أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (3) / رسالة إلى جدتي العزيزة














المزيد.....

منزلنا الريفي (3) / رسالة إلى جدتي العزيزة


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 02:38
المحور: الادب والفن
    


....نام نومة طويلة كما ينام الصبيان، ونحب نحيبا كما تنحب النساء، ولعب لعبة كما يلعب الولدان...
جموع من البشر تحيط به كالجراد ؛ لا يعرف أصلها، ومنبتها ؛ سوى عجوز كانت قبلتها حنانا فاضت كدموع الأنهار، وبسمة كضوء المصباح، وبعد مضي أقل من عشرين عاما كتب رسالة عطرة إلى وردته التي ذبلت، فسقاها خمرا، وماءا في لحدها المنسي، هناك خلف الأودية المقفرة، والشعاب الكالحة :

" جدتي الوديعة :

أما وقد مضت ست سنوات على رحيلك المفجع ؟ آه يا جدتي العزيزة ! لقد كان قاسيا على قلوبنا ؛ لقد افتقدنا حنانك المفعم، وظلك الوارف .

جدتي العزيزة :

أتذكرين حينما كنت أرافقك أنا، وأختي إلى المرعى، وكنت تحملين من أجلنا خبزا، ولا تسلمينه إلينا إلا حينما يجتاحنا الجوع .

جدتي الطيبة :

مازلت أتذكر كيف كنت تروضين القطعان ؛ على سفح مومن الجبار، كما أتذكر جسمك النحيف، وكلامك الوديع ؛ الذي يحول الصخر إلى فتات فتيت، لا بل إلى فتيت فتات، وتتركين الذاكرة تخوض موجة العنان .

جدتي الرائعة :

آه يا عزيزتي ! فمازلت أتذكر لحظتك الأخيرة، وجلوسك تحت الشجرة الوريفة، واستنادك على الخشبة الدعيمة، وموتك البريئة .

جدتي الفصيحة :

في ذلك اليوم البئيس ؛ انعقد لساني، وانبلج دماري، وأصبح العالم تفيها ؛ آه يا جدتي ! انطمرت، وانطمرت ذكرياتك ؛ ذاكرتك الحية التي لا تنضب .

جدتي الذاكرة :

أ تذكرين ؟ أ تذكرين حينما كنت أرافقك أنا وأختي إلى المرعى ، وبالضبط يوم الأربعاء ؛ يوم تسوق أمي، لحظتها ؛ ماذا كانت ترتدي أختي ؟ ألا تذكرين تلك التنورة المفعمة بالألوان ؟ وعلى جدارها رسمت سحب السماء ؟ ألم تكن ترقص بالحياة ؟ وعلى صدرك اختبأنا من لسعات الشعاع ؟... أجل يا جدتاه !!

جدتي الذاكرة :

أتذكر الرحيل، ويحز في قلبي كالأنين، كالجرح الأليم، كالبؤس الكئيب، ولكن أكتب إليك هذه الرسالة لتقرئيها، وتتصفحينها لنخلق ذلك الوصال الذي انقطع، أرجوك يا عزيزتي لا تتواني في الرد علي، فرشفتك لازالت عابقة على جبهتي .

جدتي الذاكرة :

أتذكرين حينما قلت لي : " يا ولدي العزيز ؛ عليك بالدراسة " ؛ أذكر ذلك اليوم، في ذلك البيت، كان الوقت وقت عشاء، واليوم يوم أربعاء، والمكان مكان الحوار، والتفاحة التي كنت آكل كانت تفاحة نيسان، عندها كنت أدرس في الثانوي، فقلت لي : " عليك أن تدرس من أجل مستقبلك ؛ لا تفعل كما فعل أقرانك، ذهبوا لكي يدرسوا، فانزاحوا كما تنزاح السحب المطيرة عن قريتنا في الأزمنة الكليحة "، كما قلت لي أيضا : " لا تنس أن تذكر هذا اليوم، أنا سأموت، أما أنت ستبقى، وسترى "، أجل يا جدتي، ها أنا أذكرك الآن .

جدتي الذاكرة :

أحيطك علما، بأنني نجحت في البكالوريا منذ أربع سنوات، أي بعد سنتين على رحيلك، وحصلت على الإجازة منذ خمس سنوات على الرحيل، وها أنا الآن أستاذ متدرب، كم كنت سأكون سعيدا لو عشت معي هذه الفرحة، ولكنك ذهبت دون أن تخبريني، ولكن لا ضير، إن هذه الرسالة صلة وصل بيني، وبينك .
إليك قبلتي يا جدتي .

جدتي الرومانسية :

لم أكن أعلم أنك كنت متوقدة بالحياة، كالنار وهي في قمة العنفوان ؛ لم أكن أعلم أنك جمرة دفيئة، في المياه الصقيعة، وردة راقصة مع النسيمات العبيرة .
لم أكن أعلم أنك نحلة جوالة، وأمواج فياضة، وسماء مدرارة .

جدتي الرومانسية :

لن أنس عودتي من الرباط صيف 1994، واستقبالك لي، استيقظت من صدمتي، فوجدتك جواري، كانت قبلتك حارة كنعسة عينيك الكابيتين، وأذنيك الساهمتين ؛ آه لقد كانت رشفة من رشفات الربيع، خصبة كألم المخاض، حلوة كلذة الجماع .
وداعا يا جدتي... في انتظار ردك... مع تحيات صبيك الصغير "


الجمعة 03/05/2013 - بني ملال - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصرخة الكرزازية
- النسيم
- اللعبة الخفية (5)
- إكسير الحبيبة
- مصدات - كلمات
- منزلنا الريفي ( 2 )
- اللعبة الخفية (4)
- اللعبة الخفية (2)
- اللعبة الخفية (3)
- اللعبة الخفية
- رعشة
- كتاب
- مدينتي
- رسائل كرزازية
- منزلنا الريفي (1)
- رسالة إلى أستاذتي العزيزة
- جحر
- سعاد
- راعية القطعان
- أنت


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (3) / رسالة إلى جدتي العزيزة