلى الحب.

كنتُ أخشاكِ . أنت توجّهينَ أسئلة .
كنت’ أحتاجكِ وكان هذا ايضا فقط يؤلمك.
تريدين جواباً . هل عليّ أن اقول :
> إذهبي! <

من السهل أن نشرحَ بالكلمات .
هل أفعل هذا لمجرد أنك تطلبين مني ذلك .
كانت السنةُ جميلة وسوفَ لن تعود .
مَن سيأتي الآن ؟ وداعاً ! أنا خائف.

وحرقوا كتبه مرة اخرى

كان ايريش كستنر يتفاعل دائما مع الاحداث، ويسعى الى اقناع الناس بهمجية وعدمية ولا فائدة الحروب. وحتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حذر من مخاطر التسلح الجديد، خرج للتظاهر ضد الاسلحة النووية وضد حرب فيتنام وطالب دائما ليس فقط التذكير والحديث عن النصر والابطال، وإنما أيضا تذّ كر الضحايا، للتأكد من أن الحروب ليست فقط لامنطقية ولا فائدة منها ، وانما هي تجلب المعاناة أيضا .
في سنة 1965 كان على ايريش كستنر أن يعايش محرقة اخرى لكتبه، ولكن هذه المرة ليس من قبل النازيين وإنما من قبل شباب مسيحيين متطرفين ، حرقوا كتبه على ضفاف نهر الراين في مدينة " د سلد ورف " لمجرد انها لا توافق ذوقهم
وقناعاتهم الدينية.



#فخرية_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكي لاننسى من هم القتلة ، المقابر الجماعية تحذير
- صناديق الاقتراع كانت مكة العراقيات والعراقيين يوم الاحد التا ...
- لماذا لا انتخب قائمتك( 24 ) ساعة قبل الانتخابات فرصة للتفكير
- اين الناشطات من اجل حقوق المرأة؟ الانتخابات العراقية


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فخرية صالح - المحارق النازية للكتب ايريش كستنر : نموذجا موقف وقصائد