أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد هادف - الإسلام في غمار الصراعات الأيديولوجية: محاولة للفهم















المزيد.....



الإسلام في غمار الصراعات الأيديولوجية: محاولة للفهم


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 4058 - 2013 / 4 / 10 - 18:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سعيد هادف: مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة - المغرب

مدخل أول
عبر ملتقيات فكرية، دينية وسياسية، كما على مستوى كل الوسائط الإعلامية، لايزال الحديث يدور حول الإسلام كثقافة وكشعائر وكشريعة، وحول علاقته بالغرب سواء كمنظومة قيمية حضارية، أو كمؤطُّر أيديولوجي لتيارات سياسية ومذهبية، أو كتركيبة بشرية بهذا البلد الغربي أو ذاك. وإذا كان الاستشراق المغرض(1) في مؤلفاته الاستطلاعية والاستكشافية قدم للقارئ الغربي صورة ما عن الإسلام والمسلمين فإن هذه الصورة وجدت ما يعززها منذ العقد الأخير من القرن العشرين حيث ظلت صفة العنف والتطرف والإرهاب لصيقة بالمسلمين وأضحى الإسلام مرادفا للرعب بعد أن تبنته كأدلوجة جماعات العنف المسلح في الوطن العربي والإسلامي، ناهيك عن النزعات المعادية للغرب التي ظلت سمة بارزة في الخطاب السياسي القومي العربي والإسلامي، في موازاة هذه الصورة وبعيدا عنها كان إسلام مغاير ومختلف يسعى جاهدا ومجتهدا في ضبط علاقته بالغرب عبر مسلك سلمي، و إن ظل وفيا لمبادئه ومقاصده ففي الوقت ذاته لم يتعال على متغيرات الزمن ومستجدات الأشياء والأفكار. إن هذه الصورة المشرقة سهر على صناعتها من داخل المجتمع الإسلامي و من خارجه، مسلمون تشبعوا بالعمق الإنساني والجمالي الخلاق الذي ينطوي عليه جوهر الإسلام.

مدخل ثان
من المفيد هنا أن نشير إلى المبادرة التي أقرتها الحكومة الفرنسية بخصوص ترتيب علاقة الدولة بالإسلام والمسلمين بفرنسا، بعد اعترافها بالديانة الإسلامية سنة 2005؛ وهي المبادرة التي تمت الدعوة إلى احتضانها والدفع بها في الاتجاه الصحيح من قبل المسلمين وعلى رأسهم هيآتهم التنمثيلية وذلك برفع آدائهم في المجتمع الفرنسي وتفعيل التواصل القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والعمل على امتصاص المضاعفات الجانبية، التي قد تنجم عن سوء الفهم أو الانحرافات التي قد تطبع المتغيرات في هذا السياق. خصوصا وأن أوروبا المتحدة تسير في اتجاه يدفعها باستمرار إلى مراجعة قوانينها المتعلقة بالهجرة واللجوء بجميع أنواعه، ومع أن هذه المراجعات تلاقي رفضا من بعض المنظمات غير الحكومية والهيئات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان والمناهضة للميز العنصري، إلا أن الالتفاف الواعي والذكي حول هذه الهيئات من قبل المهاجرين بعملهم الدؤوب، على جعل الإسلام عامل تأهيل واستقرار واندماج هو ما يجب أن يكون حتى يستتب للمسلمين دور محترم في المجتمع الفرنسي والغربي.

مدخل ثالث
أحداث مانهاتن بنيويورك (1200)، ومن بعدها أحداث مدريد ولندن (2005)، زادت من قتامة الصورة التي تَمثّلها الشارع الغربي عن الإسلام. وبغض النظر عن الخلفية التي سهرت على إنتاج تلك الأحداث وإخراجها (وهي خلفية مقنّعة وفسيفسائية)، فقد كان الإسلام هو المتهم الوحيد بالقرائن والأدلة والحيثياث.
هذه الأحداث لم تمس بصورة المسلمين فحسب، بل كانت انتكاسة للديمقراطية، حيث استغلتها الجهات المتربصة بالديمقراطية لضرب المكاسب الحقوقية التي تحققت بفضل نضال الديمقراطيين. فهل سيقف المسلمون إلى صف أعداء الديمقراطية؟ أم سينتصرون للديمقراطية التي أصبحت محل تهديد؟ المسلمون جزء من التركيبة البشرية للغرب، وهذا يعني أن الإسلام أصبح جزء من كينونة الثقافة الغربية، كما أن الإسلام يميل كل الميل إلى ما هو سمح، وتعاليمه السمحة تدعو المسلمين كي يكونوا في صف الديمقراطية لا ضدها.
إن خفقة جناح فراشة في بحر الصين قد تؤثر على وجهة إعصار ببحر الكراييبي حسب نظرية الكاوس الفيزيائية؛ وأن ماحدث على مستوى التاريخ أن الإعصار الذي سهرت على تربيته الأصولية الفرنسية البريطانية لمصلحة المخططات السرية، ثم احتكرته الأصولية الأمريكية، وفي ظل الوعي المتنامي، بلا شك سيبدأ الإعصار في انحرافه عن المسار المخطط له، حتما ستزداد قوة الضغط ضد هذا الإعصار وحمله على كشط مخترعيه السريين.


الإسلام الأيديولوجي والإسلام المدني

لدى المنظرين الأصوليين، ظلت مسألة الجهاد مطروحة كفريضة غائبة، وليس الجهاد في عرفهم سوى العمل المسلح. قد نسلم أن الشباب الذي تم استقطابه لا يتوفر على فهم صحيح للإسلام فانخرط في هذه المعركة انطلاقا من قناعات، غير أنه من السخف أن نصدق أن الجهات الخفية التي سهرت و تسهر على هذه التنظيمات المسلحة تفعل ذلك حبا في المسلمين، لقد استغلت الإسلام كغطاء ايديولوجي، من خلال خطابات فرجوية مشحونة بالإثارة بهدف حشد أكبر عدد من الشباب المستعد للموت من أجل أهداف لايعرفها.
لماذا تم اختزال الجهاد في معناه العسكري فقط؟ و لماذا تم الزج بألوف الأرواح في معارك لم تجن منها الشعوب سوى الخسارات؟ ثم لماذا يتم حشو المفاهيم بدلالات مناقضة لمقاصدها؟ ألا يحمل الجهاد معنى (الجهد)؟ فلماذا يتم اختزاله إلى كلمة واحدة (القتال)؟
تناولت بعض كتب الفقه مسألة الجهاد بشكل مختلف، يرى بعض العلماء أن الرباط شعبة من الجهاد و أنه إذا كان تم تشريع الجهاد لسفك دماء المشركين فإن الرباط تم تشريعه لصون دماء المسلمين، و صون دماء المسلمين أولى من سفك دماء المشركين، لأن الحكمة تقتضي ذلك في حالة الاختيار. لكن قوى الهيمنة العالمية قررت خلاف ذلك، فاتخذت الإسلام غطاء أيديولوجيا لمخططاتها، وقد استغلت قصار النظر السياسي في العالم الإسلامي فجعلت من سفك الدم وإشاعة الرعب والفتنة جهادا ومن الانتحار الفردي والجماعي شهادة(2).
إن مقاربة كرونولوجية وجينيالوجية لظاهرة الإرهاب المعارض ذي المرجعية الإسلامية، تفرض علينا مقاربة التاريخ العربي الحديث برمته، منذ نشأة المذهب الوهابي بالجزيرة العربية والمهدية بالسودان والزوايا التي نشأت مطلع القرن التاسع عشر، ثم الحركات والتيارات الفكرية والسياسية ذات الصبغة الإسلامية التي ظهرت في عهد الاحتلال واستمرت إلى يومنا هذا، وقد كان وراءها مثقفون من أمثال (محمد بن عبد الوهاب، الأمير عبد القادر، الشيخ شامل، أحمد التيجاني، السنوسي، الأفغاني، محمد عبده، الكواكبي، الطاهر الجزائري، محمد إقبال، أبو الأعلى المودودي، الطاهر بن عاشور، عبد الحميد بن باديس، عبد الكريم الخطابي، عمر المختار، حسن البنا، سيد قطب، علال الفاسي، البشير الإبراهيمي، الألباني، الخميني، عبد الحميد كشك، محمد الغزالي، رمضان البوطي، القرضاوي،....) بعضهم تحول إلى رمز تاريخي من رموز الحركة الوطنية، ومنهم من تحول إلى مرجع روحي للدولة، ومنهم من تحول إلى رمز للتطرف والإرهاب، ومنهم من أصبح رمزا للاعتدال والوسطية، كما ظهر مفكران تركا بصمتهما، وإن لم يأخذا حقهما من الاهتمام والترويج لأفكارهما. السعودي عبد الله القصيمي، الذي عاش انقلابا فكريا منذ 1947، حيث أصدر كتابه "هذي هي الأغلال"، والجزائري مالك بن نبي الذي انخرط في مجال البحث في ضوء النظريات المعرفية المعاصرة، وكان أول إصدار له سنة 1948، باللسان الفرنسي تحت عنوان "شروط النهضة"، وكما نلاحظ فإن الكتابين صدرا بُعيد الحرب العالمية الثانية تزامنا مع نشأة الكيان الإسرائيلي.
يستفاد من التاريخ أن الدين يصبح إطارا أيديولوجيا ومذهبيا للجماعة أو للدولة كلما تحالف السياسي مع الروحي، وهذا التحالف سرعان ما يتحول إلى حركة عسكرية هدفها الاستيلاء على الحكم. وفي العصر الحديث برزت في المجتمعات الإسلامية هذه التحالفات التي تمت محاربتها من الغرب أومباركتها ، أو توجيهها، أو استغلالها ...:
- تحالف آل سعود مع محمد بن عبد الوهاب (بدأ التحالف بعد ميثاق الدرعية، وخاض آل سعود باسم الوهابية حربا ضد قبائل الجزيرة إلى أن استولوا على الحكم).
- تحالف آل شرمة مع النقشبندية لمحاربة الروس في الشيشان.
- مقاومة الأمير عبد القادر للاحتلال الفرنسي.
- البهائية وتحالفها مع جهات أجنبية.
- القاديانية وتحالفها مع الانكليز.
- ظهور ناشطين إسلاميين، أصبحوا مرجعيات، ومنهم من أسس جمعيات وأحزابا (المودودي، محمد إقبال، علي جناح، حسن البنا، سيد قطب..).
- الأحزاب المؤسسة للإسلام السياسي (الرابطة الإسلامية (الهند) والإخوان المسلمين (مصر)).
- الجهاد الإسلامي الأمريكي ضد روسيا الشيوعية وظاهرة الأفغان العرب.
- الخميني والثورة الإسلامية.
- المد الإعلامي الأصولي، الدعوي والسياسي (ظاهرة عبد الحميد كشك...)
- تأسيس دول على أساس إسلامي (المملكة السعودية، باكستان، إيران، السودان).
- التجلي الأصولي في الممارسة الحزبية (من الرابطة الإسلامية بالهند، إلى الإخوان المسلمين بمصر إلى السودان إلى العرب الأفغان إلى حزب الله بلبنان إلى حماس بفلسطين إلى حزب النهضة بتونس إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية بالجزائر إلى العدالة والتنمية بتركيا والمغرب).
- التجلي الأصولي في المعارضة المسلحة (الجماعات الإرهابية).
- القاعدة (عولمة الإرهاب باسم الإسلام – كيف خرج الإرهاب العالمي في زي تنكري: عباءة، لحية ومسبحة؟).
- ويجدر بنا أن نذكر في هذا السياق، تحالف أمير قطر مع القرضاوي (تحالف يشبه إلى حد ما تحالف الأمير محمد بن سعود مع عبد الوهاب، عام 1774، ومثلما تضطلع اليوم الشيخة موزة بأدوار ريادية في الإمارة، فقد كان لزوجة الأمير السعودي موضي بنت أبي وطبان دورا حاسما التحالف السعودي الوهابي).
إن معاينة تاريخية، منذ الثورة الفرنسية بتجلياتها، والتوسع البريطاني والفرنسي، وحيثيات الفشل الروسي في الوصول إلى المياه الدافئة رغم الحرب التي لم تنطفىء لأكثر من قرنين بين روسيا والعثمانيين، وانفصال أمريكا المتحدة عن التاج البريطاني، تفضي بنا إلى استشفاف اللامرئي في التاريخ وإمكانية اشتشراف مآلاته وحتى القدرة على تغييرها. في هذا السياق تأسست جمعيات ونواد ومحافل مسيحية ويهودية كانت بمثابة المهماز الذي جعل النخب الإسلامية تجعل من الإسلام مرجعها الأساس لخوض معركة التحرر. كما أن الحرب العالمية الأولى لم تندلع إلا في سياق تم فيه تصميم مخططات أيديولوجية قابلة للتنفيذ الجيويسياسي، ومن بين هذه المخططات فصل العالم المسيحي عن العالم الإسلامي بحزام لاديني تمثل في روسيا الشيوعية وتركيا مصطفى أتاتورك.
المُطلع على التاريخ الأمريكي، يعرف حتما كيف تأسست هذه الفيدرالية من منظور أصيل للدولة (مفهوما ووظيفةً)، وكيف استلهمت قوتها من التاريخ البشري، بكل ما فيه من ذكاء وخبرة، وكيف استغلت الطاقة البشرية بكل ما تتمتع به من قدرة على الإبداع والتدمير، وكيف نجحت لوبياتها المتوحشة، بكل ما تملك من دهاء سياسي وقانوني، في تضليل الأمم ومخادعتها، بالقدر نفسه الذي نجحت فيه قواها الديمقراطية في نشر قيم الحرية عبر العالم عامة وأروبا خاصة. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا حدث هذا في أمريكا ولم يحدث في بلاد أخرى؟ لماذا لم تظهر هذه القوة في كندا، مثلا، أو المكسيك؟ ولماذا نجحت المستعمرات البريطانية، في الأرض الجديدة، في بناء هذا النموذج المتفرد؟ لماذا أصبحت روسيا وتركيا فجأة دولتين (لادينيتين) وهما اللتان خاضتا حربا ضروسا من منطلق (ديني)؟ إن المطلع على التاريخ الأمريكي يعرف كيف تمت الهندسة الجيوسياسية للشرق، ويعرف ما الذي تعنيه أمريكا اليوم بالشرق الأوسط الكبير. و المطلع على التاريخ الأمريكي يعرف من هم آباء الديمقراطية وقيم الحرية واجتهاداتهم الإنسانية الخلاقة، وبالموازاة، يعرف من هو جون أدمز والمحاولات الأمريكية لشراء أراض بالقدس وما هو (القدر المتجلي)؟، ولماذا دخلت أمريكا في عزلة؟، ولماذا خرجت منها؟، والمطلع يعرف من هو جورج بوش القس مؤلف كتاب (محمد مؤسس الإمبراطورية الإسلامية) سنة 1844، وظهور المورمونية، والسياق الذي تأسست فيه البهائية بإيران والقاديانية بباكستان، والرابطة الإسلامية بالهند ودورها في انفصال باكستان عن الهند، ثم الإخوان المسلمون بمصر، والمطلع يعرف من هو بلاكستون صاحب كتاب (المسيح آت)، وصاحب مذكرة (فلسطين لليهود) المذكرة التي قدمها إلى الرئيس الأمريكي بنيامين هريسون سنة 1891، والذي لم يدخر جهدا في تحريض اليهود ومساعدتهم على العودة إلى القدس، والمطلع يعرف الدور الأمريكي في الحربين العالميتين وما تلاهما من حروب حتى اليوم، وأهدافها الاستراتيجية منها.
في هذا السياق كان الإسلام موضوع صراع بين القوى التحررية الإنسانية التي جعلت منه عامل تحرر واتحاد وقوة، وبين القوى الاستبدادية التي جعلت منه عامل استسلام وتبعية واستغلال. في هذا السياق ظهر الشيخ شامل في الشيشان والأمير عبد القادر في الجزائر، غير أن الوهابية وحدها- رغم فشلها في الانتشار غربا- انتصرت على خصومها بالجزيرة وعلى محمد علي، وأسست دولتها التي لا تزال ذات نفوذ حتى اليوم، وهي التي ظلت تغذي الإسلام السياسي بشكل أو بآخر. إن هذا التأمل الكرونولوجي يقودنا إلى حيثيات وسياقات النشاط الفكري والسياسي الذي قاده الأفغاني ومحمد عبده، ثم بروز ناشطين جدد في ظل تغيرات جيوسياسية جديدة، أمثال محمد إقبال، علي جناح، المودودي ثم حسن البنا مؤسس جماعة (الإخوان المسلمين)، وكيف تم الدفع بهذا الفكر نحو التطرف واستغلاله وفق سيناريوهات محكمة لتنفيذ مخططات محددة. تم التدرج بهذا الفكر لتحويله إلى قوة ضاربة ضد أهله، فمثلما تم استغلال ثروات المسلمين لتفقير الشعوب المسلمة، فقد تم استغلال الإسلام لضرب هذه الشعوب ببث الخوف في أبنائها وبث العداء بينها وبين الشعوب الغربية، كما تم استغلال مسألة القوميات لضرب المسلمين بأقلياتهم وأكثرياتهم. لقد تم التدرج بالحركات الإسلامية، تنظيما وتخطيطا وتمويلا وتوجيها، في اتجاه غامض، لتتحول بعد ذلك إلى قوى شبحية جاهزة للتجلي في أي وقت وفي أي مكان.
كيف تم تهييء الرأي العام العالمي حتى يصدق أن السماء تمطر دون غيوم؟ كيف يمكن للقملة أن تظهر في رأس أصلع؟ وأن تتحول القفار بسهولة إلى واحات للحالمين بقلب الأنظمة، هذا هو الإرهاب(3).

ازدادت حدة وضراوة الإرهاب باسم الإسلام إزاء الإرهاب السائد المتمثل في الأنظمة الاستبدادية، باعتبار أن الأنظمة الحاكمة والجهات المساندة لها لم تقف في وجه الأصولية على أرضية ديموقراطية ولا حبا في الشعب. كما تبين أن توظيف الإسلام كان يندرج دائما ضمن استراتيجيات متعددة محليا وعالميا، تضاربا وتحالفا وتواطؤا، حسب ما تقتضيه المرحلة أو المصلحة ... ودون الذهاب بعيدا إلى المرجعيات المذهبية المؤسسة للتعصب المذهبي الذي انتهي غالبا إلى العنف المسلح، بدءا بالخلافة الراشدية إلى حدود الخلافة العثمانية، يمكن الاكتفاء في هذا المضمار باللحظات المؤسسة للزمن العربي الجديد، الذي تلمّس دربه في البداية من خلال توجه قومي تحت شعار النهضة العربية، وهي لحظة التمفصل بين الانسحاب العثماني والانتشار الأوروبي. كانت الوهابية أول من طعنت في المشروعية العثمانية."إن ماكانت تطالب به الوهابية في الجزيرة العربية والمهدية في السودان من إقامة خلافة عربية، سيصبح في مطلع القرن العشرين مطلبا تحرص القوى الاستعمارية على تطبيقه. فالديبلوماسية البريطانية منذ1912 توجهت نحو تبني فكرة نقل مركز الثقل في المنطقة الإسلامية إلى قلب الجزيرة العربية، وفكرة إقامة الخلافة العربية كانت ولا شك من بين أسباب المحادثات الشهيرة بين شريف حسين ومكماهون سنة 1915"، فرنسا كانت بدورها مسكونة بنفس الهم (...) إن استراتيجية القوى الكبرى في العقدين الأولين من القرن العشرين كانت ترتكز على نقل مقر الخلافة من تركيا إلى الجزيرة العربية أولا، وإلى تنصيب خليفة عربي قرشي ثانيا. ولكن هذا المشروع لم يكن يعني في نظر القوى الكبرى تشكيل دولة عربية موحدة تتمتع باستقلالها وسيادتها، بل كان يلوح به كتمهيد لخلق كيانات قطرية (عديمة السيادة) (4) ، أما اللوبيات في أمريكا، فقد ظلت تخطط لتجميع اليهود على أرض فلسطين، فقد نجحت في إقامة أول مستوطنة لهم سنة1867، تمهيدا لغرس كيان غريب عن الجسد العربي، وتوظيفه وفق مخططات سرية، وهو ليس الكيان الوحيد الذي تم اصطناعه لمخطط معاد للديمقراطية، فهذا الكيان تزامن مع إنشاء عدد من الكيانات المصطنعة (فصل باكستان عن الهند) وصناعة أنظمة عربية منغلقة خصوصا ذات المرجعيات الأيديولوجية العنصرية (القومية والثورية والدينية).

كان قرار إلغاء نظام الخلافة سنة 1924، تم ذلك على يد كمال أتاتورك مؤسس تركيا الجديدة، غير أن أتاتورك لم يُدخل تركيا إلى الزمن الجديد من البوابة، لقد قفز بها من على السور، ووضعها على أسس لا تتطابق ومبادئ العصر الحديث (5). ذلك أن كمال أتاتورك اعتمد في حكمه على العلمانية في حين أقصى الديموقراطية. لقد أفرغ العلمانية من محتواها وقدمها مثالا سيئا للحكم. في سنة¬ 1936 وعبر وكالة الأنباء الأناضولية كشف مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر عن إعجابه بالتجربة الكمالية، وإزاء هذا التصريح جاء موقف حسن البنا الرافض للتجربة التركية انطلاقا من كونها أقرت دستوريا أنها حكومة لادينية.

وتأتي الناصرية لتعمق الجرح، وبمجرد أن اعتلت سدة الحكم وضعت الفتنة في اتجاه مفتوح بعد أن ضمنت شرط صحوها الدائم، حيث أقدمت على تصفية التعددية وأقصت بذلك أي أمل في الديموقراطية، وبالتالي سحبت أهم دواء للاستشفاء من جرثومة الفتنة، ورسخت تقاليد الاستبداد بطبائعه الكريهة. فبادرت إلى حل حزب الوفد ثم جماعة الإخوان المسلمين لتشرع في ما بعد في مسلسل مأساوي من الزج في السجون إلى الإعدام. وقد سار على هديها "البعثيون" في العراق وسوريا و"الاشتراكيون" في الجزائر وليبيا، و"الإسلاميون" في السودان، لقد نجح المخطط هاهنا، ولحسن الحظ أنه لم ينجح في بعض البلدان العربية التي ظلت مستعصية عليه رغم كل السيناريوهات التي منيت بالفشل.

إن العالم في صيغته ما بعد الحرب العالمية الثانية انتظمه نسقان: نسق الحضارة من منظور ديمقراطي حقوقي وإنساني يبدأ من أبسط الحقوق والحريات الشخصية للفرد ويشمل التدبير السياسي الحديث للجغرافيا بكل محتوياتها وخصائصها؛ والثاني هو نسق الفوضى حيث الأيديولوجيا هي اللون الوحيد لكل أنشطة الدولة والمجتمع (سياسيا، ثقافيا، اقتصاديا وعسكريا)، وحيث الأيديولوجيا هي الحجاب السحري الذي من خلفه تمارس الدكتاتورية كل أنشطتها المعادية للشعب باسم الشعب أو باسم الثورة أو باسم الله.

إن قوى الهيمنة التي فقدت نفوذها في بلدانها الغربية بفعل اتساع الوعي الديمقراطي والحقوقي، راهنت على العالم الإسلامي حتى يكون مجالها الحيوي لتنفيذ مخططها، وكانت الصهيونية الآلية المثلى من أجل بناء نسق يضمن شروط نجاح المخطط، لأن تنفيذ المخطط يحتاج أرضية مثلما يحتاج السيناريو إلى خشبة، فالمخطط يحتاج إلى مناطق عملياتية وشبكات لوجستية وموارد بشرية وأبطال وخطاب سحري..، وتفتقت العبقرية المعادية للإنسانية بخيالها الخلاق عن مشاريع في غاية الأهمية، فنشأت إسرائيل ككيان مصطنع، وكان لا بد من اصطناع كيانات سياسية عربية وإسلامية تضمن استمرارية إسرائيل، كيانات تختلف عنها على مستوى المظهر، وتناصبها العداء، لكنها لا تختلف عنها على مستوى المبادئ والخطاب (فهي وإسرائيل كلاهما يتأسس على استراتيجية التعالي، والعنصرية والانغلاق ولعب دور الضحية...)، فتم فصل باكستان عن الهند حتى تكون مركز عمليات وأنشطة عسكرية، ونجح المخطط في تأطير حروب التحرير العربية (من خلال اختراقه للتنظيمات التي كانت تقود تلك الحروب) ومن ثمة تأسيس أنظمة على مرجعيات أيديولوجية منغلقة تضمر عكس ما تظهر (بعثية واشتراكية وإسلامية)، ولم ينتبه المفكرون العرب الذين اختزلوا الصهيونية في الكيان الإسرائيلي، أن الصهيونية نسق ليست إسرائيل سوى بنية من بنياته إلى جانب كيانات أخرى عربية وإسلامية. لقد نجح المخطط في إزاحة الإسلام بتعاليمه السمحة، وأنزل إسلاما على مقاسه، بعد أن أفرغه من محتواه المدني وشحنه بسحر أيديولوجي وفرجوي يكاد يكون أقرب إلى التوراة منه إلى القرآن.

البشرية وسؤال الاندماج: صراع المفاهيم

العالم لا يعْرض نفسه بشكل شفاف، فهناك من خلف حجاب منظمات سرية أصولية تتمتع بالقوة والذكاء تسهر وبطريقة منهجية على إخراجه (العالم) بالمعنى السينمائي للكلمة. وقد لا أبالغ إن قلت أن الخشبة التي تشتمل على الأدوار الأساسية والأحداث الكبرى تمتد من أقصى الشرق الإسلامي إلى أقصى الغرب المسيحي، إن مسرح العمليات هو مسرح يستجيب فقط للسيناريوهات الأصولية التوحيدية التي غالبا ما يتماهى فيها البطل الإشكالي مع المتخيل الديني إسلاميا كان أو مسيحيا أو يهوديا.
المجتمع البشري الذي عرف انفجارا ديموغرافيا فاق الستة ملايير نسمة، يعاني من إكراهات متعددة، وهي إكراهات ما انفك يعالجها منذ أن أقام بهذا الكوكب. ويمكن القول أن السؤال الذي ظل يواجه المجتمع البشري، هو سؤال الاندماج على جميع المستويات سياسة واقتصادا وثقافة ولغة... ومع اتساع رقعته الديموغرافية وتطور وسائل الاتصال والتواصل بات أحوج إلى ثقافة الاندماج أكثر من أي وقت مضى، إن البيت البشري اليوم في حاجة إلى شريعة كونية جديدة مؤهلة وقادرة على انتشاله بأقل الخسائر الممكنة من غياهب الهاوية التي كلما مر يوم إلا وازدادت اتساعا وشراهة.
العالم الإسلامي في طليعة الواقفين على شفير الهاوية، وفي الوقت الذي تمت تهيئته ليلعب دوره البائس بإتقان وبغباء، دورالإرهابي المتعطش للدم كان أول ضحايا هذه الهاوية ولقمتها السائغة تبتلعه شيئا فشيئا وتتغذى على دمه وآلامه وسمعته وثرواته.

والإسلام شأنه شأن الثقافات الكبرى مدعو إلى الانخراط في التأسيس لهذه الشريعة: شريعة عالمية ترقى بالإنسان إلى إنسانيته الحقة، تلك الإنسانية التي ربى أبناءه عليها مثلما ربى أنبياء التوحيد أتباعهم وحكماء الصين والهند.. وفلاسفة الإغريق شعوبهم،،،تلك الإنسانية التي نافح عنها وناضل في سبيلها مثقفوا العصور الحديثة مفكرين وفلاسفة وعلماء دين وشعراء وفقهاء القانون.. إن شريعة كونية جديدة هي تلك التي ستحمي كل ماتم إنجازه في سبيل حقوق الإنسان منذ فجر البشرية إلى يوم الناس هذا.
المسلمون اليوم في هذا المعترك الكوني يجب أن يكونوا على بينة من أمرهم وعلى بصيرة، وعلى النخب بجميع ألوانها أن تؤسس لثقافة الحوار، وأن تتحرر من أوهامها، الأوهام التي تمت معالجتها بعناية في مختبرات الشبكة السرية (شبكة الذكاء الأسود). فمادام الصراع لم ينتظم في مجراه الصحيح، وما دام ينحرف باستمرار كمواجهة بين الأعراق والديانات (ظاهريا) وبين المصالح (سريا)، صراع يستثمر الأحقاد والأهواء والبلادة وتصفيات الحساب،، فإن المسلمين مطالبون بإثبات براءتهم، وبأن يكونوا في مستوى الشعارات التي يرفعونها وذلك برفع الالتباس الذي اكتنف هذه المعركة التي اختلط فيها الحابل بالنابل والحق بالباطل. ذلك أ ن العالم مثلما يعبر عن نفسه، وفي ضوء الدراسات الفكرية والسياسية، لا يعرض نفسه بشكل شفاف، حاسر الرأس واضح الملامح. والإسلام ليس ملك أحد، فمثلما هو ملك المسلمين فهو ملك الغير أيضا إنه تراث بشري ومنهل لكل من رغب في الاستسقاء منه، وليس أمام المسلم إذا أراد أن ينافح بإسلامه المختلفين عنه سوى طريقة واحدة: هي أن يكون مثالا للصدق والكرم والشجاعة في قول الحق والحرية والعمل الخلاق واحترام الاختلاف، فالمسلم اليوم أحوج الناس إلى الأخلاق النبيلة والانضباط في المواعيد والالتزام بوعوده، والدفاع عن الحق.....، أي أنه مدعو للانخراط في نسق الحضارة.

أمام المسلمين رهان جسيم، كل من ينتمي إلى بلاد يدين شعبها بالإسلام يتحمل مسؤولية على عاتقه بشكل أو بآخر، فهو في نظر الآخر مسلم، ولا يمكنه أن يقدم نفسه خارج هذا الانتماء. إن صموئيل هتنغتون أبرز المنظرين الأصوليين للسياسة الأمريكية في كتابه (صدام الحضارات) يضع الخميني وفاطمة المرنيسي في سلة واحدة، فرغم البون الشاسع بينهما ينظر إليهما على أنهما من نفس الطينة، فقط لأن الإسلام هو جذعهما المشترك، أو بعبارة أخرى، انتماؤهما المشترك. وهو لم يفعل ذلك بشكل اعتباطي، فمن خلال مقارنة سريعة بين الشخصين نجد أن المشترك الوحيد بينهما هو انتماؤهما للإسلام، ورغم البون الشاسع بينهما فما يعنيه هو أن كلاهما لا يفكر إلا من داخل ثقافته ذات العمق الإسلامي : الخميني شيعي، سياسي أصولي وزعيم الثورة الإسلامية في إيران، ناصب العداء كل ماهو غربي، وهو إيراني ومن أقصى الشرق بينما فاطمة المرنيسي مفكرة منفتحة، تكتب بلغة الغرب، وهي من أقصى الغرب الإسلامي السني وعلاوة على ذلك فهي امرأة متحررة ومناصرة للحداثة الغربية. ورغم أوجه الاختلاف، جنسا وعرقا وسنا وفكرا ومذهبا وجغرافية فإن السموأل تعامل معهما كوجهين لعملة واحدة.
سيسارع كثير من ذوي النوايا الحسنة إلى القول: هنتغنتون مثقف ضحل ومرتبط بدوائر أمريكية صهيونية.... لكن هذا المثقف وبغض النظر عن الجهات التي يفكر لها، فهو يعرف ما يقول، لأنه يعرف التصميم الهندسي السري للتاريخ.
تحت عنوان (ما يحدث، صراع بين الأصولية والحداثة) كتب اريه نير- رئيس معهد المجتمع المفتوح- ما يلي:" بعد يومين من الهجمات على مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، بادر جيري فالويل، الواعظ الديني المعروف بنزعته المتشددة، إلى القول في مقابلة تلفزيونية:" إن أمريكا تستحق ما حدث لها بسبب إتاحة المجال أمام الحريات المدنية وأنصار الإجهاض والشذوذ الجنسي والمحاكم الفيديرالية التي تحظر الصلاة في المدارس". الرسالة التي تحملها آراء هالويل، التي اعتذر عنها بعد بضعة أيام، هي أن الأصوليين الأمريكيين ليسوا أقل عداء للحداثة من نظرائهم في المجتمعات الأخرى" – (الشرق الأوسط).

لقد دأب الخطاب السياسي والإعلامي على القول بصراع الحضارات، أو الصراع بين ماهو حضاري وما هو همجي أو بين الأصولية والحداثة.
يستفاد من التحليلات والمقاربات الفكرية والسياسية الرصينة، أن الصراع بجميع أنواعه ظاهرة طبيعية في التاريخ البشري، بل ظاهرة صحية، لكن شرط أن يكون على قواعد سلمية. أما إذا انحرف عن هذا المبدأ واتخذ من العنف وسيلته المثلى، فهنا ينبغي أن نتريث في صياغة المفاهيم. إن الحقد والضغينة والعنف الدموي والتحريض على الدم الذي يسم الصراع بين طرفين هو في الجوهر صراع بين الهمجيات والأصوليات. وبعبارة أخرى هو صراع بين رواسب الهمجية في الحضارتين المتفاعلتين، أي صراع بين بقايا الظلمات المنحسرة في أعماق كل ثقافة، ظلمات تندفع بشكل جامح ومدمر للإجهاز على الآخر والسيطرة عليه. إن الصراع بين الحضارات هو تعارف وتفاعل وتخاصب، باعتبار أن الحضارة لا تنظر إلى غيرها كخصم أو عدو، بقدر ماتنظر إليها كمنافس في ما هو سلمي، ولاتسعى إلى السيطرة بل إلى الاتحاد. فالعلاقة المفترض تأسيسها تقوم على جدلية الاندماج والاستدماج.
إن صموئيل هنتنغتون لم يتحدث عن صراع الحضارات بل عن صدامها. والفرق شاسع، فالصراع فعل واع ومقصود فإن لم يكن من الطرفين، فعلى الأقل من طرف واحد، وعلى حلبة الصراع يكون الهجوم والمقاومة، ففي حالة تكافؤ القوى، ينتهي الصراع إلى التوقف عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين. وفي حالة انعدام التكافؤ، فالطرف الأقوى، وعبر اتفاقات علنية أو سرية، هو من يفرض شروطه على الطرف المهزوم.
الحضارة في المحصلة هي سليلة رؤية ثقافية للعالم ببعديه المشهود والغيبي، وحين تمتلئ تشرع في الخروج من مهدها فتتسع زمانا ومكانا، إنه انتشار في اتجاه تخوم حضارات أخرى، هنا يحدث الصدام على التخوم التي سماها صموئيل هنتنغتون "خطوط الصدع". لنسمي خط الصدع هذا أو التخم، برزخا؛ فالبرزخ هو الحد، ولكن هذا الحد يفصل ويصل في آن واحد، فالحضارة الأكثر قوة ليست هي التي ستقضي على الأخرى، كما أن الحضارة المهزومة ليست هي الطرف الأضعف، إن حضارة الطرف المنهزم، تعيش تحولها داخل الحضارة الأخرى، حضارة الطرف المنتصر، فالحضارات التي بادت إنما انصهرت في حضارات أخرى، والذي اختفى من الساحة هو حاملها كونه لم يعد مؤهلا للحفاظ عليها(1)
فالصراع يخوضه حامل الحضارة باسمها، وكلما انحرف عن مبادئها الإنسانية الكونية يكون قد بدأ شق طريقه نحو حتفه. فالصراع على مستوى الأفراد كما على مستوى البلدان والأمم، يكون خلاقا طالما كان بين القيم الإنسانية والقيم المعادية لها؟
إن تأملا في الصراعات عبر التاريخ يساعدنا على رصد الظاهرة في حقيقتها الثاوية خلف غبار المعارك وضجيجها الأيديولوجي. فحينما يلتقي الجمعان في مواجهة ما، تكون المأساة والمكاسب في آن واحد. العقلاء وحدهم من الفريقين هم من يبذلون قصارى جهدهم لتقليص المأساة. فلدى كل طرف من أطراف الصراع نصيب من التشبع بالقيم الإنسانية، الأخلاقية والجمالية، ويمكن القول أن الطرف الأكثر تشبعا بهذه القيم هو من تكون له الغلبة، ولأن الصراع يقتضي إعداد العدة العسكرية والاقتصادية والنفسية فضلا عن قضية الصراع، فإن القضية تكتسي دائما طابع القضية العادلة لدى الطرفين، وهنا تتدخل القيم. فالقضية العادلة داخل هذا الصراع قد تجد تناغما أو تعارضا مع القضية الأساس في بعدها المجتمعي لدى كل طرف من طرفي الصراع. وهذا ما تسبب دائما في هزيمة العرب أمام خصومهم. ففي الوقت الذي يتبجحون فيه بعدالة قضيتهم، يضربون صفحا عن طرح السؤال التالي: هل تم الحسم دستوريا في المشروع المجتمعي المفترض تأسيسه؟ وهذا هو أس القضية التي لا يمكن بمندوحة عنها كسب أي صراع. وهذا ما جعلهم يعيشون النكسة والنكبة،... وهلمّ شرّا.
إن أي ثقافة عظيمة تستمد أسباب قوتها، مثلما يؤكد التاريخ، من مبدأ الحب لا من مبدأ الكراهية. وفي الإسلام احتياطي منسي من الحب يفوق بأضعاف احتياطي النفط والأنانية، لكنه احتياطي مغلف بغضب أسود حال دون تجلياته السعيدة، فالغضب الأسود شظية حارقة يقذفها بركان تأججت ناره تحت طبقات جيولوجية من الصمت الحزين. إن المسلم وهو يصلي، فردا أو جماعة، فإن ما يقوله أثناء الصلاة فلنفسه، وهو يتوجه إلى الله فإنما يتوجه إلى ذاته الباطنة ليجدد الوصال متطهرا من النفايات السامة، نفايات الواقع المتأزم بالأحقاد والعداوات، وهو إذ يتطهر منها فمن الحزن أيضا، إنه والحالة هذه يطهر غضبه من الروح الهمجية ويجعل من غضبه طاقة مستنيرة قابلة للتحول إلى حضارة.
إن الازدهار الذي عرفه الإسلام فبفضل الحب، ذلك المبدأ الخلاق، غير أن مبدأ نقيضا نشأ في غفلة من العقل(وبرعايته أيضا) وتطور في ظل الخلافات والأزمات، مصمما على تحويل التاريخ في اتجاه رجعي. نشأ هذا المبدأ تحت سقيفة بني ساعدة واشتد عوده مع الفتنة الكبرى ليبسط، من ثمة، عبئه على الجسد الإسلامي. إنه مبدأ الكراهية، ذلك المبدأ الهدام، الرافض لكل اختلاف والناقض لكل اتفاق. ليس الإسلام وحده من تم تحريفه عن منطلقاته من اجل مقاصد أنانية، فالأمر ينسحب على كل الثقافات الكبرى منذ القدم حتى عصر الأنوار الأوروبية.
وما يعنينا في تصريح الواعظ الديني الأمريكي جيري فالويل ومن على شاكلته، هو رؤيته للأشياء، التي تترجم رؤية أصولية جمعية لتيار فكري أو سياسي أو لفئة من الأمريكيين. رؤية لايمكن الاستخفاف بها أو تجاهلها كما لايمكن للعالم أن يتجاهل رؤاه المتعددة (6). فالضرورة تلزم عالم اليوم الذهاب إلى مستقبل آمن بشريعة جديدة، وبميثاق عالمي جديد في حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، تصادق عليه كل شعوب العالم طوعا لاكرها، ووعيا لاانسياقا.
لكن كيف؟ فالأمر يبدو مضحكا إزاء البلدان التي لم تتجشم عناء لحد الساعة، لابتكار دساتير نابعة من صلب شعوبها ومتناغمة مع روح العصر.

لقد بادت حضارات بأكملها واختفت من مضمار السباق(حضارات الرافدين والنيل وبحر إيجه... وحضارات المايا والأزتك والإنكا..)، وذابت في حضارات معاصرة لها أو وافدة عليها، ويبدو مضمار السباق اليوم (ظاهريا) على الشاشة العالمية مشهدا فرجويا لاستعراض العضلات، يحتل مقدمة المضمار المتحد الثقافي الغربي برأسه الأصولية الأمريكية المجنونة، يحاول إزاحة متنافسين اثنين: المتحد الثقافي البوذي/الكونفوشي برأسه الصينية الرصينة والمتعقلة، و المتحد الثقافي الإسلامي برأسه الشبحية، بينما المتنافس الرابع فهو إسرائيل التي تمثل دور الأرنب في هذا السباق (بالمعنى الرياضي لكلمة أرنب)، هذا هو المشهد في ظاهره، غير أن الحقيقة هي خلاف ذلك، لأن الصراع الفعلي ليس بين الأمم بل بين القيم (القيم المنتصرة للإنسان والقيم المعادية له)، فالغرب ليس واحدا، فهناك القوى الديمقراطية والحقوقية إزاء اللوبيات والدوائر المالية والاستخباراتية والشركات المتوحشة واليمين المتطرف، وآسيا الكونفوشية البوذية رغم اتسامها بالحكمة والمسالمة فلا تزال بعض بلدانها تفتقر إلى الحقوق والحريات، ما يجعلها مرتعا خصبا وملاذا مثاليا لرأس المال المتوحش الباحث باستمرار عن شعوب ساذجة توفر له الربح السريع والوافر والدائم من خلال اليد العاملة الرخيصة والمواد الأولية غير المكلفة والضرائب المريحة. وعالمنا الإسلامي تحاصره الفوضى من كل مكان وتكاد تلتهمه بفعل اتساع رقعة الفقر وغياب الأمن جراء تنامي الفساد المالي والسياسي والحروب الأهلية والتيارات الإنفصالية والإرهابية.
والإسلام واحد ومتعدد، واحد في طبيعته المجردة ومتعدد من حيث تجلياته عبر تمثلات ذهنية للأفراد، وتجلياته عبر ثقافات المجتمعات الإسلامية. والرهان داخل الإسلام رهان ثقافي بالمعنى الواسع للكلمة، فالثقافة الأكثر حيوية وانفتاحا هي التي ستكون المؤهلة أكثر من غيرها لاستيعاب الإسلام و لبناء دولة على أسس حديثة.

لماذا الحوار مع الغرب؟ من يتحاور مع الغرب؟
يرى نخبة من العلماء والمفكرين أنه لا توجد ثقافة إسلامية إلا في طبيعتها المجردة ولكن توجد ثقافة مسلمين. وقد أكد هذه الأطروحة عدد من الباحثين والمفكرين، أحدهم الدكتور محمود سالم عليمات في بحث تقدم به أثناء ملتقى عمان الثقافي التاسع.
ويرى أنه كلما كانت ثقافة المسلمين أقرب إلى المثال الإسلامي حازت درجات عليا في إسلاميتها ذلك أن عالمية الإسلام وتجاوزه الزمان والمكان تتجلى في قابليته لاستحداث ثقافات إسلامية متشابهة ولكن متنوعة، ممكنة وواقعية.
الثقافة الإسلامية يرى الدكتور تتمتع بكثير من المشترك الممكن بين بني الإنسان دون افتراض اعتناق عقيدة الإسلام فلا إكراه في الدين بعد أن تبين الرشد من الغي. ويشير الدكتور عليمات إلى أن بعض مظاهر العولمة تمثل قضايا وإشكاليات ذات حدين فهي من جهة تؤدي إلى زيادة نفوذ قوى العولمة ومن جهة ثانية تعمل على إضعاف عناصر القوة لدى البلدان الأخرى . ويرى أن الرد الواعي على التحديات يمكن إجماله في هده المنطلقات:
• تحديد منهجي للعلاقة مع الغرب
• إبراز عالمية الإسلام
• تحصين الذات وبناء الهوية
• استحياء التراث الناهض
• العمل المشترك والاستثمار مع قوى الخير وعناصره أينما كانت
• الثقة بالنفس
• إدراك التنوع الثقافي والترحيب به وحسن إدارته
• الإسهام الإيجابي في الحضارة الإنسانية
• تعميق وتأصيل العمل الإجتماعي المحلي والعالمي
ويسعى الدكتور إلى معالجة مفهوم الثقافة الإسلامية المجردة من الأهواء والنزعات الضيقة، للوصول إلى تعريف هو بمثابة خطاطة أو تصور أولي يحظى بقدر ممكن من الإجماع، وذلك بغرض إزاحة اللبس عن كثير من التعريفات والتسميات التي انحرفت مدلولاتها وأصبحت تنطوي على كثير من المغالطات والشبهات، وبذلك يمكن الانتقال إلى اجتراح رؤية واضحة تجعل من الثقافة الإسلامية عامل تأهيل وخصوصية وانفتاح. غير أن أمرا كهذا لا يمكن تحقيقه إلا انطلاقا من دستور يحمل تصورا ديموقراطيا للدولة ومشروعا مجتمعيا تكون فيه حقوق الإنسان المبدأ والمقصد.

في منتصف ماي من سنة 2000 في فيينا ناقش مفكرون وباحثون سبل تعزيز الحوار بين الحضارتين الإسلامية والغربية بحثا عن حلول لمشاكل المسلمين في أوروبا، وذلك من خلال وضع أطر قانونية موحدة تنظم أوضاعهم وكيفيات دمجهم في المجتمعات الأوروبية دون ضياع هويتهم الدينية والثقافية، وجاءت تلك النقاشات في إطار لقاء فيينا الفكري الثقافي الذي يعقد تحت شعار الإسلام في أوروبا.
اللقاء الذي تم تحت رعاية عمدة المدينة الاشتراكي ميشائيل هوبيل، وحضرته شخصيات عربية(7). والذي يعد الثاني من نوعه سعى منظموه إلى جعله عملا فكريا يهدف إلى بحث الوسائل الكفيلة للارتقاء بالمستوى العملي للجالية المسلمة وجعلها أكثر فعالية في المجتمعين الغربي والإسلامي على السواء والمساهمة قدر الإمكان في إصدار التشريعات والقوانين الغربية التي لها صلة بالمسلمين وركز المشاركون في ندوة فيينا على ستة محاور هي:
• أثر المسلمين في الحضارة الغربية.
• الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمسلمين في أوروبا.
• ممارسة العقيدة الإسلامية في المهجر.
• وسائل تعليم المسلمين في أوروبا.
• الوضع القانوني والسياسي للمسلمين في أوروبا.
• الوضع القانوني والسياسي للمسلمين في الغرب .
• صورة المسلم في الإعلام الغربي.
وبعد ذلك تم تنظيم العشرات من المؤتمرات والندوات والأيام الدراسية. ولا شك أن مثل هذه المؤتمرات واللقاءات لا تعدم نفعا، لكن السؤال الذي يجب طرحه: ما جدوى أن يحاور الإسلام الغرب من موقع لا يزال يعاني فيه من التشرذم؟ (السنة، الشيعة، الوهابية، السلفية، الإباضية، الإخوان، القاعدة...)، وعشرات الجماعات والفرق والطوائف لكل جماعة أو طائفة وعاظها وفقهاؤها لا يحسنون سوى التكفير والتخوين، عشرات الزوايا الصوفية. أليس من الأجدى أن يتم التأسيس لحوار بين المذاهب الإسلامية؟ أليس المسلمون في حاجة ملحة إلى حوار المذاهب؟ متى وكيف نعمل على تفكيك الأوهام المؤسسة للمذاهب المتطرفة والمنغلقة والمعادية لكل انفتاح وتطور؟ كيف يمكن فضح المخططات السرية التي تعتمد مرجعيات فقهية محددة وتستثمرها لمصالحها الضيقة؟ كيف نؤسس لزمن يكون فيه الحوار بين الأحياء بوصفهم المعنيين بهذه الحياة، وأن يكون الانتصار للأجيال القادمة، وليس التذرع بأقوال الأسلاف الذين قضوا نحبهم و أدوا أدوارهم بما لها وما عليها؟ كيف نرتقي بثقافتنا كمسلمين، وجعلها أقرب إلى المثال الإسلامي ذي البعد الإنساني الكوني القابل للاندماج في عصره؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم أستطع أن أكتشف فترة في التاريخ الأوروبي أو التاريخ الأمريكي منذ العصور الوسطى ناقش أحد فيها الإسلام أو فكر فيه خارج إطار صاغته العاطفة المشبوبة، والتعصب، والمصالح السياسية، وقد لا يبدو ذلك اكتشافاً يدعو إلى الدهشة، ولكنه يضم في ثناياه جميع ألوان المباحث العلمية والأكاديمية التي كانت منذ مطلع القرن الثامن عشر تطلق على نفسها أسماً كُلياً هو مبحث الاستشراق .... ولن يختلف أحد مع القول بأن أوائل الذين علّقوا على الإسلام، مثل بطرس المبجل وبارتليمي دربيلو، قد اتخذوا موقف المجادلة المسيحية المشبوبة فيما قالوه. ولكن أمامنا افتراضاً لم ينظر أحد في صحته يقول إنه حين تقدمت أوروبا والغرب ...، كانت مسيرتها بالضرورة تتضمن الاستشراق. أليس صحيحاً أن سيلفستر دي ساسي، وإدوارد لين، وإرنست رينان، وهاملتون جب، ولويس ماسينيون، كانوا من الباحثين والعلماء الموضوعيين، وأليس صحيحاً أن من آثار التقدم الذي شهده القرن العشرون ... في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا واللغويات والتاريخ أن أصبح الباحثون الأمريكيون الذين يقومون بتدريس الشرق الأوسط والإسلام في جامعات كبرى مثل برنستون وهارفارد وشيكاغو، بالضرورة، غير منحازين ولا يمارسون الدعوة إلى شيء فيما يفعلونه؟ أما الإجابة عندي فهي بالنفي.(تغطية الإسلام – إدوارد سعيد- ترجمة: د. محمد عناني – 2005)
- (ما بعد الاستشراق والاستعمار الجديد)- المفكر العراقي فاضل الربيعي(2005).

(2)إتحاف ذي التشوق والحاجة إلى سنن ابن ماجة- تأليف محمد الحفيد عبد الصمد كنون الحسيني الإدريسي- قابله وصححه على النسخة الأصلية- الأستاذ عبد الصمد العشاب- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المغرب 2000.(قال ابن حبيب: والرباط شعبة من الجهاد، قال أبو عمر: شرع الجهاد لسفك دماء المشركين وشرع الرباط لصون دماء المسلمين، وصون دماء المسلمين أحب الشيء من سفك دماء المشركين، وهذا أفضل عنده من الجهاد.) أي أنّ اختلاف الأمم في نحلهم ومللهم ومعاشاتهم ينبغي أن يكون حافزا لتلا قح المعارف وتكامل المصالح لا للتنازع.
و الحرب في نظر الأمير عبد القادر الجزائري ِ لا تكون مشروعة إلا في حالة الدفاع عن النفس، وتكون الغاية منها تحقيق السلم. وأسهب في كتاب المواقف، كالموقفين 69 و71 في بيان أنّ الجهاد الأكبر هو جهاد النفس وتربيتها على الفضائل.

(3) في شهر نوفمبر 2000، كتب مسؤول عسكري أمريكى أول مقال يدعو فيه إلى تشكيل قيادة أمريكية بإفريقيا.وتم تعزيز هذه الفكرة أعقاب أحداث مانهاتن 2001. وفي يناير 2002 بادرت جماعة الضغط المعروفة اختصارا (AOPIG) (African Oil Policy Initiative Group)، إلى فتح النقاش حول هذا المشروع. و بدأ المحافظون الجدد يروجون بأن عناصر القاعدة سوف تنتشر في المغرب العربي بقوة، ورأوا أن الساحل الإفريقي الممتد من موريتانيا غربا إلى القرن الإفريقي شرقا، مرورا بمالي والنيجر والتشاد والسودان والصحراء الليبية والجزائرية، سوف يشكل مجالا حيويا للجماعات الإسلامية المسلحة بما فيها الجماعة السلفية للدعوة والقتال وجميع الفصائل الإرهابية التي تتبنى فكرة القاعدة .
غير أن الميلاد الرسمي لمشروع أفريكوم، أعلنت عنه الإدارة الأمريكية في السادس من فبراير 2007 من خلال بيان جاء فيه أن وزارة الدفاع الأمريكية ستنشئ قيادة عسكرية أمريكية جديدة خاصة بأفريقيا سوف تعرف باسم أفريكوم Africa Command))، وذلك لتنسيق المصالح الأمنية والعسكرية لأمريكا في جميع أرجاء القارة، باستثناء مصر، التي تقع ضمن اختصاصات القيادة الأمريكية الوسطى. إن الهدف من أفريكوم، حسب الرئيس الأميركي هو التصدي للإرهاب في إفريقيا.
وقد علق الصحفي الألماني "كنوت ملينثون" على إعلان الرئيس "بوش" قائلاً: "أفريكوم هي سادس قوة أميركية للتدخل الإقليمي السريع في العالم، وجاء تأسيسها تنفيذا لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي الأميركي للدراسات السياسية والإستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد".
كيف تتابع هذه المنظمة العسكرية الحراك السياسي المغاربي؟ والراهن التونسي والليبي بالتحديد؟
(4) محمد ضريف/الحركة الإسلامية النشأة والتطور/منشورات الزمن/العدد3.
ربما كان تسريع الانتدابين البريطاني والفرنسي لعملية نقل الشرق الأوسط من صيغ الولايات شبه المستقلة- إبان الحكم العثماني إلى صيغة البلدان المركزية(شبه المستقلة أيضا) أن هذه النقلة لم يرافقها تحول مواز في مفهوم "الولاءات"، فبقدر ما كانت الكيانات المركزية مفروضة فرضا بحكم لعبة تقاسم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا كانت فاقدة لشرعيتها الشعبية بداعي ولادتها"سفاحا" ومشكوكا بحدودها الجغرافية.(دستور العراق... أم دستور المنطقة؟/وليد أبي مرشد/الشرق الأوسط 18-08-2005).

(5) أنشأ أتاتورك حزبين سياسيين هما: حزب الشعب الجمهوري، الذي تأسس باعتباره اشتراكيا اجتماعيا وعلمانيا، والحزب الديمقراطي الذي تأسس باعتباره إسلاميا معتدلا وأكثر ميولا للتقاليد المتعارف عليها.
فقد أراد فوزي شاقماك، أول زعيم للحزب الديمقراطي الاستفادة من النهج الإسلامي بربطه «بعظمة العثمانيين». وفيما بعد سعى اثنان ممن تزعموا الحزب بعده، وهما سلال بايار وعدنان مينديريس لمزيد من الاستفاده من الطروحات الإسلامية وهما يقودان الحزب. وخلال فترة رئاسة مينديريس للحكومة التركية تم بناء ما يزيد على 30 الف مسجد جديد. وعندما تدخل الجيش خلال عام 1960 من أجل الإطاحة بمنديريس ـ حيث تم إعدامه شنقا فيما بعد ـ كانت إحدى التهم التي وجهت له هي محاولته المزعومة لاستغلال الدين من أجل التأثير على الجمهورية العلمانية.
وفيما بعد سعى زعماء آخرون من بينهم سليمان ديميريل وتورغوت أوزال، وكلاهما تحدر من الحزب الديمقراطي، لاستغلال قضايا دينية من أجل الفوز بأصوات الناخبين. ونلاحط أن تركيا اليوم تعيش تجربة متفردة كدولة علمانية وديمقراطية في ظل حكم حزب إسلامي.

(6) يقول كروغمان: ( إن في أمريكا وأوروبا على حد سواء فئات غاضبة ليس لأسباب اقتصادية، بل لاعتبارات ثقافية وأخلاقية تتصل بصورتها عن العالم الأليف والمثالي،(....) وهنا مشتركات بين هذه الفئات الغاضبة في أوروبا وأمريكا في صورتها عن العالم التقليدي، وصورتها عن العالم الحالي الفاسد، وطرائق إصلاحه. والمشترك الآخر أنها أقليات ليست منظمة بالطرائق الحزبية المتعارف عليها، لكن بينها تناغم عميق وسط الأخطار التي تعتقد أنها تتهدد عالمها، والتي أوشكت أن تسيطر عليه وتلغيه كليا. لكن الفرق الرئيسي بين اليمين الأوروبي مثل الفرنسي Le Pen وهايدر الأمريكي أن الأول الأوروبي هو خارج السياق العام، ولن يستطيع الوصول للسلطة مهما جمع من ناخبين. أما اليمين الأميريكي فقد صار جزءا من الماين ستريم Main Stream أو التيار الرئيسي وهو الآن في السلطة. يقول رضوان السيد، أود أن أضيف هنا إلى كلام كروغمان فارقا آخر بين اليمينين. ففي اليمين الأمريكي هناك أصولية دينية إنجيلية قوية، بينما تغلب الاعتبارات الثقافية في اليمين الأوروبي).
- من الاختلاف إلى الصراع: الخطابات الأمريكية والعربية بعد 11 سبتمبر/رضوان السيد/الاجتهاد/العدد54/ربيع 2002 لبنان
(7) حضر ذلك اللقاء الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي المستشار لدى الديوان الملكي بالمملكة السعودية ورئيس رابطات الجماعات الإسلامية والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر وهاينس فيشر رئيس البرلمان النمساوي والكاردينال كوينغ ورئيس الهيئة الدينية الإسلامية الرسمية في النمسا أنس شقفة. وفي مؤتمر 2007، قالت وزيرة الخارجية النمساوية السيدة (أرزولا بلاسنيك) " أن الإسلام بات حقيقة واقعة في أوروبا ويتعين إشراك المسلمين بشكل قوي وفعال في نموذج الحياة الأوروبي " مشيرة إلى وجود 15 إلى 20 مليون مسلم يعيشون في أوروبا في الوقت الراهن.



#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات على هامش الثورة
- الهجرة السرية: من أجل بدائل لا تتعارض مع المبادئ الإنسانية: ...
- مهاجر يدعى -أبو-: من مملكة بنوي بنجيريا إلى مخيم بنوي بوجدة
- الهجرة اليوم: هل هي ظاهرة أم عرض؟
- حول استحقاقات 2012: السلطة الفعلية في الجزائر تعيد سيناريو 1 ...
- الحراك السياسي ومعالم النظام المغاربي الجديد
- الإرهاب: خبراء يزيفون الحقائق ويضللون الرأي العام الغربي
- المغرب ومحيطه: الشروط المؤسسة لمنطقة آمنة*
- النظام الجزائري: أسطرة التاريخ وعسكرة الجغرافيا
- الأساطير المؤسسة للنظام الجزائري، هل تصمد أمام الأحداث؟
- الراهن الليبي، النظام الجزائري وأفريكوم: أي مصير مغاربي؟
- النظام الجزائري وموقفه من الثورة الليبية
- المغرب ومحيطه العربي: الحتميات التارخية وحرب الاختيارات
- من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (3)
- ما هي مواصفات الدولة الحديثة؟ موضوع للنقاش
- من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (2)
- من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (1)
- الدستور ذلك الكتاب: الملك محمد السادس وخطاب الحسم والقطيعة
- الأفق المغربي-الجزائري في ضوء همجية النظام الليبي
- الراهن العربي: دينامية الشارع، همجية الحاكم وقصور النخبة


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد هادف - الإسلام في غمار الصراعات الأيديولوجية: محاولة للفهم