أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس جنداري - ظاهرة مثقفي العلاقات العامة















المزيد.....

ظاهرة مثقفي العلاقات العامة


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 4072 - 2013 / 4 / 24 - 16:03
المحور: الادب والفن
    



يعاني المشهد الثقافي المغربي؛ اليوم؛ أزمة مركبة تنعكس على مستوى الواقع السياسي و الاجتماعي و تصيبه بالشلل. ففي الوقت الذي نعيش على وقع تراجع كبير في المشاريع الفكرية الكبرى التي قادت المشروع الحداثي المغربي؛ مع ما يبدو من رغبة رسمية صريحة (أقصد الدولة و امتدادا لها المثقف الرسمي) لوأد ثمارها الفكرية؛ في هذا الوقت يظهر على المشهد كائن ثقافي مشوه يتقن بشكل مبهر تخصص العلاقات العامة؛ فهو لا يهتم بالقضايا الفكرية و السياسية و لا تهمه الظواهر الاجتماعية؛ و في الآن ذاته لا ينشغل بمناهج البحث العلمي؛ إن انشغاله و تخصصه الوحيد هو ربط الاتصال بمختلف الجهات للحصول على الدعم المادي و الرمزي؛ و قد تقوده صدفة عابرة إلى التتويج كعضو في قبيلة المثقفين .
خلال مرحلة سابقة؛ كان الاعتراف بالمثقف لا يمر بالضرورة عبر القنوات الأكاديمية المعروفة ( دراسة و نشرا) و لكنه يمر عبر الانتماء إلى الجمعيات الثقافية و النقابات العاملة في الميدان الثقافي. لذلك؛ كان الحصول على بطاقة اتحاد كتاب المغرب هو أعز ما يطلب؛ و كان بعض المثقفين يفتخرون بهذا الانتماء أكثر مما يفتخرون بالشواهد الأكاديمية التي تعتبر تتويجا لمسار علمي طويل؛ و لذلك نجدهم يشحنون سيرهم الذاتية بأنواع المسؤوليات التي تحملوها في الاتحاد؛ و لا ينسون الإشارة إلى المؤتمرات التي حضروها مكان الإشارة إلى البحوث و الدراسات الأكاديمية التي (لم ينجزوها).
الآن؛ يبدو أن اتحاد كتاب المغرب قد دخل مرحلة الاحتضار استعدادا للموت؛ لأنه أصبح غير قادر على الإجابة عن الأسئلة الراهنة؛ التي يفرضها المشهد الثقافي الوطني بنخبه الأكاديمية الشابة؛ التي استثمرت الثورة الإلكترونية لغزو الفضاءات الثقافية العربية و العالمية؛ حيث فرضت نفسها بقوة على مستوى المجلات الأكاديمية المحكمة و مراكز الدراسات المصنفة أكاديميا. و هذا الوضع؛ إن كان يدشن لمرحلة جديدة في مسار المشهد الثقافي الوطني فإنه؛ في نفس الآن؛ يولد حركة مقاومة يقودها المعسكر القديم؛ الذي نشأ و ترعرع على حساب الريع الثقافي؛ الذي كانت توفره مختلف القنوات الرسمية بهدف صناعة مشهد ثقافي سمته الهشاشة و الاضطراب.
لقد عاش الفعل الثقافي في المغرب؛ مرحلة طويلة؛ على وقع نخبوية موهومة و خادعة؛ وظيفتها الأساسية تعويض النقص المعرفي الذي يعاني منه الكثير من مثقفي العلاقات العامة. فبالنظر لتشعب و عمق الإشكاليات الفكرية و السياسية التي يطرحها الراهن الوطني و الإقليمي؛ يلجأ مثقف العلاقات العامة إلى وكره المغلق بإحكام؛ حيث يعوض الممارسة الفكرية و الإبداعية الجادة بممارسة النميمة الثقافية؛ و البحث عن شركاء و زبناء محتملين لإرضاء غروره النخبوي.
و لعل من أبرز الظواهر الثقافية؛ التي تتطلب التحليل السوسيولوجي؛ نجد الكثير من مثقفي العلاقات العامة يحولون الفعل الثقافي إلى وسيلة للاسترزاق؛ حيث يسافرون و ينتقلون مبشرين بفتوحاتهم الإبداعية (شعرا و قصا) شعارهم الوحيد: التجريب ثم التجريب ( تجريب الحلاقة في رؤوس اليتامى) هذا الشعار الذي يصلح لكل الأزمنة و الأمكنة؛ فهو المفتاح السحري لحلول مثقف العلاقات العامة ضيفا (ثقيلا) على البرامج الإذاعية و التلفزيونية؛ و قد يلعب الحظ و يقوده تخصصه (العجيب) لأن يصبح منتجا و مخرجا و مقدما لبعضها؛ يستضيف شلة الأنس و يتبادل معهم النميمة الثقافية؛ كما يساعد هذا الشعار على تأسيس جمعية ثقافية ( خاصة بالقصة أو بالشعر أو بالمسرح ... ) و هذا النوع من الجمعيات الغريبة الأطوار تقوم بوظيفة واحدة هي الحصول على الدعم ( دعم الجماعة و العمالة و الأعضاء و المحسنين...) و هذا الدعم يوظف بشفافية مفرطة تخضع لمعايير الحكامة الجيدة ! حيث يوجه معظمه إلى الحانات ( المقر الرئيسي لمثقفي العلاقات العامة) و ما تبقى يوظفه (الرئيس) في توسيع القاعدة الثقافية لأصله التجاري.
لقد تحدثنا كثيرا عن الأعطاب التي يعاني منها مشهدنا السياسي؛ لكن لم نؤسس لوعي علمي حول العلاقة الجدلية بين السياسي و الثقافي؛ فنحن نطالب بممارسة سياسية ديمقراطية لكن؛ في نفس الآن؛ لا نعي أن الديمقراطية تصور فكري في حاجة إلى نخبة أكاديمية قادرة على بلورته؛ و كذلك الديمقراطية تربية تتطلب توظيف المناهج العلمية الحديثة في ترسيخ مبادئ التعددية و الاختلاف لدى الناشئة. لكن؛ ما هي الإضافة التي يمكن لمثقفي العلاقات العامة أن يقدموها في هذا المضمار؟ أليسوا جزءا من المشكلة حينما يتصورون؛ عن وهم؛ أن الفعل الثقافي حالة منفصلة عن الواقع ؟ ماذا قدموا للحراك الشعبي من تنظير فكري و من تخييل أدبي يساعد على توضيح مسارات النضال؛ من أجل ترسيخ المنهجية الديمقراطية التي تعتبر تجسيدا للحداثة السياسية؛ هذه الحداثة المفترى عليها في المنتديات و الحانات و مقاهي الشيشة ؟
لقد عاشت الثقافة العربية؛ لعقود؛ على فكر الالتزام الذي تجسد من خلال القضية الفلسطينية؛ على مستوى النضال الخارجي؛ كما تجسد من خلال النضال من أجل ترسيخ المنهجية الديمقراطية؛ على المستوى الداخلي؛ و قد كانت النخبة الفكرية المغربية الحاملة للهم الثقافي الملتزم سباقة إلى المشاركة في قيادة هذا النضال؛ حيث كان الإبداع و التفكير يحضر كفاعل سياسي و اجتماعي و ليس كحذلقة لغوية فاقدة لروح الوعي الفكري و العلمي.
و نحن هنا؛ لا نستبعد أن يفحمنا (زعماء التجريب المشوه ) بأوهامهم الخادعة حول استقلالية الأدب و الفكر و انغلاقية النص من منظور شعار (الفن للفن). لكن؛ الفقر المعرفي الذي يعاني منه مثقف العلاقات العامة هو وحده المسؤول عن هذا الانحطاط الفكري و الإبداعي السائد؛ اليوم؛ فلو اطلع على الإبداعات العالمية العظمى في التاريخ البشري لاقتنع بأن الإبداع و التفكير جزء من الحياة و تعبير عنها في نفس الآن. فمن خلال فلوبير يمكن أن نفهم طبيعة الحياة الاجتماعية في فرنسا في علاقة بتشكلاتها الطبقية؛ و من خلال تولستوي و دويستويفسكي يمكن أن نفهم طبيعة التفاعلات الاجتماعية في روسيا ما-قبلا الثورة البلشفية. و في الأدب العربي لا نعدم هذه النماذج؛ فقد اتخذ الروائي الملحمي الكبير (عبد الرحمان منيف) الخطاب الروائي كأداة للنضال السياسي؛ بحثا عن واقع عربي جديد؛ و هو في ذلك لم يتخذ الحذلقة اللغوية وسيلة بل كان يكتب بالمعرفة و الفكر؛ و من يطلع على ملحمتيه الروائيتين (خماسية مدن الملح- ثلاثية أرض رض السواد) يدرك جيدا أن الإبداع العظيم هو جزء من الحياة و تفاعل معها.
إن هذا المعين الفكري و الإبداعي الذي لا ينضب؛ هو الذي شكل المثقف المغربي الملتزم بقضايا وطنه و أمته و قد زكى ذلك؛ الحراك الفكري المتوهج الذي قادته المشاريع الفكرية الكبرى لنخبة فكرية ملتزمة؛ استطاعت خلال وقت وجيز أن تربط الممارسة الفكرية؛ بطابعها النظري الخالص؛ بالانشغالات الاجتماعية و السياسية؛ في بعديها الوطني و القومي.
و في هذا الصدد؛ فإنني أحيل مثقفي العلاقات العامة؛ الذين شوهوا الفكر و الإبداع؛ على ناقد و مفكر بنيوي كبير؛ عاش إلى جوار رواد البنيوية (جيرار جنيت – رولان بارت) و كان من رواد المنهج البنيوي؛ و هو ( تزفتان تودروف) الذي امتلك شجاعة أدبية لا تضاهى؛ حينما أعلن عن العلاقة الجدلية بين الإبداع و الحياة ( في جميع أبعادها) و هي العلاقة التي كان ينفيها من قبل حينما كان ينظر للأدب كنص مغلق؛ و قد جاء ذلك في كتابه
(la littérature en péril)هذا الكتاب الذي جاء على شكل نقد ذاتي للتوجه البنيوي؛ الذي قطع الصلة بين الأدب و الحياة بمختلف تجسيداتها؛ و هذا ما جعل الأدب في وضعية الخطر؛ حيث يؤكد (تودروف) في كتابه على النفور الذي يبديه القارئ في علاقته بخطاب الأدب؛ لأنه أصبح يتصور أن الإبداعات الأدبية هي موجهة حصرا للتلقي النقدي .
و إذا كان هذا الوضع في فرنسا؛ التي يقدمها تودروف كنموذج للدراسة؛ فكيف يمكن أن نتصوره في واقعنا المغربي؛ الذي وصل فيه الإبداع الأدبي و الفني عامة إلى قمة الانحطاط على أيدي مثقفي العلاقات العامة؛ هؤلاء الذين يطلق على بعضهم الناقد السينمائي المغربي حميد تباتو؛ اسم (الشناقة) دلالة على انتمائهم إلى المجال الرعوي؛ على الرغم من كونهم يقدمون أنفسهم كتجسيد للممارسة الثقافية في بعدها الرمزي .
لقد علمتنا ثقافة الالتزام؛ بجميع تخصصاتها إبداعا و نقدا و فكرا و فلسفة؛ أن الثقافة نضال مستمر؛ نضال من أجل ترسيخ القيم الإنسانية السامية؛ و نضال من أجل الضعفاء و المحرومين ضد رموز الاستبداد و الفساد؛ و من لا يمتلك هذه الروح النضالية؛ فهو لا يعدو أن يكون مرتزقا يوظف البريكولاج اللغوي للنصب على القارئ؛ بهدف تحقيق مآربه الشخصية من خلال صناعة و تسويق الأوهام كسلعة بائرة يمكنها أن تصل به إلى قصر السلطان؛ لكنها بالتأكيد ستجعله منبوذا من طرف قراء الالتزام الذين يعتبرون الحكم الحقيقي.



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللوبي الفرانكفوني في المغرب و العمى الاستراتيجي - قراءة في ...
- من الثورة إلى تغيير الثقافة السياسية
- الحكومة الملتحية و العلوم الإنسان-فوبيا
- المغرب يعود إلى حضنه العربي .. عودة الوعي
- جدلية النضال الثوري و النضال الديمقراطي .. من ثقافة الهدم إل ...
- جدلية الفعل الحزبي و النضال الديمقراطي في المغرب
- حزب الاستقلال.. حينما تنتصر الشرعية الديمقراطية
- مخاضات حزب الاستقلال .. بين الشرعية التاريخية و الشرعية الدي ...
- بين - روح التاريخ- و -الحشود- .. في نقد النسق الرجعي
- المثقف و الربيع العربي.. في نقد البلطجة الثقافية
- في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي
- إشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام .. ما بين التيار القوم ...
- ما بين الأجندة النيوكولونيالية و النزعات العرقية
- مفهوم الكتلة التاريخية .. النقد الابستملوجي لكشف الوهم الإيد ...
- الربيع العربي و قوى اليسار في الحاجة إلى مراجعات من أجل مستق ...
- الإسلام السياسي صوت الربيع العربي .. الخصوصية الحضارية كمدخل ...
- الأطروحة الأمازيغية في المغرب بين المشروع الكولونيالي و الره ...
- الربيع العربي في مواجهة مخططات الاستعمار الجديد - الديمقراطي ...
- الربيع العربي .. في نقد توظيف النزعات العرقية لخدمة الأجندة ...
- الربيع العربي.. في نقد المقاربة القومية/البعثية


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس جنداري - ظاهرة مثقفي العلاقات العامة