أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - أيام الجد والنشاط 2















المزيد.....

أيام الجد والنشاط 2


بوزيد مولود الغلى

الحوار المتمدن-العدد: 4080 - 2013 / 5 / 2 - 19:38
المحور: الادب والفن
    


رحل الحمار بغير ذنب اجترحه ، ولم يبق من ذكراه سوى جملة ضمنها مؤلف كتاب مدرسي تتلمذتْ عليه أجيال ما بعد سلسلة إقرأ التي رصّع بها أحمد بوكماخ سجله الحافل بالانجازات التربوية والعبارات العميقة معنى ومبنى خاصة تلك التي اختارها هذا الرجل الفهيم العليم بعجَر التربية وبُجرها عتباتٍ لنصوصه الموجهة للصغار ، وقد شاخ بعضهم ولم تمحي من ذاكرته مثل : " الله يرانا"- أحمد والعفريت "- أيام الجد والنشاط"- " الثرثار ومحب الاختصار "، تلك القصص التي لم تفارق يوما ذاكرة زيد وأقرانه.

أما العبارة التي يستعيد بها زيد زمن الحمار الممدود أرضا ، فقد حفظها عن كثير من الصغار الذين نشأوا في زمان غير زمانه ، وهي :

: " كان لنا حمار نربطه أمام الدار " ***

باع أبي الحمار *** لماذا باع الحمار ؟.

ربما باع أبوه الحمار ، فحزّ في نفسه أن يباع الحمار יִ ، أما حمار جارتنا الصريع فلم يجد أحدا يرثيه أو يبكي عليه ، أو يحدث نفسه أو يسائل الضمير الغائب في مجتمعه :

لماذا قتل الحمار ؟ ، أليس جديرا بالحياة ، أليست فيه كبد رطبة ؟ .

قد يكون قتل حمار أخف ضررا من قتل بشر ، لكنها الحرب و الحظّ العاثر ساق كثيرا من البشر يومها الى حتفهم ، كما يسوق اليوم أمثالهم في مواطن شتى الى المصير نفسه .الحرب مجنونة ملعونة إلى يوم القيامة ، تمتم زيد وقد زارته أطياف ذكرى تلك الحرب الأليمة التي راح ضحيتها " سعيد " ابن العمة الذي يتحدث الناس عن مروءته وشهامته و قوة عضلاته التي استخدمها أعواما في جلب الماء في جمرة الصيف وحر القيظ من مضانّه الشحيحة زمن الترحل في الصحراء، ثم سطا به التطلع الى تبدل حال الشظف إلى حال الرخاء ، فأصر على جده – وقد تربى في كنفه لما انفكت عروة العشرة بين أمه وأبيه- وهو شيخ القبيلة وأوجه أعيانها أن يأذن له بالانخراط في الجيش ، فأشفق عليه لمَا علمه من غدر الحرب ، وللجدّ سابقة في الجيش ، وإنما خرج منه كفافا لا له ولا عليه كي يستفرغ جهدا في إصلاح شأن القبيلة . غير أن الفتى المتوثب المندفع أصر أن يذهب الى المعسكر و نفسُ جده غير مطاوعة ، وكان بذلك لرغبته مطيعا ولنصيحة جده مضيعا ، ولم يدر أن لشَرْخ شبابه شرّة ، ولرَحى الحرب غِرّة ، وما هي إلا أيام بعد فراغه من التدريب حتى نشبت أولى المعارك بوادي " كسات " ، وكان لها طحينا יִ.فبكته أمه بكاء شديدا حتى عميت ، وعاشت بقية حياتها تلعن الحرب التي أطفأت نور عينيها وذهبت ب " نوّارة حياتها " و توأم روحها ، إذ لم تحبل قبله ولا بعده ، أما بعض العوائل من الجيران فقد عيل صبرها ، سمع زيد كبارهم وصغارهم يبكون فامتقع وجهه ، وانتظر عودة أمه من بيتهم ، فسألها سؤال الصغير الواجف المتشوف للكشف والاستكشاف : أمي ، لماذا يبكون ، هل قتل منهم أحد ؟ ، فأجابت : بل قتلوا شقيقان من أبناء عمهم " بوجمعة " ، بقروا بطن الأول و أردوا الثاني قتيلا رميا بالرصاص رغم استعطاف زوجته لهم ألا يفعلوا יִ...، سمع زيد أيضا عن قصص نجاة مثيرة ، سمعهم يتحدثون عن شيخ شديد التبتل أرغموه على الركوب في إحدى مركباتهم أسيرا ، فاستعطفهم ، فأبوا أن يتركوه ، فركب على مضض وطفق يتلو بعض التعاويذ ، فتعطلت المركبة وعجزت عن الانطلاق ، فأشار عليهم أحدهم أن يخلوا سبيل هذا الشيخ الهرم لئلا تصيبهم بسببه مصيبة ، فأنزلوه قهرا وقد كالوا له التهم بالكهانة יִ ، سلم الشيخ من الاذى يوم الكريهة ، وهو غير محارب ، لكن لم يسلم كثير من غير المحاربين مثله ، منهم حفّار الآبار " حميد " ، الأجير الذي قدم من الشمال وأقام سنين بآسا بالجنوب ، وحفر آبارا كثيرة في تلك القرية الصحراوية الوادعة التي يخترقها نهر كبير ، وتجري بها عيون رقراقة من أشهرها عين " تكردات " التي تحكي كتب التاريخ عن نزول أول مسلم بها عام 130ه قربها حيث أقام مسجده المسمى باسمه / جامع سيدي محمد الشبكي ، وظل يدعوا الوثنيين من اذاوقيس إلى التوحيد .

كان آخر عهد حميد بعائلة الصغير أبي زيد عصر يوم فراغه من حفر البئر ، حيث جلس مستوفزا يتناول خبزا وشاياً وزيتاً ، وأعطاه بعض أجره وواعده بدفع ما تبقى بعد أجل مسمى بينهما ، و ناشده على سبيل المضايفة والمجاملة أن يبيت عنده ، فاعتذر ، ، ، وكان من قدر الله وجَدّ حميد ( حظه)أن ألقي عليه القبض واقتيد أسيرا ، وظل والد أبي زيد يذكره بخير ويسأل بعض أهل العلم عما يفعل بما بقي في ذمته من أجره ، فأشاروا عليه بالتصدق بها عنه ليبلغه أجرها حيّا كان أو ميتا .

حين يُذكر الأجير حميد ، يستيقن زيد أن الأرزاق كما الأعمار بيد الله ،وأن بعض الرجال بحظوظها وجُدودها لا بعرَقها ونصبها ، وبقدر ما كان حظ حميد زهيدا ما كان أفظع من حظ الجندي الذي لقبه أهل الحارة " ريال أحمر "- ربما لشدة حرصه على الرزق وكدّه لتحصيله وتحصينه رحمه الله- فقد تناول العشاء في ضيافة شيخ القبيلة والد زيد ، وكان يكتب على ضوء شمعة باهت رسالة كي يبعثها إلى أهله ، ولم يجُل في خلده أنها ستكون رسالة الوداع وأن العشاء الذي تناوله كان الأخير أيضا ، لم يسمع هسيس القيامة ، ومن مات قامت قيامته ، أو لعله تحسسها حين سمع حسيس الحرب ، و إن حسيسها لم يكن يبعد سوى أميال عن القرية ومن فيها ، فدعا بالقلم والورق ليزرع آخر فسيلة قولٍ في حياته ، وإذا حان الحيْن حارت العين יִ ، ..لقد مضى حين انتصف الليل إلى خندقه في ضواحي القرية حيث يتحصن العسكر، وحصدته سكين الغدر في فحمة الظُّلمة...

كانت روح الحرب المدمرة الخبيثة تغشى أديم الصحراء ، وتلقي بظلالها القاتمة الداكنة على كل أحاديث الناس وشؤونهم ، و تسيطر على مشاعرهم ، فهذا عمر الصبي الذي بدأ ينطق كلماته الأولى، ينبس بعُسر بين الفينة والأخرى : أْسْ ، أْسْ ، حْسْ الكُورْ أي صه ، صه ، أصمتوا ، أنصتوا ، أسمعُ صوت القنابل יִ. وما كذب الصبي شقيقُ زيد الأصغر ما توهم سماعَه ، فقد كانت تنهمر القذائف على القرية من بعيد ، أي من التخوم التي يتحصن بها المهاجمون ، ولم ينعم الناس بالأمن والطمأنينة أياما بل أعواما ، فقد كانوا يخشون عودة " هيف لأديانها " ، وظلوا يتوجسون خيفة من هجوم مباغت ، وهم في ذلك كمن يأتيه الموت من كل فج ، وقريتهم ذات فجاج وجبال قد يأتي منها المكروه ، فهي جاثمة عند قدم جبل واركزيز على مرمى حجر من مدافع الهاون التي تمطر القرية بين الفينة والأخرى بشهب الرعب.

وبعد أيام عصيبة، وضعت المعركة أوزارها ، وأمِن الناس قليلا على أموالهم وأنفسهم ، بيد أن روح الحرب لم تبرح أحلام الأطفال وخيالاتهم ، بل تسللت إلى ألعابهم ، فلا تجد زيدا وأترابه يلعبون إلا متسايفين بالعيدان ، وكأن حالهم يقول : "حارِب ولو بِعُود יִ "، وكثيرا ما يحاكون أرتال العسكر ، ويصنعون دباباتهم من " عُلب السردين الفارغة " יִ ، يُكنون أكبرهم " كولونيل " ، وأصغرهم سنا أدناهم رتبة عسكرية ، ولهذا كان زيد يحفظ أسماء الأسلحة ويعرفها كما يعرف والده وجدّه ، من " البيتيب " إلى الماك والفال وماص 36 ، وعيار 106 المحمول على عربة عسكرية سمع الناس يقولون أنه تعطل بفعل السحر يوم المعركة ... יִ، يوم احترقت المدرسة بفعل رصاص طائش لا يفرق بين الأهداف كما في الحروب المعاصرة التي انسلخت عن قيم الشهامة יִ كانت الشهامة قديما تعني أن تقتل عدوك المبارز المحارب ، وأصبحت الشهامة في حروب العصر أن تطيح بكل شيء بارز شجرا كان أم بقرا أم بشرا...

انتهت الحرب ذات مساء ، وانصرم الصيف وأفَلت شمسه الحارقة ، ولم يعد زيد يصطحب أشقاءه وأبناء حارته إلى المرعى ، يسوقون غنيْمات يبتغون بها شعف جبال باني و بطون أودية السدر التي تنتشر بها أشجار الطلح وسدر كثير ، فهو مقبل على الدراسة من جديد ،

يتبع...



#بوزيد_مولود_الغلى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيام الجد والنشاط 1
- صور بلاغية في الأمثال الحسانية
- الحسانية بين موقفين
- طريقك الى الشهرة: موقع كلب بريس


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - أيام الجد والنشاط 2