أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد احمد الزاملي - المصادر الفكرية والاسس الدستورية للحرية السياسية في النظام الليبرالي















المزيد.....



المصادر الفكرية والاسس الدستورية للحرية السياسية في النظام الليبرالي


ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)


الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 16:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ماجد احمد الزاملي
إن فلسفة نظم الديمقراطية الليبرالية في عمومها لا تنسب - كما يرى
البعض - إلى فيلسوف معين، أو مدرسة فلسفية معينة، أو إلى حدث بذاته، وإنما هي
حصيلة تفاعل عدة عوامل فكرية ومادية أفرزت في خاتمة المطاف الأيديولوجية والدولة
التحررية.
لذلك يمكن القول، أن هذه الفلسفة، قد استمدت مضمونها من مجموعة اتجاهات
ونظريات ومدارس فكرية اعتبرت في مجموعها من أهم المصادرها الفكرية، كظهور الدين
المسيحي، ونظريات العقد الاجتماعي، ومدرسة القانون الطبيعي، وأخيرا، إعلانات
الحقوق، كمبادئ وأسس دستورية.
استلهمت نظم الديمقراطية الليبرالية فلسفتها من مصادر فكرية متعددة، فكان لكل
من الدين المسيحي، ونظريات العقد الاجتماعي، ومدرسة الطبيعيين، وإعلانات الحقوق
أثر مباشر في رسم أطرها وتحديد معالمها.
الدين المسيحي:
كان الفرد قبل ظهور الدين المسيحي، كان خاضعا خضوعا تاما
لسلطة الدولة المطلقة دون قيد أو شرط. بل وامتد ذلك الخضوع إلى أخص شؤونه بما في
ذلك تحديد ملبسه، وتشكيل مظهره، ورسم عقيدته، الأمر الذي أدى إلى إذابة الفرد في
كيان الجماعة، والتي كانت تعد غاية في ذاتها ولذاتها لا يحد نشاطها أي شيء.
غير أّنه بظهور الديانة المسيحية وانتشارها ودعوتها إلى العدل، والمساواة والإخاء
في الله، وكذا احترام حرية الإنسان وكرامته، وتقريرها مبدأ الازدواج في السلطة، السلطة
الدينية من ناحية والسلطة الزمنية –الدنيوية - من ناحية أخرى، وفقا للمبدأ الشهير "اعط
ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"تكون المسيحية قد خلصت الأفراد من التبعية الدينية للسلطة،
وساهمت في منعها من التدخل في كل ما يتعلق بالحرية الدينية، وما يرتبط بها من
حريات شخصية، الأمر الذي أدى إلى تحديد نشاطها ومجالها بما لا يتناقض مع هذه
الحريات.
إن سلطات الدولة محددة ومحكومة بمقتضى قانون أعلى مستمد من طبيعة الإنسان
والمجتمع كما خلقه الله، وبالتالي فلا يجوز لها أن تسمو عليه أو تسوغه
لانحرافاتها.
إن الفرد هو غاية التنظيم الاجتماعي، ومن ثم وجب العمل على إسعاده، وتحقيق
نفعه، وما الأسرة والدولة والكنيسة إلا وسائل لتحقيق ذلك.
نظريات العقد الاجتماعي:
على اثر انتهاء الصراعات الدينية بنهاية القرون الوسطى، وبداية عصر النهضة،
تولدت أفكار جديدة، سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ترمي إلى تقويض الأسس الفكرية
التي كانت قائمة عليها السلطة آنذاك والمتمثلة في النظريات التيوقراطية، كما سبق بيانه.
هذه الأفكار التي تبلورت في صورة نظريات جديدة عرفت في التاريخ السياسي
والدستوري باسم: النظريات العقدية والتي كان من أشهر القائلين بها، ثلاثة من رواد
ولوك .والقاسم المشترك بين هذه النظريات يتلخص : في أوروبا وهم: هوبز التيار العقلاني
القول بأن الأفراد –قبل انضمامهم في جماعات سياسية - كانوا يعيشون حياة فطرية
وبدائية، غير أّنه بمرور الزمن شعروا بعدم كفاية هذه الحياة لتحقيق مصالحهم ورغباتهم،
فاتفقوا فيما بينهم على ترك حياتهم الطبيعية الفطرية البسيطة، وتكوين مجتمع سياسي
منظم، يكفل لهم حياة جديدة منظمة ومستقرة، فأبرموا عقدا اجتماعيا، أنشؤوا بمقتضاه
السلطة الحاكمة" أو "الدولة"، فالعقد الاجتماعي هو أساس وأصل هذه السلطة ."الدولة".
ومع تسليم أصحاب هذه النظريات بوجود حياة فطرية للجنس البشري عاشها قبل
قيام المجتمع المنظم أو "الدولة"، ومع اتفاقهم في الأساس المتحد لنشأتها، والذي يتمثل في
أو ما يسمى بالعقدالإدارة المشتركة لأفراد الجماعة.
إلا أن التصورات المختلفة والإغراقات النظرية لكل منهم، قد أدى بهم إلى الاختلافات في الأمور الآتية:
أولا: وصف حالة الإنسان الفطرية التي كان يحياها قبل إنشاء العقد.
ثانيا: تحديد الأطراف المشتركة في إبرام العقد الاجتماعي.
ثالثا: تحديد مضمون العقد.
وكان من الطبيعي أن يسفر هذا الخلاف بين هؤلاء الفلاسفة الثلاثة في هذه المفدمات إلى نتائج متباينة.
والواقع أن هذا الخلاف –بين هؤلاء الفلاسفة - وما أدى إليه من نتائج متغايرة،
كما يرى البعض من الفقه، كان أمرا مقصودا، إذ أن كل فيلسوف كان يهدف إلى تحقيق
أغراض معينة، ويريد الوصول إلى نتائج محددة، ومن ثم فقد قام بوضع مقدمات توصله
حتما إلى ما كان يرمي إليه.
وتأسيسا على ما تقدم، وبعد هذا الإجمال، سنقوم بتفصيل هذه المذاهب الفكرية
وكيفية تأصيلها للحرية السياسية بصورة موجزة، وذلك على النحو التالي:
1679 - 1588 أولا: توماس هوبز
يتفق رجال الفقه السياسي والدستوري على أن نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز
لا تنسجم مع وجهة النظر لكل من " لوك " و" روسو" إلا في القول بالأساس العقدي
للمجتمع السياسي، أي أّنه بواسطة العقد انتقل الأفراد من الحياة البدائية إلى الجماعة
المنظمة أما خارج هذا النطاق فقد صاغ هوبز نظريته العقدية على نحو ينتهي بها إلى
تقويض التيار التحرري من أساسه، وتأييد السلطان المطلق للحاكم، وذلك لأّنه كان من
أنصار العرش الإنجليزي ومن مؤيديه ضد الآراء والثورات التي كانت تطالب بالحد من
سلطان الملوك.
ومن ثم نجد " هوبز" يختلف عن صاحبيه "لوك" و"روسو" سواء في تصور الحياة
الفطرية للجماعة، أو في الأطراف المشتركة في إبرام العقد الاجتماعي، وفي مضمونه
وآثاره.
فبالنسبة لحياة الإنسان البدائية فقد صورها "هوبز" بأّنها حياة فوضى واضطراب،
وشقاء وحروب، والسبب في هذه الفرضية كما قال: أن الإنسان ليس اجتماعيا كما زعم
أرسطو، بل على العكس هو أناني يحب ذاته لا يعمل إلا مدفوعا بمصلحته الخاصة،
تحركه الشهوة والأطماع والرغبة في القضاء على الآخرين.
وبدافع الخوف من الغير، والحاجة إلى إشباع الأغراض الشخصية، وبغريزة حب
البقاء وانشاد السعادة والطمأنينة، اضطر الأفراد إلى الاتفاق فيما بينهم على إقامة مجتمع
منظم يخضعون فيه لإمرة رئيس واحد، يسهر على كفالة مصالحهم وصيانة أرواحهم
وتحقيق الأمن والاستقرار لهم.
أما عن كيفية إبرام هذا العقد، وعن مضمونه ونتائجه فإن "هوبز "يرى أن الأفراد
قد تعاقدوا فيما بينهم على التنازل على كل حقوقهم للحاكم الذي اختاروه ليكون رئيسا لهم
دون أن يشركوه في ذلك. وما دام الحاكم أجنبيا عن العقد، وأن الأفراد قد تنازلوا له عن
كل حقوقهم دون أن يلزموه بشيء، فإن سلطاته –والحالة هذه - تكون عليهم مطلقة ولا
حدود لها.
ويبرر "هوبز" هذا التخريج لنظريته وما تؤدي إليه من نتائج بعدة اعتبارات.
أولا: إن تنازل الأفراد عن حقوقهم لا يمكن إلا أن يكون كليا، إذ التنازل الجزئي غير
ممكن لأّنه لا يخرج الأفراد من حياتهم البدائية المتصفة بالفوضى والحرب والتناحر
فيما بينهم،بسبب أطماعهم وأنانيتهم، وبالتالي يؤدي إلى عدم الأمن والاستقرار
الاجتماعي.
ثانيا: إن الحاكم ليس طرفا في العقد، ولا يمكن أن يكون إلا أجنبيا عنه، الأمر الذي
يؤدي إلى عدم التزامه به، وذلك لأّنه قبل وجود الحاكم "الدولة" توجد جماعة الأفراد
دون الحاكم، وبعد قيام الدولة لن يكون هناك إلا الحاكم، وذلك لانحلال الجماعة
بمجرد قيام الدولة. إن القول بوجود عقد بين الجماعة والحاكم يقتضي وجودهما في
وقت واحد، وهذا أمر غير متصور، وغير ممكن.
ثالثا: إن سلطات الحاكم لا يمكن إلا أن تكون مطلقة تجاه الأفراد الذين يخضعون لها
خضوعا تاما دون قيد أو شرط، وذلك لتحقيق أمرين:
الأمر الأول: إن مناقشة شرعية أوامر الحاكم، أو مخالفتها من طرف الأفراد يعد في
حد ذاته خروج عن الميثاق والعهد الذي ارتبطوا به فيما بينهم.
الأمر الثاني: إن تصرفات الحاكم وأفعاله، مهما كانت متعسفة ومستبدة –في الجماعة
المنظمة - فإن حياة الأفراد مع ذلك ستكون أفضل من حياتهم البدائية الفوضوية، الأمر
الذي يبرر خضوعهم وقبولهم لهذه السلطة المطلقة.
وبالرغم من هذه السلطة للحاكم، إلا أن "هوبز" في عرض نظريته يفرض على الحاكم بعض الواجبات،
كالتزامه بالقانون الذي يضعه، ويقرره، طالما أّنه لم يلغه أو يعدله، وكالتزامه بواجب المساواة بين الأفراد أمام
القانون، وأمام الأعباء العامة، وأن يكفل لهم التعليم وفرص العمل، ورعاية غير القادرين، وتوزيع الثروة بحيث يمنع وجود الفقر المدقع أو الغنى الفاحش...إلخ.
1704 - 1632 ثانيا: جون لوك
كان لوك على عكس سلفه "هوبز" عدوا للسلطان المطلق للملوك، الأمر الذي جعله
يتزعم ثورة فكرية تحررية ضد السلطان المطلق، وينادي بوجوب تقييده، وكبح جماحه،
دفاعا عن ضرورة احترام الحرية، والعمل على تأكيدها وحمايتها.
وعلى الرغم من أن "لوك" يتفق مع "هوبز" في الأساس العقدي للمجتمع السياسي،
كما أسلفنا، إلا أّنه يختلف معه، سواء في تصور الحياة الفطرية للأفراد، أو في مضمون
العقد وأطرافه، ومن ثم خرج بنتائج تحررية جريئة، فتحت المجال لعصر جديد، واعتبرت
فيما بعد، دعامة أساسية، ورافدا هاما من روافد الأصول الفكرية للحرية السياسية في
المذهب الديمقراطي الليبرالي، حتى لقب بأب الاتجاه الليبرالي.
يرى "لوك" أن الحياة الفطرية للأفراد كانت حياة سعيدة، يتمتع الأفراد فيها بالحرية
والمساواة في ظل أصول وأحكام القانون الطبيعي، والتي تجعل كل فرد يدرك على
ضوءها، وبوحي منها، بأن له حقوقا ومزايا متساوية مع أقرانه تمكنه من حماية حياته
وحريته وأمواله من اعتداءات الآخرين.
وبالرغم من الحالة الحسنة والسعيدة للحياة الفطرية للأفراد، إلا أّنهم رغبوا في
حياة أفضل وأحسن، وفي عيش أسعد، نظرا لأن الحياة الفطرية لا تخلو من
مساوئ، وذلك لعدة أمور منها:
منها توفير الأمن والحماية، فلهم أن يتحللوا من التزامهم نحوه ويبحثون من جديد عن حاكم آخر يتولى تحقيق هذه المهام.
الأمر الأول: تعدد مصالح الأفراد وتشابكها وتعارضها.
الأمر الثاني: غموض أحكام القانون الطبيعي، ومرونته وخطره.
الأمر الثالث: انعدام وجود القاضي المنصف الذي يفصل فيما ينشأ بين الأفراد من منازعات.
ونظرا لما تقدم، لجأ الأفراد وبرضاهم للتعاقد فيما بينهم لإقامة سلطة تحكمهم
وتسهر على تنظيم حقوقهم الطبيعية وإقامة العدل بينهم عن طريق تقرير الجزاء ضد المتعاقدين.
هذا العقد، والذي بمقتضاه يتنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم فقط، - خاصة
التنازل عن اقتضاء حقوقهم بأنفسهم - إنما كان بالقدر اللازم لإقامة السلطة العامة، لتسيير
وتنظيم المجتمع الجديد على النحو الذي قصدوه، وبكفالة واحترام ورعاية بقية الحقوق
الأخرى، والتي لم يتم التنازل عنها، كحق الملكية، وحق الفرد في تكوين أسرة.
وبعبارة أخرى، أن الأفراد لم يتنازلوا عن جملة الحقوق الطبيعية الأساسية، الثابتة لهم،
والسابقة على وجود الجماعة السياسية.
هذا العقد، وبهذا الوصف، إنما أبرم بين طرفين حاضرين الشعب من ناحية،
والسلطة العامة من ناحية أخرى، والتي عليها أن تعمل في الحدود المقررة بمقتضاه، وإلا
جاز للأفراد فسخ العقد، وحق مقاومة السلطة وعزلها واستبدالها بمقتضى عقد جديد، أو
يعودوا إلى حالتهم الطبيعية الأولى.
والواقع أن "لوك" بصياغته وتحليله لنظرية العقد الاجتماعي، إنما كان يهدف إلى
تقييد السلطة المطلقة للحاكم، الأمر الذي جعله يؤيد ثورة 1688 في إنجلترا، ويدافع عنها
ويدعمها بما يثبت شرعيتها.

وعموما، فإن نظرية "لوك" وتأصيله الافتراضي للحرية السياسية يمكن اختزالها
بتأكيد المفاهيم التالية:
المفهوم الأول: أن الشعب هو صاحب السلطة الأصيل، وبالتالي فله حق إسنادها إلى
الحاكم ليمارسها على النحو الذي يريده صاحب الحق.
المفهوم الثاني: يفقد الحاكم مشروعيته ما لم يستند إلى رضا الشعب وإرادته، أو يحيد
عن تحقيق أغراضه المحددة. ومن ثم يكون الحكم المطلق غير مشروع لمنافاته لهذه
المقاصد.
- المفهوم الثالث: يكون للشعب – صاحب الحق الأصيل في السلطة - أن يستردها
من الحاكم، في أي وقت يشاء، وفقا لما تنص عليه بنود العقد. وعليه، فإذا ما تنصل
الحاكم من التزاماته أو حاد عنها، أو جنح إلى الحكم المطلق، جاز للشعب حق التحلل من
التزاماته في الطاعة للحاكم، ثم مقاومته وعزله واستبداله بحاكم آخر بمقتضى عقد جديد.
وفي هذا دليل على شرعية الخروج، والثورة على الحاكم المستبد، صاحب السلطة
المطلقة.
1778 - 1712 ثالثا: جان جاك روسو
ارتبطت نظرية العقد الاجتماعي إلى حد كبير باسم الفيلسوف الفرنسي جان جاك
روسو، الذي يعد من أشهر فلاسفة القرن الثامن عشر، حيث تميزت أفكاره، كما اشتهر
عنه، بالدقة والحماس، والتأثير البالغ في الفكر السياسي، مما جعل نظريته في العقد
الاجتماعي تبرز في ثوب جديد، مؤدية إلى نتائج مغايرة لما وصل إليه أسلافه، وخاصة
كل من هوبز، ولوك.
فحيث نجد نظرية "هوبز" قد دارت حول الّنظام الملكي المطلق، وتبرير شرعيته
على أساس عقدي، ودعت نظرية "لوك" إلى تقييده لصالح الأفراد، فإن "روسو" قد خطا
بالتأصيل الفكري للحرية السياسية خطوة أكثر تقدمية، تميزت بقفزة نوعية، كان لها أثرها
البالغ في تطور الّنظام السياسي الوضعي فيما بعد.
وقد تجلت هذه النقلة الفكرية لروسو في وجوب نقل السيادة من فرد أو أفراد
معينين إلى مجموع الأفراد ككل. يرى "روسو" أن الإنسان خير بطبعه، وأن حياته الفطرية كانت ملؤها السعادة والطمأنينة والهناء، لأّنها كانت قائمة على الحرية والمساواة والاستقلال عن كل سلطة.
وإذا كان الأمر كذلك، فما هي المبررات التي اضطرت الأفراد لترك حياتهم
الطبيعية هذه والانتقال إلى حياة اجتماعية جديدة؟
يمكن إجمال ذلك ورده حسب نظرية "روسو" إلى الأسباب التالية
أولا: التطور الحضاري الذي أفسد الحياة الطبيعية للأفراد، بعد اكتشاف الزراعة واختراع
الآلات الصناعية، وظهور الملكية الفردية وما ترتب عن كل ذلك من تعدد المصالح
الفردية وتعارضها.
ثانيا: ازدياد حدة التنافس بين الأفراد، وظهور ميول شريرة لديهم ولدتها الرغبة في
الثراء، والنزعة إلى السيطرة، الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن في الثروات بين
الفئات الاجتماعية.
ثالثا: تصدع نظام الحياة الطبيعية للأفراد، وأّنهيار مبادئها الأساسية مثل المساواة
والحرية، نتيجة عدم التوازن، واستعمال التنافس والصراع بينهم حول الملكية
والثروة وتحول حياة الأفراد إلى حياة اضطراب وبؤس وشقاء.
ونظرا لما تقدم، كان ضروريا على الأفراد أن يبحثوا عن وسيلة تنقذهم من هذه
الوضعية، وتنقلهم إلى حياة أفضل يسودها الأمن والاستقرار، والعدل والفضيلة،
والضمانات الكافية للمحافظة على حرياتهم وأملاكهم هذه الوسيلة كانت هي "العقد الاجتماعي.
وعلى خلاف "هوبز" و "لوك" يفترض "روسو" أن الأفراد يبرمون العقد مع أنفسهم
على أساس أن لهم صفتين:
الأولى: كونهم أفراد طبيعيين، منعزلين عن بعضهم البعض.
والثانية: باعتبارهم أعضاء متحدين في الجماعة السياسية المزمع قيامها.
وبهذا يكون "روسو" على رأي بعض الباحثين المعاصرين قد تخيل أن الجماعة
السياسية كما لو كانت قد تكونت بالفعل، ويدخلها طرفا في العقد، أما الطرف الثاني، فهم
الأفراد الطبيعيون.
وبمقتضى هذا العقد، تنازل الأفراد كلية، ودون تحفظ عن جميع حقوقهم
الطبيعية,ولكن ليس لمصلحة فرد معين كما ذهب إلى ذلك هوبز - ولكن لمصلحة
جميع الأفراد الداخلين في ذلك العقد أو "المجموع.
وبعبارة أخرى، يكون كل فرد من أفراد المجتمع قد تنازل عن حقوقه الطبيعية
مختارا وبرضاه لمصلحة المجموع ككل، كشخص جماعي كلي، مستقل عن الأفراد
الداخلين في تكوينه، والذي يعبر عن نفسه في إرادة جماعية متحدة هي الإرادة العامة،
والتي تكون بالضرورة مستقلة عن إرادة كل فرد من الأفراد الذين اشتركوا في إبرام
العقد.
ويلاحظ أن "روسو" رغم قوله بالتنازل الكلي لحقوق الأفراد الطبيعية، إلا أن ذلك
حسب تصوره لا يفقدهم حرياتهم وحقوقهم نهائيا لأّنهم سيستبدلون بها حقوقا وحريات
مدنية تقررها لهم الجماعة المدنية التي أقاموها وتسهر على حمايتها، لأن ذلك هو سبب
وجود الجماعة وعلة بقائها.
ونشير أخيرا، إلى أن أبرز ما تتميز به نظرية "روسو" في هذا الخصوص، هو
كون السلطة المنبثقة عن العقد الاجتماعي تسمو على الأفراد وتحكمهم باعتبارها سلطة
سيدة تتجسد فيها الإرادة العامة، وبما أن هذه الأخيرة تنعدم بمجرد التنازل عنها أو
تحويلها للغير، فّإن ذلك يعني عدم قدرة الأمة على التصرف في سيادتها مطلقا وبأي حال
من الأحوال، وهذا يعني بالضرورة أن يظل الشعب في مجموعه هو صاحب السيادة أبد
الدهر.
كما أن هذه السلطة الكامنة في إرادة المجموع ككل، تجعل الحاكم، خادما
للشعب، عاملا باسمه، ومعبرا عن إرادته، كما أن بقاءه مرهون دائما بإرادة الشعب
صاحب السيادة، والذي يراقبه باستمرار ويحاسبه إذا أخطأ، ويعفيه من خدمته إذا أساء
التصرف.
مدرسة الطبيعيين :
تعتبر مدرسة الطبيعيين، وما تتضمنه من أفكار، من المصادر الهامة التي أسهمت في
إثراء مضمون تعاليم نظم الليبرالية التقليدية، وخاصة ما تعلق ذلك بالجانبين السياسي
والاقتصادي.
وتتركز أفكار هذه المدرسة حول الفرد؛ باعتباره محور هذا الوجود، وأن الطبيعة قد
خصته بقانون أبدي – يتضمن مبادئ عالمية عادلة – لصيق بآدميته ثابت لا يتغير، شأّنه في
ذلك شأن الظواهر الطبيعية. هذا القانون يكتشفه العقل البشري بإمعأّنه في بحث الروابط
الاجتماعية وتحليلها. وبناء على ذلك فإن أي تنظيم شامل للحياة يكون ملزما باستهداء
قواعد القانون الطبيعي، إذ أن قوة أي قانون وضعي تقاس بمدى مطابقته لقواعده من عدمها،
وكلما اقترب القانون الوضعي من دائرة القانون الطبيعي كان أقرب إلى العدل والكمال.
أما عن أثر هذه المدرسة على الجانبين السياسي والاقتصادي فنوجزه فيما يلي:
أولا: أثر مدرسة الطبيعيين على الجانب السياسي
ظهرت فكرة القانون الطبيعي من قديم الزمان، إلا أّنها اشتهرت في القرنين السابع
والذي اعتبر من الأوائل "Grotius" عشر والثامن عشر. وخاصة على يد الفقيه الهولندي
الذين حاولوا تجديد النظرية وتخليصها من الشوائب المتعلقة بها.
وإذا كانت قواعد هذا القانون قد وجهت بالأساس لتحكم علاقات الدول فيما بينها في
قد نقلها، بعد صياغتها على أسس عقلانية مجردة، "Grotius" أوقات السلم والحرب، إلا أن
من دائرة العلاقات الدولية إلى دائرة السلطة والحرية على الصعيد الإقليمي.
ولئن انتقدت قواعد هذا القانون لعمومها، وعدم تحديدها، وافتقارها لجزاء مادي
يوقع على من يخالف أحكامها، وأيضا لصفتها الأبدية التي خلعت عليها، - مما جعل هذه
القواعد تتطور في مضمونها فيما بعد – إلا أن ذلك لا ينفي قيمتها كمبادئ سامية، ومثل
عليا يوحي بها العقل القويم تحقيقا للعدل، ودفعا للظلم، حفاظا على حقوق الأفراد
وحرياتهم ضد طغيان السلطة.
ومهما كانت صحة المستندات الفكرية لقواعد هذا القانون إلا أن أصحابه وأنصاره
قد قصدوا التأصيل للحرية السياسية من خلال التأكيد على المبادئ الرئيسية التالية:
المبدأ الأول: إن للفرد حقوقا طبيعية، لصيقة بشخصه، وهبتها له الطبيعة، وسابقة للوجود
السياسي، ولذلك تقع على السلطة مسؤولية احترام هذه الحقوق والحريات والامتناع عن
المساس بها.
المبدأ الثاني: على السلطة التي تتولى أمر الجماعة، أن تعمل في دائرة القانون الطبيعي،
فإذا خرجت عنها، خالفت غايتها ومنطق وجوده.
المبدأ الثالث: إن الفرد هو أساس التنظيم السياسي ومقصده، ومن ثم فإن التناقض بين
السلطة والحرية يحسم لصالح الأخيرة، باعتبار أن الحرية غاية أما السلطة فوسيلة.
أثر مدرسة الطبيعيين على الجانب الاقتصادي:
في منتصف القرن الثامن عشر، قامت مدرسة اقتصادية حرة، استقت فلسفتها
وذلك كرد الاقتصادية من أفكار مدرسة الطبيعيين " أي الفيزيوقراط
والتي فعل لمبادئ السياسة السائدة آنذاك، تطبيقا لمدرسة التجاريين
كانت تتصف بالشمولية؛ ومبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.
وقد تزعم هذه المدرسة بعض منظري الفكر الاقتصادي الأوروبي من أمثال
و"كينيه" و"آدم سميث" وغيرهم. وبعد أن وجد هؤلاء بعد بحثهم بأن "Bentham" بنثام
الوسيلة التي تحقق أكبر شبع وسعادة للفرد تكمن في المنفعة، والتي هي – حسب
تعريفهم - "ذلك القدر من السعادة مطروحا منه المعاناة". خلصوا إلى القول؛ بأن السعادة
هي في الاقتصاد الحر الخالي من تدخل الدولة، وأن المعاناة والشقاء يكمنان في تدخل
الدولة في النشاط الاقتصادي.
وبناء على ذلك، قرر منظروا تلك المدرسة، بأن الّنظام الاقتصادي الأمثل هو ذلك
الّنظام الذي يدور في فلك القوانين الطبيعية والتي بمقدورها تحقيق المصلحة العامة على
أحسن وجه. ذلك أن هذه القوانين – والتي ليس للإنسان دخل في إيجادها- إذ تترك
للأفراد حرية ممارسة نشاطهم الاقتصادي فإنهم سيبذلون قصارى جهودهم لتحقيق أكبر
قدر من المنافع الشخصية، وبالتالي تتحقق المنافع العامة في نفس الوقت. إذ المصلحة
العامة، هي حاصل مجموع مصالح الأفراد.
والخلاصة أن تلك المدرسة قد أُسست على عدة مبادئ، يمكن اختصار أهمها في
الأتي:
أولا: أن هناك نظاما طبيعيا يسيطر على الظواهر الاقتصادية.
ثانيا: أن المصلحة الشخصية هي الحافز الجوهري للنشاط الاقتصادي، وتحقيقها يؤدي إلى
تحقيق المصلحة العامة.
ثالثا: أن على السلطة أن تترك للفرد أكبر قدر من الحرية في ممارسة نشاطه الاقتصادي،
وأن تمتنع عن التدخل فيه، سواء كان ذلك في علاقاته الاقتصادية في
داخل الدولة، أو في العلاقات الاقتصادية الدولية تبعا للشعار المعروف
أي دع الأفراد يعملون، ودع السلع تنتقل من البلاد دون تدخل الدولة.
إعلانات الحقوق:
إن الحرية السياسية ترجع في أصولها-كما رأينا سابقا – إلى الفكر المسيحي،
ونظريات العقد الاجتماعي، ومدرسة الطبيعيين، حيث اعتبرت هذه الأصول –وبحق-من
أهم الروافد الفكرية للحرية السياسية في الّنظام الليبرالي التقليدي، كما أن هذه الروافد قد
وهو, امتزجت مع بعضها فكونت ما يعرف بالمذهب الفردي
المذهب الذي انعكست تعاليمه على الواقع الأوروبي والأمريكي بعد أن تأكدت بصفة
رسمية في إعلانات الحقوق، فكان ذلك بمثابة أول تجسيد عملي لمكاسب الحرية في
مواجهة سلطة الدولة على المستوى السياسي والدستوري.
إن الأهمية المعطاة لهذه الإعلانات على رأي - أندريه هوريو - تظهر في الأمور التالية:
أولا: كونها مدرجة على رأس الدساتير المكتوبة يكسبها حصانة؛ بحيث تجعل المشرع
العادي لا يستطيع – في مطلق الأحوال- النيل منها.
ثانيا: أنّها إقرار رسمي بأولوية الأفراد في الدولة.
ثالثا: أّنها ركائز أساسية للنظام الفردي.
وإذا كانت هذه الإعلانات تلتقي على مبادئ أساسية ومشتركة تكفل صيانة الحقوق
والحريات، وتؤكد عدم شرعية المساس بها، وتمنع التسلط والاستبداد، إلا أّنها قد اتخذت
أشكالا متعددة تبعا لظروف كل دولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وخصوصياتها.
وفيما يلي، عرض موجز لهذه الإعلانات في كل من إنجلترا والولايات المتحدة
الأمريكية، وفرنسا، وذلك على النحو التالي:
أولا: إعلانات الحقوق الإنجليزية
تعتبر إعلانات الحقوق في إنجلترا، ثمرة لصراع طويل بين الشعب الإنجليزي من
جهة، وسلطة الملوك من جهة أخرى، حيث تمخض في النهاية بتقرير حقوق الشعب
وحرياته عن طريق إعلاء سلطة ممثلي الشعب، التي تتمثل في السلطة التشريعية، على
سلطة الملك. فأصبحت السيادة للبرلمان – كأعلى سلطة في البلاد - ممثلا للشعب
الإنجليزي في الدولة.
وإذا كانت إعلانات الحقوق الإنجليزية تعتبر مبكرة بالنسبة لمثيلاتها في كل من
الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إلا أّنها قد اصطبغت بالخصوصية والمحدودية
بالمقارنة مع غيرها، وبالأخص للإعلانات الفرنسية. ومع ذلك فقد كان لهذه الإعلانات
الأثر الكبير في التاريخ السياسي في إنجلترا، نظرا لما احتوته من تقرير الكثير من
القواعد والمبادئ والأسس المتعلقة بنظام الحكم، وبحقوق الأفراد وحرياتهم المختلفة.
ومن أهم هذه القواعد والأسس ما تضمنها "العهد الكبير" أو "العهد الأعظم" أو
سنة 1215 م، وقانون الحقوق "الوثيقة الكبرى
سنة 1688 م والذي يعتبر قانونا أساسيا - في هذا المجال- حيث أكد على سيادة السلطة
التشريعية للبرلمان.وفيما يلي عرض موجز لأهم ما تضمنه العهد الكبير وقانون
الحقوق:
1215 م أ - العهد الاعظم:
أصبح طغيأّنه يهدد "Jean sans terre" على إثر تولي الملك "جون" الذي عرف باسم
مصالح طبقة الأشراف ورجال الدين، الأمر الذي أدى بهؤلاء إلى الثورة عليه، فاضطر
إلى إصدار ما يسمى "بالعهد الاعظم" وذلك في 15 حزيران 1215 م.
وقد اشتمل العهد الاعظم على الكثير من الأحكام المختلفة التي تصون الحقوق
والحريات، وعلى وجه الخصوص ما يلي:
- 1 أحكام تصون حقوق الكنيسة والإشراف في مواجهة سلطات الملك
- 2 أحكام تتعلق بالضمانات الخاصة بفرض الضرائب
- 3 أحكام تنص على كفالة حرية الإدارة والقضاء.
- 4: وأحكام تتعلق بكفالة الحريات الفردية ومن أهمها
كفالة الحرية الاقتصادية للتجارة حتى بالنسبة للأجانب منهم، والحرية الشخصية
لكل فرد من الأفراد، حيث تقضي المادة 39منه بأّنه: لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص
أو اعتقاله، أو نزع ملكيته أو إبعاده أو إلحاق الضرر به، بأية طريقة كانت، ولا يمكن
اتخاذ أي إجراء في مواجهة الأفراد إلا بناء على قوانين البلاد.
سنة 1688 م "Bill of Rights" : ب - قانون الحقوق
بعد ثورة جديدة أطاحت بالملك "جيمس الثاني" آخر ملوك سلالة "آل ستيوارت" قام
البرلمان بوضع هذا القانون، حيث تعهد فيه الملك الجديد. صهر الملك المخلوع "الأمير
ويليام أورانج" باحترام جميع ما جاء فيه. لهذا يعتبر قانون الحقوق في الّنظام السياسي
الإنجليزي كوثيقة سامية، وذلك نظرا لما تتضمنه من مبادئ عليا تضفي عليها ظروف
إصدارها قداسة ومهابة، ولما حوته من بيان وتفصيل للحقوق والحريات العامة، بحيث
تجعل المشرع يتردد في محاولة المساس بها أو النيل منها.
وإذا كان هذا القانون قد أكد على سيادة البرلمان بحيث قضى
على امتيازات الملك التي كان يعرقل بها وظيفة البرلمان، ويشل سلطته، فإن أهم ما
تضمنه من قواعد ومبادئ لتدعيم اختصاص البرلمان، في مواجهة السلطان الملكي، يمكن
اختصارها في الآتي:
-1 حرم الملك من حق تعطيل نفاذ القوانين، أو الإعفاء منها، وهو ما كان مقررا له
قبل صدور هذا القانون.
-2. منع الملك من حق فرض أية ضريبة، بدون موافقة البرلمان
-3 تجريد الملك من أي سلطة شخصية على أموال الدولة، حيث حددت نفقات القصر
الملكي.
-4 حق البرلمان في الموافقة على نفقات الدولة وإيراداتها لسنة واحدة فقط – وهو ما
يعرف بسنوية الميزانية – مما أدى إلى فرض رقابة برلمانية على أموال الدولة.
-5 تحديد نطاق اللائحة بالنسبة للقانون بحيث قيد حق الملك في إصدار اللوائح
العامة، واقتصر على تنفيذ القوانين دون تعديلها. هذا إلى جانب اختصاصات
أخرى دعمت سلطات البرلمان بمجلسيه، بأن جعلت منه سلطة تشريعية حقيقية
في البلاد تمخضت عن إرساء قواعد الّنظام النيابي في إنجلترا وذلك بعد تطور
طويل.
ثانيا: إعلانات الحقوق الأمريكية
صدر إعلان الاستقلال الأمريكي في 04 حزيران 1776 ، متضمنا النص على عدد
من الحقوق والحريات العامة، ومركزا على المبادئ الأساسية التي ينشدها ويحرص عليها
المجتمع – خاصة حتمية قيام كل سلطة على عنصر الرضا – والمذهب الاجتماعي الذي
يعتنقه ويتبناه المجتمع. ثم صدر بعد ذلك "إعلان الحقوق" أو "وثيقة الحقوق" أو ما يسمى
بالتعديلات العشر الأولى للدستور الاتحادي الصادر سنة 1787 ، حيث تم إقرارها سنة1791
. وألحقت بالدستور بعد تعديله. وفيما يلي لمحة موجزة عن هذه الإعلانات
. أ- إعلان الاستقلال الأمريكي 04 حزيران 1776
كان لإعلان الاستقلال الأمريكي في 04 حزيران 1776 ، أصداء قوية، بعباراته
الجديدة والمؤثرة، والتي يسمعها الحكام لأول مرة في عالم الواقع. ولعل من أبرز ما
تضمنه هذا الإعلان وأكد عليه، هو أمرين هامين:
الأمر الأول: أن الثوار يسلمون بحقائق ثابتة وواضحة في حد ذاتها، والتي تقضي أن
الناس كلهم قد خلقوا أحرارا ومتساويين، وأن الخالق قد وهبهم حقوقا ثابتة، لا يمكن
انتزاعها منهم، والتي منها: حق الحياة، والحرية، وانشاد السعادة، والبحث عن الهناء.
الأمر الثاني: إن هدف إنشاء الحكومات بين الناس والمؤسسة - على رضا الشعب – ما
هو إلا لضمان تلك الحقوق وصيانتها، وأن أي نظام سياسي ينحرف عن تحقيق هذه
الغايات يعطي الحق للشعب في تغييره، أو إزالته واستبداله بنظام أجدر منه، يحقق له
السلامة والسعادة.
: إعلان الحقوق أو "وثيقة الحقوق"
تضمنت وثيقة الحقوق التعديلات العشر الأولى، وألحقت بالدستور الاتحادي بعد تعديله
سنة 1791 . ومن بين ما اشتملت عليه النص على ضمانات جديدة للحرية الفردية في
مجالات مختلفة، يمكن التعرض لأهمها بصورة موجزة فيما يلي:

أولا: حرية الأفراد في مجال العقيدة، وحرية ممارسة الأديان، وذلك بمنع إصدار رأي
قانون يتعلق بذلك، أو يمنع حرية الخطابة والصحافة، أو الاجتماعات السلمية.
ثانيا: حق الشعب في الأمن في أشخاصه، ودياره، وأوراقه، وتصرفاته، وفي عدم تفتيشه
أو اعتقاله بصورة غير معقولة "التعديل الرابع. ".
ثالثا: تمتع الأفراد بحقوق، وحماية قانونية في المجال القضائي، تتعلق بعدم الاتهام،
والاستجواب، وعدم الإكراه أو التعذيب أو الشهادة في أي قضية جنائية إلا طبقا
للقانون، وعدم حرمان أي شخص حق الحياة، أو الممتلكات بدون تطبيق القانون،
كما يتمتع كل شخص بحق محاكمة سريعة علنية بواسطة محلفين غير متحيزين إلى
الولاية أو المنطقة التي اقترفت الجريمة "التعديلات الخامس والسادس".
ثالثا: إعلانات الحقوق الفرنسية
يعتبر إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر سنة 1789 ، من أشهر
الوثائق التاريخية وذلك لتجسيده الأفكار والصفات الإنسانية التي عاصرته ولتميزه ليس
فقط بفضله الكبير على العالم الإنساني في ميدان كفاحه ضد الظلم والاستبداد، ولكن بنصه
بصورة واضحة على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولاحتوائه أيضا على أصول
النظريات السياسية والدستورية الحديثة، كمبدأ السيادة الشعبية، ومصدر القانون، الكامن
في الشعب، والفصل بين السلطات وغيرها.
وبالرغم من صدور إعلانات أخرى عديدة فيما بعد في فرنسا، إلا أن معظمها
يعتبر مجرد ترديد وتأكيد لما جاء في هذا الإعلان الأول والذي تصدر أول دستور فرنسي
1791 . وقد جاء في هذا الإعلان على الخصوص ما يلي: "إن الناس /09/ صدر في 03
ولدوا أحرارا ويعيشون أحرارا ومتساوين في الحقوق ، وأن الغرض من كل مجتمع
سياسي هو الحفاظ على الحقوق الطبيعية للإنسان، والتي لا تقبل التنازل عنها، ألا وهي
المساواة والحرية، والملكية، والأمان، ومقاومة الظلم... وأن السلطة العليا في البلاد هي
للأمة، وليس لأحد أن يمارسها إلا طبقا لإرادة الأمة.
كما أكد الإعلان على "... حرية تبادل الآراء، والأفكار، واعتبار ذلك من ثمن
حقوق الإنسان، ولذلك، لكل مواطن أن يعبر عن رأيه بالقول والكتابة والنشر بحرية مع
مسؤوليته عن إساءة استخدام هذه الحرية في الأحوال المنصوص عليها في القانون".
وكما أشرنا سابقا، فإن الإعلان المذكور الصادر سنة 1789 م ليس الإعلان
الفرنسي الوحيد لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فقد تصدرت إعلانات شبيهة له عددا
من الدساتير الفرنسية اللاحقة لدستور 1791 مثل دستور سنة 1793 ، ودستور السنة
الثالثة للثورة الصادر بتاريخ 22 أب 1795 وغيرهما. وحتى الدساتير الفرنسية التي لن
تشتمل على "إعلان" من هذا القبيل قد أشارت في معظمها إلى الإعلان الأول لحقوق
. الإنسان والمواطن والصادر سنة 1789
وإذا كانت الآراء قد اختلفت حول قيمة هذه الإعلانات التي تتصدر الدساتير، وما
إذا كانت لها نفس القوة الملزمة التي للدستور ذاته، أم أن قيمتها فلسفية وسياسية ليس
غير، فقد عدلت معظم الدساتير الحديثة عن هذه الإعلانات إلى النص في صلب الدستور
على هذه الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والأفراد عموما.



#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)       Majid_Ahmad_Alzamli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسباب ألإباحة في القانون الدولي الجنائي
- الدساتير وصيانة حقوق الانسان
- الحل الامثل للمشاكل العرقية
- تحديد معنى الحرية السياسية
- اوامر السلطة التنفيذية واثرها على التشريع
- الدولة الفاشلة
- المحكمة الجنائية الدولية والعدالة الدولية
- المركز القانوني لإحكام القضاء
- المجتمع المدني وتأثيره على السياسة الداخلية للدولة
- الجرائم الالكترونية
- السياسة غير الجنائية للحد من جرائم العنف ألإرهابي
- ألإستجواب
- حقوق ألإنسان وسلطة الضبط الجنائي في القبض
- دور المنظمات غير الحكومية في ترسيخ مباديء حقوق الانسان
- جريمة غسيل الاموال القذرة
- ألإرهاب
- ضمانات الحريات العامة بين قانون الاجراءات الجنائية والدستور
- توازن القوى الدولية
- ألإجراءات الجنائية والدفاع عن حقوق ألإنسان
- الدولة القانونية


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد احمد الزاملي - المصادر الفكرية والاسس الدستورية للحرية السياسية في النظام الليبرالي