أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)














المزيد.....

دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4085 - 2013 / 5 / 7 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


ثمة علاقاتٌ متداخلة خفية بين مستوى التطور الاجتماعي والرواية، تلعبُ فيها إيديولوجيةُ الكاتبِ دوراً محورياً، فهي الفكرةُ المعتنقة في عملية الانصهار الاجتماعي الشخصي في زمن التحول الموضوعي. إن دوستويفسكي في فقرات من رواياته يستشهد بشكسبير وغوته وشيلر وبوشكين حيث قارب هؤلاء المبدعون الواقع بأشكال عامة، فظهرتْ له قضايا الانسانية في تجريد تاريخي، له أسسٌ مشتركة، من المعاناة العائلية والعواطف البشرية (الخالدة) التي رصدها الكتاب السابقون.
روايته عامة، ورواية (المراهق) خاصة تعيش في زمنية بدء ظهور البرجوازية الصناعية وهيمنة النبلاء، والرواية تعطينا حيثيات ملموسة عن تلك البرجوازية، ومساحات كبيرة جداً عن النبلاء. عن بذخ هذه الطبقة الأخيرة والديون التي تتراكم على بعض أفرادها وكيف أن رأس المال الاجتماعي يضيع، فيما أن نموذج الرأسمالي الصناعي هو شخصٌ أبله إن لم يكن مجنوناً!
إن الأب الاسمي لبطل رواية (المراهق) ذلك الذي سلم زوجته للنبيل يظل محتفظاً بشهامة وثقافة بحث تجعل الراوي المراهق يستمع إليه ويسمع أحاديثه، فيروي بشكل شعبي عن تاجر تحول لصاحب مصنع ولكن كان سكيراً ذا تصرفات عدوانية وبخل شديد، أدت تصرفاته لموت صبي بريء ثم موت أبناء الأم الأربعة، فيتحول الصبي إلى ملاك ضائع في السماء لا يصل لسكينة، ويأتي للأم وللصناعي في أحلامهما، فيقوم الصناعي بأعمال عديدة من أجل أن تسكن هذه الروح! فيتغير ويقوم بأعمال طيبة مما يهدئ الملاك، ولكن الصناعي يعود لسكره وتبذيره وتضييعه للمال!
أمثولة الرأسمالي الفاشل مثل أمثولة الراوي المراهق الذي حدثنا في بدء الرواية عن فكرته بأن يصبح مثل روتشيلد، فيما ظل في الرواية في صدامات عصبية لا تتوقف، يحاول أن يغير النبلاء المتذبذبين بين البخل والإسراف، بين الصراعات الزوجية والعاطفية والبحث عن أفق أخلاقي، بين قضايا الفساد والجريمة وبين احترام القانون إلخ.
إن الطبقة الوسطى غير المتشكلة، المتناثرة في فئات مرتبطة بمستوى متخلف من تطور أسلوب الانتاج، ليس لديها مشروع فكري سياسي، وعلى مستوى الرواية هي تطرحُ حلمَ هذه الفئات الوسطى في تكوين مجتمع الحداثة الديمقراطي غير الموجود.
على مستوى تشكيل رأس المال تبدو في الرواية صور البرجوازية كفتاتٍ ضائع، وليس ثمة بالتالي حتى فئات وسطى قوية صاعدة. ولهذا على مستوى الرواية لن نقرأ (الرواية كملحمةٍ برجوازية). بل كحرقة شخصية معذبة متناثرة بين الإقطاعيين الديني والسياسي، وفيما يتوارى الإقطاع السياسي غير المُحلل، يتعالى الإقطاع الديني بصفة إنسانية مجردة مثالية.
لهذا فإن رواية دوستويفسكي هنا في (المراهق) تظلُ على مستوى الأحداث الشخصية الصراعية المتوترة عبر الحيل الفنية: ابنٌ يبحثُ عن أبيه كارهاً إياه وهو يعبدُهُ، ومجموعةٌ من الشخصيات النبيلة المتصارعة على الثروة وتلجأ لأساليب شريرة، مثلما تفعل (كاترينا نيقولايفنا) تجاه أبيها المبذر فتكتبُ رسالةً تدعو أحداً من أقربائها إلى الحجر على أبيها ووضعه في مستشفى المجانين، وتقع هذه الرسالة العجيبة المتنقلة أخيراً في يد الراوي المراهق، الذي يخيطها في جيبه، وتلعب (الرسالة) دوراً فنياً إشكالياً مليودرامياً في تنامي الصراعات وتحولها لمغامرات تنتهي بضرب وإطلاق نار!
الصداماتُ وتحولاتُ الأبوة والأبناء، واصطدام السادة والبرجوازيين الصغار بالحثالة الصاعدة بقوة بسبب هذا التفسخ الاجتماعي من خلال شروخ الصراع بين النبلاء والفئات الصغيرة تلك، تعبرُ عن مجتمع إقطاعي في حالةِ انهيار ولم يظهر جنينُهُ البرجوازي البديل بعد.
إن هذا كله يجعلُ الصراعَ الاجتماعي في مستوى التجريد، وتغيبُ عنه الارتباطاتُ والوشائج بصراعات القوى الحقيقية على الأرض، نظراً لأن الصراع بين النبلاء والبرجوازية كان خافتاً مضمراً، مع رفض المؤلف للاستعانة بالمستوى العالمي الذي وصل إليه هذا الصراع في الغرب بل هو يرفضه، ولهذا فإن المؤلف في زمنية عصره يدعو إلى العمل الصبور الشاق لأنه أفضل (إن التعطش إلى «المأثرة السريع ) والمعادي للكد الطويل من أجل الاستعداد لهو محفوف بالمخاطر.. بل بمخاطر ارتكاب الجرائم)، فقرةٌ منقولةٌ من المراهق، ص .513 وعلى المستوى الفكري الأخلاقي يدعو للمسيحية والتسامح.
إن الراوي في (المراهق) لم يُوضع في تجربة المعمل والانتاج والسوق، هنا كنا سنعرفُ بعضَ آفاق التطور الاجتماعي، لكن طريقة المؤلف تضعُ الشخصيةَ في الصراعات المنزلية، وهذه تؤدي لأساليب معينة لا تغوص في صراع الطبقات. وهكذا فحين يظهر جوركي تكون هذه القضية قد وُضعت في عوالمها الاجتماعية التاريخية لكن دون خصب دوستويفسكي النفسي الفني، وقد بلغت روسيا حينئذٍ مرحلة مهمة من تطور الصراع بين النبالة والبرجوازية، كما أن سياقات الإيديولوجيات غدت مختلفة. إنه زمنُ الخروج من الزنزانةِ وتحول الرحالة الشعبي الأمي الاسطوري إلى مثقف إجتماعي، وتبدل ثقافة العذاب والصليب إلى ثقافة النقد الاجتماعي السياسي.
يغدو الأسلوب الروائي الفني لمرحلة(المراهق) عبر شخصية مؤلف ذي حساسية خاصة مثرياً لأدوات الحفر النفسي الداخلي، ولخلق التناقضات الشخصية الفكرية والاصطدامات الروحية في عالم المُثُل والتاريخ المجرد، متحسِّساً الآفاق البعيدة مُطلقاً شعارات عامة عن البناء الروحي الأخلاقي الداخلي الرصين، وتمجيد العمل الخلاق.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إفلاسُ الليبراليةِ: هجومٌ عالمي
- نضال شعبي ضد الإرهاب ومن أجل الديمقراطية والسلام
- العراقُ ومسيرتُهُ إلى الوراء
- إفلاسُ الليبرالية: فلسفياً
- إفلاسُ الليبراليةِ: توطئةٌ
- بروليتاريا رثةٌ: برجوازيةٌ ضعيفة
- العلمانيةُ منعٌ للصراعاتِ الدينية
- العمال وواجب النضال والتوحيد
- حوارٌ تاريخي وليس حواراً وقتياً
- دوستويفسكي: الروايةُ والاضطهادُ (3)
- النظرُ إلى جهةٍ واحدة
- متسلقو السياسة!
- الشارقة ترفعُ ثقافةَ الأطفالِ إلى الذروة
- يمينانِ في صدام
- سهولةُ الهجومِ على اليسار!
- دوستويفسكي روايةُ الاضطهادِ (2-2)
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (1 -2)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسيةُ (6)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسية (5)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسية (4)


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)