أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رمضان عيسى - هل كان حمورابي نبياً ؟















المزيد.....

هل كان حمورابي نبياً ؟


رمضان عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 4060 - 2013 / 4 / 12 - 10:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما من أحد ينظر الآن الى موقع مدينة بابل القديمة إلا ويتساءل كيف أن هذه البطاح الموحشة ذات الحر اللافح الممتدة على نهر الفرات كانت من قبل موطن حضارة غنية قوية كادت تكون هي الخالقة لعلم الفلك ، وكان لها فضل كبير في تقدم الطب ، وأنشأت علم اللغة ، وأعدت أول كتب القانون الكبرى ، وعلمت اليونان مباديء الحساب ، وعلم الطبيعة والفلسفة ، وأمدت اليهود بالأساطير القديمة التي أورثوها العالم ، ونقلت الى العرب بعض المعارف العلمية والمعمارية التي أيقظوا بها روح أوروبا من سباتها في العصر الوسيط فيما بعد . واذا ما وقف الانسان أمام دجلة والفرات الساكنين فإنه يتعذر عليه أن يعتقد أنهما النهران اللذان أرويا بلاد سومر وأكد وغذيا حدائق بابل المعلقة .
كما لم يخطر بباله أن هذه المناطق التي تبدو وكأنها كانت مقفرة على طول التاريخ قد ولدت حضارة متفرعة الجوانب وتتربع على قمتها شخصية قوية لها من الحكمة والحصافة والتعقل ما لم يصل اليها إلا قلة من الرجال الذين لمعت أخبارهم في التاريخ . وهذه الشخصية القوية هي شخصية حمورابي - سادس ملوك مملكة بابل القديمة - ( 2123 – 2081 ق.م ) الفاتح المشرع الذي دام حكمه ثلاثا وأربعين سنة .
إن شخصية حمورابي الذي تُظهره الأختام والنقوش تجعلنا نتخيله رجلا يفيض حماسة وعبقرية ، ولديه الإصرار على نشر الأمن والنظام في ربوع دولته المترامية الأطراف بتطبيق شرائعه العظيمة .
إن شرائع حمورابي التي وُجدت في مدينة " السوس " سنة 1902 كانت منقوشة نقشا جميلا على إسطوانة من حجر الديوريت والتي كانت قد نُقلت من بابل الى عيلام حوالي عام (1100 ق . م ) كغنيمة حرب .
بماذا تعني هذه الشرائع ؟
هذه الشرائع هي بمجموعها تهدف الى تنظيم العلاقة بين الناس بعضهم ببعض ، وتبدأ من علاقة الفرد بالفرد ، وعلاقة الفرد بالجماعة ، وتضع أسسا وشرائع مُعلنة واتيح للجميع معرفتها ، وتحذر من يتخطاها أو يتجاهلها . وهذه الشرائع تحفظ للفرد ممتلكاته ، كما تحفظ للجماعة ، وتشمل الخاص والعام حتى تصل الى ممتلكات الدولة . وهي تمزج أرقى القوانين وأعظمها استنارة بأقسى العقوبات وأشدها وحشية .
كما نجدها تضع قانون النفس بالنفس والتحكيم الالهي في نجاة المذنب ، وذلك بالقاء المتهم في النهر أو في النار ، فإن نجا فهو برئ ، وإن لم ينجُ فهو مذنب . إن هذه القوانين البالغة عدتها 285 قانونا قد رُتبت ترتيبا متدرجا ، فقسمت الى قوانين خاصة بالأملاك المنقولة والعقارية ، وبالتجارة والصناعة والأسرة وبالأضرار الجسمية وبالعمل . كما توضح هذه القوانين الاجراءات القضائية المحكمة والواضحة للحد من استبداد الأزواج بزوجاتهم . وهي من وجوه عدة لا تقل رقيا عن شريعة أية دولة أوروبية حديثة .
إن المتفحص لهذا الشرائع لا بد وأن يتساءل ، من أين جاءت هذه الشرائع ؟
يجيب على هذا السؤال حمورابي نفسه إذ يفتتح شريعته بتحية الآلهة فيقول في مقدمة شرائعه :
في ذلك الوقت ناداني " أنو الأعلى " و " بل " ، رب السماء والأرض الذي يقرر مصير العالم ، " أنا حمورابي الأمير الأعلى ، عابد الآلهة ، لكي أنشر العدالة في العالم ، وأقضي على الأشرار والآثمين ، وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء ..., وأنشر النور في الأرض وأرعى مصالح الخلق . أنا حمورابي ، أنا الذي اختاره " بِل " حاكما ، والذي جاء بالخير والوفرة ، .... والذي وهب الحياة لمدينة " أرك " والذي أمد سكانها بالماء الكثير ، ..... والذي خزن الحب لأوراش العظيم ، والذي أعان شعبه في وقت المحنة ، وأمن الناس على أملاكهم في بابل ، حاكم الشعب الخادم الذي تسر أعماله " أنونيت " –
Harper, R, F, Code of Hammurabi- 3-7 ) )
ماذا يعني هذا ؟
يعني أن حمورابي لم يبتكر هذه الشرائع بل كان " شمش " إله الشمس الذي يرمز للحق والعدل في نظر البابليين، يوحي له بها ، وقد وُجد نقشا منقوشا على اسطوانة من الحجر يبين الملك حمورابي وهو يتلقى القوانين من الاله ، وتُوجد هذه الإسطوانة الحجرية في متحف اللوفر في باريس .
إن هذا يعني أن مصدر هذه الشرائع الهي ، حسب ما يقول حمورابي ، بغض النظر عن مُسمى الاله ، وهذا يعني أن من له صلة بالآلهة فهو من مرتبة الأنبياء ، أو نبي . وهذا يعني أن حمورابي نبي من الأنبياء .
بحسب التلمود، ولد النبي موسى بعد حمورابي بـ 400 سنة وتحتوي شريعة موسى بعض الأجزاء المطابقة لأجزاء معروفة من شريعة حمورابي.
رُب معترض يقول أن حمورابي ربما كان يعبد الها مشخصا هو " الشمس " . فنقول أن الشمس لم تُرسل هذه الشرائع ، ولكن حمورابي يقول أن الاله أرسل له هذه الشرائع بالإيحاء ، كما قال الكثير من الأنبياء بأن الآلهة تتواصل معهم بطريقة أو بأُخرى ، فمرة تُرسل لهم ألواحا بها وصايا ، ومرة تظهر لهم البشارة كحمامة بيضاء ، ومرة برؤيا في المنام ، أو برسائل سريعة ذات مصدر خفي ، بالإيحاء عن بُعد ، أو بالوحي الظاهر المرئي .
فكل الأنبياء تنوعوا في الحديث عن وصف الكيفية التي كان يتم بها تواصلهم مع الاله ، ولم يكن تواصلهم مع الله متماثلا ولا متشابها ، فلماذا لا يكون حمورابي مثلهم ، أو لا يكونوا هم مثل حمورابي ؟ .
واذا لم يكن هذا ، بماذا نفسر التشابه الشديد بين ما جاءت به التوراة من شرائع وما جاء به حمورابي ، حيث هناك اعتراف مُسبق بأن النبي موسى قد تلقى التوراة من الله في سيناء . وحمورابي يقول أن شرائعه هي وحي من الآله . فمعنى هذا أن المصدر واحد ، أو أن شرائع حمورابي والشرائع التي في التوراة أُخذت من مصدر ثالث مشترك . وهذا سر التشابه بينهما .
وبما أننا هنا في مسار التشابه بين شرائع الأديان الكتابية وشريعة حمورابي ، فمثلا ارتكز العقاب على قانون " العين بالعين والسن بالسن " وعلى مبدأ القصاص : " النفس بالنفس " المعروف ، وقد ورد مُفصلا في التوراة ، وأشارت اليه الآية القرآنية الكريمة : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس .... " الآية .
إن جميع الشرائع والوصايا الدينية التي وصلت الينا في الأديان الكتابية قال بها الأنبياء ولم يكن شاهد فيها غير أنفسهم على أقوالهم والتصديق والثقة التي يؤمن بها أتباع كل دين . وهناك تشابه كبير بين ما قاله الأنبياء وما قاله حمورابي ، وهذا ما يجعل المتفحص لتاريخ الأديان لا بد وأن يضع حمورابي في صف الأنبياء .
لقد كان الأنبياء مصلحون اجتماعيون في دعواتهم ويهدفون الى الاصلاح الاجتماعي ، وكانت دعواتهم ترتدي الشكل الديني لما لأثر الخوف من غضب الآلهة من أثر قوي على الناس . الا أن دعواتهم الاصلاحية لم تكن من العمق بحيث تهدف الى تغيير الأسس الاقتصادية والاجتماعية السائدة ، بل كانت شكلية ، ولا تتعارض الا مع القليل من المعتقدات الموجودة في المجتمع ، بل وكانت تثبت مصالح الطبقات العليا من طبقة حاكمة وملك وأسياد .
فدعواتهم لم تلغِ العبودية ولا الملكية ، بل جعلتها حق مقدس تحميه الوصايا الإلهيه ، واذا وجدنا في أحد الأديان الكتابية دعوة لتحرير عبيد ، فإن هذه الدعوة لم ترتدي أو تنص على التحريم القطعي لامتلاك العبيد ، بل جعلت تحرير العبد وسيلة للتكفير على الذنوب ونيل رضى الآلهه .
والملك لكي يدعم حكمه ، يجب أن يحكم باسم الآلهة ، ويُظهر التقوى والصلاح ، وكثيرا ما كان الأنبياء ملوكا ، فقد تم التزاوج العقدي بين المَلكية والنبوة في التاريخ . وقد رأينا أن حمورابي كان ملكا وله شرائع أوحت له بها الآلهه ، كما كان معظم ملوك بني اسرائيل أنبياء .



#رمضان_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عوامل القوة والضعف في المشروع الصهيوني
- المرأة المسلمة تستمريء العبودية
- خواطر محجبة
- حقيقة الاسلام
- قالت لي العنقاء
- العرب ونظرية التطور
- الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا
- التعددية والتوحيد وأثرهما الاجتماعي
- اتفاق المصالحة ، أسبابه ومستقبله !!!
- صديقي دائما - قصة قصيرة
- فلسفة الفقراء وفلسفة الأغنياء
- شهر عسل جديد
- الوعي العربي والاعتقاد الخوارقي
- الماركسية وأساليب النضال الثورية
- العرب وفلسفة التراث
- ماذا وراء الطلب من الأردن تجنيس مليون فلسطيني ؟
- ما لم يقال عن حصار غزة
- آدم بين المعيار الديني والمعيار العلمي


المزيد.....




- متى تتوقعون الهجوم على رفح؟ شاهد كيف أجاب سامح شكري لـCNN
- السعودية.. القبض على شخصين لترويجهما مواد مخدرة بفيديو عبر و ...
- مئات الغزيين على شاطئ دير البلح.. والمشهد يستفز الإسرائيليين ...
- بايدن يعلن فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات على إيران بس ...
- لماذا تعد انتخابات الهند مهمة بالنسبة للعالم؟
- تلخص المأساة الفلسطينية في غزة.. هذه هي الصورة التي فازت بجا ...
- شاهد: لقطات نشرها حزب الله توثق لحظة استهدافه بمُسيرة موقعًا ...
- ألمانيا تطالب بعزل إيران.. وطهران تهدد بمراجعة عقيدتها النوو ...
- مهمات جديدة أمام القوات الروسية
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رمضان عيسى - هل كان حمورابي نبياً ؟