أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ثائر زكي الزعزوع - سارق الحزن














المزيد.....

سارق الحزن


ثائر زكي الزعزوع

الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 13:02
المحور: الصحافة والاعلام
    


فليعذرني داوود عبد السيد لهذه الاستعارة والتحريف لاسم فيلمه "سارق الفرح" الذي أنجزه عام 1994، ولكن لم أجد توصيفاً للإعلام السوري، أفضل من هذا، إذ لم يكتف الإعلام "الوطني" بتلفيق المقاطع، وتحريف الحقائق كي تتوافق مع الأغراض التي يريدها النظام، ولم يقنعه خلال سنوات طويلة أن يلعب دور النعامة التي تدفن رأسها حين ترى الخطأ، حتى وإن كان حادثة مرورية، لكنه في السنتين الماضيتين بدأ يلعب دوراً جديداً، فإلى جانب عمله الأساسي كسارق للفرح، صار سارقاً للحزن أيضاً، فالعاملون به، المراسلون على وجه التحديد، ينشغلون بالتقاط اللحظات التي تعقب أي "تفجير إرهابي" فيركزون كاميراتهم على وجوه الأهالي المفجوعين بفقد أحد الأعزاء عليهم، ثم تمتدّ ميكرفوناتهم لتستكمل ما بدأته الكاميرا، يجد المفجوع نفسه مضطراً لقول أشياء لا يريد أن يقولها، تدفعه الكاميرا والميكرفون الموجهان إلى وجهه مثل بندقيتين لنسيان حزنه وألمه والتفكير في كل كلمة يقولها، لأنها قد تحسب عليه، المتابعون لن ينسوا، بعد سنوات، حركات ميشلين عازر الشهيرة وهي تتجول بين الأشلاء في داريا، وتطلب من طفلة تحتضن أمها المتوفاة أن تعبر عن مشاعرها، ولن ينسوا انحناءتها على عجوز تلفظ أنفاسها لتحثها على توجيه أصابع الاتهام للعصابات الإرهابية العملية، السلفية، التكفيرية، إلى آخره.
ولا يكاد يمر انفجار دون مشهد مثيل، وإن اختلفت الطريقة، منذ أيام هزّ انفجار وسط العاصمة دمشق، قرب منطقة السبع بحرات، هناك حيث تقع مدرسة ومسجد ومؤسسات عامة، التفكير بالفاعل الآن ليس مهماً، فكل طرف من طرفي المعادلة وجه أصابع الاتهام إلى خصمه، وبعد قليل ستتضح الصورة وتنكشف الحقيقة، تماماً كما حدث في حادثة مقتل البوطي، المهم أن التلفزيون السوري وصل إلى المكان، كان دخان الحريق ينبعث، أصوات العويل والنواح تملأ المكان، رجال الشرطة والإسعاف وو... مراسل التلفزيون ومعه مصوره يلتقطان الصور، تقترب الكاميرا من أب يبكي حزناً على ولده، فجأة يتلاشى حزنه، يبدو مذعوراً وهو يرتب الكلمات كيلا تخرج كلمة ما تحوله من ضحية إلى متهم، يتلعثم، يكفكف دموعه، يصبح ابنه فداء للوطن، بينما في داخله سيل من اللعنات لكل الأوطان والأوثان، هذا ولده، فأي وطن يعادل لحظة الحزن هذه؟.
يتحرك المراسل وزميله المصور هناك حيث تبحث امرأة عن أحد ما بين الأنقاض ربما، لكن لهفتها وقلقها يتلاشيان فجأة، تفر اللحظة منها رغماً عنها، وتستعير من قاموس حفظته على مدى سنوات عمرها عبارات مزيفة تتحدث عن الصمود، وتراب الوطن، والمؤامرة التي لن تستطيع أن تنال من عزيمتها وعزيمة "السوريين".
المراسل لا يكلف نفسه عناء المواساة المطلوبة للتخفيف، لكنه يقوم بواجبه في رصد اللحظة في بدايتها ثم يجعل "المفجوع" يفقد لحظته، وهو يحاول الصراخ ألماً، أو النواح، وربما لطم وجهه تفجعاً، أليس الحزن شعوراً إنسانياً صرفاً، أليس من حق الحزين أن يكمل لحظة حزنه دون مقاطعة إلا من مقربين حريصين على التخفيف عنه؟.
بعد أيام قد يحدث تفجير آخر، هكذا يقول واقع الحال السوري المتفجر، وسيهرع إعلاميو النظام ليكرروا ما يفعلونه كل مرة، كل مرة، دون كلل أو ملل..
في عرف الإعلام السوري، الحزن ضعف، وهو هدية تقدّم "للعدو" ولهذا فيجب أن تكون النساء السوريات خنساوات، شئن أم أبين، وأن يكفكفن دموعهن، ويواصلن تصديهن للمؤامرة.
لم يكن الحزن في يوم من الأيام ضعفاً، لكنه شعور إنساني، لا يفهم الإعلام السوري الرسالة، ويستمر في ملاحمه البطولية، يقتل القتيل ويمشي في جنازته، لكنه يتناسى في ذروة حماسه للتصدي للهجمة والمؤامرة أن يسمح لدمعة صدق واحدة أن تندفع من عين أم ثكلى... أي إعلام هذا؟ وأي إنسانية هذه؟!



#ثائر_زكي_الزعزوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوروا تصحّوا
- إعدام مدني
- وهو يترنم
- لاعب الريشة
- هيتو البطل
- سوريا: العلويون.. شركاء أم ضحايا؟؟
- لماذا دخل الجهاديون سوريا؟
- ما الذي تبقى لنا؟
- سرقوا الثورة منا
- ما أجمل آذار
- الشهداء يتقنون اللعب
- سقوط الرجل الأخضر
- تحيا عقاقير الهلوسة ويسقط القذافي وابنه المعتوه
- حكاية مصرية.. من ظل الديكتاتور إلى الحرية
- قل هي الثورة أنتم.. وما لكم كفواً أحد
- بعبع اسمه الدولة الإسلامية
- ثورة مصر تعيد رسم ملامحنا
- البوكمال... سيرةٌ فراتيةٌ جداً
- كم علامة تعجب يحتاج هذا المقال؟
- فنانات يضربن الشغالات... وما المشكلة فهنّ خدامات ليس إلا!!


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ثائر زكي الزعزوع - سارق الحزن