أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فاطمة اللجمي العموص - حتّى لا تضيع بوصلة الثّورة















المزيد.....

حتّى لا تضيع بوصلة الثّورة


فاطمة اللجمي العموص

الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 09:24
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا شكّ أنّ مجتمعات الرّبيع العربي قد عانت لعشرات السّنين من أنظمتها الدّيكتاتوريّة قبل أن تشتعل شرارة الثّورة وتزيح من تمسّكوا بكراسيهم عن الحكم. وما كان من هذه الشّعوب إلاّ السّعي جاهدة لمحو كلّ ما يربطها بهذه الفترة المظلمة من حياتها، وهو ما نلاحظه بمجرّد التّمعّن في الخطاب الإعلامي والثّقافي التّونسي السّائد بعد الثّورة والذي يكرّر مجموعة من المصطلحات الجديدة التي عمد إليها عدد مهمّ من الإعلاميّين والسّياسيّن وحتّى المفكّرين، لعبّروا بخطابهم هذا عمّا يختلج في أذهان عموم الجماهير. ومن بين هذه المصطلحات يمكن أن نذكر على سبيل المثال: القطع مع السّابق، التّغيير الكلّي والجذري، أزلام الماضي... وما إلى ذلك من كلمات وجمل تعكس فكرا جديدا هادفا بالأساس إلى هدم ثقافة الدّيكتاتوريّة وبناء ثقافة جديدة مبنيّة على الدّيمقراطيّة. هدم بلا حدود ولا ضوابط. وبناء من منطقة الصّفر دون الرّجوع إلى أيّ شيء من مكتسبات الجيل السّابق.
مثل هذه المواقف تبدو للوهلة الأولى عاديّة ومنطقيّة إذا ما نظرنا إليها من زاوية خوف معظم التّونسيّين من رجوع أيّ شكل من أشكال الظّلم والاستبداد اللّذين لحقا به طوال سنوات خلت. ولكنّ التّمعّن في مخلّفات هذه المواقف يفضي بنا إلى حيرة ومخاوف جمّة. إذ يجب أن نتبيّن وبوضوح مدى هذا القطع والرّفض للماضي ونعرف تحديدا مجالاته وحدوده.
إنّ كلّ تجريح لثقافة ما قبل 14 جانفي هو، باعتقادي، إهانة للثّورة في حدّ ذاتها، ذلك أنّ الثّورة لم تصدر من مجتمع مغاير، وإنّما منبثقة من هذا المجتمع الذي برهن على أنّ روحه التي نُحتت من تراكم استمرّ سنوات وبدأت تفقد توهّجها، وهي تكاد تُطمر تحت ركام مفردات ثقافيّة غريبة المنبت والتّربة، لها القدرة على أن تهتزّ حتّى تحت مطارق الدّيكتاتوريّة التي كادت تكسل وعيها ولها القدرة على أن تتمرّد وتخرج من قمقمها... وقد وضعتنا الثّورة المجيدة أمام حقيقة مفادها أنّ روحنا التي خلناها وُئِدت كانت تختمر بداخلها بكتيريا الرّفض، لذلك أنجزت ثورة نموذجيّة اقتفت أثرها مجموعة من الشّعوب وهو ما جعلها جديرة بالاحترام والتّخليد. فمجتمع ما قبل 14 جانفي بتراكماته الفكريّة والثّقافيّة هو الذي صنع الثّورة وهو الذي قطع مع الدّيكتاتوريّة، لقد توسّل المجتمع بثقافته لتحقيق ذاته ووجوده، وكانت هذه الثّقافة خير أداة تواصل بها كلّ أفراد المجتمع بعضهم ببعض للوصول إلى غاياتهم ومطالبهم الأساسيّة. ولا يجب أن نتناسى أنّ الثّورة إنتاج مشترك بين أبناء البلد لكلّ فيها نصيب ودور، وهو ما يعطيها قيمتها ومكانتها، فلماذا نقطع اليوم مع هذه الثّقافة وندخلها في طيّ النّسيان تحت ذريعة القطع مع أزلام النّظام السّابق... فهل الجميع كانوا أزلاما؟! ماذا عن المغلوبين والمقهورين ومَن طَحَنهم البحث عن الرّغيف وأَلْجَمهُم العجز والخوف والقيد...؟!
إنّ أكثر ما يجب أن يتفطّن إليه مثقّفو هذه الفترة، هو دورهم أو لنقل واجبهم في الوقوف دون استغلال عدم الاستقرار الذي يسيطر على المجتمع التّونسي والذي يستهدف هويّة المجتمع وثقافته وتفكيره بالمسخ والتّشويه... وهي غاية خسيسة يقف وراءها من لهم مصلحة في إجهاض حلم التّونسيّين والالتفاف على الثّورة وشعاراتها. أولئك الذين أيقنوا أنّ ساعة الحساب آتية وأولئك الذين توهّموا أنّ الثّورة غنيمة وأولئك الذين ظنّوا الثّورة يتيمة حتّى صار شأن الذين دفعوا ضريبة الدّم أضعف من الأيتام في مأدبة اللّئام. إنّنا اليوم نواجه تهديدات تمسّ من هويّتنا لعلّ أجدادنا لم يواجهوها أيّام الاستعمار الفرنسي على تونس. لأنّنا في تلك الفترة كنّا مستهدفين من طرف خارجي، فكانت كلّ شرائح المجتمع متيقّظة ومتشبّثة بتراثها فحالت دون المساس به، ويمكن أن نستشهد على سبيل المثال بموقف له دلالة في سياق حماية الخصوصيّات الثّقافيّة ألا وهو تكوين فرقة الرّشيديّة بغاية حفظ التّراث الموسيقي التّونسي من الضّياع والتّلاشي وذلك بعد «شعور ثلّة من الشّباب التّونسي بالخطر المحدق بالشّخصيّة التّونسيّة وأصالتها العربيّة الإسلاميّة، وهو ما برز جليّا في توصيات المؤتمر (الأفخاريستي) الذي انعقد في تونس في ماي 1930».( )
أمّا اليوم، فالوضع مختلف، إذ التبس الأمر علينا ولم نعد متّفقين في شأن العدوّ والصّديق، وربّما حملتنا الحميّة إلى إضفاء مشروعيّة على التّدخّلات الأجنبيّة التي تسربل بعضها بالأخوّة والآخر بالصّداقة والثّالث بالنّصرة، وإلى غضّ البصر عن تدخّلات سافرة توشك بأن تعصف بما أنجزناه. بل ربّما كان خطر الدّاخل الذي يتشكّل تحت عناوين مختلفة ظاهرها مشرق وباطنها قاتم أشبه بدسّ السّمّ في العسل، إذ يهدّد بزلزلة كياننا بكلّ عنف بغرض تخريب الرّصيد التّاريخي الذي راكمته أجيال من التّونسيّين صائغة به روح الشّخصيّة التّونسيّة في ثقافتها وحضارتها... أو استبدال النّمط الذي يعتزّ أسلافنا بنضالهم من أجل بنائه بنمط شاذّ غريب التّربية يعيدنا إلى مربّعات الفشل والصّراع والاستبداد. لقد بتنا نجهل كيف نحمي الوطن ومِمَّن نحفظُه. إذ لا ريب أنّ تونس تشهد اليوم هجوما مُمَنهجا على مكتسباتها الثّقافيّة وقيمها وعاداتها الاجتماعيّة... وبالمقابل فهي تشهد تزاحما بين بدائل غريبة عن هويّتنا وبين نماذج تريد فرض نفسها وتتأهّب لمسخ ذواتنا والاستفراد بعقليّاتنا تكيّفها على قياس أجنداتها. وكأنّ بمن يتبنّى ذلك يتناسى أنّ بناء مجتمع ما لا يمكن أن يكون أبدا عمل يوم أو أسبوع. إنّه جهد مستعر غير ناضب، بدأه السّلف من قبلنا ويجب أن نواصله بالاستئناس بتجاربهم والانفتاح على تراث الإنسانيّة، نأخذ منهم صوابهم ندعّمه ونطوّره، ونتحاشى أخطاءهم فيستنير طريقنا إلى التّعديل والإصلاح. إذ لا يمكن أن ننطلق من الصّفر وإلاّ كان حالنا كحال "سيزيف"، الذي لم يتمكّن من إيصال حجره على قمّة الجبل لأنّه كان ينطلق في كلّ مرّة من قعره ولم يتعلّم أنّ البناء هو استمرار وتواصل مع منجزات الأمس.
إنّ نجاح الثّورات العربيّة ونيلها شرف توصيف "الرّبيع العربي" في الواقع هو رهين قدرة هذه المجتمعات على التّمييز بينما يجب القطع معه نهائيّا، وما يجب أن يبقى ندعّمه فيتطوّر بنا ونتطوّر به. ولا يجب الاطمئنان لمن يتعلّل بالحرّيّة والتّطوّر لفسح المجال أمام قوى خارجيّة أو حتّى داخليّة تسعى إلى تغييب هذه الثّقافة المتجذّرة فينا لغايات سياسيّة أو إيديولوجيّة أو مذهبيّة... فمن غير المقبول التّوسّل بالثّقافة لنيل مآرب سياسيّة ومصالح شخصيّة ضيّقة، وخلافا لذلك فإنّ الانطلاق من هذه الثّقافة الغنيّة، والتي تكبّد أجدادنا عناء تكوينها وحفظها واستمراريّتها، هو الحلّ الأمثل لتحسّس الأنموذج السّياسي الأمثل لمجتمعناـ «الثّقافة ليست السّياسة ولا الاقتصاد ولا الاجتماع وإنّما هي مجال الهويّة التي تؤسّس للمشروع المجتمعي ومجال الحريّة التي تغذّي العمل السّياسي والاجتماعي والاقتصادي الصّانع لهذا المشروع المجتمعي».( )
تونس اليوم بحاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى كلّ مفكّر وكلّ عالم، كلّ من موقعه ومن جهة اختصاصه، للنّهوض في شتّى المجالات الثّقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة... بحوث وندوات لا تقف عند الكلام وإنّما تتطوّر إلى الفعل. ولعلّ أبرز سلاح يتسلّح به الباحثون لتحقيق النّجاعة المرجوّة في هذه المرحلة الانتقاليّة الصّعبة هو التّحليل قبل التّفسير. إذ يجب أن نتناول بالدّرس كلّ الظّواهر الاجتماعيّة، القديمة والحديثة وحتّى المستحدثة، العامّة والشّاذّة وذلك لربطها بالواقع السّوسيو-ثقافي. فهذه النّظرة الشّاملة من شأنها أن تساهم في تسهيل عمليّة فهم دلالات ثقافتنا وخاصّة تأثيراتها على مستقبل هذا البلد الثّائر.
إنّنا مطالبون بالتّركيز على كلّ ما يميّزنا عن الآخر والسّعي دون إلغائه، "هويّتنا الثّقافيّة" التي تبقى مصالحة التّونسي معها الفيصل الحاسم في تقدّم ورقيّ هذا البلد من عدمه. ولعلّ من أهمّ الخطوات الضّروريّة لإنجاح عمليّة المصالحة هذه هي العودة إلى التّراث باعتباره لبنة ثقافية «تحمل بذورا وقيما أخلاقيّة وإنسانيّة وحضاريّة لشعب أو فئة اجتماعيّة لا يجب تجاهلها أو طمسها».( )
فالجدير بالملاحظة أنّ اختلاف التعريفات لمصطلح "ثقافة" لم يتنافي، فيما درسنا، مع النظّرة الشّموليّة لهذا المصطلح بالشكل الذي يشرّع للعلاقة التّلازميّة التي تربط بينه وبين التّراث. بعبارة أخرى، فإنّه من غير المقبول أن ننادي بـ ثقافة "ما بعد الدّيكتاتوريّة" أو "ما بعد الثّورة"، كما رأى أن يسمّيها بعض الإعلاميّين، دون التّأكيد على قيمة ثقافة وتراث ما قبل هذه وتلك. ولعلّ دراسة هذه العلاقة التّلازميّة بين فعل بناء الثّقافة والانطلاق من التّراث يتطلّب منّا البحث في دلالتها والتّمحيص في تفاصيلها والإلمام بمكوّنات كلّ من التّراث والثّقافة وخصائصهما وهو ما سنحاول القيام به في ما يلي من الفقرات.
لغة يعتبر مصطلح الثّقافة مشتقّا من مشتقّات فعل "ثَقُفَ"، وهو ما عرّفه ابن منظور بقوله: «ثقف الشّيء ثقفا وثقافا وثقوفة: حذقه. ورجل ثقف: حاذق وفهِمٌ».( )
فترى ما هو الشّيء الذي يحذقه الرّجل حتّى يكون ثقفا؟
أليس من البديهيّ أن يحذق الرّجل علوم عصره ومكتسباته في مختلف مجالات المعرفة والثّقافة حتّى يكون مثقّفا؟ وما هذه العلوم؟ أليست "التّراث" ببساطة.
ضمّن ابن منظور الإقرار بأنّ تعريف المثقّف أو الثّقافة بصفة عامّة، يقوم أساسا على التّراث، ولكنّ البعض اختاروا أن يؤكّدوا عليه بإيضاح وبدون تلميحات، وقد اخترنا الاستدلال بما قاله "إدوارد تايلور" «وهو أوّل من قدّم تعريفا أنتروبولوجيّا شاملا للثّقافة بأنّها ذلك الكّل المركّب الذي يشمل مجموعة المعارف، والمعتقدات والأخلاق والفنون والقانون والعادات وكلّ القدرات المكتسبة من الإنسان باعتباره فردا من أفراد المجتمع».( )
وأكّد عيسى الشّماس على المعنى ذاته من خلال قوله بأنّ الثّقافة هي «كلّ ما يجب على الفرد أن يعرفه أو يعتقده حتّى يعمل بطريقة يقبلها أعضاء المجتمع(...) هي كلّ ما يوجد في عقول النّاس من أشكال للأشياء».( )
ولأنّ الثّقافة في كلّ مجتمع جوهر وكنه، فإنّ المساس بهذا الجوهر هو مساس مباشر بالانتماء والهويّة. ذلك أنّنا نشهد اليوم استهدافا لمقوّمات الانتماء من خلال التّدخّل السّافر لبعض الأطراف في سبيل العمل على تغيير ملامح المجتمع. إنّ مجرّد التّركيز على تصرّفات بعض أفراد المجتمع يدفعني إلى القلق والحزن. إنّي أرى حملات مسعورة تتّخذ قناع الإقناع في الظّاهر والإجبار في الباطن لتفرض تغييرا جذريّا على اللّباس، والهيئة وحتّى اللّهجة التّونسيّة التي تميّزنا عن بقيّة دول العالم العربي، هذا التّغيير يستهدف من تمسّكوا بصورة المجتمع التّونسي لتقسرهم على العدول عن هذا الموقف تحت طائلة التّحليل والتّحريم. فالحقيقة أنّ من يفعل ذلك يقرّ سرّا وعلنا بكفر آبائنا وآبائهم ممّن نحتوا الصّورة الحاليّة للمجتمع التّونسي. فهل يمكن اعتبار من سبقونا كفّارا؟ بعبارة أخرى هل عمر الإسلام في تونس يعود إلى سنتين ونيّف من الشّهور؟ ألهذا قامت الثّورة؟ هل استشهد من استشهد وأصيب من أصيب لكي نتنكّر لأصولنا وانتمائنا وثقافتنا وندخل الكثير من مقوّماتها في دائرة التّحريم؟
«إنّ الثّقافة هي التي تكسب الإنسان تميّزه وهويّته وتحدّد نسبه إلى جماعة بشريّة معيّنة لأنّها خلاصة ما تتحصّل عليه من فكر وأدب وعلم وفنّ وثمرة إبداعاتها في هذه الحقول وصورة ارتسامات الجغرافيا-بالموقع والمناخ-والتّاريخ-بأحداثه وتقلّباته في نفسيّة الجماعات (عقائد، قيم، عادات، تقاليد...)».( ) وهو ما يجعلها شديدة الارتباط بثقافة من سبقها من الأجيال. وبذلك، فإنّ كلّ محاولة للمساس بالتّراث لا يمكن أن تكون بمنأى عن استهداف البُنى الثّقافيّة. ذلك هو ما يؤكّده القول بأنّ «كلّ ثقافة هي تراثيّة. وحتّى وإن اعتبرت نفسها جديدة، ورأت أنّها مقطوعة عن ماض كان لا يزال راسخا حتّى تلك اللّحظة، أو إن أرادت أو استطاعت أن تكون نتاج حاضرها فقط، فإنّها تحلم في حدّ ذاتها بأن تستمرّ، أن تصبح تراثا».( )
هكذا، تتطوّر الثّقافة بالبناء والإضافة والتّراكم، وليس بالمحو والهدم للاستعاضة عن القائم بأشكال أخرى هجينة متعدّدة المصادر. لكلّ مجتمع أو فترة زمنيّة أخطاؤها، وكذا مزاياها وإيجابيّاتها. ولا يجب بأيّ حال من الأحوال استيراد نمط مجتمعي وإسقاطه على مجتمع آخر مغاير تماما، لأنّها من خلال عمليّة الإسقاط هذه لن تمثّل ثقافته فـ «نحن لا نسمّي هذه العناصر ثقافة إلاّ إذا كانت نابعة من تفاعل جدلي بين صاحب الأثر والواقع الاجتماعي، فالثّقافة موقف اجتماعي(...) نابع لتغيير الواقع تغييرا جدليّا».( )
إنّنا بنفس القدر الذي نتخوّف فيه من ذوبان ذواتنا تحت تأثير تيّارات جارفة تزحف علينا من الغرب، نتخوّف أيضا من تلك الأنماط الزّاحفة من الشّرق تحت عباءة الدّين والشّرع. صحيح أنّ العولمة تسلّط علينا سيف "الأمركة" و"الفرنسة" الثّقافيّين، ولكن هاهي أيضا تسلّط علينا بالقسر والإجبار سيف "الأفغنة" وما شاكلها. ونحن لا نريد أن نكون في "شيكاغو" ولكن أيضا لا نريد أن نكون في "تورابورا" و"البنجاب". إنّنا نتمنّى جميعنا أن يكون ثمّة تغيير ولكنّ إلى الأفضل. إنّ بناء ثقافة ما بعد الدّيكتاتوريّة يجب أن يبنى على الاعتدال والتّسامح. فالمجتمع التّونسي على مرّ العقود والأزمات أثبت تشبّثه بهذه الخصال، ولكنّ اليوم، بعد مرور سنتين ونيّف من الأيّام، من "القطيعة مع أزلام الماضي"، إلى ماذا وصلنا؟ وماذا حقّقنا؟
مجتمعا محتقنا، عنيفا وفوضويّا، سهل الاستفزاز، سريع الغضب، سريع الانقياد إلى الدّمويّة والإقصاء... فإذا كانت هذه أهداف الثّورة فعلى الثّورة السّلام؟ وإذا كانت هذه تونس الغد... فعلى تونس السّلام. لعلّ ما توصّلنا إليه هو نتيجة محاولات الانبتات عن أصالتنا، والقطع معها، فهل سنبقى مكتوفي الأيدي؟ تونس اليوم تنزف، ولا بدّ أن نتحلّى جميعا بالشّجاعة لإنقاذها. «من المفروغ منه أنّنا لا نستطيع أن نحيا مقطوعي الصّلة عن تراثنا القديم، كما أنّنا لا يمكن أن نعيش إلاّ إذا تماشينا مع مقتضيات العصر الذي نعيش فيه».( ) وبذلك فإنّ أوّل خطوة نخطو بها قدما بهذا البلد المهتزّ التّائق إلى الحريّة والتّقدّم هي الوعي بأنّ خلاصنا هو رهين إعادة قراءة الماضي لا نفيه والقطع معه، وبأنّ أهدافنا لن تتحقّق بتقديس التّراث ولا بتهميشه أيضا.





#فاطمة_اللجمي_العموص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتّى لا تضيع بوصلة الثّورة


المزيد.....




- زعيم يساري أوروبي: حان وقت التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا
- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فاطمة اللجمي العموص - حتّى لا تضيع بوصلة الثّورة