أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - لحظات لا يستحب فيها الإسهاب














المزيد.....

لحظات لا يستحب فيها الإسهاب


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1167 - 2005 / 4 / 14 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


قتل صاحبي سعيد في ميدان الأهرام في مصر الجديدة, أمام كنيسة البازيليك بالضبط. كان سائراً في الحادية عشر مساء مع فتاته و تعرضت لهما مجموعة من الشباب. لم يعيراهما اهتماماً في البداية و واصلا السير استعداداً لعبور الشارع ولكن الشباب لم يبتعدوا. زادت احتكاكاتهم بالبنت و كأن سعيد غير موجود. سعيد كان متمالكاً لأعصابه حتى النهاية ولكن عندما زادت المسألة عن الحد نظر لهم بغضب وقال "شباب سخيف". لم يحتمل واحد منهم الكلمة فأخرج المطواة وطعنه بها في قلبه عدة طعنات فروا جميعاً على إثرها. كذلك هربت البنت بينما تجمع الناس حول سعيد المحتضر.

لم أر المشهد و لكن أم سعيد حكته لي في اليوم التالي. قالت لي أن سعيد قبل أن يسلم الروح تماماً و على مرأى من الجمع الكثيف الذي التف حوله كان فارداً قامته, و كانت المطواة مغروزة في قلبه بالمناسبة. قالت لي أنه أخذ يتحدث بمنتهى الجدية, مع التعبير بالملامح و الذراعين و كأنه محاضر, عن أشياء غريبة و لكنها مست قلوب الناس قبل أن يموت. ثم في نهاية الأمر كله, خلع قميصه و اتجه نحو الأعمدة الحديدية المحيطة بالكنيسة و جلس مرتكناً عليها. أغلق عينيه و غطى رأسه بالقميص و مات.

سلمتني أم سعيد عدة أوراق كتبها ابنها بخط يده قبل نزوله في ذلك المشوار الذي قضى عليه. كانت الأوراق محفوظة في دوسيه. فتحت الدوسيه و لاحظت في نهاية الأوراق كتابة بخط صغير "كتب في 29/12/2000" و هو يوم مقتله. كانت الأوراق ثلاث.



الورقة الأولى:

منذ شهر و نصف تقريباً كنت جالساً مع اسماعيل و الفيشاوي و طلعت و محمد محسن. قال طلعت أن قصصي التي أكتبها في المجلات غير مفهومة فحدثتهم عن تطور مفهوم النص منذ الستينيات و حتى الآن. لم يصدق أحد ما أقوله و ربما لم يفهم أحد أساساً. قلت لنفسي ربما كان شيء ما في أسلوبي أو ملامحي أو في الملابسات المحيطة هو الذي أدى لعدم الفهم الثقيل هذا الذي هبط عليهم. قررت أن أكون أكثر تأثيراً حتى يفهمني الناس.



الورقة الثانية:

في حياة الإنسان لحظات هي أكثر مصيرية من كل شيء مضى أو كل شيء سيجيء. يهبط شيء ما سحري على الزمن فيحيل الإنسان إلى كائن رائع و من حوله إلى ودودين و متفاهمين تماماً. عندئذ تتلاشى الحدود بينه و بينهم فيتفهمون كل ما يقوله و يزداد هو قدرة على التحكم في انفعالاته و تقطيع كلامه بشكل جذاب للغاية. إذا طعن إنسان ما بالخنجر طعنة مميتة ففي اللحظات ما بين الطعنة و الموت التام يتحول هو إلى ما يشبه النبي. يصدقون دوماً ما يقوله و تتسلل كلماته لعقولهم بسلاسة تامة لأنه حينئذ لا يتعامل معهم بوصفه بشرياً ذا قدرات بصرية محدودة و إنما بوصفه على عتبات العالم الآخر يصف لهم ما يشاهده في ذلك العالم المجهول لهم. و عندما يسلم الروح تماماً يتحول إلى ولي لأن الله قد حباه بهذه النعمة الغالية, نعمة الوصف المباشر لما في العالم الآخر الذي يتفتح له الآن. فإذا ألقى مثلاً نظرية نقدية سيستوعبها بشكل كامل أولئك الذين كانت تبدو لهم كطلسم لا علاج له. يبدو المشهد أكثر بهاء و ميلودرامية إذا تحدث و الخنجر مازال مغروزاً في جنباته. من المؤكد أن ما قاله المسيح على الصليب كان هو الأكثر تأثيراً من كل ما قاله فيما مضى بحيث شكل الأساس التراجيدي و الأكثر عاطفية في المسيحية. تختلف المسألة عن الانتحار, لأن جزءاً كبيراً من القوة التأثيرية للكلمات يرجع إلى الألم على وجه المطعون, و الألم لا يكون له معنى في حالة الانتحار, لأنه حينئذ يكون ألماً اختيارياً, أي كان هناك دوماً حل بديل. يجب أن يكون الطعن مفاجئاً تماماً. يربك المطعون و يجعله أكثر صفاء.

تلك اللحظات إذن, ما بين الطعنة و الموت النهائي, هي أهم لحظات في تاريخ الإنسان, و عليه أن يغتنمها بكل دقائقها. إعتدت على تلخيص أهم المحاور التي تعتمد عليها قناعاتي النقدية في نقاط بسيطة و واضحة, حتى إذا ما فاجئتني الطعنة المميتة أقف أمام الناس بجسم إنسان و روح نبي و أسرد لهم ما أراه في العالم الآخر, و الذي هو, في حركتي المحتالة تلك, أساس قناعاتي النقدية. هل سيجرؤ أحد إذن على عدم تصديقي؟



الورقة الثالثة:

في حوار مع الكاتب الفرنسي ألان روب جرييه تحدث عن اسمه الذي يبدو أن الفرنسيين يعتبرونه غريباً على أسماعهم و قال أنه يبدو معقداً و فكاهياً في آن و هو ما يجعله جاداً. تلقي تلك الجملة الضوء على بعض تقنيات الكتابة لدى جيل التسعينيات في مصر. فعلى خلفية رفضهم للأيديولوجيا التي تختزل الكثير من التفاصيل و تدعي قدرتها على تفسير جميع ظواهر الوجود من خلال عناوين بسيطة يبرز وجود الأيديولوجيا كنسق مفسر لظاهرة واحدة فقط. لتقريب المثال أقترح تخيل عدد ضباط شرطة بعدد أفراد الشعب بحيث يناط بكل ضابط مراقبة فرد واحد و معين من الشعب. و هكذا الأيديولوجيا لدى التسعينيين, و هي في رأيي لم تمت بعد, و إنما صار منوطاً بكل أيديولوجيا تفسير ظاهرة معينة فقط من الوجود, أي تنتفي القوانين العامة و هو ما يؤدي إلى تعقد النص الأدبي و تناثره إلى تلك الدرجة الملحوظة و من ثم فكاهيته. يصير النص إذن انعكاساً للواقع الخارجي ( و يحق لنا أن نعتبرها, فكرة النص العاكس للواقع, فكرة ليست كلاسيكية فحسب و إنما تنتمي كذلك إلى ما قبل التاريخ, بدون أدنى مجاز أو مبالغة) الذي صار لا تحكمه قواعد ثابتة و إنما مجموعة من الظواهر السائلة دائماً و الديناميكية في جميع الأحوال. هل نستطيع أن نعتبر كتابة التسعينيات بهذا المفهوم رافداً من روافد مفاهيم ما بعد البنيوية التي ظهرت في فرنسا. أعتقد ان التسعينيين أنفسهم سيرفضون هذا و يعتبرون أن حداثتهم هي حداثة خاصة بهم تماماً و ليست انعكاساً لتأثير خارجي "و هو ما تؤيده في الواقع تلك المفاهيم نفسها. أعني المفاهيم التي سيرفضونها, مفاهيم ما بعد البنيوية".



(و هي عين الكلمات التي قالها, بالفصحى كما هي, سعيد حمدي أمام كنيسة البازيليك قبل موته مباشرة بينما المطواة مغروزة في قلبه).



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب
- و المزيد من النظرات
- المزيد من العيون
- الفخامة المدوية لأم كلثوم.. عبد الحليم الإله الشهيد
- دمشق


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - لحظات لا يستحب فيها الإسهاب