أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - الدكتور فيسبوك .. الذي يكشف عوراتنا .. ويعرضها على الملأ















المزيد.....

الدكتور فيسبوك .. الذي يكشف عوراتنا .. ويعرضها على الملأ


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 11:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الدكتور فيسبوك .. الذي يكشف عوراتنا .. ويعرضها على الملأ

في عيادته الخاصة بالطب النفسي ، يستقبل الدكتور فيسبوك ، زبائنه الأعتياديون .
قبل دخول العيادة ، لايبدو الزوار مرضى . يبدو الجميع اصحاء البنية ، بعضهم مفتول العضلات ، وعريض المنكبين ، وبعضهم من هو نحيل جداً . متماسكون ، طيبون ، مفكرون ، صحفيون ، روائيون ، شعراء ، أكاديميون ، وصعاليك ، وعابرو سبيل ، وبينهم طبعا عصابيون ، ومتزمتون ، وقتلّة ، من مختلف الملل والنحل .
وبمجرد دخول هؤلاء الى عيادة الدكتور فيسبوك ، وتمددهم على اريكته ، يصابون بنوع غريب من السُعار . وما هي الا لحظات ، حتّى يبدأ طقس الهذيان بـ " التداعي " ، مكتسحاً في طريقه كل شيء : الأسرة ، والأهل ، والعشيرة ، والأصدقاء ، وعامّة الناس ، والأصدقاء الكونيّون ، وعابري السبيل ، وشحاذي الأرصفة ، والسياسيين ، ومعهم بطبيعة الحال ، المرضى الآخرون ، الذين يترددون على ذات العيادة .
ذهبتُ الى هذه العيادة قبل اسبوع . في الأيام التي سبقت ذلك ، تفاقم لدي أحساسٌ كاسحٌ بـ " النرجسية " و " الدونيّة " و" العصاب القهريّ " و " الكآبة الأنفعالية " و" عقدة الأضطهاد " و " جنون العَظمـَة " ، كما أتسمتْ بعضُ سلوكياتي بـ " الشيزوفرينيا العُنفيّة " . كانت هذه " المتلازمة " قد انهكتني ، ودفعتني الى الذهاب لتلك العيادة . قبلها كنتُ أقبعُ في غرفتي ، متسمّراً أمام " اللابتوب " ، عاضّاً على أسناني من قهرٍ وحُزنٍ لا أعرف مصدرهما بالضبط ، ومصاباً بنوع نادر من " صَرَع " العُزلة .
وكما ترون ، لم تعد وصفة الـ " جدار " WALL ، التي وصفها أحدُ الأصدقاء لي ، وتعاطيتها بطاعةٍ عجيبة ، قادرة على كسر عزلتي المقدسة. لذا اصبح لزاما علي ان ارفع من سقف الجرعة " التواصليّة " ، وأن أذهب الى عيادة الدكتور فيسبوك ، المسماة بيتاً " HOME " ، و أتمدّد على أريكته ، واعرف ما الذي حلّ بي بالضبط ، في هذا الربع الرابع من العمر ، الشبيه بصحراء الربع الخالي .
كانت العيادة مكتظّةً بجميع الكائنات البشرية ، كأنها سفينة نوح . خيّل لي لأول وهلة أن الطوفان قد بدأ للتو ، أو انه قادم لا محالة ، وأننا جميعاً على وشك الغرق . وعندما جلستُ بين"أصدقائي الأفتراضيين" أو " المفترضين " ، إنتابني أحساسٌ غير عاديّ ، بأن حدَثاً جللاً سيحصل .
كانت جلسة العلاج شبيهة بتلك التي شاهدناها مراراً في الكثير من الأفلام الأمريكية . جلَسنا أمام الدكتور فيسبوك على شكل نصف دائرة ، وطلب من كلّ واحد منّا أن يتحدث للأخرين عن أي شيء يخطر على باله ، بتجرد كامل عن أي تحفظ ، ودون أية قيود .
قرأ البعض قصائدهم ، وقصائد غيرهم . قال آخرون ان لديهم كتبا منشورة ، وأخرى قيد الطبع . شتم بعضهم اهل بيته وعشيرته ووطنه وجميع المقربين منه . نكّل آخرون بأنفسهم ، وبالآخرين ، تنكيلاً مريعاً . أنا ، ومعي آخرون ، كنّا كتلة من البلاهة ، التي تبكي وتضحك ، وتوافق الجميع ، وتعترض على ما يطرحه الجميع ، دون سبب واضح . قال آخرون أشياء لا معنى لها ، وصفّق الحضور لها بحماسة . عَرَضَ آخرون تفاصيل صادمة من تاريخهم الشخصي ، منذ ارتباطهم العضوي الأول بـحبل المشيمة ، وانتمائهم اللاحق الى الأحزاب الأممية ، وصولاً إلى ارتباطهم الأخير بأحزاب الأمر المعروف والنهي عن المنكر ، دون أن ينسوا "مرورهم " العابر بالكثير من البارات والمواخير والمدن البعيدة ، والقرى والأزقة ، والشوارع والعاهرات ، والقوادين ، وقاعات الدرس ، والمؤتمرات العلمية ، ومنتديات الشعر ، وأقبية السلطة ، وعطايا السلاطين ، ودهاليز الصحافة .. وبطولات " إلياذاتهم " التي لاعدّ لها ، ولا حصر .
في نهاية تلك الجلسة العاصفة ، عرض علينا الدكتور فيسبوك زيارة بيته . قال ان هذه الزيارة ستكون المرحلة الحاسمة في العلاج . بعدها أما أن يكتب لكم الشفاء من بعض ما فيكم ، أو تعودون الى بيوتكم ، كأن شيئا لم يكن ، ليواجه كل واحد منكم تبعات مصيره بنفسه .
كان الدكتور فيسبوك يستخدم ، هذه المرّة ، تقنية العلاج عن بعد . كان واضحا أنه يريد أن يورطنّا في شيء لا قدرة لنا على مواجهته . لقد تركنا نتصرف في بيته ، كما يحلوا لنا . كما نتصرفُ في بيوتنا بالضبط . قال انه سيرصد ردود فعلنا ، وسيحاول تشخيص العلّة والمعلول ، من خلال مانقولُ ونفعلُ ، عندما لايكون هناك رقيب علينا ، أو سيفٌ مسلّطُ فوق أعناقنا المستطيلة .
وعلى الفور بدأ العبثُ بكل شيء . لقد تحوّلنا الى قطيع من الثيران المجنّحة ، في بيت الخزف البهي ذاك . وبعد حفلة ماجنة من الخراب العميم ، طلب الدكتور فيسبوك ان نعود ونجتمع في باحة البيت ، على شكل دائرة ، وأن " نتواصل " من جديد .
كان ما قيل في "العيادة"،أرحم بكثير مما قيل في "البيت". كان كل شيء،مما قيل في العيادة " نسبيا ". أمّا هنا ، فقد تحوّلت كل تلك الأشياء إلى " مُطْلق " . أحدهم قال أنهُ تناول في وجبة الفطور " ثريد الباقلاء " ، فهتفنا له ُ، حتّى تقطعت حناجرنا . آخر قال أنه تناول " التكّة " في وجبة الغداء ، فحصد مئات " المعجبين ". آخر قال أنه في البيت ، فهللنا له . ثم قال انه ذهب الى المقهى ، فهللنا له . ثم قال انه جالس على الرصيف ، فهللنا له . ثم قال انه ذاهب الى الحمّام ، فهللنا له . ثالث عرض علينا سبع صور لوجهه الكريم خلال ست دقائق .. فسقط بعضنا مغشيا عليه من هول الأعجاب بالصور السبع . أخرى علّقت على احدى الصور بأنها " تخبّل " ، فأعجب بعبارتها تلك نصف سكان الكرة الأرضية . أحدهم اخبرنا بأن زوجته قد اتصلت به لتخبره بأن ابنته الرضيعة تشتاق اليه ، فأجهشنا جميعا بالبكاء . " عَفَطَ " أحدهم " عفْطةً " هائلة ، كانت أكثر غلاظة من " عفْطة عنز " ، فحملناه على الأعناق . أحدنا قال للآخر " أنت رائع " ، فسارع هذا " الآخر " للأعجاب بهذا الأنجاز الفكري الأصيل .
كانت كاميرات البث المباشر مبثوثة في كل مكان . كنّا نعرفُ ذلك . نعرفُ أننا مكشوفون على الملأ . نعرف أننا جميعا عُراة ، وفي الهواء الطلق . وكان الدكتور فيسبوك يتابع كرنفالات بؤسنا الصاخبة هذه ، غير مصدّق أنّ عالمنا ، وتاريخنا ( الشخصي ، والعام ) ، مأزومٌ إلى هذا الحد .
لقد كتب الدكتور فيسبوك في ختام الزيارة تقريره الموجز عن " التاريخ الطبي " ، لما أسماهُ هو بـ " هذا النوع من البشر " . وكانت خلاصته ُ :
ان " هذا النوع من البشر " ، لا يصغي لما يُقالُ ، ويُكتَبُ ، ويُرسَمْ ، على جدران روحه المستباحة . وفي كتلة نفاقه الهائلة ، فهو لا يحترمُ أحدا ، ويبخسُ الآخرين أشياءهم ، ويكذبُ عليهم ، وعلى ذاته . هو لا يتمعّنُ في الخطوط والكلمات ، ولا شأن له بـ " النص " . إن " الشخص " هو كل شيء بالنسبة له . هو الجلاد ، والضحية ، والمستبدّ ، والمنقذ .
وختم الدكتور فيسبوك تقريره بالقول : انهُ ، وبقدر تعلق الأمر به ، لا يستطيع أن يفعل لنا شيئاً ، ولا يستطيع ُ أن يوصي غيرهُ بفعل شيء .. أي شيء .. إذ لاجدوى من ذلك .. لاجدوى من ذلك أبداً .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأةٌ واحدة .. رجلٌ وحيد
- كتابُ الوجوه .. التي لا تراني
- الأسئلة الصعبة .. حول الأنسان - البسيط - .. نلسون مانديلا
- مقاطعُ من قاموسِ السوادِ العظيم
- الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث ال ...
- تَذكّرْ الكثيرَ ممّا نسيتْ .. لعلّكَ تَنسى
- مظهر محمد صالح : محنة العقل في بلد ممنوع من الأنتقال إلى وضع ...
- دعوةٌ للصلاة .. من أجل وطنٍ .. مطوّقٍ بالرماد والرمل
- تارا .. لاتُحبّ ُ الجنود
- إلياذة المطر .. في عراق الرماد
- سيناريوهات الخراب .. التي لا يومضُ ضوءٌ عداها .. في وجوه الع ...
- التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون ...
- ضدّ النَسَق والنظام .. والحزب والثورة
- النفط ُ والدين .. وما أكل َ السبع ُ منه
- ها أنذا .. أبلغ ُ الستّين َ للمرّة ِ الألف ِ .. وأحبو إليها
- قصص قصيرة
- حكاية ُ حمار ٍ يُدعى ( سموك )
- عيوب عاديّة
- جئت ُ كالماء ِ .. و كالريح ِ أمضي
- الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - الدكتور فيسبوك .. الذي يكشف عوراتنا .. ويعرضها على الملأ