مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 4059 - 2013 / 4 / 11 - 16:53
المحور:
كتابات ساخرة
الناس فى العالم كله متعبون من الظلم , الجور , والفساد السياسى. انهم يريدون شئ افضل , كما يتضح من جهودهم لتغيير القادة السياسيين. ولكن القادة الجدد نادرا ما يجلبون الاكتفاء للناس اذا ما جلبوه.
ويظن البعض ان حكم رجال الدين سيؤدى الى حكومة افضل. انهم يعتقدون ان رجال الدين سيدخلون الصفات التقوية فى الشئون الحكومية. ولعله بهذه النية كان ان صلى الاكليريكى بات روبرتسون , طامح الى رئاسة الولايات المتحدة فى 1988 , ان يربح " الناس الاتقياء " المنصب السياسى. ولكن هل يستجيب ذلك حقا للحاجة الى حكام افضل ؟
فى خلال العصور الوسطى كانت لرجال الدين سلطة دنيوية هائله. فكان البابوات قادرين على تتويج وخلع الملوك. وفى 800 بعد الميلاد توج البابا ليو الثالث الملك الفرنجى شارلمان امبراطورا للامبراطورية الرومانية المقدسة. وطوال ألف سنة مثلت هذه الامبراطورية اتحاد الكنيسة والدولة. وفى خلال ذلك الوقت تمتع رجال الدين بدرجات متفاوتة من السلطة على السلطات الدنيوية.
وبدءا من القرن ال11 تولت البابوية دور القائد فى اوروبا. وفى هذا الصدد يقول تاريخ كولومبيا للعالم , تحرير جون غاراتى وبيتر غاى : " كانت الكنيسة الحكومة العظمى لاوروبا. " ويلاحظ ايضا هذا الكتاب ان الكنيسة كانت قادرة على " ممارسة السلطة السياسية اكثر من اية حكومة غربية اخرى. " وماذا كان وضع الشعب تحت حكم رجال الدين ؟
لم يعد احد حرا ليعبد كما يشاء او ليعبر عن اراء تتعارض مع تلك التى لرجال الدين. والرفض الاكليريكى هذا لمنح حرية التعبير فى القضايا الدينية خلق مناخا من الخوف فى جميع انحاء اوروبا. واسست الكنيسة محاكم التفتيش لتستأصل الافراد الذبن اجترأوا على حيازة وجهة نظر مختلفة. واذ اعتبروا هراطقة كان يؤتى بهم امام اعضاء محكمة التفتيش الذين كانوا يعذبونهم من اجل الاعترافات. وغالبا ما كان اولئك الذين يوجدون مذنبين يحرقون على الخشبة.
وفى ما يتعلق بحكم رجال الدين فى اسبانيا يذكر تاريخ كولومبيا للعالم : " ان الحروب وايديولوجية القيام بالحملات الصليبية كانت قد لحمت معا طبقة الارسترقراطية المحافظة والمتأبهة ورجال الدين اللتين امسكتا زمام السلطه كله فى الدولة. والحياة الفكرية كانت قد شلت بواسطة الرقابة ومحاكم التفتيش , التى استعملت ضد كل من يحتج على اى من اللاهوت الرسمى او سياسة الدولة.
وفى كتابه عصر الايمان , قال ول ديورانت : " مع كل التسامح المطلوب من المؤرخ والمسموح به للمسيحى , لا بد ان نصنف محاكم التفتيش , الى جانب حروب واضطهادات زمننا , بصفتها بين اشد الوصمات قتاما على سجل الجنس البشرى. كاشفة شراسة غير معروفة فى اى وحش. " وفى العصور الوسطى عنى حكم رجال الدين تدمير الحريات الشخصية.
وهل اختلف المصلح البروستانتى جون كالفن عن رجال الدين الكاثوليك ؟ حسنا , تأملوا فى ما حدث عندما هرب ميخائيل سرفيتوس من الاضطهاد من قبل رجال الدين الاسبان وقبض عليه فى جنيف , سويسرا. فهناك كان كالفن قد اقام جماعة يحكم عليها هو وقسوسه بسلطة مطلقة. ولأن سرفيتوس انكر الثالوث انجز كالفن ما كان قد افلت من محاكم التفتيش. فحكم على سرفيتوس بالموت بسبب الهرطقة واحرق على الخشبة. وهكذا اظهر كالفن الرفض نفسه لمنح حرية التعبير فى القضايا الدينية كرجال الدين الكاثوليك.
وهل عنت سيطرة رجال الدين على الحكومات الدنيوية السلام لشعب اوروبا ؟ كلا , بالفعل. وعوض التمتع بالسلام كان عليهم ان يحتملوا سنوات من الحرب التى اوعز فيها رجال الدين. فالبابا اوريان الثانى اطلق اول حملة صليبية وبذلك يدأ سلسلة من الحروب دامت 200 سنة. وعلاوة على ذلك , ان ان الحروب التى اثارها رجال الدين ضد الناس المعتبرين هراطقة انتجت موت الاف الرجال , النساء , والاطفال.
وهل ازال حكم رجال الدين الفساد ؟ كلا , على الاطلاق. وكتاب تاريخ العالم العصرى , يقلم ر. ر. بالمر وجويل كولتن , يذكر : " على نحو متزايد افسدت حياة الكنيسة بالمال. فلم يكن احد يؤمن بالرشوة. ولكن الجميع عرفوا ان الكثيرين من رجال الكنيسة ذوى المراتب العليا يمكن رشوهم. " والفساد بين رجال الدين كان تذمرا شائعا.
وهل انتج حكم رجال الدين الشفقة على عامة الشعب ؟ ولا بأى شكل. فعلى سبيل المثال , تأملوا فى ما حدث عندما نال الكردينال ريشيليو فى فرنسا السيطرة على الشؤون الحكومية فى عهد لويس الثالث عشر. يقول كتاب تاريخ الامم , تحرير هنرى كابوت لودج , ان سياسة ريشيليو كانت مؤسسة على خراب الحريات الفرنسية. "
وفى المكسيك اثناء القرن ال17 كانت القرى الهندية يحكمها رجال الدين. وبحسب كتاب المكسيك المتعددة , بقلم لزلى سيمبسون , اعتبر رجال الدين عمود الجلد " مساعدا لا غنى عنه فى غرس الفضائل المسيحية والمحافظة عليها , وكذلك المعاقبة على الاساءات الدنيوية. "
وهكذا فان كتب التاريخ تمكننا من فحص سجل حكم رجال الدين على مر القرون. فماذا يكشف ذلك السجل؟ تجاهلا صادما لسعادة وخير وحريات عامة الشعب. فعلا , لقد كان حكم رجال الدين طغيانا لا يطاق. وكما كتب دانيال ديفو فى مؤلفه الانكليزى الاصيل : " ومن بين كل البلايا التى يبتلى بها الجنس البشرى , فأن الاستبداد الكنسى هو الاردأ. "
من الجلى , اذا , ان حكم رجال الدين ليس الجواب لحاجة الانسان الى حكومة افضل.ولذلك , الى من يمكننا ان نلتفت ؟
من المحزن ان بعد كل هذه التجارب القاسية , لم يتعلم البشرمن الماضى. فهاهم الاسلاميون يريدون ان يعيدوا الكرة مرة اخرى. فى تجارب الماضى لم تكن هناك نصوص مسيحية كتابية تدعم الوحشية. اما تجربة الحاضر فهناك النصوص الدينية جاهزة ومهيأة لدوران الة الرعبالجهنمية. بقد اقتربت النهاية , ولا عزاء للمغفلين , او مجانين هذا العالم , حيث يسود الشيطان وينتصر فى كل معاركه , من اجل تدمير حضارة الانسان , وفناء الجنس البشرى.
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟