الرطن المقدس

توماس برنابا

الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 21:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تظهر في رسائل بولس الرسول فى العهد الجديد قوائم للمواهب الروحية Charismata وهي تشير- طبقا للمسيحيين- الى مواهب غير عادية يهبها الروح القدس للمؤمنين لإعدادهم لخدمة الكنيسة. هناك قوائم كثيرة للمواهب الروحية موجودة مثلا في ( رومية 12 : 6-8 ) ، ( 1 كورنثوس 12 : 4-11 ) ، ( 1 كورنثوس 12 : 28 – 30 ) ، ( أفسس 4 : 7-12 ) وهذه القوائم غير مستوفاة وبعضها مكرر ولكن يمكن إجمالها في الأتي:

1 – رسولية
2- نبوة
3- تمييز أرواح
4- تعليم
5- كلام العلم
6- كلام الحكمة
7- أنواع السنة
8- ترجمة ألسنة
9- عمل معجزات
10- مواهب شفاء
11- تدابير
12- إعانة

وهنا أتناول الموهبة السابعة والثامنة الخاصة بالتكلم بألسنة أو الرطن بكلام غير مفهوم أي البرطمة ومدى قدسيتها!!

تعتبر البرطمة الغير مفهومة موهبة من مواهب الروح القدس في المسيحية وخاصة بين البروتستانت في كنائس الاصلاح والخمسينية والرسولية والكاريزماتية وهي أحدى علامات الامتلاء بالروح القدس.

وهناك فرق بين (Xenoglossia ) أي التكلم بلغات غريبة موجودة فعلاً كما حدث في سفر اعمال الرسل و ( Glossolalia) وهي البرطمة والموجودة في رسالة بولس الرسول الى أهل كورنثوس. وللتفرقة بين الاثنين يجب التنويه أن ما تحدث عنه المسيح في (و هذه الايات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي و يتكلمون بالسنة جديدة (مر 16 : 17) ) هي الزينوجلوسيا أي التحدث بلغات أجنبية دون دراستها بتأثير ماورائي بالروح القدس! أما ما يذكره الرسول بولس الرسول في كورنثوس فهي برطمة ورطن لا معنى له! وفي كتاب قضايا الروح القدس للدكتور القس مكرم نجيب صفحة 59- 60 يذكر أن E.H. Plumptre ميز بين نوعي الالسنة في سفر الاعمال وكورنثوس كالاتي:

1. في يوم الخمسين الجميع تكلموا بألسنة أي بلغات ( أعمال 2: 4 ) . أما في كورنثوس فكان الامر على عكس ذلك ( 1كورنثوس 12 : 30 )
2. في يوم الخمسين كانت الالسنة مفهومة عند السامعين ( أعمال 2 : 6 ) أما في كورنثوس فلم يفهم الالسنة أحد ( 1 كورنثوس 14 : 2-9)
3. في يوم الخمسين كلموا الناس ( أعمال 2 : 11 ، 17 ) أما في كورنثوس فكلموا الله ( 1 كورنثوس 14 : 2 )
4. في يوم الخمسين لم تكن الحاجة الى مترجم ( أعمال 2 : 6) . أما في كورنثوس فلم يكن مسموحاً بالتكلم بألسنة إلا إذا وجد من يترجم ( 1 كورنثوس 14 : 23 ، 28 ) .
5. في يوم الخمسين كان التكلم بألسنة علامة أو إثباتاً للمؤمنين ( أعمال 11 : 15 ) . أما في كورنثوس فكانت الالسنة أية لغير المؤمنين ( 1 كورنثوس 14 : 22 ).
6. في يوم الخمسين تسبب التكلم بألسنة في خلاص السامعين ( أعمال 2 : 41 ). أما في كورنثوس فكان التكلم بألسنة يبني المتكلم ( 1 كورنثوس 14 : 4 ).
7. في يوم الخمسين بُهت الغرباء الذين سمعوا وتعجبوا ( أعمال 2 : 7 ، 8 ) أما في كورنثوس فحذر بولس المؤمنين من سوء إستخدام الألسنة فقال أنه إذا تكلم الجميع بألسنة في الكنسيسة فالغرباء من عاميين أو غر مؤمنيين سيقولون أن المتكلميين يهذون ( 1 كورنثوس 14 : 23 ).
8. في يوم الخمسين كان إنسجام تام ( أعمال 2 : 1 ) أما في كورنثوس فكان إضطراب وفوضى ( 1 كورنثوس 14 : 33 ).

والالسنة كموهبة ضمن مواهب الروح القدس لم تأت إلا في هذه الرسالة وتغفل تماما في قائمة المواهب في الرسالة الى أهل أفسس و الرسالة الى أهل رومية. ولذلك فهي ترتبط بطبيعة تركيب المجتمع الكنسي في كورنثوس الذى أتى من خلفية وثنية، بما فيها من ديانات سرية تتميز بنوع من الانجذاب والنشوة الدينية Ecstasy ! فقد كان كاهن أبوللو يندمج في نطق نبوي غير مفهوم ليُعلن للناس مشيئة الاله أبوللو. وفي Oracle of Delphi كانت هناك كاهنة تدعى Sibyl كانت تتكلم بألسنة أي رطن غير مفهوم عند الصلاة وأعلان مشيئة الالهة!

ولقد واجه الرسول بولس هذه المشكلة ولذا فبحيلة ماهرة قام بأستدخال هذه الممارسة الوثنية الى صلب العقيدة المسيحية لأنه رأى مدى نجاحها وكم تقنع وتجذب الكثيرين للدين، فقام بروحنتها وجعلها علامة من علامات الامتلاء بالروح القدس وهي في حقيقة الامر رطن غير مفهوم!

يقول د / وليام ت سامريان أستاذ الانثروبولوجيا واللغويات بجامعة تورنتو بكندا أن ظاهرة الالسنة " تتكون من مجموعة من المقاطع بلا معنى مستمدة من أصوات مألوفة للمتحدث وضعت معاً بطريقة عشوائية- فتختلف ألسنة المصري عن الاوربي عن الصيني وهكذا لأنهم من لغات أم مختلفة!- وهي تشبه لغة لأن المتحدث يريدها لاشعورياً أن تبدو كلغة وبالرغم من التشابهات السطحية بين Glossolalia واللغة إلا إنها ليست لغة!!" وبذلك فأن هذه الممارسة هي نطق كلمات مكسرة غير مرتبطة- أي مقاطع مختلفة تُربط ببعضها لتكوين كلام غير مفهوم – تحت تأثير نشوة دينية وهذا لا تنفرد به الجماعات الخمسينية والرسولية والكاريزماتية فقط دون سواها ، فالتكلم الرطني تحت تأثير نشوة معروف في الاسلام الصوفي والهندوسية والمرمونية وحركة مناجاة الارواح وبين قبائل الاسكيمو والديانات الشرقية القديمة والذين في المصحات العقلية وممارسي السحر الاسود! ففي كل الاديان تقريبا عندما تصل الحرارة والنشوة الدينية الى حد التطرف تحدث ظواهر مشابهة لظاهرة التكلم بألسنة!!!

لذا فالتكلم بألسنة أو Glossolalia هي ظاهرة نفسية بحته لا علاقة لها بأي دين وربما تحدث مع الملحد نفسه! فالغريب إعتبار أن التكلم بألسنة من قبل المختلين عقلياً هذياناً ولكن في الاوساط الخمسينية يعتبر موهبة مقدسة!!! فهناك علماء نفس يفسرون الظاهرة على أنها Hypnotic trance أو حالة من التنويم المغناطيسي أو تقنية أيقاف التفكير Technique for stoppage of thinking ! ويمكن للجميع أن يختبروا هذه الحالة عن طريق تناول عقاقير الهلوسة مثل Psilocybe mushrooms !!!

ويمكننا التعميم هنا بأن هناك عدد من الناس من مختلف الديانات وعلى مر العصور لديهم قدرة على الاندماج الروحي والنشوة Ecstasy في الصلاة ويدخلون في حالة من اللاوعي ، فيه يتأثر جهاز الهيبوثلاموس – ذلك الجزء الذي أسفل المخيخ- كما يحدث في الحالات السييكوسوماتية ، فيقوم بترجمة هذه المشاعر الحماسية التي تنتاب الانسان في صورة حركات بدنية؛ فيجعل اللسان يتحرك بطريقة ما ناطقاً كلام غير مفهوم مكون من مقاطع مكسرة من لغة أو لغات يعرفها المتحدث ،و غير مرتبة ترتيباً يعطي معنى سيمانطيقي...!

ولكني أريد أن أخاطب المسيحيين في كلا النوعين من هذا التكلم الغريب؛ سواء أكان Xenoglossia أو Glossolalia ! أما عن Xenoglossia وهي التكلم بلغات حية معروفة بقدرة فائقة دون تعلمها ودون حتى الوعي بأن الانسان تحدث هذه اللغة كما حدث يوم الخمسين في سفر أعمال الرسل ... فأحب أن أقول لماذا يضطر الله لهذا ولديه إمكانية أن يجعل الجميع يفهمون الرسالة ولو بالتخاطب العقلي Telepathy!! ولماذا لا يرسل الله رسلاً من ذات الامة المستهدفة يعرفون اللغة ويعلمونهم الدين بدلاً من لحظات هذيان يظن أنها لغة!! وخارج الكتاب المقدس لم يحدث أبداً أن أحداً تحدث لغة أجنبية بطلاقة دون تعلمها سواء بطريقة مباشرة ام غير مباشرة!! بل يجب أن ينخرط الانسان في دورات تعليمية لتعلم أي لغة وسرعة التعلم تعتمد على الفروق الفردية بين الافراد!

أما عن Glossolalia أو البرطمة والرطن غير المفهوم ، فأحب أن أسأل لماذا تنتشر الالسنة في الاماكن التي تؤيد هذا الفكر بينما تخلو الالسنة من الكنائس التي لا تؤيدها؟!! وإن كان تحدث أحدهم بألسنة ( رطن ) هدفه أعلان مشيئة الهية، فلماذا ترسل الرسالة الالهية بهذه الطريقة العجيبة ونحتاج لمترجم؟! لماذا لم ترسل الرسالة بنفس لغة المستمعين؟!

يا أعزائي هكذا تابعي الاديان دائما فحينما يرون ظاهرة نفسية لا يستطيعون تفسيرها ، فأنهم ينزحون لإعتبار الامر معجزة دينية ويضعون لها تفسيرات خاصة.... ويندرج تحت هذه الظواهر بجانب التكلم بألسنة ، ما يسمى بألتباس أو سكنى الجان او الشياطين وأخراج هذه الارواح الشريرة Exorcism وحالات الشفاء اللادوائي و غيرها مما قمت بسرده بالتفصيل في مقالة ( كوانتم الشفاء) وهي أول مقالة في هذا الموقع الفرعي للحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=351283

#توماس_برنابا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات