جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 22:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الغنوصية مثلها مثل أي مصطلح لها معنى حرفيا للكلمة ومعنى اصطلاحيا,ومعناها الحَرفي: المعرفة,ومعناها الاصطلاحي وضع قوتين متعارضتين أمام بعضهما واحدة قوة الله التي تتمثل بأعماله الخيرة والفاضلة والأخرى قوى العالم التي تتمثل بالشر وبالبشاعة, ومن هذا المنطلق ينقسم وينشقُ الغنوصيون على أنفسهم بين مؤيدٍ ومعارض, فمنهم من يرى أن الله خلق الخير والشر معا وهو المسئول عن الإثنين ومنهم من يرى أبعد من ذلك بحيث لا يصدق الغنوصيون بأن الله من الممكن له أن يخلق الشر بل هو خالق الخير وحده وبأن الشر ليس مسئولا عنه نهائيا بل دائما ما يتصدى الله للشر, وهذا بخلاف ما تؤمن وتدعو له الديانة الإسلامية التي ترى بأن الله هو الخالق لكل شيء وهو واهب الروح وهو الذي يأخذها وهو الذي ركب الرأس وهو الذي يقطعه وهو الذي خلق الشر ليبلُ فيه عباده ويمتحن قوة إيمانهم وهذا النوع من الإيمان نقلته الديانة الإسلامية عن غنوصيين وأحبار مسيحيين متصلين أصلا بالفلسفة الغنوصية الفارسية.
ومدلول الكلمة (الغنوصية)الفلسفي يمتد إلى أبعد من ذلك بحيث يستطيع الإنسان الذي يتمتع بالغنوصية أن يتصل بالله مباشرة دون الحاجة إلى(الوحي) أو أي وسيط بينه وبين الله وهذه أهم نقطة خلاف بين الديانة المسيحية وبين المتصوفة الإسلاميين الذين تأثروا في الفلسفة الغنوصية,وهذه الفلسفة أو هذا النوع من العرفان انتشر قبل أن تنتشر الديانة المسيحية والإسلامية,وهذا النوع من الفلسفة كان سائدا عند الوثنيين وعنها انبثقت الفلسفة الصوفية بحيث تستطيع الصوفية على فطرتها أن تجعل من الصوفي إنسانا متصلا بالله دون الحاجة إلى أن يكون منتميا إلى أي ديانة سماوية أو نبي يعلم الإنسان كيف يأكل وكيف يشرب وكيف يتصل بالله.
إنها أي الفلسفة الغنوصية تضع العالم كله أمام قوتين متعارضتين وهما:النور والظلام,الخير والشر,الأبيض والأسود,الموت والحياة,الحب والكراهية,العالم العلوي والعالم السفلي ونقطة الخلاف عند الجميع هي ما هو تخصص الله؟هل تخصصه خلق الخير والشر معاً أم تخصصه خلق الخير فقط لا غير,وعلى رأي بعض الحداثيين الذين يقولون:إذا كان الله لا يستطيع منع حدوث الشر فهذا يعني أنه شرير,والرأي الآخر يقول إذا انتصر الشر على الخير فهذا معناه أن ننتسب لإله الشر لأنه هو الأقوى لذلك علينا أن نكون شريرين إلى جانب الأشرار الأقوياء كما سنلاحظ ذلك بع قليل عندما يقتل قايين الشرير أخاه هابيل الطيب .
وكل ذلك التفلسف لمقاومة أعمال الإنسان الشريرة عن طريق أعمال الله الخيرة التي تتمثل بالأبيض والعالم العلوي وبالخير وبالنور الذي يبدد الظلام على اعتبار أن الله طيب وخير وكل شيء يحدث بأمره ومحب جدا للناس الطيبين الذين يبدون على شاكلته,وبهذا وضعت الغنوصية مبادئ علم اللاهوت بطريقة عفوية وواضحة وبسيطة وكل ما تريده من الإنسان للوصول إلى الله وإلى كشف سر الروح أن يعمل أعمالا خيرة وأن يهذب نفسه ليتصل بالنور لمحو الظلام الذي يريد أن يهيمن عليه وأن يعمل أعمالا خيرة وطيبة ليسيطر على قوى الشر التي تريد من الإنسان أن يكون شريرا,إنها تقوم على مبدأ التعارض بين الروح والروحانية وبين الجسد والمادية,وبهذا يعرف الإنسان نفسه.. وتستطيع الغنوصية أن تكشف عن الروح وعن أماكن تواجدها إذا ما تعمق الصوفي الغنوصي في حب الحكمة والمعرفة,وعن طريق التأمل بالكون وبالخلق يصل الإنسانُ إلى مرتبة كشف الحقيقة التي يكشفه الله عليها.
أما ما يخص الإسلام وكيف من الممكن أن تتعارض الغنوصية مع الإسلام فهي ليست معقدة وذلك أن الإسلام يتعارض مع هذا المبدأ الذي يرى بأن الإنسان يستطيع أن يتعلم عن طريق اتصاله بالله مباشرة وبدون وسيط وبدون نبي أو رسول أو ملاك من الله وهو ما عبرت عنه اليوم بدقة السلفية الإسلامية الحديثة التي تتعارض مباشرة مع(جماعة التبليغ) الذين هم بالأصل منبثقين عن جماعات صوفية مصدرها الهند متأثرة بالغنوصية الهندية, و تكمن في المشكلة التي وضعها الصوفيون في الصوفية والغنوصية معاً بحيث من المستحيل أن تعترف الغنوصية بأن الخير والشر مصدره من الله نفسه فهي لا ترى ذلك مطلقا بحيث ترى الله فقط صانعا للخير وحده وللنور وحده ومن المستحيل أن يصيب الإنسان الشر إلا من أعمال أناس وعالم آخر شرير والله بنظرها وحده المسئول عن الخير وليس مسئولا عن الشر لأن الشر لا ينبثق من إرادته بل من إرادة أخرى شيطانية مصدرها عالم آخر غير عالم الله ماديٌ جدا هذا العالم يقوده الشيطان والذين يفعلون الشر هم في الأصل مستسلمون لرغبات الشيطان والله يتعارض مع هذى اللون الأسود..وهي ترفض مبدأ الإيمان الساذج الذي يقول(كله من عند الله) فهذا النوع من الإيمان ترفضه الغنوصية رفضا قاطعا ذلك أن الله لا يصدر عنه إلا النور والأعمال الخيرة.
أما تعارضها مع المسيحية فإن هذا التعارض ليس كبيرا ولا مستمرا وقد كان فقط منذ بداية المسيحية وهي من ناحية أخرى كالتعارض مع الإسلام بحيث كانت ترى المسيحية الأرثوذكسية القديمة جدا أن الغنوصية والصوفية بالغت جدا بالتركيز جيدا وبالحقد كثيرا على العالم المادي وبأنها غالت به غلوا كبيرا,وكان هنالك طبعا عدة فرق غنوصية مسيحية أهمها(عبدة الأفاعي) وأيضا التيار الذي قرأ قصة قابيل وهابيل(قايين وهابيل) بإزاء قوتين متحاربتين واحدة هي يهوى الطيب والثانية قوة قابيل الشرير ورأت بأن إله قابيل(قايين) الشرير انتصر على الإله يهوى بحيث فاز في نهاية الصراع إله الشر لذلك عبدت تلك الجماعات إله الشر وهذه الفرقة من المسيحيين ظهرت تقريبا في أواسط المائة الثانية بعد الميلاد ولكن سرعان ما اندثرت لإيمان الناس جميعا بأن إله الخير أفضل من إله الشر.
وحتى يتصل الإنسان بالنور لا بد له من أن يتقشف ويتواضع وبأن يكون زاهدا في الدنيا هاجرا للذات بكل أنواعها أو أن يكون قليل الأخذ بها بحيث لا يكون شرها ًجنسيا بل معتدلا ومكتفيا بقليل من الجنس وبقليل من الطعام وبأن يكون قنوعا من كل شيء.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟