أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سلام خماط - حوار مع الكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم















المزيد.....


حوار مع الكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم


سلام خماط

الحوار المتمدن-العدد: 4070 - 2013 / 4 / 22 - 07:51
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم

الكاتب والصحفي العراقي عبد المنعم الأعسم قلم عراقي متميز بطريقة الأسلوب المحبب في كتابة المقالة السياسية والعمود الصحفي المخلوط بنكهة التراث ، وهو خبرة صحفية لها حضورها الفاعل في الثقافة العراقية والعربية وقد أحتل مكاناً أثيراً في قلوب القراء والمتابعين ، أن الاحترام الذي يلقاه في الداخل والخارج ناتج عن مصداقيته والتزامه بمنهة الصحافة فلم يحيد عن معاييرها العالمية ولم يتجاوز قوانين فنونها أما الذين لا يريدون للضوء أن يكشف عوراتهم السياسية او العورات الاخرى فيتهمونه بالمبالغة مرة والانحياز مرة اخرى ، بينما هو باعتراف الكثير من الهيئات والمؤسسات الاعلامية العراقية والعربية أهم صحفي وكاتب سياسي في تاريخ العراق المعاصر . بغض النظر عما قيل ويقال عن عبد المنعم الاعسم فان عباراته المميزه, جعلته الكاتب السياسى الذي يكتب بأسلوب أدبي ممتع، دون الاخلال بالموضوع، فيستخدم جملا رائعة تشد القارئ وتلامس مشاعره، معلوماته دقيقة للغاية، وأسلوبه بسيط يسهل على أي قارئ فهمه، ويتميز بأنه شاهد عيان ومعاصر لكل الأحداث التي مربها العراق سابقا وحديثا ، أي أنه يتكلم من قلب الأحداث، إنه علم من أعلام الصحافة العراقية ، وكنز ثمين، وقد قرأت له الكثير من المقالات وتابعة له العديد من المقابلات التلفزيونية فلم اجده بالشيخ الذي يتكأ على عكازه بل هو المبدع الذي يتعكز على ابداع ليبلغ به ذروة المجد .
صحفي وكاتب عمل في الصحافة العراقية منذ بداية السبعينات، ومن ثم في الصحافة العربية في لبنان وسوريا واليمن والكويت ولندن.. في التحرير ومواقع الادارة ماجستير صحافة 1982 من جمهورية رومانيا مدير تحرير صحيفة الزمان- لندن حتى 2004عمل في مجالات التلفزيون في العراق 2005
شارك في فرق دولية لمراقبة الاستفتاء على الدستور والانتخابات في العراق مؤلف خمسة كتب ثلاثة منها في الشؤون السياسية العراقية.كاتب عمود متفرغ في صحيفة الإتحاد بغداد مراسل ومحلل سياسي لعدد من اجهزة الاعلام.
2011عمل مستشارا اعلاميا في هيئة الاعلام والاتصالات ,
2013 مشرف عام على جريدة التيار الديمقراطي جريدة تجمع قوى وشخصيات التيار الديمقراطي وعمل مستشار منظمة تموز للتنمية الاجتماعية ومراقبة الانتخابات.
أصدر ستة كتب في التراث والسياسة منها "انتباهات في التراث" كما أصدر كتاب "الهجرة والهجير" وهو على صغر حجمه وبساطته يقول شيئاً محدداً منطلقاً في فكرة الكتاب مما هو ذاتي الى ما هو عام . انه ملئ بالإيمان برسالة الكلمة ، وأيمان أشد بالاختلاف بين البشر في المقام الأول وبين المعسكرات في المقام الثاني وداخل كل معسكر في المقام الثالث.
عمل في 11صحيفة و7 بلدان.. ووطن حمله بين جنبيه علماني احترم الدين ورجاله ومسالم ضد استخدام السلاح ومع حق الاكراد في تقرير المصير ولا يخشى الملكية الرشيد .




حدثنا عن مشوارك الصحفي ، فمن اين تبدأ؟

ــ سنبدأ من سجن السلمان..كان ذلك عام 1964 حيث اختاروني محررا في جريدة السجن اليومية التي كانت على شكل نشرة اخبار سياسية.

إذن رصيدك خمسون سنة صحافة. ــ تخللتها انقطاعات ,
ومن كان يترأس تحرير صحيفة السجن؟

ــ اتذكر ان الكاتب والصحفي المعروف عزيز سباهي كان على رأس التحرير..وكان مصدر الاخبار والتعليقات هو الانصات..الانصات الى الاذاعات مثل اذاعة القاهرة وإذاعة دمشق وإذاعة موسكو..كنا نتوزع بين منصتين ومحررين، وتتضمن الجريدة، غير الاخبار السياسية اخبار السجن وكلمة لهيئة التحرير، وتصدر بحوالي اثني عشرة صفحة من عشرين نسخة بخط اليد ثم يقوم مقرئون(مذيعون ) بقراءتها صباح كل يوم على السجناء.

وماذا علق بذاكرتك من تلك الايام؟

ــ كانت هناك دورات ثقافية في سجن السلمان ..دورات للغات ومكافحة الامية وعلوم الفضاء، وقد اخترت دورة علم عروض الشعر لحبي للشعر.

وهل كتبت الشعر؟
ــ نعم كتبت وقرأت بعضه في امسيات السجن الثقافية ونشرت بعضه الاخر في الصحافة حين اطلق سراحي..اتذكر صحيفة الثورة العربية وكان فاضل العزاوي محررا ادبيا فيها، ثم في ملحق الجمهورية الثقافي .

وأين انتهى الشعر معك؟

ــ توقفت بعد سنوات.

كيف؟
ــ بنصيحة من صديقي الشاعر انور الغساني الذي كنت تعرفت عليه في سجن كركوك غداة انقلاب 8 شباط 1963..كان الغساني محررا مسؤولا في صحيفة الجمهورية عام 1968وكان يرعى محاولاتي الشعرية وقد يعدل فيها أحيانا غير انه فاجئني يوما بوقف نشر احدى قصائدي وحين استفسرت عن السبب، قال لي بصراحة لاذعة، لكنها حريصة: كف عن كتابة الشعر، انت لا تنفع له يا صديقي..اذهب الى الكتابة السياسية.

وما هي اول صحيفة ارتبطت بها مهنيا؟

ــ كانت جريدة(التآخي) الصادرة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني أواخر عام 1969 وكنت المحرر المسؤول لصفحتها الأخيرة وكان رئيس تحريرها الشهيد دارا توفيق يهتم في الصفحتين الاولى والأخيرة على نحو استثنائي فيما كان زملائي بدرخان السندي واحمد جزراوي والشهيد اسماعيل خليل الاقرب الي.

وكيف تركت التآخي؟

ــ كنت، آنذاك، اعمل في مجال التعليم.. أداوم صباحا في الوظيفة ومساء في الصحيفة، وفي ايلول من عام 1971 كنت أعد للالتحاق في الجامعة غير ان محاولة اغتيال الزعيم الكردي مصطفى البارزاني في ذلك الشهر، وقد دبرت من قبل صدام حسين حين كان (السيد النائب) حال دون ترك عملي في الصحيفة خشية ان يفهم ذلك كهروب او جبن ، فآثرت البقاء في (التآخي) لعام آخر حيث انتقلت عام 1972 الى صحيفة الحزب الشيوعي (طريق الشعب) متنقلا من قسم التحقيقات الى الصفحة الاولى.

وماذا حل بقرار الدراسة الجامعية؟

ــ التحقت عام 1975 بالقسم العربي للجامعة المستنصرية، غير ان توتر الوضع السياسي واندلاع المطاردات والتضييقات على الشيوعيين والديمقراطيين والقوميين وتحول الحرم الجامعي الى بؤرة لرجال المخابرات وعصابات الامن وساحة للتبعيث حال دون استمراري بالدراسة، فقد كنت مستهدفا، إذ كنت ناشطا نقابيا في مجال المعلمين وكاتبا في صحيفة موضع سخط السلطة، يوم غدت المنبر الوحيد الذي كان يتحدى تيار الصدامية الفاشي الصاعد في العراق بعد توقف التآخي.

وهل أدركتك موجة القمع؟

ــ نعم ..كان عاما 1977و1978 يشهدان حملة اغتيالات وإعدامات ومطاردة لا سابق لوحشيتها في تاريخ العراق، لقد قاد صدام العراق الى الجحيم، وكنت قد تركت الجامعة وحاذرت الوقوع في يد الفاشيين، وتجنبت بكل ما أستطيع ، ومعي الالوف ممن نالهم حقد السلطة البعثية، الظهور في مراصد الأجهزة غير ان الحملة البربرية اطبقت بظلامها الدامس على كل العراق من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب..حرب وتصفيات ومطاردات في كل مكان..وقد نجوت مرة من حادث دهس مدبر ومرتين من الاعتقال، وفي المرة الثالثة، في تشرين الاول من عام 1978، اختطفت فجرا من قبل مفرزة فاشية الى قبو من اقبية جهاز الأمن وقد اثار ذلك حملة استنكار، وفي وقت واحد، في نقابة الصحفيين من قبل نائب النقيب فخري كريم وفي داخل اجتماع الجبهة الوطنية من قبل عبدالرزاق الصافي وفي الحكومة من قبل الوزير عامر عبدالله فاضطرت السلطة الى اطلاق سراحي وأنا مغمى علي من شدة التعذيب الوحشي المتواصل، لكنهم القوني على سكة قطار التاجي ليلا ليتركوا لذلك القطار مهمة التخلص من حياتي.

* وهل عدت للعمل في الصحيفة؟
ــ بعد عشرة ايام من العلاج استطعت التحامل حافيا للوصول الى بناية الجريدة لاعقد ندوة حضرها محررو الجريدة وصحفيون عرب كانوا يغطون مؤتمر القمة العربية المكرس لمقاطعة مصر حيث تحدثت لهم عن اساليب التعذيب التي تعرضت لها، ومنها ذهبت بمرافقة عامر عبدالله لاداهم اجتماعا لـقيادة (الجبهة الوطنية) بحضور نعيم حداد ونقيب المحامين مظهر العزاوي وبكر محمود ولاعرض عليهم آثار التعذيب، ما اثار غضب السلطة ، وقد توقع عامر ان يختطفني رجال الامن بعد خروجي من الاجتماع فهربني بسيارة (وزارة دولة) الشخصية من البناية واخترت الاختفاء في تلك الليلة في منزل أخي حيث داهم رجال الامن فعلا منزلي في تلك الليلة لاعتقالي ..ثم تقرر ان اغادر العراق فورا، فدبر تهريبي في تشرين الثاني 1978 الى دمشق ومنها رومانيا للعلاج ودراسة الصحافة..أتذكر اني كتبت العام 1979 استذكارات عدة في صحيفة(الهدف) الفلسطينية عما حل لي..وكتبت عن اصدقاء سقطوا شهداء في ليل الفاشية الذي اطبق على العراق..كتبت عن اصدقاء الرحلة اسماعيل خليل ومعتصم وابو عمر.

إذن درست الصحافة في رومانيا..ماذا عن هذه التجربة؟
ــ كان المعهد الذي ضمني من اشهر وارقى المعاهد في بوخارست، غير ان المشكلة تتمثل، كما في غالبية الجامعات الاوربية الشرقية آنذاك، في ان الادارات تتساهل مع الدارسين العرب وتعجل في تخريجهم..وسأكون صريحا لاقول، لم تكن سنوات الدراسة بالنسبة لي اكثر من استراحة للعلاج وفرصة للانطلاق الى حياة المنفى العجيبة..نعم اعطونا دروسا مهمة في المهنة وتاريخها وتطوراتها وتقنيتها لكنا كنا نستفيد اقل مما يستفيده الدارس الروماني الذي يطبق ما يتعلم بلغته وفي منشآت بلاده.. ثم اعطونا شهادة ماجستير.

رحلة المنفى..من اين بدأت؟

ــ لقد بدأت في الحقيقة من رومانيا في نهاية العام 1978 ومنها الى سوريا، فلبنان، فاليمن الجنوبي، فسوريا مرة اخرى، فبريطانيا اخيرا.

وهل كانت الصحافة هي الجسور الى هذه المنافي؟

ــ نعم.

كيف؟

ــ في سوريا عملت في مجال الاذاعة والصحافة الفلسطينية، ثم اخترت للعمل سكرتيرا للتحرير في صحيفة(الثوري) العدنية عام 1982 وبعد ثلاث سنوات غادرنا اليمن الجنوبي الى سوريا مرة اخرى بعد ان شبت الحرب الاهلية واطيح بنظام الرئيس المصلح علي ناصر محمد في 13 كانون الثاني 1985، ومنها بعد اربعة اعوام الى لندن، حيث عملت اول الامر في صحيفة القبس الدولي ثم في صحيفة (صوت الكويت) التي كانت الاداة الاعلامية لحملة إخراج قوات صدام من الكويت مع كتاب وصحفيين عراقيين آخرين.

كيف حدث هذا..انتم عراقيون..كيف استقبلكم الكويتيون في صحيفتهم فيما تحتل قوات بلادكم بلادهم؟

ــ لقد كنا جميعا( فالح عبدالجبار وعدنان حسين ومجيد الهيتي وجمال حيدر ومهدي السعيد وأنا) من مناهضي الاحتلال ومن اشد معارضي نظام الدكتاتورية وضحاياه، وقد بنينا اولى الجسور بين شعبنا المغلوب على امره، البرئ من قرار الغزو، وبين الكويتيين..اتذكر انني في اليوم الثاني للاجتياح عرضت على مدير تحرير القبس الدولي في لندن شوقي رافع العمل مجانا..وبعد خمس سنوات من هذه المبادرة كتب شوقي رافع في صحيفة البيان الاماراتية وكان مستشارا لهيئة تحريرها استذكارا بعنوان(مظروف ابو الحارث) اعاد فيه تلك الواقعة يوم سلمني بعد شهرين من العمل مظروفا بداخله300 جنيه استرليني كمكآفأة، فرفضت استلامها قائلا له: لن استلم منكم مبلغا وبلادكم محتلة من قبل حكومة بلادي، مع انني كنت لاجئا واحوج ما اكون للمكافأة.

وماذا كان رد النظام الدكتاتوري على موقفكم؟

ــ ان اتصالاتنا بالداخل كانت نادرة ولم نكن لنرصد رد فعل السلطة..لكننا قرأنا نشرة يصدرها اعوان صدام في بيروت وقد توعدت بقتلنا بالاسماء والقت علينا نعوت الخيانة والاقامة بالمنازل الفارهة وتكديس الاموال، مما كانت تجيده مفارخ الدكتاتورية من أكاذيب.

واين انتهى مشوارك الصحفي؟

ــ طوال سبع سنوات، منذ العام 1992 حررت وساهمت في العديد من صحف المعارضة العراقية وكنت عضوا دائما في هيئة تحرير (رسالة العراق) في ذات الوقت اشرفت على اصدار مجلة(الدستورية) ثم عملت فترة في جريدة (الوفاق) وحررت في جريدة (المؤتمر) وقدمت طوال عام تقريبا حديثا يوميا قصيرا في اذاعة موجهة الى العراق.

الاختلاف السياسي بين هذه الصحف هل كان يؤثر على موقفك وإدائك؟

ــ من الناحية النظرية قد يبدو ان الامر يؤثر فعلا..لكن دعني اسجل هذه الحقائق:
أولا: ان ثمة الكثير من الاهداف والشعارات والتوجهات السياسية كانت مشتركة بين جميع قوى المعارضة العراقية.
ثانيا: ان هذه المنابر الاعلامية كانت زاخرة بالاجتهادات والخلافات في الراي والمعتقد.
ثالثا: كان اتجاهي السياسي معروفا للجميع، ولم اكتب ما يخالف ذلك.. وساضيف القول، ان هذا بذاته اسس امكانية استقلال موقف الكاتب العراقي، بل وسموه فوق الاختلافات التي كان لها ما يبررها في الواقع. في تفاصيل هذه القضية اود تأكيد مايلي: انني من الذين يعتقدون بان صحيفة المستقبل في بلادنا ستكون تلك الصحيفة التي تحمل الى قارئها حزمة من الافكار والاجتهادات والاراء.. صحيفة الرأي والراي الاخر.. صحيفة يكتب فيها الشيوعيون والاسلاميون والليبراليون والقوميون في وقت واحد.. واما الصحيفة ذات اللون الواحد والراي الواحد والاجتهاد الواحد فاتوقع انها ستنحسر الى حد بعيد.

واخيرا وصلنا الى صحيفة(الزمان)..فقد كنت في منصب(مدير التحرير) ومحررا لملفها السياسي فترة طويلة، ثم مسؤول ملحقها الثقافي لاكثر من عامين..هل من كلمات عن هذه التجربة؟
ــ تجربتي في (الزمان) التي تركت العمل فيها تحتاج الى وقفة طويلة قد يأتي الوقت المناسب لها.

طيب..من التآخي الى طريق الشعب الى الثوري الى رسالة العراق الى الامام الى القبس الدولي الى صوت الكويت الى الزمان.. الى الاتحاد..ماذا عن الهموم المشتركة في كل ذلك؟.

ــ بصراحة مطلقة: انها الحرية ..حرية البيئة والقوانين، وحرية الكاتب كصوت لا يمكنه الابداع في ظل تهديد استقلاليته، وحرية التعبير التي توفرها الصحيفة لكتابها..اعرف ان الامر يتفاوت بين هذه وتلك، بين هذه الساحة وغيرها، لكن الحرية هي الحرية في كل الاحوال.

أي حلقة كنت تدور فيها طوال هذه التحولات؟

ــ لم استطع التخلص من ضغط الموضوع العراقي، كان الوطن في جوانحي، ولحسن الحظ فان العراق كان مانشيت عالمي كل هذه السنوات، لكن تجربتي في عدن كان لها طابع آخر فقد كنت مضطرا للنأي عن الموضوع العراقي بفعل رغبة الاصدقاء اليمنيين الجنوبيين خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي تحسين علاقتهم مع بغداد.

كنت، اخر عامين تكتب في الخواطر السياسية..؟

ــ بل كنت اكتب في المخاطر السياسية..لقد لعبت في ساحة الضواري كثيرا.

انت علماني ويساري وشيعي وعربي وثوري ومعتدل..كيف جمعت كل ذلك؟
ــ ببساطة شديدة، وباختصار، انا شديد النفور من المفاهيم المغلقة، المتخندقة، غير المتفاعلة مع نقائضها..فانا اعارض هيمنة المؤسسة الدينية على السياسة وانتقد بقسوة إداء الكثير من الدعاة الدينيين في مجال السياسة، لكني كعلماني احترم المراجع والمتدينين والعلماء الى ابعد الحدود وادافع عن حقهم في المشاركة في تقرير مصائر البلاد، بل واعد مشاركتهم في العملية السياسية امرا في صالح بناء العراق التعددي الجديد. وانا يساري لكني احتفظ باعجاب خاص لاولئك الرجال الليبراليين الذين يدافعون عن قناعتهم بالكثير من الفروسية والشفافية..وحين يجري الحديث عن الانتخابات النيابية والراي والراي الاخر فاني اتذكر دورهم الرائد في ترويج هذه الخيارات. وانا شيعي بالمعنى الذي يتعلق بالعائلة والحارة والطفولة والطقوس التي كانت تتسم بالشاعرية والفواج الناجمة عن المظالم المحكية، غير اني لا اشعر، ولا لحظة واحدة، ان لدي مشكلة مع أي اتباع طائفة اخرى، ثقافة وانتماء، بل واتلمس الكثير من وشائج القربى بين هذه الثقافة وتلك, وإذ تضايقني، كعربي، الاطروحات التي تلقي الصخور بين العراق واشقائه العرب، لكني لا اجد تعارضا بين هذا وبين احترامي لارادة الاكراد وحقهم في تقرير المصير، من الفيدرالية حتى الاستقلال. وانا ثوري بالمعنى الذي لا يستسلم للمقدس ولا يتواطأ مع الراهن ولا يؤمن بالحتميات، لكن في ذات الوقت من اشد المناهضين للتطرف واشد المعارضين لاستخدام السلاح لتحقيق المآرب، ومعارضتي لاستخدام السلاح واساليب التفجيرات والسيارات المفخخة لانهاء الاحتلال في العراق تاتي من هذه القناعة. وانا جمهوري، اخيرا، لكني لا أجد في الملكية الرشيدة تهديدا لقيم الحرية التي جاء بها النظام الجمهوري.





ما هو الخطر الذي يواجه الصحافة الورقية اليوم ؟

بموازاة هذا التحول الثوري المدوي، وبتأثيره ايضا، شق العالم مجرى جديدا في معارف الصحافة وعلوم الاتصال ونظريات الكتابة الجديدة، وبدا للكثير من الباحثين، بخاصة في مطلع ثورة الدش والديجيتل والانترنيت في تسعينيات القرن الماضي، بان مستقبل الصحافة الورقية يتهدده خطر داهم يأتي من انقلاب الجمهور والقراء الى المنافذ الاخرى التي تيسر اوسع المعلومات على مدار الساعة وتنقل تفاصيل الاحداث، مصورة، حال اندلاعها فيما المتلقي يتابع ذلك على قهوة الصباح ومن فوق مكتبه او من على سرير نومه، وفي غضون ذلك ظهرت دراسات وفيرة وعقدت ندوات وحلقات بحث واسعة وطوال عقدين من السنين لقراءة مآل الصحافة الورقية واقتراح سبل تطويرها للحاق بالعصر وثقافته الجديدة، واستعادة مكانتها بين الجمهور.
لقد عبرت مؤشرات هذا الانقلاب، في بداية الامر، في خسائر الحقت بالصحف العالمية النافذة والمستقلة وتوقف الكثير منها وانتقال ملكية البعض منها الى موسرين ومغامرين واصحاب امبراطوريات اعلامية، ووجد تحليل اجرته رابطة الصحافة الامريكية لنحو 789 صحيفة امريكية ان متوسط التوزيع اليومي لمدة ستة أشهر انتهت في 30 سبتمبر ايلول 2005 انخفض الى اكثر من مليون في نفس الفترة من العام الماضي. وانخفض توزيع يوم الاحد في 627 صحيفة بنسبة 3.1 بالمئة وفقا للتقرير، ولا تأتي معدلات الخسائر من تراجع عدد القراء فقط بل وايضا من كلفة التحرير ووسائل الاتصال، فضلا عن ارتفاع اسعار الورق، لاسباب عديدة، لعل اكثرها تعقيدا ما يتعلق بالجوانب البيئية (قطع الاشجار) إذ بدات مصانع الورق في العالم ترفع اسعار منتوجاتها بارتفاع كلفة الانتاج فبلغ سعر طن الورق اكثر من 700 دولار ، ولاحظ الباحثون أن كل طن ورق يحتاج من اجل تصنيعه الى 17 شجرة عمرها 50 عاماً وكميات هائلة من الماء اضافة للطاقة الكهربائية التي قدرت بـ 450 كيلو واط.
وفي ظل هذه المؤشرات المحبطة تكونت لدى الكثيرين صورة قاتمة عن مستقبل الصحافة الورقية، بمواجهة الصحافة الالكترونية بخاصة، وقد ذهب عالم المستقبليات الاسترالي داوسن الى الاعتقاد بانه في عام 2022 سوف تموت الصحافة المطبوعة، ورسم خريطة حدد فيها سيناريو الموت، وعيّن بعض الدول التي سيحدث فيها ذلك، غير ان المؤتمر الدولي للصحف الذي عقد العام 2011 في كوريا الجنوبية وورش تفكير عقدت في باريس والمغرب وقطر حول التحديات التي تواجه الصحافة الورقية من قبل الصحف الالكترونية وضعت مصدات للتراجع، وقضت باهمية الدخول في عالم الصناعة الالكترونية وتثبيت عناصر التفوق وتطوير الاعلان، وقد جرى الحديث عن الافضليات التي تقدمها الخدمة الصحافية الورقية وضرورة تنميتها وتطويرها، وفعلا، وضعت الصحافة الورقية خطوات هائلة في طريق استعادة مكانتها، او في الاقل، تحي التهميش، ولعل اكبر تطور شهدته هذه الصحافة حدث في تقنيات النشر والتوزيع المعقدة وكذلك في التعامل مع الاراء المتصارعة والمختلفة والمتنوعة تحت عنوان احترام الراي والراي الاخر، لمنع احتكار الصحافة الالكترونية لهذا التنوع الذي اصبح مقبولا واكثر ضرورية في الوقت الحاضر.

هل تؤمن او تعتقد بوجود سلطة رابعة ؟ وما هي الوظيفة المحددة لها ؟

النتيجة الاولى لمعركة البقاء التي خاضتها وتخوضها الصحافة الورقية يمكن ملاحظتها في تقلص ملامح الهوية الايديولوجية للصحف الكبرى والنافذة وتماهي خطوط الولاء والتحيز الى اكثر الاشكال خداعا للبصيرة السياسية واحتيالا على معايير المصداقية، فضلا عن انتشار مفهوم استقلال الخدمة الصحفية باعتبارها وظيفة محدد للسلطة الرابعة التي هي ، كما يزعم، مستقلة بذاتها، وهو مفهوم مخاتل، ليس لأنه يبشر بصحافة مستقلة ، لكن لأن مثل هذه الصحافة لا وجود لها في واقع الامر اذا ما اخذنا بالاعتبار الحقائق التي تتعلق بتمويل الصحف (حكومات. رجال اعمال) وشروط واهداف هذا التمويل، والحقائق الموازية الاخرى عن عدم وجود "محسنين" يمدون الصحف بالمال من اجل الخدمة المجردة "لوجه الله".
وينبغي هنا ان نستدرك القول بان انكار وجود صحافة مستقلة لا يعني إنكار الرأي المستقل الذي يجد مكانه المتزايد في الخدمة الصحفية، بل وتتزايد قاعدته ومكانته ويحظى بالمصداقية والاهتمام.
وبحسب ما اعتقد فان المفهوم الاكثر دقة وسلامة هو مهنية الصحافة، وعدم مهنيتها. صحافة للدعاية والتهريج واخرى للصدقية والموضوعية، فقد تكون المادة الصحفية (مقال. تقرير. خبر.. الخ) متحيزة الى طرف من اطراف الصراع لكن الموجبات والاحكام والمعايير وزوايا النظر العصرية الجديدة تفترض تقديم هذه المادة "المتحيزة" على نحو احترافي، مهني، مُسبّب، بعيد عن الرطانة والشعارات والدعاية، وبحيث لا تستغفل القارئ او تخدعه، وان الفاصلة المتحيزة في ضمن مجموعة من الفواصل، لكي ترجح نفسها، والجديد في هذا، ان القارئ الجديد الذي لم يعد كائنا معزولا، سيسترشد الى الموقف الصحيح الذي يتطابق مع وعيه ومصلحته.

كيف تنظر الى مستقبل الصحافة ؟

ان التحولات الجديدة في عالم الصحافة تطرح على طاولة البحث قضية مستقبل الصحافة التي تصدرها الاحزاب السياسية، ، والذي يتناول تجربة الحزب الشيوعي العراقي في اصدار صحافة مرخص لها وفق القانون في مختلف الازمنة، فقد بدا للكثيرين، وانا منهم، بان لا مستقبل لهذه الصحافة في ظل هجوم الصحافة الالكترونية والتطورات الكبيرة في الصحافة الورقية، إذا لم تحلّ مشكلة مركبة من فرعين، الاول ذو صلة بتقنيات التوصيل والشكل واحترافية الخدمة وقبول التنافس في الوصول الى المعلومات، والثاني، بكسر الواحدية الفكرية والسياسية، وتقديم وجهة نظر الحزب في اطار من تعدد الاراء وتنوع الاجتهادات.
من جانب آخر فان مستقبل صحافة الاحزاب السياسية لا ينبغي النظر له من خلال ما وصلت اليه الخدمة الصحفية في الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث لا تملك الاحزاب الحاكمة صحفا تعبر عن وجهات نظرها، وهي تصل الى الجمهور عن طريق غالبية الاقنية الاعلامية، وثمة في هذه الاقنية ما يمكن توصيفها بانها قريبة من هذا الحزب او ذاك، لكن الامر لا يلغي شرطا موصولا باسس الديمقراطية، ويتعلق بوجود الاحزاب السياسية، فلا ديمقراطية من غير احزاب سياسية تعبر عن المصالح الاجتماعية للجمهور، ولا احزاب سياسية في ظل النظام الديمقراطية من غير وسائل اعلامية وصحف تعبر عن وجهات نظرها.
وفي هذه القراءة يلزم التحذير من التبسيط، وبخاصة حين نناقش تجربة صحافة الاحزاب السياسية في العراق، وتاريخها، ومستقبلها، فان مؤرخي مرحلة العقود الخمسة الاولى من عمر الدولة الوطنية العراقية يجمعون في غالبيتهم على تأكيد الدور الرائد لصحافة الحزب الشيوعي العراقي المرخص لها من قبل الحكومات المتعاقبة في الاداء والتقنيات والخدمة الاعلامية والثقافية، ويعترف البعض من متابعي هذه التجربة بان صحافة الحزب كانت بذاتها مدرسة صحافية متقدمة في العراق، ومما له مغزى انها كانت قد احتضنت وخرّجت اجيالا من الصحفيين والكتاب، من الشيوعيين والوطنيين الذين انتشروا في كافة المرافق الصحفية والاعلامية، ولا يزالون، هذا فضلا عن دورها في تنمية قاعدة القراءة الشعبية للمطبوعات والاهتمام بالشأن العام من قبل فئات المتعلمين وبناء اولى تشكيلات الرأي العام في العراق.



#سلام_خماط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع القاصة اطياف ابراهيم سنيدح
- حوار مع الاستاذ محسن خزعل المسؤول السابق للجنة المحلية للحزب ...
- قدسية الخبر والاعتداء على مكاتب الصحف العراقية
- الدعاية الانتخابية والشعارات المستهلكة
- حوار مع الاستاذ عامر عبد الرزاق الزبيدي مدير هيئة اثار ذي قا ...
- دعوة للتضامن
- حوار مع الدكتور شاكر كتاب الامين العام لحزب العمل الوطنيالدي ...
- امسية ثقافية
- حوار مع الدكتورة الروائية ازهار رحيم
- مدى تأثير الدعاية الانتخابية
- التجريد التشخيصي في معرض الفنان الرائد حسين الهلالي
- التجريد التشخيصي في معرض الفنان حسين الهلالي
- قانون لحماية الصحفيين أم لحامية نقابة الصحفيين
- دعم الإعلام الحر والمستقل
- المغايرة في تجربة القاص سعدي عوض
- حوار مع الشاعرة رسمية محيبس
- تعديل قانون الانتخابات
- تأثير الدعاية الانتخابية
- فوز المرشح
- فشل إقرار قانون الانتخابات


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سلام خماط - حوار مع الكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم