أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد سعيد العضب - دوله الانماء الاقتصادي والديمقراطية















المزيد.....



دوله الانماء الاقتصادي والديمقراطية


محمد سعيد العضب

الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 00:00
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


نحاول في هذه المراجعه التحرى ليس فقط عن جوهر وطبيعه دولة التنمية والديمقراطية, بل نهدف الكشف عن شروط بناءها وتحديد البيئة العامة التى تساهم فى تطويرها وترسيخها.حاولنا في البحث كذلك تشخيص سلسلة خيارات واعتبارات تؤثر علي تشكيل نظام ديمقراطي بما يحتوية من بني وهياكل مؤسسية وانظمة لممارسة الحياة السياسية والحزبية, ومجتمع مدني نشط وفاعل. هذا وتم استخلاص مقولة مفاده ان انجاز وتحقيق اهداف وطموحات تنمية شاملة بالبلدان النامية يستلزم اعتماد اسلوب ونموذج تنموي يماثل التولبفه المتطوره بين الاشتراكيه الاجتماعيه واقتصاد السوق الاجتماعي الموجه مع مراعاه خصوصيات كل بلد نامي
سادت في عقد التسعينات افكار وتصورات اعتمدت محورين انطلق المحور الاول من ضرورة تحرير الاقتصاد والاسواق وتبني الانفتاح الاقتصادي ودعم القطاع الخاص ومؤسساتة من ناحية, رفض تدخل الدولة المباشر بالنشاطات الاقتصادية واختزال دورها على وظائف التوجيةوالادارة والرقابة والتنظيم من الناحية الاخرى .
تجلي المحور الثاني في تبني واعتماد نموذج الديمقراطيةالليبرالية الغربية, باعتبارة ليس فقط النموذج الافضل مقارنة بكافة اشكال انظمة الحكم السياسيةالمتاحة فحسب, بل يعتبر ضمانة مؤكدة لتحقيق النجاحات والانجازات التنموية المنشودة, كما انةوسيلة هامة لدحر انظمة الحكم الشمولية والاستبدادية.
انطلاقا من هذة الافكار شكلت توليفة اقتصاد السوق+ الديمقراطية الليبرالية عنصرا اساسيا,كما ساد اعتقاد واسع بامكانية تعميم هذة التوليفة علي كافة المجتمعات البشرية الغنية بالشمال او الفقيرة في الجنوب اوفي البلدان الناهضة في جنوب شرق اسيا او في بلدان التحول في اوربا الشرقيةوروسيا.
تعززت هذه المعتقدات من جراء الاخفاقات التنموية في معظم البلدان النامية في عقد الستينات والسبعينات (عقد التنمية الضائع ), مما صاعد دعوات ضرورة تبني نموذج تنموي بديل. دعمت هذة المواقف الفكرية بعد هزيمة الانظمة الشيوعية وتطويق الاقتصاديات الوطنية بنظام كوني(العولمة) شكل فية اقتصاد السوق نموذجا متميزا.
ففي ضوء الانتصارات الظاهرية للنموذج الغربي هذا, حصل تحول في فكرة علاقة الاقتصاد بالسياسة, حينما تم اختزال هذة العلاقة , او تم حصرها بعملية الاصلاح الاقتصادي او تصحيح مسارات النمو حسب اديولوجية واراء مقولبة او اراء غير مؤكدة او موثوقة علميا او عمليا, كالتي تلك التي اطلق عليهابرامج الاصلاح والتكيف الاقتصادي التي صاغها وروجها واعتمدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
تمخض عن تبني نموذج اقتصاد السوق+الليبرالية الغربية, وتطبيقات وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي , اخفاقات جلية في عقد التسعينات , برزت بوضوح في التبعات والنتائج الاجتماعيةوالاقتصادية الكارثية بالبلدان الاشتراكية السابقة, او من خلال الفشل الكاسح لبرامج التكيف المعتمدةبالبلدان الافريقية, او عبر الازمات والهزات والنكبات التي تعرضت لها بلدان اميركا الجنوبيةوجنوب شرق اسيا.
علاوة علي ذلك ترافق تطبيق وتنفيذ برامج اقتصاد السوق القسري, ليس فقط تأكل قدرات الدولة الوطنية, وتراجع سلطاتها الادارية فحسب, بل تصاعد الفساد الاداري والمالي ,وتدهور النظام العام في عديد من بلدان العالم الثالث, كلة شكل حجة دامغة عن عجز النظام الليبرالي في تحقيق الامال والطموحات , مما ادي الي تعاظم الشكوك حول مصداقيتة من ناحية, وخطل الرأي القائل أنة الضمانة المؤكدة للنجاح التنموي, بالاخص عندما تمكنت أنظمة شمولية او شبة شمولية في بلدان عدة, كالصين وكوريا الجنوبية, تحقيق انجازات اقتصادية رائدة, بل معجزات اقتصادية. فوق ذلك قاد الوعي والادراك بسلبيات العولمة وتبعاتها الخطرة علي عديد من البلدان ا الناميةالي تعاظم الشكوك والريبة بنموذج اقتصاد السوق والسياسة الديمقراطية الليبرالية الغربية. ان سرعةتنامي وتطاير التدفقات المالية العالمية جلبت معها ليس فقط صعوبة التنبوءبالمتغيرات الاقتصادية الكليةفحسب, بل ساهمت في تقليل قدرات الحكومات في السيطرة علي الازمات المحتملة او التحكم بها او علي الاقل ادارتها. تجلي ذلك بوضوح في ازمة المكسيك عام 1994 وبعدها الازمة الاقتصادية الاسيويةعام 1997.
, قادت ديناميكية السوق, وما رافق ذلك من تحرير كامل من التعليمات والتنظيمات الحكوميةالي تكثيف وتعميق فجوة الدخل بين البلدان المختلفة من ناحية, كما تزايد الشعور بفقدان الامان , وتعاظم الاصطفاف النخبوي ضمن الدولة الواحدة سواء في العالم المتقدم او النامي من الناحية الاخري.عموما ساهمت العولمة في تقويض قابلية الانظمة السياسية المختلفة علي الديمومة والنمو,بما فرضتة من تحديات شديدة علي سيادة الدولة الوطنية او علي استقلالية الحكومات سواء الديمقراطية منها او الشمولية.
تبعا لكافة النتائج السلبية هذة, بزغت ضرورات لاعادة النظر بنموذج اقتصاد السوق+ الديمقراطية الليبرالية,كما تصاعدت مجددا اصواتا تؤكد علي ضرورة العودة الي تعزيز دور الدولة الفاعل اتساقا وانسجاما مع اليات اقتصاد السوق . علية يستلزم البحث عن بديل جديد ينطلق من مفهوم محدد لكل من الديمقراطية والتنمية .
ففي حين تعني الديمقراطية, علي انها جملة اجراءت مؤسسية تهدف ليس فقط ضمان الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين, بل يجب ان يتم من خلالها توفير فرص مشاركة فاعلة لاعضاء المجتمع بكافة قواة السياسية او احزابة اوتجمعاتة المتباينة . تعني التنمية تغيير اقتصادي شامل تبدأ في بناءأقتصاد منتج قادر علي خلق وتوليد مستوي معاشي رفيع يستند علي العدالة والمساواة من خلال تدخل الدولة المكثف العقلاني.تتطلب عملية التنمية الناجحة تحقيق جملة غايات, كما عليها تلبية حاجات اجتماعية اساسية تتجاوزمسالة تحقيق نمو اقتصادي , او زيادة نصيب الفرد في الناتج المحلي الاجمالي او الدخل القومي من اهمها :
*تسكين وتخفيض حالة الفقر النسبي والمطلق السائدة حاليا في معظم مجتمعات عالمنا المعاصر
*توفير الامن والاستقرار لافراد المجتمع
*تصحيح اوضاع الامساواة بالعلاقات الاجتماعية, سواء الناجمة عن الوضع الطبقي او الديني او المناطقي الاقليمي
*حسم مشكلات البئية
لاجل تطوير منظورمتسق حول نموذج(دولة التنمية والديمقراطية) , يتطلب التركيز علي النقاط التالية:
*تقيم نقدي للمواقف المختلفة بشئان العلاقة بين التنمية الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية
*رسم خطوط عريضة لاجل فهم جوهر وجدوي دولة التنمية والديمقراطية
*تشخيص المجالات والخيارات المتاحة المحتملة لبناء دولة التنمية والديمقراطية.
(2)
توجد عدة مشاهد او سيناريوهات تناولت العلاقة الوثيقة بين الديمقراطية والتنمية:
اولا: نموذج دولة التنمية والديمقراطية حسب المنظور والفكر الليبرالي :
يعتقد انصار هذا النموذج بقدرتة علي دفع عملية التنمية ,كما يمكنة ان يشكل حافزا اساسيا لعملية التقدم الاجتماعي عبر بناء الاطر الموسسيةالضرورية وخلق البيئة المناسبة لتحقيق وانجاز تنمية اقتصادية تستند علي اليات السوق, علاوة علي توفيرة المستلزمات المطلوبة لتطوير حكومة مسوؤلة وكفوءة,كما يتميزباسلوبة الخاص في اختيار القادة عبر صناديق الاقتراع من خلال التنافس الحر المفتوح حول المناصب السياسية, اودعمة لنشاطات ومماراسات حرية الصحافة ووسائل الاعلام . شاعت وجهة النظر هذة ليس فقط بين صفوف العاملون بوكالات تقديم المساعدات الانمائية بالبلدان الصناعية., بل شملت حملة الفكر الليبرالي التقليدي والجديد وانصار عقيدة الاشتراكية الديمقراطية ودعاة التنميةالتعاونيةالديمقراطية. حيث اعتقدت هذة الفئات بان دمقرطة المجتمع , تشكل مجالا رحبا لتعبئة الجماهيروزجها في العمل من اجل انجازالطموحات والاهداف الاجتماعية والاقتصادية.رغم هذة الايجابيات توجد جملة اسباب تشكك بمقولات هذا النموذج او عدم جدارتة منها :
*ان تحقيق النموذج قد يولد اثارا ايجابية ويعززالعلاقة المتبادلة بين الديمقراطية والتنمية علي الامد البعيد ,الاان نتائجة ومزاياة علي الامد القصير والمتوسط غامضة او غير مؤكدة .
* تثار تساؤلات حقةحول امكاناتة في تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة وعادلة ومستديمة, حيث اختزلت بموجبة عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية الي انجاز نمو اقتصادي , يلبي بالدرجة الاولي طموحات ومطالب الشرائح العليا او النخب المسيطرة بالمجتمع. بكلمات اخري عجز هذا النموذج فعلا, وعبر تجارب بلدان عديدة , في الحد من الفقر او تسكينة او ضمان العدالة والمساواة الاجتماعية.
*اعتمدت المواقف المؤيدة لهذا النموذج اسس مثالية تمجد منافع نظام حكم افتراضي ,حينما تجاهلت تحليل كيفية تطبيقة بالبلدان النامية,التي تفتقر الي تقاليد المماراسات الديمقراطية العريقة, كالتي نشات وترعرت في البلدان الصناعية في غرب اوربا والولايات المتحدة الاميركية .
ثانيا نموذج دولة التنمية في ظل الحكم الاستبدادي
برز المشهد الثاني لعلاقة الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال مقولات مفادها ان الديمقراطيةهدفا ساميا وقيمة حقيقة بعيدة المنال, بل ربما تعتبر سلعة كمالية تعجز المجتمعات الفقيرة تحمل كلفتها او اعباءها.علاوة علي انها (الديمقراطية) تشكل عائقا حقيقا للتنمية الاقتصادية في مراحلها الاولي .حيث تحتاج هذة البلدان حسب انصار هذا الفكر- الي الانضباطية , في حين تقود الديمقراطية الي الفوضي وعدم الاستقرار,بالتالي يمكن ان تقوض التنمية, ويحرم المجتمع من التمتع بثمارها .
سادت وجهة النظر هذة بين صفوف النخب الحاكمة بمعظم بلدان العالم الثالث ,كما لقيت الترحيب من قبل بعض علماءالاجتماع بالغرب , الذين يؤكدون علي ان التنمية تشكل وسيلة ضرورية لمكافحة وحسم مشكلات الفقر في البلدان النامية. التحق بصفوف هولاء الدعاة , ايضا انصار احقاق الديمقراطية من القاعدة الي القمة, اي ضرورة تبني استراتجية مرحلية تسعي تعبئة وتطويرالقدرات الديمقراطية الكامنة علي المستوي المحلي اوالمناطقي في اطار تنظيمات حرفية ومهنية(نقابات –غرف التجارة والصناعة-الاتحادات المهنية والحرفية وتنظيمات النساء والشباب والطلاب ) .فحسب وجهة النظر هذة, يتطلب اولا تطوير مجتمع مدني وصولا الي حكومة مسوؤلة . استند هذا الفريق في دعم راية عبر اخفاق او عجز عجز ديمقراطية التمثيل (الديمقراطية البرلمانية الفوقية )عن تحقيق المطامح التنموية وتخفيف او تسكين الفقر او حماية الفقراء او تطوير حكومة وطنية فاعلة ومسوؤلة...
عززت الصعوبات والمعوقات الضخمة التي نجمت عن تجارب البلدان الاشتراكية السابقة في عملية انتقالها الي اقتصاد السوق ونمط الديمقراطية الغربيةتبريرات وحجج انصار هذا النمط . فهذة الصعوبات تولدت ليس فقط من طبيعة هذة المجتمعات ومشكلات التنمية فيها, بل من تزايد مطالب الجماهير المفرطة والمعوقات التنظيمية والاوضاع غير المستقرة للموسسات ,او الغموض والنزاعات والصراعات المتجذرة, مما ادي جميعةالي كبح النظام السياسي الجديد ,كما تعمقت الشليلية والفوضي والتذبذب ولااستقرار, التي بدورها ساهمت في تقليص قدرات الحكومات في تحمل اعباء التنمية وتحقيق الاهداف المنشودة منها . علاوة علي ذلك تم اسناد اراءهم باستشهادات من التجارب الناجحة للتنمية في ظل انظمة حكم شمولية واستبدادية في بلدان النمور الاربعة بجنوب شرق اسيا. حيث اعتبرت هذة الانجازات التنموية دليلا هاما للبديل الاستراتيجي الملائم والجذاب تنمويا. رغم كافة هذة التبريرات قد لايمكن قبول هذا النموذج كوصفة سياسية للنجاح الاقتصادي الاجتماعي ,وتعميمها علي كافة البلدان النامية بسبب ما تعانية انظمة الحكم الشمولي من مشكلات ضخمة ( الصرامة والقسوة ,الريعية و الفساد المالي والاداري و تمركز السلطات الاقتصاديةوتعمق اساليب القمع والاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان ) وما يتبعة من كلف مادية وبشرية .
ثالثا : نموذج دولة الديمقراطية الليبرالية
يتمحور المشهد الثالث للعلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية الاجتماعية في الرايءالذي يؤكد ليس فقط علي ان بناء وتوطيد ديمقراطية راسخة يتم عبرمسيرة تاريخية طويلة, بل يجب الاعتراف بحقيقة كون الديمقراطية مجرد وسيلة تستخدم لحسم مسالة الاستبداد لاغير, وهي ليس العلاج الشافي لكافة مشكلات المجتمع. يكتسب النظام الديمقراطي شرعيتة من خلال المناهج والاجراءات الديمقراطية الشكلية المعتمدة, وليس من انجازاتة واداءة في ميدان التنمية, عكس الانظمة الشمولية التي تضمن استمرايتها عبر اداءها التنموي , حيث ان معدل تضخم سنوي في بلد كالصين مثلا قد يهز النظام برمتة ,في حين حصول مثل هذة المعدلات في موشر التضخم في بلد ديمقراطي قد يقود فقط الي اسقاط الحكومة واستبدالها بحكومة بديلة.
مع ذلك يظل تطبيق مثل هذا النموذج محصورا علي بلدان تمكنت من احراز مستوي معين وراقي في مجال التنمية, وبذات الوقت تحتفظ بزخم تنموي قوي , وتتمتع مجتمعاتها بالتماسك ,,وبلغت مرحلة متقدمة من النضوج السياسي والوعي المجتمعي العام ,وقيام الافراد فيها في تقييم ايجابيات الديمقراطية غريزا , اعتمادا علي مزاياها السياسية, وليس علي انجازاتها الاقتصادية الاجتماعية. فمثل هذة الشروط قد لاتتوافر في معظم البلدان النامية خصوصا تلك التي ان تعاني من الفقر المدقع اوتسود فيهاحالة عدم العدالة ..
رابعا: نموذج دولة السيطرة او دولة التنمية الحكومية
يتجلي المحور الرابع للعلاقة بين الديمقراطية والتنمية في الرايء الذي يؤكد علي ان طبيعة وجوهر النظام السياسي لا يشكل مساءلة مركزية حاسمة, بل المهم والمطلوب وجود حكومة قوية وجيدة بقدرات وكفاءات مناسبة يمكنها التطور في ظل انماط حكم مختلفة .فمثلا يعتبر الانتقال الجاري في بعض البلدان الافريقية شبة الصحراوية الي انظمة حكم ديمقراطية تعددية –ان جاز التعبير- امرا ثانويا او عديم الاهمية, حيث يتطلب ان يتم تركيز جهودها اولا علي تحسن اداء الادارة الحكومية وتوسيع التزاماتها ومسوؤلياتها,اي يجب اعطاء الاولوية لبناء حكومة تنمية فاعلة بغض النظر عن كونها حكومة تسليطة او ديمقراطية . هذا وقد تنضج هذة الحكومات وربما تتحول الي الديمقراطية . هذا وتنطبق علي هذا النمط نفس التحفظات المثارة علي نموذج دولة التنمية في ظل الاستبداد المشار اليها في اعلاة , حيث لايمكن اطلاق تسمية دولة تنمية علي معظم الانظمة الاستبدادية سواء في افريقيا او غيرها بسبب اخفقاها جميعا ليس فقط في تاسيس وتوطيد قدرات حكم جيدة, بل عجزت عن انجاز التحسينات المطلوبة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية .
(3)
ان تحليل التناغم بين الديمقراطية والتنمية يجب ان يتجاوز معالجات الابعاد الانية للعلاقة بينهمااو اختصارة علي طبيعية التحول الي الديمقراطية ومدي انسجام نظام الحكم الديمقراطي مع برامج التكيف الهيكلي والاصلاح الاقتصادي ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
ان التحليلات بعيدة الامد يجب ان تتناول شروط وظروف تعزيز السياسة الديمقراطية في ظل ظروف اجتماعية اقتصادية استثائية, كما يتوجب مناقشة سلسلة عريضة من قضايا بعيدة الافق للعلاقة بين الديمقراطية والتنمية منها:
أ. رغم تباين الاراء حول اثر الديمقراطية علي الامد القصير والمتوسط , او بما يتعلق في قدرتها على تسريع النمو الاقتصادي الاجتماعي ,يوجد اجماعا عريضا حول ارتباط تطور مناهج واجراءت الديمقراطية مع التقدم الحاصل في مضمار التنمية الاقتصادية الاجتماعية بالامد البعيد. تعتمد عملية الدمقرطة في افقها البعيد بالبلدان الفقيرة ذات الانظمة الديمقراطية الوليدة علي قدرة النظام في ادارة وتوجيه عملية التحسينات الاقتصاديةوالاجتماعية. تتشابه هذة المهمات مع تلك التى اكد عليها القادة السوفيت في العشرينات حينما تم ربط حاجة او توفير مستلزمات الاشتراكية مع تشيد وبناء الاشتراكية ذاتها.
ب .تقوض حقوق المواطنة عند تعمق التناقض بين معايير العدالة في النظام الديمقراطي من ناحية وتزايد الامساواة بين افراد وجماعات المجتمع المدني من الناحية الاخرى. تقود اللامساوة الي تشويهة الديمقراطية باتجاهين :
الاول تغذية السخط الاجتماعي وحالة عدم الاستقرار السياسي والثاني استمرار الفقر بسبب التهميش الحاصل لقطاعات واسعة من السكان ا و عرقلة نفاذها للعملية لسياسية اوالتمتع بثمارها.تؤكد كافة هذة الحقائق ضرورة تبنى نمطا تنمويا اقتصاديا عادلا ورفض نموذج نمو قد يؤدي الي تعميق عدم المساواة حيث يتعارض ذلك مع حقوق المواطنة الحقة.
ج. تحمل الديمقراطية بطياتها قدرات كامنة محتملةتسمح بتحولات سياسية عميقة تتمكن عبرها شرائح عريضة من السكان تصعيد ضغوطها على الحكومة او تعميق مطالبها لتحقيق وتنفيذ وسد حاجاتها المتزايدة والمتنامية عكس
ما حصل في سياق عهد التنمية الموجهة ,حينما سعت النخب المسيطرة,ليس فقط تحديد جوهر التنمية ومساراتهافحسب ,بل استحوذت علي ثمارها وحرمت شرائح واسعة من السكان للتمتع فيها.علية يمكن ان تولد الديمقراطيةو تحرك ديناميكية المطالب التي يتوجب علي القادة الاستجابة لها وتنفيذها حتي عند تعارض هذة المطالب
مع المنطق السليم للنمو الاقتصادي .بالتالي تشكل مساءلة ادارة التوتربين السياسة والاقتصاد من القضايا الهامة
كما تعتبر تحديا شديدا على انظمة الحكم الديمقراطية .من هنا يوجد ترابط وثيق بين قدرة النظام في بناء دولة تنمية فاعلة, مع تامين جوانب العدالة الاجتماعية الناجمة عنها. يستلزم توطيد الديمقراطية, ليس فقط قيام الدولة في ضمان سلامة اراضيها والمحافظة على الامن العام وشروط ممارسة حقوق المواطنة الحقة فحسب, بل يتطلب منها ايضا تعبئة وتخصيص وتنسيق الموارد المادية والبشرية و ضمان التوزيع العادل والمناسب للدخل والثروة.
عموما يتطلب من دولة التنمية والديمقراطية ان تقوم في اداء الوظائف التالية: التنظيم-بناء الهياكل والبنى التحتية- والتحكم بعملية التوزيع.تتمحور وظيفة التنظيم ليس فقط في تعزيز دور الدولة في ادارة وتوجيهة الاقتصاد ,بل في تصميم واعداد الاطر الموسسية الضرورية والملائمة لانسياب اقتصاد سوق فعال وشامل. ترتبط الوظيفة الثانية بعملية خلق البنى التحتية المادية والاجتماعية, وتبنى سياسات اجتماعية تساهم في ترقية النمو وتوفير الضمان والعدالة الاجتماعية للسكان.تنصب الوظيفة الثالثة-التوزيع- على معالجة الفقر المطلق وتخفيف اوضاع عدم العدالة واالمساواة في المجتمع.
هذا وتوجد محاولات رائدة لتحليل عناصر دولة التنمية الاساسية الناجحة من التجارب المستخلصة في بلدان شرق اسيا , التياعتمدت التركيز علي استقلالية كل من مؤسسات الدولة من طرف , والنخب السياسية من الطرف الاخر ,علاوة علي التعاون بينها ( قيادات اجهزة الدولة والنخب السياسية ) الذي تمخض عنة صياغة وتنفيذ استراتجية التنمية بعيدة الامد , ومعالجة اشكال المشاركةالاجتماعية المتميزة .كل ذلك قاد الي تحولات جذرية في مؤسسات الدولة, التي اصبحت حليفا مع الجماعات المحركة والمحفزة للتغيرات الاقتصادية. مع ذلك ظل السؤال مطروحا, حول مدي انسجام هذة الانظمة مع الاطر الموسسية للديمقراطية ,حيث تميل النخب الحاكمة في الانظمة الشمولية-بدرجات مختلفة-الى فرض استقلاليتها الذاتية, كما تحاول تحديد شروط التحالفات مع الجماعات الاجتماعية الاخرى. ان انفتاح النظام السياسي واستجابتة للضغوط الاجتماعية , يحد او ربما يعقد استقلالية الحكومة .هذا وتتجذر سلطات الدولة عبر مبادىء الموافقة والقبول والمسوؤلية.ان الضرورات التنموية تستلزم استقلالية تستند الرضى والقبول المتبادل باتجاهين:
الاتجاة الاول يعتمد على قدرة النخب السياسيةالمؤسسية المسوؤلة عن صياغة وتنفيذ التحسينات الاجتماعية الاقتصادية الاستراتجية
الاتجاة الثاني مدي استقلالية الوكالات والهيئات الادارية المكلفة بتنفيذ هذة البرامج وفقا للتعليمات المرسومة وخضوعها لاشكال الرقابة السياسية والشفافية.
يقوداخفاق توطيد موسسات حكومية مسوؤلة وملتزمة بالمصالح الوطنية العامة الى تفاقم مشكلات الفساد الاداري والمالي- الاسراف والتبذير, كما يؤدى الى العجز والقصور في صياغة سياسات اقتصادية شاملة وعقلانية.
ترتبط قدرة الدولة على الاستقلالية بتواجد تماسك مؤسسي ملحوظ ضمن ترتيبات دستورية وتوزيع الصلاحيات والمسوؤليات السياسية لكافة مستويات الادارة بالجهاز الحكومي البيروقراطي في اطار علاقة واضحة مع طبيعة النظام الحزبي السائد في المجتمع السياسي.علاوة علي ذلك تتجذر العلاقة هذة عبر تغلغ النفوذ والسلطة بحيث تتمكن مؤسسات الدولة توسيع قدراتها التنظيمية والاجرائية على اسس القبول المتبادل –يحصل ذلك مثلا عند تطوير جهاز تنفيذي رفيع للتنظيمات الاقتصادية وتوسيع مصادر الايرادات الضربية.اخيرا ترتبط جدوى التنمية العادلة بضرورة وحاجةالنظام الديمقراطى لكافةفئات المجتمع وشرائحةوان يتميزبخاصية-التطويق الشامل- اي توسيع القاعدة الاجتماعية ومجالات المسوؤلية للقادة والزعماء, بحيث يشمل المجتمع برمتة عوضا من الاختصار على زمر محدودة من الطبقة النخبوية . تتشكل النتائج المنتظمة هذة عبر تفاعل مقومات هيكلية ومؤسسية مركزية يمكن ترتيبها باشكال مختلفة ضمن المجتمع الواحد, كما تبرز جليا بالنقاط التالية:
1.النظام الاجتماعي الاقتصادي:مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع طبيعة هيكلة الاجتماعى من حيث توزيعة الطبقى الجنسي القومي الديني والثقافي
2.المجتمع المدني: الهياكل الاسنادية بالمجتمع بالعلاقة مع طبيعة وابعاد النشاطات والفعاليات السياسية الاجتماعية الواسعة والمنظمة من قبل المواطنون افرادا او جماعات.
3.المجتمع السياسي: خصائص المؤسسات التي نشاءت باعتبارها قنوات مشاركة سياسية خصوصا هياكل وقواعدا لتنظيمات الحزبية.
4.مؤسسات الدولة: بنى وهياكل مؤسسات الدولة بالعلاقة مع توزيع السلطات والصلاحيات السياسية والاداريةعلى المستويات المختلفة اضافة الى القواعد الحاكمة لنفاذ المواطن وكيفية ممارسة السلطة من قبل الكادر الحكومي.
5.البيئة العالمية: طبيعة الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية التي تواجة المجتمع والحياة السياسية او تلك التي تصاعد من مشكلاتة او تعمل على تفجيرها.
تبعا لذلك يطرح التساؤل حول ابعاد واثار مجموعة العوامل هذة على اختيارالتصميم المناسب للمؤسسات السياسية في دولة التنمية والديمقراطية.هذا وتوجد مجالات مختلفة لتصميم الموسسات حسب الخيارات السياسية المتنافسةمما قد يولد تمايز واختلاف في الاشكال المتاحة .
(4)
ان انجاز او تحقق الديمقراطية تعتبرعملية موسيسة تراكمية تبني تدريجيا ,وعلي مراحل, انها ليست انفجارا سياسيا يحصل فجاة من خلال تغيير النظام.تتم صيرورة الديمقراطية على شكل شظايا وجزئيات تشكل الشظية الواحدة حافزا لاضافات جديدة .علية يتطلب التوكيد على مساءلة الابداع السياسي وابتكار التصاميم الراقية والمتطورة للمؤسسات لاجل مواجهةحاجات ومشكلات التنمية. تشكل عملية التراكم المؤسسي قوة دافعة ومحركة للشروط والمستلزمات الهيكيلة لتصعيد فاعلية الخيارات السياسية. عند حسم عملية اختيار البديل السياسي المطلوب يمكن بعدة البدء بمرحلة تصميم المؤسسات الديمقراطية. ان الديمقراطي المعاصريمكن توصيفة بالشخصية الميكافيلية,حيث يجب علية السعي في التوفيق الدائم بين ضرورات الديمقراطية والتنميةمن خلال ابداعات موسيسة مقصودة. تبزغ عناصر دولة التنمية والديمقراطية هذة وبالعلاقة بالمجتمع عبر صفقات وتسويات سياسية في اطار مفاوضات شاقة وطويلة .
هذا وتكتسب الديمقراطية شكلها الوطني المتميز خلال خصائص مؤسسيةمحددة او عبر ما تتخذة القوى السياسية الفاعلة من قرارات تتعلق ببدائل الخيارات السياسية . استنادا لهذا المضمون تعتبر الديمقراطية نموذج مثالي عام قد يتيح ترتيبات مؤسسية مختلفةوعديدة, اي بكلمات اخري انها –اي الديمقراطية – ليس مجردنموذج موسسي متميز او احادي الشكل . هذا وتوجد ثلاث حقول سياسية محتملة لتصميم الموسسات التي يمكنها المساهمة في بناء وتطوير دولة التنميةو الديمقراطية المسؤولة الفاعلة.تتمحور الحقول هذة في مؤسسات الدولة- المجتمع المدني-والمجتمع السياسي.كما تثار مسائل هامة مرتبطة بترتيبات الموسسات الموثرة علي هذة العناصر والمكونات .
أ .تصميم مؤسسات الدولة السياسية: ان تزايد عدد البلدان الديمقراطية وتنامي الادلة حول تنوع اشكال الديمقراطية
كلة قاد الى تزايد الاهتمامات الفكرية حول دور المؤسسات السياسية المحتمل في تشكيل العملية السياسية او
مدى قدرتها في التاثير على نتائجها.ففي ظل المجتمعات الديمقراطية المعاصرة الفاعلة توفر المؤسسات السياسية وسائل واليات وساطة وتوفيق للعوامل الهيكيلة, كذلك تعمل في التقريب بين الافراد والجماعات,بحيث يساعد كلة في تمكين المجتمع تنظيم مصالحة وتوطيد كينونيتة,. هذا وتتوفر سسلة واسعة من البدائل المؤسسية المرتبطة بتصاميم الترتيبات والاتفاقات السياسية والحكومية التي تؤثر بدورها على هيكل النظام الداخلي للحكم وعلاقاتة سواء بالمجتمع المدني او المجتمع السياسي من ناحية, وعلي مجمل قدرات الحكم وسلطاتة الفاعلة وعملية اتخاذ القرارات الشاملة والمسوؤلة من ناحية اخري . تشمل الترتيبات المؤسسية مجالات عامة في اطار عملية الترتيبات السياسية التقليدية منها مثلا انظمة الانتخابات- توزيع السلطات والصلاحيات (النظام الرئاسى او البرلمانى) المركزية او اللامركزية الخ .تناولت دراسات عديدة في السنوات الاخيرة ابعاد واثار الترتيبات الدستورية المختلفة على استقرار انظمةالحكم الديمقراطية الجديدة وتماسكها, كما تناولت تقيمات وتقديرات مقارنة للتبعات الاقتصادية الناجمة عن الخيارات السياسية لانظمة الحكم الديمقراطية, سواء في اوربا الشرقية او امريكا اللاتنية مع التوكيد على الدلالات الحاسمة لانظمة الانتخابات من ناحية والعلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعة في رسم مسارات السياسة ذاتها او تحديد نتائجها من الناحية الاخرى. هذا ويجري حوار عريض حول جدارة اشكال الحكم الرئاسي او البرلماني ترويج وتشجيع بناء سلطات حكم متماسكة.
يؤكد انصار البرلمانية مثلا على اهمية الربط الوثيق بين السلطة التنفيذية والتشريعية حيث يوفر الربط هذا مصفوفة من المؤسسات تساعد بدورها ممارسة سياسة متماسكة شاملة ومستقرة . على الجانب الاخر يعتقد دعاة النظام الرئاسي ما تخلقة التنظيمات البرلمانية من تشظظ وانقسام ,كلة يعاظم ازمات الحكم في حين يظل التفويض الرئاسي يوفر المتطلبات الضرورية لتنفيذ برامج سياسية شاملة بعيدة الامد عبر تواجد قيادة مركزية قوية راسخة. شمل الخلاف حول النظامين( الرئاسي او البرلماني) الدوائر السياسية والاكاديمية وعجز ظل الفريقين في توفير مواقف واراء مقنعة واضحة وصلدة. ففي حين يثير انصار النظام الرئاسى قضية اخفاق النظام البرلماني في خلق اجماعا مجتمعيا شاملا وعجزة في تحديد خطوط واضحة للصلاحيات والمسوؤليات ,يعتقد الفريق الثاني ان ديمقراطية التفويض –النظام الرئاسي- يعيق عملية ترسيخ الديمقراطية, كما يمكنة ان يعرقل بناء الموسسات الاساسية واجهزة التمثيل الشعبي الحقيقة, التي تعتبر من القضايا المركزية لتطور ونمو نظام حكم ديمقراطي علاوةعلي تمكن الحاكم القوي النافذ تركيز السلطات بيدة عبر ادعاءة امكانية توفير نظام حكم قوي ومتماسك.تعتمد البرلمانية شكلامن التمثيل الديمقراطي يهدف معالجة المسوؤليات متعددة الجوانب –عموديا وافقيا- القائمة بين قطاعات موسسية مختلفة ومستقلة من ناحية, كما تهتم بالفصل التقليدي بين السلطات الثلاث –التنفيذية والتشريعة والقضائية-من الناحية الاخرى. مع ذلك يسود اعتقاد بضرورة ديمقراطية التفويض لكونها تتيح فرص تجاوز القيود الموسسية كما تؤدي اتخاذ مبادرات سياسية جرئية قصيرة الامد قد تكون غير حكميةا صائبة وربما متذبذبة في احيان كثيرة . تتميز ديمقراطية التمثيل بالبطئ ,وتعتمد التدرج والمراحل بما تحتوية من اثراء مستمر, علاوة على تمتعها الفاعلية وتحاشي الاخطاء وامتصاص المعارضة على الامد البعيد.هذا وتخضع السياسة في اطار هذا النمط للرقابة المؤسسية الوطيدة عكس الصيغة الشخصية التي تميز النموذج الرئاسى. توجد امثلة لنجاح واخفاق كل من النموذجين مع ذلك يمكن القول ان البرلمانية توفر اطر مؤسسية تساعد على التماسك والاندماج الديمقراطي ,كما تجسد ميل الحكومة لكسب الاكثرية في مساعيها تنفيذ برامجها وتوجهاتهاوتوطيد كادر حزبي حكومي مؤهل على الامد البعيد يساعد بدورة تعميق الخبرات وتصعيد روح الانتماء والاخلاص في صفوف المجتمع السياسي-اي الاحزاب السياسية. علية تثار مسالة كيفية ربط مناقشة البدائل الموسسيةمع امكانات بناء دولة التنمية والديمقراطية جملة من التساؤلات منها :
*هل يساعد نظام التصويت بمراحل مثلاعلى زيادة او تحسين فرص تكوين احزاب سياسية جديدة قادرة على طرح برامج بديلة وتاسيس حكومة جديرةبالثقة؟
*هل يساهم نظام التمثيل النسبي باعتبارة البديل في تشكيل برامج سياسي شامل عبر خلق وتوفير مجالات واسعة للاجماع المجتمي المطلوب؟
*ما هو النوذج الرئاسى او البرلمانى الافضل القادر على اقامة نظام حكم ديمقراطي يعمل على السيطرة والتحكم بالقضايا الانمائية الاساسية خصوصا قضايا تخفيف او تسكين الفقر والحد من تخريب البيئة.
*هل يسمح النظام الفيدرالي تاسيس حكومة مسؤولة جديرةبالثقة من خلال تكييف الموسسات السياسية حسب متطلبات الاقتصاد والمجتمع ,وتحاشي التكاليف والاعباء الاضافية الناجمة عن المركزية الصارمة او البيروقراطية الحكومية المكثفة . ان الاجابة علي هذة التساؤلات يشوبها غموض بسبب الاختلافات الشديدة في انظمة الانتخابات المعتمدة –مبدء الاكثرية المطلقة او التمثيل النسبي من ناحية, والتمايز بين النظام الرئاسى او البرلمانى الذي بدورة يحدد العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية من ناحية اخرى. فمثل هذا التمايز مفيدا من الناحية التحليلة او التنظرية لوجود انماطا مثالية عديدة, مع ذلك لاتزال هناك صعوبة شديدة في تجسيد التعقيدات الموسسية للنظام السياسي الواقعي الذي بحد ذاتة يتضمن توليفة متغيرة لكل من النظامين- الرئاسى او البرلمانى-
.هذا ولابد التوكيدعلي ان تمايز تشكيلات العوامل هذةقد تختلف من مجتمع لاخر. فمثلا يمكن اعتماد نظام –الاكثرية الانتخابية- في المجتمعات المتجانسة نسبيا ,في حين تحتاج المجتمعات متعددة القوميات او الاديان الى نظام تمثيل اتحادي.علاوة على ذلك تبرز حالات غامضة بخصوص الاختلاف في دينامكية السلطة الفعلية ضمن اطار مشابه
للموسسات الرسمية.فمثلا يحتوي النظام الرئاسى القوي عناصر بارزة لاسلوب ديمقراطية التمثيل-البرلمانى-عند انتماء الرئيس لحزب سياسى قوي, او عند سعية خلق اجماع للقوى السياسية المتناقضةا والتوفيق بين المصالح الاجتماعية المتعارضة. تجلت المساءلة بوضوح في كوريا الجنوبية, حينما تحول رئيس الدولة الي زعيم وقائدا رائدا, حاول دائما ممارسة وظيفة الوساطة وبناء التحالفات لمصالح متنافسة, كلة لاجل اسناد سياسة اقتصادية بعيدة الامد.هذا ويزدادغموض العلاقة بين الخيا ر السياسي.والحصيلة السياسية ليس من جراء دوافع فردية ذاتية فحسب ,بل قد تنشاء مشكلات جديدة من حلول موسسية مختارة لحسم مشكلات معينة. ان المؤسسات قد تعجز انجازاو تحقيق نتائج تنموية متميزة خصوصا عند افراغ الترابطات بين الموسسات من محتواها السياسي المحدد . يبرز التناقض من خلال ثلاث خصائص متعارضة ظاهريا وهى:
-الاجماع والاختلاف
-التمثيل والتسلط
-القبول والنفوذ
علية يستند النظام الديمقراطي الفاعل على قدراتة في خلق التوازن بين المبادىء المتعارضة هذة ,عبر تراكم موسسى متجذر ناجم من حوار وتسويات سياسية تدار من قبل قيادة سياسية ماهرة وكفوءة.
ب‌- خصائص المجتمع السياسي
تؤثر طبيعة نظام الاحزاب السياسية على نتائج العملية السياسية ومحصلتها الاستراتجية, هذا ما كشفتة
ودللت علية كثيرا من الدراسات الى تناولت المجتمعات الغربية. علية تعتبر الاحزاب السياسية عنصرا محددا
بل حاسما لعقد كافة الصفقات اوالخصائص المؤشرة باعتبارها محددات اساسية للديمقراطية الانمائية ومنها:
-القدرة على توفير بيئة مستقرة لممارسة السلطة والحكم والتنظيم
-اشراك قطاعات واسعة من السكان وتمرير وجهات نظر الشعب الناخب
-تنفيذ برامج الرفاة الاجتماعى واعادة توزيع الدخل والثروة
-تبني منظور استراتجي بعيد الامد لحسم االمشكلات التنموية المعقدة
-تنظيم المسؤوليات والصلاحيات عبر تطوير عملية المنافسة السياسية سواء ضمن الحزب الواحد او بين الاحزاب المختلفة.
علية تحتاج الديمقراطية التنموية, بل يجب ان تعتمد بشكل عميق على احزاب بشكل يتجاوز الاوضاع التي تلتزمهاحالة الديمقراطية المجردة(غير المهتمة بقضايا التنميةالاقتصادية الاجتماعية الشاملة ) . تتطابق وظيفة الوساطة السياسية للا حزاب في هذا المضمون مع مهماتها باعتبارها قوى مشاركة فاعلة لتوطيد واستقرار الحكم
وتعميق فاعليتة.تستدل الحقيقة هذة جزئيا من التقديرات الايجابية لصفقات الوساطة السياسية للاحزاب التي تختلف جذريا عن الوساطة التي تقوم بها الوكلات الاخرى كالشخصيات او المجموعات او شلل مختارة.فالاحزاب السياسية في امريكا الجنوبية مثلا هيمنت عليها مبادىء انظمة الحكم الرئاسى اوشاعت فيها
الزبائنية, بالتالى عجزت من التاثير الفاعل على عملية صنع القرارات, كل ذلك قاد الى هشاشة حصيلة البرامج السياسية, وقصر منظورها او ديموميتها.علية اخفقت معظم مثل هذة الاحزاب في اداء دورا رائدا في تسير او تفعيل الحكم الديمقراطى بمنظور توطيد التلاحم بين الدولة والمجتمع, علاوة علي عجزها او قصورها
عن المساهمةالجادة في اتخاذ القرارات المتعلقةبتشكيل الحكومات او تمثيل المصالح الاجتماعية العامة.تعتمد فاعلية الاحزاب السياسية وقدراتها المحتملة, كما ترتبط بسلسلة عريضة من الصفات والخصائص المتميزة,حيث تشكل طبيعة الحزب-اي قدرتة على تعبئة وتنظيم التحالفات العريضة للمصالح الاجتماعية- عاملا اساسيا وهاما. تساهم الاحزاب( القائمة اساسا علي المصالح الشخصية والزبائنية و التي تفتقر الي قاعدة اجتماعية عريضة, اوبرنامج واضح), في تصعيد النزاعات في المجتمع بدلا من تخفبيفها او تسكنيها. علية يتحتم هنا بشكل عام الاهتمام بقضايا عديدة, منها التنوع او تباين هياكل وبني الاحزاب وانظمتها,درجةاستقرارها وتماسكها وسعة قاعدتها الاجتماعية.
كما معروف, تعتمد الفكرة التقليدية للديمقراطية الليبرالية على نظام تعددية الاحزاب.اختزلت هذة الفكرةبالمنظور الانكلو امريكي ,حيث تم التركيز على وجود حزبين فقط حينما اعتقد بان هذا النموذج قد يحقق امكانية الربط بين مزايا المنافسة السياسية واستقرار الحكم ,الذي يصعب ضمانة في ظل نظام تعددية الاحزاب بسبب التغيرات المستمرة للتحالفات, وعرقلتة تبنى وتنفيذ سياسات بعيدة الامد.علاوة على ذلك تمتلك بعض الانظمة الديمقراطية الناجحة انظمة نظام الحزب الواحد كاليابان , كما توجد بلدان يثار جدل واسع حول حول صيغة الديمقراطية المعتمدة فيها منها الهند - الاقل نجاحا في مضمار التنمية-او سنغافورة الاقل حضوة في مجال الديمقراطية -عموما يظل نظام الحزب الواحد المسيطر في البلدان الفقيرة التي تواجة تحديات تنموية هائلة, يشكل دعامة اساسية للحكم الديمقراطي التنموي الفاعل ,عند تمكن النظام ونجاحةفي التوفيق-لحد ما- بين شؤون التنمية واحقاق الديمقراطية. مع ذلك يجب ان يخضع الحزب الحاكم لاختبارات ديمقراطية مستمرة عبر صناديق الاختراع, كما علية الاذعان لضغوط المجتمع المدني الناشط. بذات الوقت يتطلب منة, ليس فقط المحافظة على تماسك المجتمع والسلطة فحسب ,بل ان يعمل علي تطوير قدرات اتخاذ القرارات في البلاد بكافة مستويات.الحكم والدولة . سعت النخب, في كوريا الجنوبية ,مثلا في تنظيم او توجيهة مسارات النمو الاقتصادي الى اعتماد الحزب الواحد لعهد ما بعد الشمولية وقامت في تاسيس حزب جديد -حسب النموذج الياباني- حيث تحقق ذلك من خلال دمج الحزب الحاكم السابق مع احزاب وفصائل المعارضة, كلة من اجل الاحتفاظ بزخم التنمية. هذا , علي عكس هذة التجربة اخفقت معظم بلدان اميركا الجنوبية والبلدان الافريفية في اعتماد نظام الحزب الواحد بسبب غياب الشروط السياسية المناسبة لذلك ..
مع ذلك تشير الممارسات الحالية الى تمكنت عبرها بعض البلدان او الاقاليم في بلدان معينة تطوير اشكال معينة لانظمة حزبية او امتلاكها احزاب سياسية مستقرة تعتمد قواعد جماهيرية عريضة وبرامج عمل قد تساعدها علي تحقيق نمط من دولة ديمقراطية وتنمية . فرغم ملائمة الشروط السياسية او توافر المستلزمات الضرورية لاقامة وتطوير نمط دولة التنمية والديمقراطية ,تظهر احيانا تناقضات سياسية جوهرية ضمن النظام الحزبي السائد.فالبلدان لتي حاولت توطيد نظام الحزب الحاكم الواحد- كوريا الجنوبية -- ظلت تعاني من تصاعد نفوذ نخبة تمثل كبار موظفي الدولة وفئة من رجال الاعمال ترافق مع الحد او تقليص قوة الطبقة العاملة التنظيمية. ففى بلدان مثل امريكا الجنوبية او افريقيا برزت تناقضات اساسية اهما التصادم بين رغبة النخب المسيطرة في المحافظة علي مواقعها المكتسبة , وحاجة القوي الجديدة الفاعلة في تمرير مطالبها الي الحكومة ومناشدتها تنفيذها . علية تعتبر الاحزاب السياسية اداة هامة في توطيد الديمقراطية من خلال نضالها القاسي في خلق و المحافظة على ميزان القوى والطبقات المسيطرة والشرائح التابعة لها,بل يتطلب منها ان تمثل مصالح الفئات والشرائح المختلفة في المجتمع .
ج- خصائص ودور المجتمع المدني
تتاثر طبيعة المؤسسات السياسية الديمقراطية بخصائص وسلوكية تنظيمات المجتمع المدني.تناولت دراسات عديدة في السنوات الاخيرة هذة القضية –ا العلاقة بين الديمقراطية والمجتمع المدني-. يوفر التحديد الدقيق لمفهوم المجتمع المدني امكانات الربط وافاق تاثيراتة على الديمقراطية.
استنادا لاساليب التحليل التجربيى, يشكل المجتمع المدني حقلا وسيطا او مجال اسناد, كما يحتل موقعا محددا بين الدولة وافراد المجتمع الاعضاء في اتحادات او نقابات او جمعيات مستقلة, تاسست اختياريا بعيدا عن تدخل الدولة, وتهدف اساسا تحقيق, وتعزيزوحماية قيم ومصالح اعضاءها . ,هذا و يظل تعريف و دور المجتمع المدني يعترية الغوض بالارتباط مع عالم السياسية , كما يثار جدلا عريضا حول جوهرة الحقيقي وماهيتة .مع كلة يعتبر المجتمع المدني شكلا او عنصرا متغيرا للترابطات التنظيمة, قد يعمل علي تعزيز او ربما تدميردولة الديمقراطية والتنمية انطلاقا من عنصرين اساسين من العلاقات اولهما الهيكل الاجتماعى الاقتصادى وثانيهما المجتمع السياسي والدولة .
بقدر تعلق الامر بالعلاقة ما بين المجتمع المدني والهيكل الاجتماعى الاقتصادي يتطلب تاشير الاتي:
أ-ان تمزق او تفكك البنى الاجتماعية الاقتصادية الناجم عن وجود جماعات معارضة غير مؤمنة او مهتمة بالديمقراطية يقود الي تحول المجتمع المدني برمتة الي عائق او مخرب للديمقراطية بكافة اشكالها سواء ديمقراطية تسعي انجاز التنمية او غيرها من الانماط .
ب . بعتبر المجتمع المدني تنظيما مساندا للتجمعات الاساسية في المجتمع مع ذلك يظل جوهر الانسجام مختلفا حسب طبيعية هذة الجماعات المتواجدة . ففي حين تتمكن مثلا نخبة صغيرة تنظيم صفوها و تحقيق نفوذ واسع وممارسة تاثيرات قوية عبر تركيز قدراتها ومواردها المالية والتنظيمة, يتجاوز نفوذ وتاثيرات جماعات سكانية كبيرة, كالفقراء او النساء او الفلاحون, لافتقارها الموارد الضرورية, او بسبب ممارسة التميز والعزل المادي والمعنوي ضدها.تبعا لذلك تتكثف اللامساواة السياسية في المجتمع التي يصبح من الصعب تصحيها دون اعادة نظر جذرية في توزيع الدخل والموارد والثروة في اطار عملية تنموية وديمقراطيةشاملة , تستند علي استراتجية واضحة في تعبئة وحشد الجماعات المهمشةسياسيا وتصعيد مساهماتها وكسب اسنادها الضروري.عموما يودي الاختلاف وعدم التوازن بين النفوذ السياسي واعادة توزيع الموارد الاقتصادية, الي تاجيج الصراعات السياسية وتعميق حالة الااستقرار .
بقدر تعلق الامر بالقضية الثانية-المجتمع السياسي والدولة -فلابد السعى الى ايجاد حلقات ا لربط الحقيقي بين المجتمع المدني والاحزاب السياسية-المجتمع السياسي- ومؤسسات الدولة ,واعتبار ذلك هدفا او غرضا منشودا لتطوير صيغ التعبير عن الراي. يشكل مجال المشاورات حقلا ا وعنصرا هاما في دولة الديمقراطية والتنمية , حينما يعتمد علي شبكة واسعة لعملية تحضيراتخاذ القرارات السياسية علي المستويات المختلفة في الدولة ويمكن اشراك كبار الموظفون وممثلون عن جماعات المجتمع المدنى والسياسي في مثل هذة الحلقات التشاورية...مما يجعل من المشاورات اداة هامة لتجسيد النفوذ السياسي و المساهمة في التاثير علي القرارات الصعبة في الدولة الهادفة الي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ,ومنع او اعاقة النخب في احتكار العملية السياسية .
ملاحظات ختامية
ان دولةالتنمية والديمقراطية ,كما تم التاشير الي بعض خصائصها ومستلزمات بناءها وتطويرها في الصفحات السبقة تظل تشكل حالة نظرية مستهدفة كما تظل تحوم شكوك حول مدي تنفيذها لاعتبارات عديدة اهمها :

اولا: يؤكد التاريخ الاقتصادي على ان النجاحات الباهرة للتطور الانمائي حصلت حصرا ليس فقط في بلدان يصعب وصفها ديمقراطية- اليابان المانيا او روسيا-, بل شملت البلد الرائد للديمقراطية بريطانيا العظمي. حيث تمكنت ان تحقق اختراقها التنموي قبل عهد الديمقراطية . ومؤخرا تمكنت بلدان جنوب شرق اسيا في ظل انظمة حكم شمولية ان تحقق نجاحات وانجازات اقتصادية باهرة .. عموما يؤكد الرصد المتمعن لكافة التحولات الا نمائية الناجحة على تحققها في ظل انظمة حكم شمولية تعارض بشدة انماط الديمقراطية الليبرالية الغربية.

ثانيا: تؤكد جملة ادلةعلي عمق التشاؤم حول جدوي دولة التنمية والديمقراطية. ان اخفاق الدول الشمولية في عهد ما بعد الاستعمار في تحقيق انجازات اقتصادية واجتماعية ناجزة لايشكل دليلا قاطعا علي ان تغيير هذة الانظمة, قد يجلب معة حصيلة انمائية ,حيث ان االفشل هذا نجم بالدرجة الاولي عن الفساد الاداري والمالي و النهب والسرقة للنخب المسيطرة, وهي ظواهرقد تسود كافة المجتمعات الديمقراطية علاوة على ذلك فقد قوضت ديناميكة الانظمة الشمولية ,كما طوقت بقيود اقتصادية وسياسية محلية ودولية قد تستمر تاثيراتها السلبية تشكل تحديا للوريث الديمقراطى المحتمل.ان الرغبة والطموح في تاسيس وتصميم مؤسسات تنموية فاعلة ربما ستظل تشكل طيفا من الخيال.
ثالثا: تشكل الديمقراطية نوعا من الصراع والنضال المستمر بين قوى سياسية تمثل مصالح قطاعية مختلفة
تتنافس فيما بينها في سوق سياسية معينة .فالديمقراطية-بحد ذاتها- تعجز او ربما غير مؤهلة في خلق اشكالا عامة او نموذجية تجسد مصالح الجماهير الضرورية سواء بما يتعلق بتوفير السلع الاساسية العامة او بناء لهياكل الفوقية التنظيمة الفعالة و البنى الاجتماعية من ناحية, تخفيف او تسكين الفقر او تحقيق الامان وحماية البيئة من الناحية الاخرى.
فوق كل ذلك تتميز المجتمعات الديمقراطية باشكال مختلفة من اللامساواة في الحقوق السياسية او في ممارسة السلطة والنفوذ,او الدخل والثروة والوضع الاجتماعي القانوني. كل ذلك ينعكس على مستوى النفوذ السياسي او امكا نات النفاذ والوصول للعملية السياسية او المساهمة في صياغة برامج اعادة التوزيع او تسكين الفقر
من هنا وتبعا لذلك تعتبر القيادات السياسية التي تمتع بنظرات شاملة ولديها تصورات وخيالات خصبة, ضرورة حتمية لانجاز اهداف المجتمع بعيدة الامد.
ان شكل دولة التنميةوالديمقراطية الذي طرح في المقالة قد يظل امنية بالعلاقة مع المنظور الاقتصادي الاجتماعي الشامل . مع ذلك يعتبر ترجمة لنمط الدولة التنموي الذي ساد المجتمعات الصناعية في شمال وغرب اوربا الذى يختلف جذريا عن المنظور الامريكي للديمقراطية الليبرالية.ععلية يظل النموذج المطروح يشكل سيناريو لتطوير انظمة حكم في مجتمعات نامية حققت انجازات معينة كما تمكنت المحافظة على الديمقراطية الاجرائية.
افرزت الممارسة الحديثة نوعان من انظمة تنموية ناجحة يطلق على الاول" انظمة تنموية شبة ديمقراطية" نشات واخذت تتطور في بلدان جنوب شرق اسيا, حينما تم اختزال العمل السياسي الديمقراطي وتم اختصارة حصرا على تحالفات النخب ,كما تم التركيز على التماسك الاجتماعى, والسعي للحد من اللامساوة اوعلي الاقل تخفيف الاختلافات الاجتماعية بين شرائح المجتمع المختلفة. اطلق على النوع الثاني "ديمقراطية النخب او الصفوة" شاع النمط هذا في بلدان امريكا الجنوبية , واعتمد اساسا على تحالفات محددة لمصالح اجتماعية,تسعى توجية النمو الاقتصادى الثابت والمستقرلصالحها بكل ما يولدة هذا التوجة من تعميق الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية . علية يظل البحث عن نموذج ديمقراطي اجتماعي تنموي ضرورة حتمية, وانة ليس ضربا من الخيال او وهما لايمكن تحقيقة او انجازة. فمعظم البدائل المفترضة – ديمقراطية او لاديمقراطية-تعتبر ليس ذات قيمة سياسية او تنموية ان عجزت عن الوصول الي نموذج ديمقراطي اجتماعي يتمكن تنفيذ وانجاز تنمية فاعلة وعادلة بالبلدان الفقيرة والنامية او غيرها من البلدان كالدول الاشتراكية السابقة .يعتبر الاداء الفعال وانجاز المهمات التنموية قضية حاسمة يتقرر بموجبها مستقبل الديمقراطيات الجديدة في العالم الثاني- بلدان المعسكر الاشتراكي السابقة- كذلك بلدان العالم الثالث. فالظروف السائدة خلال السنوات الاخيرة ساهمت بلا شك في بزوغ هذة الانظمة مع ذلك تظل الشكوك تحوم حول مستقبلها.ان اخفاق الانظمة في تفعيل التنمية وانجازها بجدارةيولد لولبا حلزونيا تراجعيا ضارا قد يقود الي التخلف الاقتصادي السياسي.علاوة علي ذلك فان استمرار الامساوة او ديمومة احتكار القلة او نموذج الدولة شبة اليمقراطية كلة يعمل لصالح النخب المسيطرة حاليا , بالتالي سيعملون علي تقييد دور الدولة الفاعل,باعتبارها القوة الدافعة نحو احقاق الديمقراطية وانجاز التنمية . هذا ومن المحتمل ان تقع النخب الجديدة عند اخفاقها في انجاز اعمال مشهودة للبلاد ان تقع فريسة للقوي المنافسة التي تؤمن بالنظام الشمولي او ربما سيتم قهرها عبر تيارات اديولوجية نامية ومزدهرة تحاول الطعن بالنظام الديمقراطي والادعاء بفسادة وقصورة في حسم مشكلات المجتمع العويصة متجانسة ورسخت فيها كينوية وطنية قومية (امة) وتمتع بشروط عدالة نسبية .
تحتاج عملية بناء وتطوير دولة التنمية والديمقراطية لفترة زمنية طويلة, وهي مهمة شاقة قد تخضع للخطا والصواب, او ان تتتقدم الي الامام او ان تتراجع الي الخلف كل ذلك من اجل تلمس السبيل السوي والطريق المؤسسى والسياسي المناسب. فهذا النمط من بناء الدول ينشأ ويتطور عبر عملية تراكمية من جزئيات ,ويتبلور عبر تلاحم هذة الشظايا ,انة حتما ليس وصفة طبية جاهزة يمكن اقتناءها من بطون الكتب والادبيات, بل انها ممارسة حقة .علية لابد من تعميق الحوار حول جدوها وامكانا ت تنفيذها , وهي قضايا ستظل تشكل تحديا كبيرا لعلماء السياسة, والمنظرون لعهد الموجة الثالثة من الديمقراطية.
ظهرت في عهد ما بعد الحرب الباردة انماطا مختلفة من الممارسات الديمقراطية.صحيحا الديمقراطيات العريقة في الغرب تمتلك نظمها المؤسسية وديناميكيتها السياسية الخاصة بها,مع ذلك قد تبزغ سلسلة واسعة من الاشكال المؤسسية بعد تمكن هذة الديمقراطيات الجديدة توطيد وضعها وتعزيز قدراتها. ان البحث الجاد والتناول الرفيع لاشكال المؤسسات المناسبة يجب ان يتصاحب مع توفير مفاهيم شاملة للديناميكية السياسية لصيغ الديمقراطيات الجديدة, وطرق وامكانات المشاركة والنفاذ او الوصول للسلطة من قبل المجموعات واصحاب المصالح علاوة علي امكانات انجاز التحالفات لغرض صياغة وبلورة الموسسات والدور النسبي للانتخابات ونظم المشاورات من ناحية ومدي التمتع بثمار التنمية من قبل الفئات المختلفة في المجتمع من ناحية اخري .كلة من اجل تفعيل العلاقة بين الدولة والمجتمع وتحقيق المواطنةالحقة لا الشكلية .


اصل النص صدر باللغة الانكليزية تحت العنوان التالي:
Building a democratic developmental state,social Democracy in
Developing world by cordon white,in Democratization,vol. 5 n.3



#محمد_سعيد_العضب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظره في قانون الميزانيه العامه للدوله العراقيه لعام 2013
- تدويراموال النفط وعقد تنميه ضائع في العراق
- عقد تنميه ضائع في العراق
- الاقتصاد العراقي بين اثراء نخبه متسلطه وعقد تنميه ضائع
- الحرف والصناعات في بلاد ما بين النهرين
- الصتاعه في تاريخ بلاد الرافدين
- ابعاد سياسه التجاره الخارجيه في تاطير السياسيه الخارجيه التر ...
- خاطره حول العراق بين التخلف والتنميه
- العدالة الاجتماعية مفارقة رهيبة
- عرض ومراجعه - الاسلاموفبيا والولايات المتحده الاميركيه-
- قراءه في كتاب نهايه الاقتصاد العالمي ومستقبله -اقتصاد الازما ...
- مقولات حول الديمقراطية والرسمالية
- خاطرةحول حرب مستمرة ستدمر مشايخ الخليج
- غزو العراق واحتلاله مره اخري
- حرب جديده قد تطال مشايخ الخليج
- الازمه الاقتصادية والمالية العالميه ومخاطر الافلاس الكوني
- افلاس الدولة قادم
- كراهية الغرب :كيف يمكن للشعوب الفقيرة التصدي لحرب اقتصادية ع ...
- الحرب الاميركية وتدمير حضارة العراق
- اصل نشوء الازمة المالية (البنوك المركزية ,فقاعات القروض ومغا ...


المزيد.....




- هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- -قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما ...
- ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل 
- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد سعيد العضب - دوله الانماء الاقتصادي والديمقراطية