أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - لميس عماد الدين محمد - الممر














المزيد.....

الممر


لميس عماد الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 12:49
المحور: المجتمع المدني
    


دائريٌّ كالعالم، مُجَوَّفٌ أيضاً، وكلُّ خَطْوَةٍ تُخْطَى عَلَيهِ لَهَا دَوِيُّ قُنْبُلَةٍ خَائِنٌ، دَوِيٌّ لا تَحِدُّه الـمَـسَافَاتُ والجُّدرانُ السَّمِيكة، وعلى هذا تُطبعُ حَالَتُكَ الدَّائِمَة: أَصَابِعُكَ فِي أُذنيكَ. هَكَذَا كُنتُ أنا، لا أدري ما هو حالُ البَّقِيةِ؛ مِنْهم مَن يَضَعُ أصابِعَهُ، ومنْهُم مَن هُوَ لا يَسْمعُ أسَاسَاً صوتَ الخطواتِ الصَّاخِبَ المحتومَ، أسْتَغْرِبُ تَمَامَاً مِن هَذه الأوضاع!!، أليسَتْ حَوَاسُّنا بِنَفْسِ الحسَاسِية والإستجابة؟، ألا يبصرونَ مَا يَحْدث حَولهم؟ الغريب جداً أن تجدَ أحدَهم يُنكرُ وجودَه في مَمَرٍّ ويَدَّعِي أنه يسيرُ في مساحاتٍ غير محدودةٍ وبدون سياجٍ وبحُرِّيَّةٍ كاملة، مع أنني أراه يدور في نفس المكان، يذهبُ إلى بدايةِ الممرِّ ويعود إلى نهايته بالطولِ والعرض وبحركة نمطية فجّة.

رأيتُ أنواعَ الكائناتِ والتصرفاتِ والتجاربِ المريعة، رأيت من يُذبَحُ على مساطبَ مصنوعةٍ من الذهبِ الخالصِ وهو مبتسمٌ ومستسلمٌ لمصيره، يأتي رجالٌ ونساءٌ يحملون أقلاماً خاليةً من الحبرِ ويغمسونها في دمِهِ الطازجِ الحارِّ ثم يُهْرَعُون إلى الأَمَاكِنِ الأَكْثَر ظَلاماً ويَبْدَأُونَ الكِتَابة، بِجَانِبِ كُلٍّ مِنْهُم ارْتَصَّتْ آلافُ الكُتُبِ تُلَوِّثُ أطْرَافَهَا دِمَاءٌ. رَأَيتُ مَنْ يُحَاوِلُ تَقْلِيْدَ الْجُدْرَانِ فَلا يَسْتَطِيعْ، يُحَاوِلُ تَقْلِيدَ الطَّبِيعةِ الْمُتَنَاثِرَةِ من حَوْلهِ فَيَفْشَلُ بِقُوَّة بُعْدِهِ، يُحَاوِلُ أَنْ يُقَلِّدَ الرَّاحَةَ والْهُدوءَ فَيُدْرِكُهُ التَّعَبُ والهَمّ، يُقَلِّدَ الماءَ في صفاتِهِ فيدركُهُ اللَّوْنُ والطعمُ، يقلِّدُ النَّارَ في اشْتِعَالِهَا فَيُدْرِكُه الرَّمَادُ. يُخْفِقُ في كلِّ هذا فَيُحَاوِلُ أنْ يُقَلِّدَ سُكَّانَ الْمَمَرِّ فَيَنْجَحْ، ولكِنَّهُ لا يَطْمَئنُّ لِلنَتَائِج، فَيُعِيدُ الْمُحَاوَلاتِ مَعَ بَعْضِ التَّغْيِيراتِ الطَّفِيْفَةِ. رَأَيتُ العُشَّاقَ يَنْتَحِرُونَ وَاحِداً وَاحِداً دُونَ أنْ يَنْتَبِهَ لَهُم أَحَدْ. رَأَيْتُ الشُّعَرَاءَ يَحْمِلُونَ مَكَانِسََهُم اللغويَّةِ فِي مُحَاولةٍ لِكَنْسِ خَرَابَهُم الَّذِي أَصْبَحَ هَوَاءاً يَتَنَفَّسُهُ الجميعُ وهُمْ يَعْرِفُونَ سَلامةَ الإسْتِحَالة وجَمَالها؛ فَيَغْرَقُون في الظَّلامِ كالظَّلام. رَأَيتُ الكَهَنَةَ يَجْتَمِعُونَ لِيَتَآمَروا عَلَى أَنْفُسِهِم ليَأتُوا فِي آَخِر اللَّيلِ حَامِلِينَ خَنَاجِرَهُم لِيَجْتَمِعُوا اجْتِمَاعَاً آخرَ ليَكُونَ (العملُ محلَّ القول)، وعندما تنفدُ الرِّقَابُ تبقَى رقبةٌ واحدةٌ وتحاول أن تجتمعَ مع البقيَّةِ في محاولةٍ لتَحْرِيقِ عِنَادِ جُدْرَانِ الْمَمَرِّ بآيَاتٍ بَاكِيَةٍ مِن خُشُونَةِ أَصْوَاتِهِمْ. رَأَيتُ النِّسَاءَ فِي أَقْفَاصِ الإتِّهَام، يتَّهِمْنَ القُضْبَانَ وَيَتَعَارَكْنَ مَعَهَا دُوْنَ مُلاحظةٍ لِمَا يَدُورُ بِذِهْنِ القَاضِي من طُيُورٍ مَحْرُوسَةٍ بِيَأْسِهَا، القاضي الَّذِي يُحَاوِلُ بِمَطْرَقَتِهِ الخَفيَّةِ أَنْ يَلْفِتَ الإنتباهَ حتى يصرخُ الهواءُ متألِّماً. رَأَيْتُ السُّيُوفَ تَجْلِسُ عَلَى العُرُوشِ، وَالعُقُولَ تَدُورُ حَوْلَ القُصُورِ فِي مُحَاوَلَةٍ للكَشْفِ عَنْ بِدَايَةِ الدَّائِرةِ ونِهَايَتِهَا. والقُلُوبَ تَبْحَثُ عَنْ قُبُورِهَا باسْتِعْجَالٍ وشَرَاهَة.

الْحَكِيمُ الْمَصْلُوبُ عَلَى لَوْحَةٍ فِي جِدَارِ الممرِّ، مَرْسُومٌ بِدِقِّةٍ جَارِحَة، نِصْفُ جَسَدِهِ أَبْيَض، والنِّصْفُ الآخر أسود، مِن اللونِ الأبيض يشعُّ ظلامٌ كثيفٌ، مِنَ اللَّونِ الأسودِ كَانَ الضوء يُعْلِنُ عَن دَرْبِ نَجَاةٍ مُخِيف. لِلوهلةِ الأولى خُيِّلَ لي أنه ينادِي عليّ، مشيتُ نحوه بخطىً راجفةٍ ولا زلتُ أضَعُ أصابعي عِنْدَ مَدَاخِلِ الصَّوتِ. قال: (إبْعِدْ أصَابِعَكَ عن مَكَانِهِمَا)، قَالها بنظراتِهِ. أنزلتُهُمَا بِبُطءٍ، وتَحَمَّلْتُ الضَّجِيْجَ الأوَّلَ.
بعدَ سنواتٍ من هذه الحادثة، رأيتُ الناسَ في آخرِ الْمَمَرِّ يُحاسَبُونَ في خَيَالِهم ويُوزَّعُون بين جحيمٍ وجنة، وكانت الحروبُ والمؤامراتُ تَتَسامَرُ بِضَحِكٍ طَاهِرٍ فِي أوَّلِ الْمَمَر، وأدركتُ أنَّ جميعَ الكائناتِ تَتَكَوَّمُ في الأطرافِ، وأنَّ القليلَ، القليلَ، هُوَ مَنْ يَسْكنُ الْمُنْتَصَف، قُلتُ هَذَا مَكَانِي.

أصبحتُ شَخْصَاً يَجْلُسُ في مكانٍ مظلمٍ، حاملاً سِحريَ الصَّدِيق، أُحَدِّقُ فِيهِ هُو، ولا أَهْتَمُّ بالهَدَفْ، لأنني مَعَهُ هُو، الآن، ليسَ غداً، ليسَ بالأمسِ، جَالِساً في هذا الفضاءِ الحائرِ في محاولةٍ مستميتةٍ للتعرُّفِ (لأوَّلِ مرةٍ) على هذا الكائنِ الْمُسَمَّى سحراً، بينما يُقَهْقِهُ الْمَمَرُّ بِصَوتٍ عَالٍٍ،. دُونَ أنْ يَسْمَعَهُ أَحَدٌ سوانا، نحنُ الواقفونَ في مُنْتَصَفِ الْمَمَر.
نحنُ الآنَ
في
مُنْتَصفِ
الْمَمَرّ.



#لميس_عماد_الدين_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - لميس عماد الدين محمد - الممر