أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - في رثاء مارتن رتشارد..!!














المزيد.....

في رثاء مارتن رتشارد..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4071 - 2013 / 4 / 23 - 14:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


استوقفتني صورة الطفل الأميركي مارتن ريتشارد، ابن الثامنة، الذي كان الضحية الثالثة في تفجيرات بوسطن الإرهابية. ظهر في صورة، ربما التقطت قبل نهايته المُفزعة، بأشهر قليلة، حاملاً لافتة ورقية كبيرة كتب عليها: "لا مزيد من إيذاء الناس. السلام". ويبدو أن تلك كانت ردة فعله، وإسهامه الشخصي في الشأن العام، بعد حضوره درساً حول مُقتل أحد الأميركيين الأفارقة في حادثة يُعتقد أن دوافعها عنصرية.
لم يعرف، بالتأكيد، أن شابين من أصول شيشانية، لا يختلفان كثيراً عن آلاف الأشخاص الطيبين، الذين يراهم، يومياً، في الشارع، ويعتقد أنهما يشاركانه المشاعر نفسها، كانا يُعدّان عبّوات ناسفة لقتله. ولم يعرف، بطبيعة الحال، أن أيامه في هذه الدنيا أصبحت قليلة، لأن إرادة إيذاء الناس جعلت منه مرشحاً طبيعياً للقتل.
لا عداوة شخصية بين القتيل والقاتل. كل ما في الأمر أن الصدفة تضع هذا في طريق ذاك. وقد كان من الممكن أن يلتقيا قبل الحادثة بقليل فيتبادلان التحية، أو يبتسم أحدهما للآخر. وفي هذا ما يضفي على إيذاء الناس قدراً لا يُطاق من العبث، وما يسم الحياة بهشاشة مروّعة.
لا ينبغي، ولا يحق لنا، التظاهر بالبراءة. ففي أماكن مختلفة من العالم حروب، وتحيّزات، وأيديولوجيات، ترفع القتل إلى مرتبة الواجب المُقدّس، وتحرر القاتل من تأنيب الضمير. ولكن ما علاقة مارتن بهذا كله.
وربما يُقال: ولماذا التوّقف أمام حادثة دون غيرها؟ ألم يقتل الأميركيون الكثير من الأبرياء، وبينهم أطفال، في أفغانستان والعراق؟ ألم يقتل الإسرائيليون الكثير من الأبرياء، وبينهم أطفال، في فلسطين ولبنان؟ ولكن ما علاقة مارتن بهذا كله. ففي مجرد طرح أسئلة من هذا النوع، وبهذه الطريقة، وفي هذه المناسبة، ما يجعل من مارتن مرشحاً طبيعياً للقتل، أو على الأقل يجد ما يبرر سقوطه ضحية للأذى.
أما الأسئلة التي تستحق أن نتوقف أمامها، فيمكن صياغتها على النحو التالي: ما الذي أوصل شبّاناً في مقتبل العمر إلى الاعتقاد بأن قتلهم لآخرين، حتى في مناسبة رياضية، يرقى إلى مرتبة الواجب المقدّس، ومكّنهم من التماهي مع أمة متخيّلة عابرة للحدود والقوميات؟ وما الذي سيمكّن ما لا يحصى من بني البشر، في أربعة أركان الأرض، من صد هذه الموجة البربرية، وإعادة هؤلاء إلى صوابهم؟
ثمة ما لا يحصى من إجابات محتملة على أسئلة كهذه. ومن بينها، على الأرجح، حقيقة أن الأفكار هي التي تقتل، وأن بين الناس الطيبين، الذين رآهم مارتن في الشارع، ما قد يصبح أداة للقتل وإلحاق الأذى بالآخرين، إذا نجحت أفكار بعينها في تفخيخه. وإذا كان ثمة من مسؤولية أخلاقية إزاء مارتن، فإنها تتجلى في دحض الأفكار المعنية، والحيلولة دون نجاحها، سواء بتجفيف منابعها، أو بتحصين الناس ضدها، أو بالأمرين معاً.
وهذا لن يتأتى بإجراءات أمنية على طريقة صيد الساحرات، بل بأفكار وقيم مضادة. لا تُهزم الأفكار إلا بأفكار مضادة: النسبية والتعددية في مجابهة الجوهرانية والحصرية، التنوير في مجابهة القرون الوسطى، المعرفة في مجابهة التجهيل وغسل الأدمغة، والديمقراطية في مجابهة الفاشية.
ولكي نسمي الأشياء بأسمائها، فإن الأفكار التي تمكنت من تفخيخ الشقيقين من أصول شيشانية في بوسطن، والانتحاريين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تستمد مصادرها من التمثيلات الأيديولوجية، والبني التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والشبكات العابرة للحدود والقارات، للأصولية الدينية، التي صعدت في العالمين العربي والإسلامي منذ أواسط السبعينيات، وتعمّدت بالنيران في الدفيئة الأفغانية، وحروب أسياد الحرب الأفغان، ومموليهم من أغنياء النفط، خلال الاحتلال الروسي لأفغانستان، وبعده.
ولكي نسمي الأشياء بأسمائها، فإن التمثيلات الأيديولوجية المعنية، وبناها التحتية، وشبكاتها، ومصارفها، وجمعياتها الخيرية، ووسائل إعلامها، قد انتقلت على مدار العقود الأربعة الماضية من الهامش إلى المتن، في بلدان عربية مختلفة، تحكمها أنظمة دكتاتورية، وينتمي بعضها إلى القرون الوسطى. والمفارقة أن الأكثر تخلفاً من بينها نال وما يزال دعم وصداقة حكومات متعاقبة في الولايات المتحدة والغرب.
ربما لا يعرف الأميركيون، ولا أعني الحكومة والمؤسسات الرسمية، أن تسعة وتسعين بالمائة من وسائل الإعلام السمعية والبصرية، الفاعلة والمؤثرة في العالم العربي، تملكها وتموّلها أنظمة محافظة ورجعية. ناهيك، طبعاً، عن المصارف، والجمعيات، والاستثمارات، الداعمة لأكثر القوى محافظة ورجعية.
وربما لا يعرف الأميركيون أن للولايات المتحدة قواعد عسكرية، وعلاقات سياسية واقتصادية ممتازة، مع بلدان عربية حليفة، أسهمت أجهزة إعلامها الرسمية، وغير الرسمية، وما تزال، في تسويق البضاعة الأيديولوجية للأصولية الدينية في كل مكان من العالم. وهي الأنظمة نفسها التي تحاول في الوقت الحاضر دعم قوى الثورة المضادة، وتمكينها من الاستيلاء على السلطة في بلدان عربية شهدت ثورات شعبية ضد الدكتاتورية. ثورات رفع الناس فيها شعارات يمكن حتى لطفل مثل مارتن، في الثامنة من العمر، أن يتفق معها. لذا، لا تصدقوا برنارد لويس، وكل الذين يحالون إقناعكم بأن في هذه المنطقة من العالم أناس لا يشبهونكم، ولا يشاطرونكم القيم نفسها.
الخلاصة: في حرب الأفكار. وفي مجابهة الأفكار بأفكار مضادة، يحتاج العرب إلى مساعدة الأميركيين، على الأقل لتذكير حكومتهم بحقائق من نوع: أن المصالح الاقتصادية، وحتى السياسية، لا تبرر غض النظر، وتجاهل وقوع العالم العربي بين شقي الرحى والسندان، بين أنظمة الطغاة من ناحية، والأصولية الدينية من ناحية ثانية. وهذا بعض من تجليات المسؤولية الأخلاقية، وبعض مما يمكن أن يُقال في رثاء مارتن رتشارد.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا أحبُ الأخ الأكبر..!!
- جهاد النكاح..!!
- أجساد النساء، أقدم الأراضي العربية المحتلة..!!
- الأدب العربي يربح، بالتأكيد..!!
- بوتين لم يُزوِّج ابنته لسيف الإسلام..!!
- نُذر الانتفاضة..!!
- ابن عثيمين وصل..!!
- مولانا وجهة نظر خاصة..!!
- البرابرة هم الحل..!!
- غزوة عبد الرحيم الموريتاني..!!
- كلامٌ في كلام..!!
- الطين والتراب في مطلع العام الجديد..!!
- ارتفعت أسعار الملح..!!
- واللبيب بالإشارة يفهم..!!
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- وكأن على رؤوسهم الطير..!!
- جديد اسمه الصراع على هوية الدولة..!!
- الجنرال حريص على مؤخرته..!!
- الحقبة السعودية..!!
- عن عودة اللاجئين وشبهة الأبد..!!


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - في رثاء مارتن رتشارد..!!