أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - سميولوجيا العمل الدرامي















المزيد.....



سميولوجيا العمل الدرامي


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 09:53
المحور: الادب والفن
    



بدايةً يجب الإشارة إلى أن السميوطيقة والسميولوجية وجهان لعملة واحدة، والفارق بينهما يكمن في الاشتقاق والزمن، فسيموطيقة بنيت على أساس الجذر اليوناني سم "sem" (1) وتعني دراسة الأعراض، بينما سميولوجية ذات اشتقاق حديث، كما أن اللفظ الأول يستخدم أكثر في التوجهات الأنغلوساكسونية والثاني في الفرنسية وما يدور في فلكها من توجهات لاتينية. ويرى باتريس بافيس أن الخلاف في هذا الصدد ليس نزاعاً بين لفظين ولا نتيجة معركة لفظية فرنسية أمريكية بين سميوطيقة semioticsبيرس Peirce وسميولوجية sémiologie سوسير Saussure . إنها مسألة مواجهة بين نموذجين للعلامة، فسوسير يقصر العلامة على التحالف بين المدلول والدال. بينما بيرس يضيف إلى هذين اللفظين المحال إليه referent، أي الواقع الذي تدل عليه العلامة (2). غير أن السائد الآن في هذا الصدد هو الحديث عن السميولوجية بشكل أوسع وأشمل من اللجوء إلى لفظ السميولوجية الذي أصبح يستخدم في حيز ضيق.
وكان عالم اللغويات السويسري سوسير (1857-1913) أحد مؤسسي التقليد الأوروبي في هذا الصدد قد عًّرف علم العلامات، أو السميولوجية، في كتابه المشهور حول علم اللغويات العامة، على أنها العلم العام لكافة نظم العلامات، أو الرموز، التي يمكن للبشر بفضلها أن يتصلوا في ما بينهم. في حين أن عالم اللغويات الدانماركي بيرس Peirce (1839-1914) مؤسس التقليد الأنغلوساكسوني يرى أن السميوطيقة مذهب ضروري وشكلي للعلامات وأن المنطق في معناه العام ليس أكثر من اسم آخر للسميوطيقة. والملاحظ أن سوسير يركز على الطابع الإنساني والاجتماعي لها، في حين أن بيرس يبرز الطابع المنطقي والشكلي. وهذان التوجهان ليسا الوحيدين في هذا الصدد (3).
وعلى مستوى المسرح تقوم هذه النظرية، علامات أو سميولوجية العمل الدرامي، على آليته، فهي عملية اتصال دلالية تقدم علامات العمل الدرامي كنظرية ليس لديها بعد الطريقة التي يمكن أن تتبعها ولا الهدف الذي يجب أن تدرسه مصاغين ولا محددين. وتقدم على أنها مجموعة مبادئ ومفاهيم عامة ينبثق عنها مبدئياً رفض المناهج التاريخية ومحاولة التغلب على التحديات التي فرضتها النظرية البنيوية على البحث الأدبي. وفي الجزء الغالب من الحالات فإن المفاهيم والمبادئ السميولوجية العامة التي تتكون نظرياً لم تمحص عبر التحليل المحدد الأعمال الدرامية، فالتحليلات التي أجريت على أعمال درامية لم تثبت بعد قيمتها العامة.
بيد أنه لا يوجد اتفاق حول هدف الدراسة، العمل الدرامي، ما إذا كان النص المكتوب أو العرض أو كليهما، وفي أي منهما، سيكون من الضروري معرفة العلاقات التي تربطهما. ونظراً للظروف التاريخية التي تطورت في كنفها السميولوجية فمن المألوف أن تبدأ دراسات المسرح في هذا الإطار على أساس افتراضات في هذا السياق، ولكنها تتبع النموذج البنيوي. ومن المألوف أيضاً أن يؤخذ على أنه نظرية عامة ما هو ليس أكثر من جانب نحوي أو دلالي أو تداولي للسميولوجية، وأن تفسح الدراسات، حول جنس أدبي، المجال أمام مخططات أو تسمح بوضع نظريات ومفاهيم ستطبق في ما بعد دون تفرقة على كافة الإبداعات الأدبية، من أي جنس كانت.
وعلم العلامات أوالسميولوجية - وير ي أساساً في العمل هدفاً دالاً- يأخذ في عين الاعتبار كافة العلامات ومكونات العلامات والوحدات والعلاقات الدرامية …إلخ، التي يمكنها خلق معنى، سواء في الشكل المكتوب للدراما أو في عرضها وطبيعة العلامة الدرامية، بعيداً عن الجدل حول إقصاء بعض العلامات وكل المراحل التي تتبع عملية الاتصال المعروفة بأنها مسرح من إبداع النص المكتوب حتى تلقى المقروء ثم الممسرح مع كل ما يعنيه التفاعل اللغوي والأدبي والمشهدي الذي يثيره. وعليه ليس منطقياً استبعاد أيٍ من مراحل هذه العملية، ولا أي من العلامات التي تتدخل ولا في طريقة تدخلها. وعملية الاتصال الدرامي واحدة تبدأ مع إبداع نص درامي وتكتمل مع الاستقبال من قبل جمهور يحضر العرض الدرامي، والعملية التالية من الإبداع حتى التلقي أكثر تعقيداً من التي تخص العمليات التي تتبع الأجناس الأدبية الأخرى. هذا بينما يرى باتريس بافيس أن سميولوجية المسرح عبارة عن طريقة تحليل النص و/أو التمثيل، مع الأخذ في الاعتبار تنظيمه الشكلي والحركة وتجسيد عملية المدلول من خلال المشتغلين بالمسرح والجمهور (4).
ويستعرض هذا العمل الذي بين يدينا مسار علم العلامات في المسرح، بدءًا بدراسات المسرح السميولوجية بإتباع افتراضات نموذج تحليل بنيوي، وكذلك دلالي، يحلل طبيعة العلامة الدرامية، لفظية وغير لفظية، مشفرة أو مكونة لعلامة. ويطرح مشكلة الوحدات والطبقات الدرامية. كل هذا على أساس أن النواة الدرامية ليست متمركزة في الأفعال بل في العلاقات النزاعية والمواجهة بين شخوص، أي في مواقف.
وترى المؤلفة أن على الدراسات السميولوجية، أو السميوطيقية، أن تكون عملية في تقديم إجابات أمام المكونات الفاعلة في الحدث الدرامي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالمشاهدة، المجال الذي يحظى بالتفضيل في الوقت الراهن حيث يكون الُمشاهد في موضع الاستقبال شاهداً على هذا العالم المتخيل، وهو الذي يستقبل المجاز بصرياً، فهو للعرض. وصعوبة التفسير أحياناً التي قد تظهر في بعض المَشاهد لا تقلل من جودة الرسالة ولهذا يمكن إدخاله مجال علم العلامات.
في هذا الإطار يجب أن نشير إلى أن المسرح قدِّم لنا على أنه ذو شقين رئيسين: الشق الأدبي، أي النص، والشق المشهدي، أي العرض. ومن هذا المنطلق فإن هذين العنصرين يكونان الفعل الدرامي. ومفهوم الفعل الدرامي هنا هو صيغة اتصال تخيلية ومعقدة تضم مرحلتين متوازيتين مع كل واحدة من شقيه: النص والعرض.
وعلم العلامات أمام هذه الأفعال يسمح بتلقي عدة إجابات أمام الفعل المسرحي. وبهذا الصدد ترى مؤلفة هذا الكتاب -التي أثرت المكتبة الإسبانية والأوروبية بالعديد من الأعمال في هذا المجال- أنه إذا فهمنا أن علم العلامات يدرس - أو على الأقل يحاول ذلك- كافة نظم العلامات التي من شأنها أن تعطى معنى للعمل الدرامي، فيُستنتج في الحال أنه لا يمكن أن يقتصر على العلامات اللغوية، أي على النص كما كان الحال في النقد التقليدي، ولا يمكن أن يقتصر على العناصر التي تظهر فقط على خشبة المسرح. والعمل المسرحي بالنسبة لعلم العلامات عبارة عن مجموعة علامات محققة في آن واحد على الخشبة. وحري أن يذكر أن العلامات المسرحية، وبالتحديد لأن بعضها ليس لغوياً، يمكنها أن تشارك في الوقت نفسه في نقل الكلام إلى المشاهد.
وعليه فإن المسرح من الناحية السميولوجية يقدم على أنه موضع دراسة ثرة، وذلك لدخول عناصر تشكل جزءاً من وجوده، إلى جانب مكونات إنسانية تجعل تحقيقه كاملاً كفعل مسرحي (المؤلف، المخرج، المشاهد … )، وهي عناصر لغوية والعديد من العناصر الغير متجانسة والغير شفهية، من الإيماءة إلى الإضاءة، وكلها موضع دراسة من قبل علم العلامات.
وفي هذا السياق سنتوقف بشكل خاص عند واحد من مكونات الفعل المسرحي: المشاهد، وهو على صلة وثيقة بخشبة المسرح. لقد ظهر خلال العقد الأخير مفهوم جديد لهذا المكون وذلك أمام فرق تبحث عن القطيعة مع الصيغة التقليدية وتقترح واقعاً مغايراً. وأعني هنا بالمشاهد الذكي، ثاقب البصر، القادر على التحليل والمشاركة، ليس الذي يكتفي بالمشاهدة، أو النظر إلى العمل، فهذا النوع من المشاهد عقيم، سلبي، سطحي، غير قادر على تمييز المبتذل من المهم، المشهدي من الحقيقي، التسلية من التأمل (5).
هناك اتجاه آخر تبدو فيه الوظيفة المشهدية عامة أكثر من اللازم، وهو موجود في واقع أن كافة الأعمال الفنية، كي لا نقول كافة العلامات، تتطلب مشاهداً/متلقياً. وهي، أي الأعمال الفنية، مقدمة للإدراك. وهذا يبدو جلياً في موقف التوصيل – حسب توجه مدرسة براغ- حيث يكون على المتلقي أن يحول جهازاً إلى شيء للإدراك بواسطة عملية تجسيد. وإذا رُكز على الطريقة البصرية المسيطرة، يمكن القول إن الفن البصري يرتكز على تقسيم شئ مراقب وعلى مراقبه. والواقع أن كل تقسيم من هذا النوع يجسد كافة الأمكنة الموجودة في عملية تدوير العمل الفني، كالمتاحف وقاعات العرض وأمكنة أخرى للعرض.
إن جانب الوظيفة السميولوجية الذي يطلق عليه البعض مصطلح اللعب الرمزي يمكن أن يُرى على أنه سابق على المسرح وعلى الطقس. وإذا كانت تهتم بما يعنيه شيء، أو بمعنى آخر، كيف أن شيئاً يصير دالاً، تعبيراً عن شيء آخر وعليه يصير مدلوله محتوى، حينئذ يوجد فضاء لسميولوجية الطقس، بعيداً عن أنثربولوجيته: دراسة كيف أن فعلاً لأن "شيئاً" في هذه الحالة يجب أن يفهم على أنه فعل يتميز عن الأفعال الأخرى كلها فيصبح حاملاً لمدلول "طقس". هذا مع الأخذ في الاعتبار أن السميولوجية تتميز بهدفها للدراسة ولبناء النماذج الدرامية (6) . والأفعال التي تحمل بطريقة جلية مدلولاً هي هكذا لأنها في مكان أفعال أخرى أو الأفعال الأخرى التي يقوم بها شخص آخر في زمان ومكان آخر وهي التي نراها في المسرح.
وسميولوجية العمل الدرامي يمكن أن تبدأ التعرف على وحدات المعنى اللغوية: جمل، فقرات؛ أو الأدبية: أسباب، لحمة؛ وتحليل العلاقات التي تقام بين الوحدات الدنيا وعمليات الرمز التي تولدها، سواء في حالة وجودها الأولي على شكل علامات مشفرة في نظام، أو في حالة كونها أشياء متحولة إلى مكونات علامة في الحدود المعينة لعمل؛ ويمكن تحليل الوحدات النحوية الأدبية أو الدرامية مباشرةً وعلاقاتها وتوزيعها في النص (تكوينها وقابليتها)؛ القيمة الوظيفية للأفعال، المواقف والشخوص؛ الوقت وتظاهراته في النظام، التكرارات؛ الموازاة، إلخ… والفضاء تحت الأشكال المختلفة التي يقدمها: فضاءات مادية، مجالات مسرحية، فضاءات أخلاقية، جمالية…. كما يمكن للسميولوجية أن تهتم بالأشكال "النحوية للنص" وترى كيف تتحقق في هيكل واسع؛ وأن تحاول اكتشاف القيم الدلالية وكيف تعزز في التعبير الشكلي، أي دلالة العمل؛ ويمكن أن تهتم بالعلاقات التداولية، للعمل بفاعليه، أي المرسل والمتلقون، أو مع النظم الثقافية الحاوية، على حد سواء في زمن ظهوره ولحظة تلقيه.
ودراسة العرض، على غرار ما يقترحه بعض منظري المسرح، كنص ممثل يقابل العمل المكتوب، تعتريها صعوبات كبرى. فالعرض هو الوضع في فضاء محدد، خشبة المسرح، وفي زمن، الحاضر، العمل، لا يبقى مثبتاً؛ من ناحية أخرى هو قراءة، بين أخريات محتملة، موجودة في النص المشهدي افتراضياً. ومن الضروري وجود رؤية مسرحية للنص المكتوب: شخص ما، قارئ، يتحول إلى مخرج، يعطي شكلاً مسرحياً لقراءته- لا للنص، فهذا مستحيل، إذ لا يمكن أن يوجد استنساخ تام-، ويقدمه إلى الجمهور، كتفسير للعمل. وهذا يحدث كذلك في حالة ما إذا كان المؤلف نفسه هو الذي يعطي شكلاً مسرحياً للعمل. يقدم العمل بلا شك قراءات أخرى، إذ إننا أمام نص فني، متعدد التكافؤ بطبيعته، وهذه القراءات تفسح المجال أمام أشكال أخرى للإخراج المسرحي.
إذا كان الهدف العام للسميولوجية هو العلامات وقيمها وعلاقاتها، فإن هدف السميولوجية الدرامية هو النص الدرامي في عملية التوصيل كلها التي يثيرها وتبدأ من إنتاجه حتى تلقيه، في طريقتي قراءته وعرضه مسرحياً، مع شخوصه، القارئ والمشاهد أو الجمهور في مجمله. والعمل في حد ذاته، عناصره ولحمته، تعبيره في الحوار والإرشادات المسرحية، مسرحته في موقف مبدع إخراج في فضاء مسرحي، مع حركات وأفعال الممثلين؛ علاقات العمل مع مؤلفه ومع الظروف الاجتماعية الثقافية الموجودة في لحظة إبداعه؛ والعلاقات التي يضعها مع المتلقين والمحيط الاجتماعي الثقافي في لحظة تلقيه تحت شكل عملية قراءة أو تمثيل؛ كلها عناصر يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تفسير العلامات الدرامية. وكل تحديد لجانب من النص، أو لمرحلة من العملية أو أي نفي أو نسيان للفاعلين الذين يتدخلون في كافة المراحل، هو تقليص لهدف سميولوجية العمل الدرامي بشكل فيه إجحاف.
كما أن هدف السميولوجية الدرامية هي كافة العلامات المشفرة أو غير المشفرة الموجودة في النص الدرامي وفي كافة مراحل العملية التي تتبعها في إفصاحها. وخلاصة القول: كل ما يخلق معنى في المسرح وعمليات خلق هذا المعنى في الأعمال الدرامية التي تصبح بدورها انعكاساً فنياً وثقافياً لحقبة ولطريقة رؤية العالم والإنسان (7) .
وفي هذا السياق فإن النص منتج موضوعي، جعل موضوعياً بعيداً عن المؤلف، بينما العرض فعل نهائي لعملية توصيل. ومعروف أن النص المكتوب يستخدم نظام علامات وحيداً، اللغوي، للتعبير، في حين أن العرض يستخدم في تزامن علامات شفهية والعديد من العلامات غير الشفهية. وكثيراً ما طرحت جدلياً هذه العلاقة على غرار النظم الرمزية التي تستخدم النص من جانبها والتمثيل من جانبه.
تعود جذور الأسباب الأخيرة للبحث الدؤوب عن التجديد في خشبة المسرح إلى الرغبة في الحفاظ على توصيل مسرح-قاعة، الذي فُقد في الكثير من الأحوال، إما لأن الكلمة اكتسبت دوراً بارزاً مفرطاً، "مسرح الكلمات"، ويقرب المسرح من الأنواع الروائية، وفيها نجد أن عملية التوصيل سميوطيقية، ليست تفاعلية، أو لأن العلامات الغير لفظية على المسرح أزاحت الكلمة من التمثيل وتزمع تقليص المسرح إلى مجرد مشاهدة.
وتتوالى عمليات التجريب، وتحتمي الاتجاهات في أصول مختلفة، تدمر وتشيد مباني بطريقة مستمرة. ولا يزال يقال عن المسرح إنه في أزمة دائمة: أزمة مؤلفين، مخرجين، مهندسين معماريين؛ أزمة أعمال ومبانٍ، في توتر مع التمثيل. والتغييرات المختلفة، التجديدات، التعديلات، الإبداعات، كلها لها هدف واحد: جذب للمسرح مجتمع ابتعد عنه، بسبب منافسة وسائل تسلية أخرى، وربما بسبب إفساد طبيعة الفن الدرامي نفسه.
لقد ركزت مدارس الشكلية والبنيوية اهتمامها على اللغة كصيغة ووضعت دراسة اللغة كعملية في المقام الثاني. وسيراً على خطى سوسير، وهذه المدارس، سواء على مستوى النظرية اللغوية أو المدرسة الأدبية، لا تقبل أن يصبح الكلام هدفاً ملائماً للبحث العلمي. وعلى العكس، تعتقد هذه المدارس أن اللغة، كنظام وحدات وعلاقات قائم عبر عمليات تجريد حول الاستخدامات، يقدم طباعاً خاصةً للأشياء العلمية: استقرار وضرورة في العلاقات البنيوية، وبالطريقة نفسها ستجد النظرية الأدبية هدفها لدراسة الأعمال الأدبية بصفة عامة، على أساس ملاحظة التناسقات الموجودة في الهيكل الأوسع والتمثيلي.
ورغم التطور الكبير الذي عرفته الطرق البنيوية منذ عام 1930 حتى بعد نصف القرن، لفت التوجه الاجتماعي للبحث اللغوي والأدبي دائماً إلى أن اللغة كحدث مثبت، كنظام، ليست شيئاً من الواقع، بل هي نتيجة عملية ذهنية، التجريد، ولهذا اتفاق معرفي هدفه وضع شيء الدراسة بالاتفاق مع متطلبات الاستقرار التي كان كانط Kant قد أعدها ضرورية لبدء عملية بحث علمي. وبعملية تصنيع شيء ملائم، فإن علم اللغويات كان قد تحول إلى تحليل هدفه الصناعي المخلوق لهذا الغرض ويبتعد عن البحث التداولي، الذي ينشغل بالأشياء الواقعية، الإنسانية.
والتوتر بين طريقة وأخرى لفهم شئ، هدف، أفسح المجال، في تاريخ علم اللغويات وفي الوقت نفسه في تاريخ النظرية الأدبية، أمام تبادل الطرق والمصالح المتعلقة بمواضيع معينة، وحدات وعلاقات، حسب ما يبرزها توجه أو آخر.
إن الاهتمام بالمتحدث -وهو ذو أولوية في مناهج التحليل النفسي- والاهتمام بالأشكال -ذو أولوية في نظريات البنيوية والشكلية- يتكاملان مع الاهتمام بالسامع، الذي سيكون دوره بارزاً في التوصيل، وبشكل خاص، في المناهج الاجتماعية والتداولية. لقد أسهمت دراسة الحوار في تقييم صورة المتحدث، وبهذه الطريقة فإن عناصر الترسيمة السميولوجيةالأساسية في التوصيل تشغل المكان الذي يخصها في دراسة الأحداث اللغوية والأدبية: متكلم-كلام-مستمع / مؤلف-عمل- قارئ / مشاهد.
وفعل الكلام، إلى جانب علاقات أخرى كثيرة، يضع طريقة مباشرة لتفاعل بين عناصر الترسيمة الثلاثة. ورغم أن دراسة أي واحد منها لذاته ممكن، فمن الضروري أن نقبل أن اللغويات أو النظرية الأدبية يهمهما الشكل اللغوي أو الشكل الأدبي والعلاقات التي يمكن أن تكون للفاعلين، من خلالها، ومع الأحداث الخارجية على النص. ودراسة المرسل كشخص ليست من عمل علم اللغويات ولا النظرية الأدبية، بل يمكن أن تكون موضوع هذه النظريات.
ومن الممكن تحليل اللغة كنظام مستخلص من الكلام، إلا أنه لا ينفي مادة اللغويات، لأنه يترك علاقات الكلام-المرسل / الكلام- المتلقي. والكلام هو الأساس لتحقيق التجريدات التي من شأنها أن تسمح بالتعرف على هذا "الشئ العلمي" وهو النظام اللغوي، اللغة؛ إذ لا يبدو عفوياً ومستقلاً، بل دائماً تحت تأثير وعلى علاقة بالمرسل والمتلقي، اللذان يجب أن يؤخذا في الاعتبار وإلى جانب استكمال سلسلة عناصر النظام الأساسي مع القارئ، فإن علم الاجتماع الأدبي والتداولية السميولوجية الأدبية أبرزا الطابع النشط للفاعلين، المرسل والمتلقي، عندما كانت البنيوية تقلص اللغة على شكلها النظامي والثابت.
والكلام نتيجة عملية يدخل فيها بنشاط متكلم يرسل جملاً تتوجه إلى مستمع بغرض فهمها، قد لا يكون ضرورياً في حالة أخرى أن يعطي شكلاً خارجياً لتفكيره. والفاعل الذي توجه إليه الرسالة يمكن أن يكون حاضراً أو لا؛ بدايةً هو فاعل سلبي، يتلقى الرسالة، إلا أنه يطوع عبر أثر التغذية الرجوعية نشاط المرسل وتعبيره. وفي هذا الاتجاه، عند الأخذ في عين الاعتبار التغذية الرجوعية لا يمكن القول إن كل ما هو كلام حواري.
بيد أنه من الضروري، حسب مؤلفة هذا الكتاب، التفريق بين الحوارية والحوار. فالأول ظاهرة عامة في التوصيل، متحد الجوهر مع التوصيل بعلامات نظام قيمة اجتماعية، نظراً لوجود فاعلين (مرسل / متلقٍ)، يُضعان في علاقة تفاعلية، (تعبير-توصيل / تفسير-أثر تغذية رجوعية) كي يتم الاعتراف بالشفرة المستخدمة من قبل الفاعلين، ويمكن للمتلقي دائماً أن يرد، وإن لم يقم بذلك. والحوار صيغة خطاب محددة يتبادل فيها فاعلان أو أكثر نشاطهم في إرسال وتلقي الكلام والحوارية هو الشرط العام للغة كي يكون الحوار ممكناً في الكلام.
وتعددية التشفيه والتشفير والسياقية التي يقوم بها المخاطبون في الحوار تدخل عملية تفاعل مميزة باستعداد المتكلمين للإخبار، التقارب أو إقناع الآخر بجعله يغير نماذجه في الكلام. ويحدث العمل الدرامي في حوارات متتالية تعني تقدماً أو رجوعاً، وهو تغيير في كل الأحوال، للمواقع المبدئية للشخوص؛ وبصفة عامة فإن الحوارات الدرامية لا تضم فضاءات لهوية، ستكون بيضاء في بناء الحكاية، لأن هذا يعني تضييع فرص في خطاب لا يستخدم وسائل شفهية أخرى (مونولوج، علاقة روائية، إلخ…) لبناء الحكاية في زمن محدد. والفعل يتطور عبر حوار بين شخوص، له قيمة لغوية وشكل تعبير وقيمة تداولية بالنسبة للشخوص الذين يتكلمون، ويستخدم المستمع لبناء الحكاية.
عند دراسة الحوار الدرامي لم يعر اهتمام بصفة عامة للبعد التداولي لأن النظرية اللغوية تعمل على أساس النظام وليس على الكلام. والنظام، كتجريد، يستغني عن الظروف، في حين أن الكلام، خاصة عند اعتباره عملية سميولوجية، يقف دائماً في احداثيات محددة من الزمان والمكان. ومما لاشك فيه أن اللغة كنظام هي تجريد معرفي واصطلاحي، ولا مجال للشك أيضاً في أن النظام بعيد عن واقع الاستعمال المحدد، عن أفعال الكلام التفاعلية. وإذا قامت مدرسة لغوية بالاهتمام بالتداولية، فإن ذلك اقتصر على ظروف الإرسال وفي حالات قليلة اهتمت بظروف التلقي.
والحوار الذي يتحقق بين عدة مخاطبين، لجميعهم الحقوق في الفرص نفسها، يمكن أن يكون لهم مراقبون، وهو ما يحدث في المسرح. تتوجه صلاحية المراقب لتفسير الرسالة في الأشكال التي تتجلى فيها: ككلام مباشر، مجزأ، بالدور، إلخ…والمراقب، الموجود خارج الحوار، على هامش العملية التفاعلية، في عملية شاملة للتوصيل، متوقع في الحوار الدرامي، ولكن مع نموذج يهمه التأكيد بغية التمييز عن أنواع أخرى من الحوار، فعلى سبيل المثال التلفزيون، أو ما هو يومي: المخاطبون الدراميون يتصرفون كما لو لم يكن هناك أي مراقب. وحضور مراقب، وإن كان صامتاً، يؤثر في التصرف الشفهي للمخاطبين ويمكن أن يؤدي إلى انفتاح في خطابه، إذا ما كان البحث عن موافقة، رفض، تفهم، وليست هذه هي حالة الحوار الدرامي الذي عاد ليكتسب حضوراً مكثفاً في المسرح بعض سنوات من طغيان الإيقاع والصورة (8) .
واحدة من الحالات الجلية في وضع ظروف الفاعل الشامل في الخطاب الدرامي موجودة، ليس على وجه الدقة في الحوار، بل في مونولوج الشخوص: فالمونولوج بصوت عالٍ ليس له معنى إذا لم يكن هناك مراقب، إذ سيكون كافياً، مثلما يحدث في القصة حيث يوجد مونولوج داخلي. شخص يقوم بغمغمة الكلمات ولا يُفهم منه أنه يستخدم اللغة في بعد مادي، كمكون يعبر عن احتجاج، تسلية، عصيان، إلخ. والعلامة المشهدية لها دائماً، حتى في هذه الحالات، متلقيان، الداخلي الذي يتم الحوار معه والخارجي، الجمهور الذي يستمع ويقيم كل ما يحدث على الخشبة (9) .
وإلى جانب الملامح اللغوية، الشكلية والدلالية للحوار، وكذلك قيمها التداولية كعملية سميولوجية تفاعلية، يقدم الحوار بعض الملامح الخاصة باللغة بصفة عامة، تتحدد في طريقة معينة في الحوار الدرامي؛ أي قدرته على الفعل، مضافةً إلى قدرته على القول.
والحوارات عمليات لها في حد ذاتها طبيعة الأفعال الأخلاقية، أي هي أفعال حرة في كل واحدة من المداخلات، بمضامين متنوعة وأشكال متنوعة أيضاً. من يحاور لا يمكنه أن يقتصر على تكرار -كما لو كان قد كتبه مسبقاً- عدة صيغ أو براهين، نظراً لأنه يجب الأخذ في عين الاعتبار ما يقوله الأخر وهذا غير متوقع: كلماته فعل أو رد فعل تتجسد في علاقة مساواة، أو تنبثق عن مواقف سيطرة، خضوع، سلطة، مديح، تنازل، إلخ.، ويمكن أن تكون أخباراً، تهديداً، طلباً، إلخ… يمكن للمخاطب أن يتخذ موقفاً معيناً أمام أفعال كلام الذي أمامه والتعبير عنه عبر الكلمة الصمت، رافضاً أن يواصل الحوار، ويمكن أن يرد بفعل في اتجاه أو آخر، فلا يوجد شئ محدد مسبقاً. والحوار يستخدم بصفة عامة كفعل للكلام في تقدمه بأفعال أو ردود أفعال.
ومن المعروف أن المسرح ليس فقط النص المكتوب، ولا حتى العرض؛ بل هو عملية تبدأ بكتابة عمل مسرحي لا يختلف في البداية من أي عمل أدبي آخر، يستخدم اللغة الشفاهية كوسيلة تعبير. والنص الدرامي مكتوب بعلامات نظام لغوي، كالقصة القصيرة أو القصيدة، وفي هذه المرحلة لا توجد اختلافات، فالاختلافات تبدأ في الظهور عندما يكون للنص المكتوب نمطان من الخطابات، خطاب حواري وآخر نثري يليه (حوار وإرشادات مسرحية)، بالحجم والاتساع نفسه تقريباً. والنص الدرامي له جانبان، واحد أدبي، يخلق عالماً خيالياً فنياً (في الحوار أكثر منه في الإرشادات بصفة عامةً، رغم أن الإرشادات يمكن أن تكون فنية أيضاً)؛ وأخر مشهدي، مع كل القرائن الضرورية لتحقيق العمل في فضاء مسرحي. وبدايةً فإن كل واحد من الجانبين هما النص كله، فالكل يمكن أن يكون أدبياً والكل يمكن أن يكون مشهدياً ويتحول إلى خشبة المسرح. الحوار، وهو عادةً ما يعد أكثر أدباً، للخشبة ويتطور بشكل حي، "في مواقف"، أي في مجال مبدع سينوغرافياً وبالعلامات شبه اللغوية المناسبة، الإطارية والحركية … تحتفظ علامات الحوار الشفهية بشفاهيتها في التمثيل؛ والعلامات الشفهية للإرشادات المسرحية والممسرحيات موجودة في المشهد عبر إحالاتها، على شكل أشياء، أفعال، مسافات، حركات، مداخل ومخارج إلخ. وهذه الإحالات، بوضعها على المسرح، تشكل في مجملها العلامات غير الشفهية للمسرح. وفي هذا السياق من الضروري توضيح أن النص المكتوب هو كل العمل المعبر في علامات شفهية، والتمثيل هو الحوار الذي يحتفظ بشفاهيته بالإضافة إلى النص المشهدي الذي يتحول إلى علامات شفاهية. وبالنسبة لبعض منظري المسرح فإن ما هو مسرحي هو فقط النص المكتوب، وعلى العكس فما هو مسرحي بالنسبة لغالبية رجال المسرح هو فقط النص الممثل، مع استبعاد الحوار، أي العلامات غير الشفهية، التي يعدونها خاصة بالمسرح، أمام الكلمة التي هي أدبية، غير مسرحية.
والمسرح عملية توصيل درامية، في كافة مراحله ومظاهره، منذ أن يبدأ العمل المكتوب إلى تتويجه بالعرض، وعبر مراحل مختلفة يمكن أن يكتب فيها أو يُخرج على المسرح؛ وفي هذه المرحلة التي يبتعد فيها عن الأجناس الأدبية الأخرى، لأنه يتحول إلى مشهد ويستخدم علامات غير شفهية. في الرواية يمكن أن يكون هناك وصف لبيئات يمكن تحقيقها في سينوغرافيا، توجد حوارات يمكن أن تُخرج في موقف، لكنها لا تشكل نصاً مشهدياً كاملاً، ولا يمكن أن تمثل، إلا إذا دخلت حيز الاقتباس.
وفي مرحلته الأخيرة، أي في العرض، نجد أنه في الأساس، أي المسرح، ممارسة سميولوجية مكثفة للغاية، "آلة موجهة آلياً" حسب رولان بارت، تحول كل ما تضعه على خشبة المسرح إلى علامة. ويمكن التأكيد أن المسرح، كمشهد، نشاط سميوطيقي تماماً: كل ما هو على المسرح، ولوجوده هناك فقط، وكل ما يتحقق على المسرح، ولتحقيقه هناك، يمكن أن يفسر من قبل المشاهدين كعلامة ويمكن أن يُدرج في وحدة المعنى الشامل لقراءة.
وكل الأشياء التي على خشبة المسرح والعلاقات التي يمكن أن تقام بينها عبر علامات إطارية، أدلة أو طريقة أخرى؛ الأفعال والعلاقات الفضائية أو الزمنية التي يمكن أن يبدأها أي شخص؛ العلاقات بين الشخوص والأشياء الموجودة أو المشار إليها، كل شئ يمكن أن يكون موضع تفسير من قبل المشاهدين، لأن الخشبة تحول كل شئ إلى علامة؛ العلامات التي تُقَدَم على أنها هكذا، على سبيل المثال علامات النظام اللغوي، أو إشارات المرور، أو علامات أي نظام يُنقل إلى الخشبة، تحتفظ بقدرتها الرمزية، لكن أيضاً ما ليس علامة خارج خشبة المسرح، يتحول إلى علامة ظرفية في العرض تبعاً لمعنى المجموع.
وتجزم كارمن بوبيس أن جميع العمليات الرمزية (تعبير، معنى، اتصال، تفاعل، تفسير، وكذلك، وإن كانت بشكل منفرد، عملية الرؤية المسرحية)، تنتج على المسرح، وكذلك في عملية الاتصال الدرامية المعقدة؛ كل العمليات الرمزية يمكن أن تتحقق داخل العمل الممثل على المسرح، وكذلك يمكن أن يعطى بعضها (التوصيل والرؤية بشكل رئيس) في عملية التوصيل الدرامية المعقدة.
وتؤكد أن جميع العمليات الرمزية (تعبير، معنى، اتصال، تفاعل، تفسير، وكذلك، وإن كانت بشكل منفرد، عملية الرؤية المسرحية)، تنتج على المسرح، وكذلك في عملية الاتصال الدرامية المعقدة؛ كل العمليات الرمزية يمكن أن تتحقق داخل العمل الممثل على المسرح، وكذلك يمكن أن يعطى بعضها (التوصيل والرؤية بشكل رئيس) في عملية التوصيل الدرامية المعقدة التي تحتفظ هنا ببعض الفوارق الجلية أمام باقي العمليات الدلالية الأدبية.
ومعروف أن سوسير يؤكد أن العلامة هي التقاء دالٍ ومدلول، وعلى وجه التحديد العلامة اللغوية هي التقاء صورة سمعية ومفهوم. وهذا التعريف مناسب أساساً للعلامة في وظيفة تمثيلية وهو مصاغ انطلاقاً من اعتبار ثابت للعلامة تراه كمنتج كامل ومستقر، وأن الفاعل الذي يستخدمه موجود فعلاً ومشفر اجتماعياً. إنه تعريف أساسي في بدايات السميولوجية وبشكل خاص في العصور الأولى للسميولوجية الدرامية، بحيث كان يطلق علامة درامية على أي شيء موجود على المسرح يستخدم للتعبير الدقيق عن شئ غائب، مادي أو تصوري: كل ما كان على المسرح كان تمثيلاً لشيء كان غائباً، كان علامة: صالون مؤثث بشكل ما كان علامة لأسرة برجوازية، تاج كان علامة لملك، عقد منكسر كان علامة لكاتدرائية قوطية، طاووس كان علامة للقيصر …في قائمة كنائية أو مجازية بصفة عامة (المؤلف عن عمله، المحتوي عن المحتوى، الكل عن الجزء)، رمزية أو إستعارية (تفاعل بين شيء وآخر، أو بين تصورين)، حسب مؤلفة هذا الكتاب الذي بين يدينا.
وفي ما يتعلق بحركية العلامة وبالدور الذي يلعبه الفاعل، حددت بعض النظريات التعريف وسهلت فهماً أكثر ملاءمةً لتعقيد العلامة، مؤكدة ًأنها ليست فقط نتيجة التقاء صورة وشكل، ولا علاقة مقامة بين شيء مادي حاضر ومفهوم غائب، بل هي نتيجة عملية رمزية يحققها، تفاعلياً، الفاعل الذي يقترحه والفاعل الذي يفسره؛ وتتحول العلامة لتعد بشكل حركي وتُشرح بشكل أكثر مناسبةً طبيعتها ووظائفها ويتم التعرف على الدور النشط للفاعلين. وأبرز ما في هذه الصيغة الجديدة لفهم العلامة هو أن العلامة لا تُرى كشيء واقع، بل كشيء يحدث مع الاستخدام، على أساس التقاليد المقبولة من كل من المرسل والمتلقي والفعّاليات التي تقدمها العلامات المنظمة أو الأشياء التي تُستخدم مؤقتاً كعلامات في تمثيل مسرحي.
والعلامة وحدة تظاهر، نتيجة عملية رمز يقوم فيها فاعل بوضع أو تحديد علاقة بين صعيد التعبير وصعيد المحتوى. وهذا يؤدي يستخدم سواء لعلامة مشفرة مسبقاً، على سبيل المثال، أو لمكون علامة لغوية، أي، علامة ظرفية، وقتية، تُقترح على المسرح. وقيام شخص على خشبة المسرح باستخدام لفظ "خداع" أو يقوم بخداع، يستعمله كعلامة بَيْذاتية بين المؤلف والمشاهد: المشاهد سيشير في عقله إلى اتساع محدد وعدة ملامح محددة للمفهوم العام "خداع"، محولاً إياه إلى مفهومه "للخداع"، والشيء نفسه سيقوم به كل واحد من المشاهدين وأمام الصيغة الدقيقة (كلمة، فعل) التي يقترحها المؤلف: سيفعِّل صلاحيته الدلالية ليهيئ التعبير مع مفهومه الخاص عن "خداع". وأمام شيء، ليس علامة، بل شيئاً محايداً من الناحية السميولوجية، سينشط عملية كنائية أو استعارية ليدخلها في معنى؛ على سبيل المثال، "تاج" سيُرى كشيء وسيربط بينه وبين الملك، عبر المفهوم الذي لدى كل مشاهد عن الملكية أو عن ملك محدد.
في البداية يمكن أن تمر العلاقات بين دالٍ ومدلول العلامات الظرفية دون إدراكها، إلا أن النص يقدم دلائل تتكرر وكل شيء يتضح للمشاهد في النهاية، بمساعدة الحوار. ووجود شيء على خشبة المسرح يستدعي علامة، أو فعل يستدعي مفهوماً: فجلد شيء يحيل إلى آخر دون تغيرات ممكنة في معانيه: الماء المصبوغ بالأحمر يمثل النبيذ، أو عقد مسنم يحيل إلى كاتدرائية ، وطرحة تشير إلى تغيير في الزمن، وعصا تشير إلى سلطة، ونقطة مضيئة تحل محل شبح، دون إضافة إيضاحات أو مدلولات تضمينية، أي "غموض"، "خوف"، "احترام".
وهذه النقطة للعلامة الدرامية تتجاوز أي علامة كنائية سابقة بين العنصر الحالّ والمحل محله وتقوم على أساس اتفاق مقترح في مطلع العمل. وهذه الأشياء الموجودة تشير إلى الغائبة، لا ترمز، فقط تحل شيئاً بآخر. ليس للإحالات طابع رمزي، فقط تحل مشاكل فنية عن الغرض بأسلوب محدد ولها أهمية سينوغرافية أكثر من السميولوجية. لقد تمت محاولة تحديد طريقة استخدام للعلامات التي تعرّف المسرح، إذ تسمح بوضع تصنيف العلامات غير المسرحية، ولكن يبدو غير ممكن، فالخشبة لا تقص أي علامة، وتحول كل ما عليها إلى علامة.
هناك ملامح أخرى للعلامة الدرامية أشار إليها العديد من علماء السميولوجية، وهي: تضمين مكثف، يسببه أساساً واقع أن العلامة الدرامية غالباً ما تكون علامة وتضع تفاعلاً دلالياً بين العلامتين، الحاضرة على خشبة المسرح وما تم إحلالها، مما يقدم درجة عالية من الإيعاز والاستدعاء، إلى جانب نقاطها المكثفة، قابلية التحول هي الكيفية التي يمكن للعلامة الدرامية أن يكون لها عدة إحالات بشكل متتالٍ، دون تفسيرها بأخرى من جانب المشاهدين، وكذلك من جانب الشخوص في المشهد نفسه: البعض يقدرونه من منظور وآخرون يعطونه معنى آخر على أساس نظرة جديدة، يمكن استخدامها، في المسرح الكوميدي، كقاعدة لتوريات أو نوادر. وهذه الكيفية تمنح العلامة الدرامية مساحةً كبيرة للاندراج في العلامات الشاملة.؛ الإرادية التي تتجلى عبر الكلمة، مقترحةً اتفاقاً مبدئياً، عبر الإيماءة أو الحركة، أو عبر وسائل ضوئية أو سمعية.
أما الكثافة أو إمكانية أن يعبر عن عدة مدلولات بدالٍ واحد في تزامن، تمثل نقطة بارزة للعلامة الدرامية، تشكل وضعاً قريباً من إمكانية قيام علامات عدة شفرات أو مكونات متنوعة بالتلاقي دلالياً في علامة شاملة وبالتجلي في تزامن على خشبة المسرح. والحديث ليس هنا بصدد تعبير محدد أو شكل يتكرر في التوزيع النحوي، بل يُقدّم في تراكب زماني ومكاني، وكذلك في تراكب دلالي: الملابس السوداء تنم عن حداد، قرع الأجراس ينم عن الموتى.
هل هي علامات درامية على وجه التحديد؟ هل يمكن أن توجد علامات ليست منهجية ولا تشكل شفرات؟ هل يمكن أن توجد علامات لا تشكل جزءاً من مفردات كاتب لغة مع مقابلاتها التداولية المناسبة ومع قواعدها النحوية للترابط؟
بالطبع لا العلامات كوحدات ولا الشفرات كمجموع تقدم محدودة، موضوعياً، للباحث كي توعز له بتعريف وتحديد واضح، وهذا عام في البحث حول عالم الثقافة. إذا بدأنا من الفعل الاجتماعي والتاريخي للمسرح ومن الوعي بخصوصيته أمام سلاسل أدبية أخرى، كالقصة القصيرة أو القصيدة، إذا بدأنا من طريقة تحليل معينة، البنيوية، فمن الممكن ألا توجد مطابقة بين شيء المسرح والدواعي والمنهج التي تقتضيها البنيوية. لقد تمكن البحث البنيوي من تحديد العلامات ووضع نظام لغة، مع نظمها الفرعية الصوتية، التشكّلي، الدلالي، في درجات مختلفة من الاستقلال. إلا أنه لا مجال للشك من أن حقائق، في هذه الحالة اللغوية يمكن أن تتطابق مع هذا النظام الذي يمكن أن تقاومه وقائع أخرى، في هذه الحالة الأدبية وعلى وجه الدقة الدرامية.
لقد مكن الاستقرار النسبي للعلامة اللغوية من اكتشاف أو عرض تخطيطات علامة بين وحدات وتحديد قواعد تتولى أمر ترابط الوحدات الصوتية في مفردات اللغة، والخاص بالوحدات اللفظية في الجملة، والخاص بالوحدات الجملية في النص.
يستخدم المسرح النظام اللغوي في خطاب حواري وفي إرشادات مسرحية، بصفة عامة في نثر متوالٍ، وهو مشترك في أي خطاب أدبي من جنس آخر. ولكن النص المشهدي والتمثيل الدرامي يفيدان من علامات غير شفهية تتحول إلى سميولوجية وتخلق معنى في تلاقٍ مع العلامات الشفهية، وبالعكس فإن التعبير اللغوي يمكن أن يشكل جزءاً مقصوراً على بعده المادي من مكون في محتوى ظرفي.
تتشكل العلامة الدرامية، العلامة الأدبية بصفة عامة، كعلامة في عملية توصيل، من اتفاق مبدئي مسبق ومشفر يقوم المرسل بتعديله، أو من اتفاق مبدئي مقترح من قبل المرسل نفسه في حدث إبداعي مدعم لهذا الاتفاق في علامة كنائية- تحقق معنى بالتعاون مع المتلقي الذي يفسر الأشكال المقترحة من إحدى تلك الطرق من قبل المرسل، الذي أخذ في الاعتبار عند خلق النص المشاركة المستقبلية للقارئ أثر التغذية الرجوعية.
ومن المعروف أن عملية التوصيل مقصورة على النص في البنيوية كمنتَج لنشاط المرسل. وهذا التحديد، المقبول أو المقترح من قبل المنهج، سمح بضمان نسبي لهدف الدراسة، إن كان هذا على حساب التخلي عن دراسة النص الواقعي (الكلام)، إذ أحل بتجريدات منهجية اللغة. وفي تحليل العلامات الدرامية، وكذلك العلامات الأدبية والفنية بصفة عامة، فإن هذا التحديد يجعل من المستحيل الانتباه إلى بعض العمليات الرمزية، إلى بعض العلاقات وبعد الوحدات الرمزية.
ويمكن للعلامات الأدبية أن تتكون على ما هي عليه في الزمان والمكان في عملية اتصال أدبية، دون أن تكون مشفرة مسبقاً كعلامات أدبية، وأحياناً ولا حتى كعلامات. لا تعرف السميولوجية حدوداً في دراسة العلاقات، وهذه العلامات يمكن أن تكون مستقرة أو لا، شاذة أم لا، تقليدية أو ظرفية. وليست السميولوجية أيضاً بحاجة للاقتصار على دراسة المعنى، أو دراسة التوصيل، وبالعكس فإن مادتها هي كل العمليات الرمزية. ومهما يكن المسرح توصيلاً، حافزاً للمعنى أو التفسير، إذا خلق معنى، يستخدم علامات ويمكن أن يكون مادة دراسة للسميولوجية. ويمكن أن تفسر العلامة بطريقة مختلفة من قبل أشخاص عمل وتعرض حركية العلامات المسرحية التي تكتسب مدلولات متنوعة حسب علاقاتها المباشرة (10) .
كما يمكن الحديث عن سمطقة الأشياء، أي، المكونات؛ العمليات التي تخلقها كعناصر ذات دلالة تتحقق في عمل وهي صالحة في حدودها. ويتولد المعنى العام للعمل من صلاحية الأسباب، والوحدات الدرامية، والعلاقات التي توجد بينها. وتوجد داخل عمل أدبي علاقات تضاد بين مختلف الوحدات التي تحولها إلى شفرة رغم أنها قد تكون ذات عناصر قليلة وصالحة أيضاً في العمل.
وعملية الترميز التي تحقق العمل الأدبي بالعلامات التي تخلقها نفسها وتربطها في حدودها الذاتية، نجدها في النص الدرامي، الأدبي أم المشهدي. وبالطريقة نفسها فإن القصيدة كثيراً ما تخلق تناظرات دلالية من خلال تكرار ملمح صوتي ما أو دلالي من مفردات اللغة التي تستخدمها. وتخلق القصة أو المسرح تناظرات دلالية بعلامات نظم مختلفة أو بمكونات.
ومن الواضح أن العرض يسمح بقراءة الأشياء، الأفعال، العلاقات، مظهر وسلوك الشخوص في تناظرات دلالية تنشط العلامات المتعلقة بالنص، حسب الافتراضيات الكنائية، الاستعارية أو الرمزية للأشياء وللكلمات الحاضرة في تزامن في مشهد. والعلامة الشاملة التي تتلاقى فيها المعاني الخاصة أو المكتسبة للعلامات عبارة عن اقتراح للمؤلف، عبر مخرج المشهد والممثلين، وفي مشهد لهو للمشاهد، إذا سمح له اختصاصه تفسيرها وفهمها؛ ولا نعني هنا، كما هو واضح، فهماً ذهنياً فقط.
وأشياء، أفعال، علاقات خشبة المسرح ليست علامات خارج الاستخدام لأنها غير مربوطة بثبات بمحتوى، وهي ليست وحدات يمكن أن تترابط حسب قواعد موضوعة مسبقاً مع الأخذ بعين الاعتبار ترابط مزدوج، غير أنها أشكال تتسمطق في العملية الدرامية، وتصبح كما يريد المؤلف. وفي هذا الصدد يرى غوران سانسون أنه إذا كان علم العلامات يدرس مدلول الأشياء، أو بمعنى آخر يدرس كيف أن شيئاً يصير دالاً، تعبيراً، لشيء آخر، وعليه يصير مدلوله محتوى، عندئذ يقوم فضاء علم علامات الطقس، بعيداً عن علم الإنسان، بدراسة كيف أن فعلاً يتميز عن الأفعال الأخرى كلها فيصبح حاملاً لمدلول الطقس (11) .
والعلامات غير الشفهية يمكن أن تلتقي في معناها مع علامات شفهية، دون أن يعني هذا علاقات تبعية، بل تلاقٍ دلالي: العلامات غير الشفهية لا تحقق معناها، في الكثير من الحالات، إذا لم تأت مصحوبة بعلامات شفهية، ولكن يحدث العكس أيضاً، فتمتلئ العلامات الشفهية بمحتوى محدد بحضور العلامات غير الشفهية. ولا يمكن الربط دون درجة أخرى من العلامات، شبه الشفهية، حركية وإطارية. والعلاقة بين علامات شفهية وعلامات غير شفهية علاقة تبادلية. لا توجد أسباب لمقابلة الكلمة بعلامات أخرى أو مكونات، كما أنها لا توجد لمقابلة الإيماءات بالأشياء، أو بالإضاءة. فإيماءة غضب تتطابق مع شخص غاضب والكلمات التي ينطقها في هذه الحالة لها نفس بُعد تعبير الغضب، وذلك سواء على مستوى المحتوى واللهجة، الإيقاع، الجرس الذي تنطق بها وحتى في المسافة حيث يقع بالنسبة لممثلين آخرين على المسرح .
وتقوم الكلمة في التمثيل الدرامي بدور العلامة الملازمة لعلامات أخرى، وفي جانبها المادي كشئ يتسمطق عبر العلامات شبه الشفهية، الحركية والإطارية. وبعيداً عما قد يقال، فإن الغضب، على سبيل المثال، يمكن أن يعبر عنه عبر لهجة، إيقاع، جرس الكلام. إذا ما شُكك في استقلال العلامات غير الشفهية، فيجب التشكيك أيضاً في استقلال العلامات الشفهية، وبشكل خاص فيما يتعلق بشبه الشفهية، الحركية والإطارية.
لا يمكن لمعنى عرض أن يقتصر على ما تخلقه العلامات اللغوية المستخدمة، أو علامات أخرى مشفرة -الإيماءة في المسرح الهندي، ألوان المسرح الياباني، على سبيل المثال- فهي ثابتة، تقليدية وشاذة، بل يتم الحصول عليها مع كافة العلامات عبر عملية تلاقٍ في العلامة الشاملة للمعنى الإجمالي للعمل.
وقد طرحت مشكلة تشفير العلامات الدرامية من منظور التزامن: العلامات غير الشفهية والعلامات الشفهية يمكن أن تتجلى في الوقت نفسه وتستقبل من قبل المشاهد أيضاً في تزامن مادي ودلالي. وفي هذه الحالة يمكن للعلامة الشاملة أن تتصرف كعلامة لغوية وأن يحدد فيها وحدات دلالية غير مستقلة، دوالّ، كصورة أو مكون للعلامة الشاملة، أو كمجموعات مستقلة، أي علامات ذات دال ومدلول خاصين، تنظم ككلمات في جملة. وكل وحدة ضوء، حركة، مسافة، إيماءة، يمكن أن تعد وحدة مستقلة، ذات استخدام حر، أو كدالٍ أو وحدة غير مستقلة. إنهما نموذجا إدراج للوحدات الجزئية في العلامة الشاملة.
هناك نموذج آخر مقترح لشرح العلاقات بين العلامات الظرفية في المجموع الشامل لمشهد أو لعمل كامل، إنه نموذج التعاقب، على غرار ما يقدم في التعبير اللغوي: الجملة تدرج وحدات في تعاقب، في حين أن المشهد يدرجها في تزامن إذا كانت علامات نظام واحد. والتعبير اللغوي يتبع بالضرورة تتابعاً أفقياً. غير أن الخطاب الأدبي يحاول تخطي هذا الترتيب -على سبيل المثال، القصيدة عبر القافية- وفي التعبير المسرحي، على وجه الدقة، يتم التوصل إلى تزامن تجلٍ وإدراك علامات عدة نظم.
لقد حاول الأدب، وهو التعبير الفني عبر الكلمة، بوسائل كثيرة تخطي الأمامية التي يفرضها النظام اللغوي، وقد حققه جزئياً مستغلاً الوسائل التي يقدمها له كل جنس: القصيدة تقدر، عبر القافية والعروض بصفة عامة، أن تجمع المقطوعة معاني لوحدتين أو أكثر تلتقي في وضعها، في هدفها. وتسعى التناظرات الدلالية والاستعارات المستمرة، الاستعارات التبادلية، العناوين، إلى الحصول على توجه نحو التزامن في إدراك الألفاظ التي تمثل معاودات على الشكل الصوتية، الدلالي والعروضي.
وفي المسرح تم تحليل التفاعل الدلالي للعلامة الشاملة، في ما يتعلق بالعلامات الجزئية أو بالمكونات، وذلك من زوايا متعددة. ويؤكد بعض العاملين في هذا الحقل أنه إذا كان ما هو بصري وسمعي يحل أحدهما محل الآخر على خشبة المسرح، فإن أحد المكونات يتحول إلى مستوى اللاوعي: معنى الحوار يغطي في المشاهد إدراك إيماءات الممثل، الديكور، الإضاءة، إلخ.، أو يضع دور الممثل الإدراك السمعي في اللاوعي.
وإذا لم يسمح استعداد النص الدرامي المسرحي بالتزامن وينقل إلى اللاوعي إحدى قوائم -سمعية أو بصرية- العلامات، ويُستنتج أن تزامن الإرسال لا يتطابق مع تزامن الإدراك، وقراءة خشبة المسرح ستحدث في التعاقب، كما لو كانت تعبيراً أمامياً، وإن كانت في الحرية التي يريدها المشاهد لبدئها. إلا أن على المشاهد أن ينظم تعاقب الرموز التي تقدم له في التزامن؛ مما قد يؤدي إلى تفكك غريب بين شكل الإرسال (متزامن) والتلقي (متعاقب). ومن الممكن اعتبار الفعل الدرامي مركباً لعدة شفرات: الفعل يصهر ويوحد الشفرات المتنوعة التي تشارك في النص وتتجلى تزامنياً في مشهد، وتتصرف كما لو أن تياراً كهربياً اخترقها ماراً من بعضها إلى أخريات ليبرز ذلك الذي يتمتع بقوة أكبر في كل لحظة. ومعروف أن كل نص يشيد كفسيفساء من الآثار، وكل نص عبارة عن امتصاص وتحول عن نص آخر، وبدلاً من مفهوم "البيذاتية" يوضع التناص، واللغة تُقرأ مزدوجة. ويرى رولان بارت أن كل نص هو نص متناص، فهناك نصوص أخرى ترد فيه، على شكل طبقات متغيرة، تحت صيغ يسهل التعرف عليها بشكل أو بآخر، كما ترد فيه نصوص الثقافة السابقة، ونصوص الثقافة التي تحيط بها. وكل نص نسيج جديد من الآثار السابقة. وتُقدم فيه موزعة على مجموعات من الشفرات، والصيغ، والنموذج الإيقاعي، ورواسب اللغات الاجتماعية. فدائماً ما تقوم اللغة قبل النص وما يحيط به. ومهما يكن النص فإنه لا يستنبط من مشكلة المصادر أو التأثيرات. والنص المتناص مجال عام لصيغ مجهولة، يصعب الوصول إلى أصلها، وهي اقتباسات لا واعية أو آلية، تُقدم بلا علامات تنصيص (12) .


وينتظر من الدراسات السميولوجية أن تكون عملية في تقديم إجابات أمام المكونات التي تعمل في الحدث المسرحي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالمشاهدة، المجال الذي يحظى بالتفضيل في الوقت الراهن حيث يكون المشاهد في موضع التلقي شاهداً على هذا العالم المتخيل، وهو الذي يستقبل المجاز بصرياً، فهو للتمثيل. وصعوبة التفسير أحياناً التي قد تظهر في أن بعض المشاهد لا تقلل من جودة الرسالة ولهذا يمكن إدخاله مجال علم العلامات. وبعد أن أصبح الجمهور، المشاهد، موضع دراسة مفضل من علم العلامات أو جمالية الاستقبال . ويحمل بدوره شفرات أيديولوجية ونفسية لمجموعات متنوعة، بينما تشكل القاعة جسماً له رد فعل جماعي، أي المشاركة. وعلم العلامات في هذا الصدد يهتم بالطريقة التي يقوم فيها المشاهد ببناء المعنى على أساس سلاسل علامات التمثيل، التقارب والمسافات بين مختلف المدلولات.

د. خالد سالم


1- Tadeusz Kowzan, ¨ Le signe au théatre. Introdcuction á la semiologie de l´art du spectacles.
Diodgene, 61 1968 (59-90), en Teoría del teatro . Editorial Arco/Libros S.L., 1997. Pp. 121-153.

2- Patrice Pavis, Diccionario del Teatro. Dramaturgia, estética, semiología. (Nueva edición
revisada y ampliada). Paidós. 1998. p. 411.

3- A. J. Greimas. J. Courtés. Semiótica. Diccionario razonado de la teoría del lenguaje.
Biblioteca románica hispánica. Editorial Gredos. Madrid. 1982. p 361 y ss.
4- Patrice Pavis, Diccionario del Teatro. Dramaturgia, estética, semiología.
(Nueva edición revisada y ampliada). Paidós. 1998. p. 410
5- Pilar Aguilar, Manual del espectador inteligente. (Prólogo de Victoria Camps).
Fundamentos. (2ª edición). 2000. P. 11.
6- Goran Sonesson, "De la estructura a la retórica en la semiótica visual", Universidad de Lund, Suecia.
* نشر هذا المقال مترجماً في مجلة الفن المعاصر.، تحت عنوان "من البنية إلى البلاغة في العلامات المرئية" العدد الثاني، خريف 2000 (ترجمة د.خالد سالم).

7- Mª del Carmen Bobes Naves, La semiótica de la escena. Análisis comparativo de
los espacios dramáticos en el teatro europeo. Arcos/Libros, S. L. 2001. P. 22.
8- Jovita Bobes Naves, Aspectos semiológicos del teatro de Buero Vallejo. Kassel. Edition
Reichenberger 1997. P. 5 y ss.
غوران سونسون "موقع الطقس في علامات العرض المسرحي" (ترجمة د. خالد سالم)، مجلة الفن المعاصر، العدد الرابع، 2002، ص. 63.
9- Erika Cortés Bazaes, ¨Funcionalidad y aplicacion semiótica teatral"
Revista chilena de semiótica, nº.1, octubre 1996.
* نشر هذا المقال في مجلة الفن المعاصر، ترجمة د. خالد سالم، في العدد الثالث، شتاء 2001، تحت عنوان "توظيف العلامات المسرحية وتطبيقها".
10- - Patrice Pavis. Diccionario del Teatro. Dramaturgia, estética, semiología. Paidós. 1998. P. 180 y ss.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن ...
- المسرح والخيال
- عبد الوهاب البياتي محلقًا عبر أشعاره وحيواته في العالم الناط ...
- مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
- الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
- ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع ...
- نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
- شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل ...
- هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
- إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
- قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
- حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي ...
- مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل ...
- لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال ...
- كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
- كان ياما كان


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - سميولوجيا العمل الدرامي