|
فتائل الهاوية
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 01:11
المحور:
الادب والفن
مع العندليب في الصباح ...
جموع عظيمة افترعتنا في حصادنا الأخير للأمراض ، ونيّاتها المشؤومة تفضح خبثها الذي تضمره في طردنا من أكواخنا . آدمنا حفر قبره متحاملاً بيديه وتركنا نتعثَّر بالمجاهل من دون " صك ملكية " لحياتنا . كثيرة هي الأسلاب المرمية على ضفاف أنهارنا ، ولا شهود نَهمونَ مع العندليب في الصباح . ارستقراطيونا يزوّرون أشياء كثيرة في الحوليات ، ويعتّمون على أيّامنا المذهبة بعطشنا الى نطق القرابين . يأخذون حصَّة كبيرة من فراء الحيوانات الذي نبيعه في سنوات القحط ، ويحرصون على عدم تلويث عرقهم بالغراميات والقبلة المرنانة الجميلة .
أشياء تبادلية ...
دماثة وتعفَّف انحدرا الينا من المنجّمين . تنبأوا بتصدّع أعطياتنا الى إلهنا التجريبي ، ولا مُخلَّد نشيّعه في الظهيرة المُحيّرة . زيتونة الله الكبيرة تتلاشى وتلوذ بالشرّ ، ولا تصل الى الشيخوخة ، وفي نومنا تحت أفيائها ، تضيّق نفسها وتنكت الثمار . ما نُضمَّنه العناء في تحايلنا الدائم على أوامر رجال الدين ، يرتد علينا ببطلان كبير ، والإقرار بالالوهة يتطلَّلب منّا تجريد الطبيعة من الرياء . يُقلَّص الفاني أيّامه تحت أغطية العناكب ، ويرمي ذاته في النظام الحافظ للعظام . داخلية الإيمان ، دوّامة حمق نتبع فيها أولئك الذين يسمّون أنفسهم حرّاس الفضيلة ، وينتزعون منّا خمرنا وشعيرنا وصوفنا وإنكار مرضعاتنا لذاتهن . المخاتلة والتزلّف والسرقة والكذب والجشع ، أشياء تبادلية يحرص عليها هؤلاء الحرّاس . لا ندين لهم بشيء وهم يسطون على نحل عقولنا في الليل والنهار .
فتائل الهاوية ...
عصافير خصبة ننتظر منها الإشارة عند تخوم النهار ، والمتاح لنا في مفارقتنا للبدائيين ، قليل مثل زبيب الحاج . الشعوب التي تجاورنا تعدنا بأعراف جديدة للاحتفاظ بندى النوم في أسرّتنا المتعادية ، لكن طرق التعبّد التي أدمنّا عليها ، تخلط الروضة بالرصيف ، وعصارة ما نترقبه في وقوفنا بالمرصد ، أحجية تفتح أذرعها للنفاد . مؤرخ حروبنا المحلية ينعش أرشيفه بجماليات في آخر عمره ، ويدوّن فتائل الهاوية ضد براثن صقور مجهولة . الممانعة والتفاعلات مع شائعات الموتى في غطسنا بروابي الحاضر ، لا تحط من قيمة العصبيات في تدافعنا صوب الأحقاد التي تنفخنا بها . انجذاب ، تنافرات ، نلوذ بمرجعيتها ونسترخي في قطعنا للأرحام . ما نًسلّم به ، لا نردّه الى الخبرة . سفر مخصوص الى لحظة حرثنا لزيف العلامة المطمئنة في تقرّبنا اليها وسط حمم الإقامة .
أشياء سوقية ...
دفنّا رزم مال متثائبة تحت أوتاد العرّافة وطلبنا منها أن توافينا الخطّافات بالطاعة . حياة الانسان لا تكتمل في ما يحلّي نفسه للبرهة الفاغرة لموته . طيور كثيرة تتأهب للهجرة وتهب منازلها لعمال الحدائق ، والأبواب التي نحفظها من المناقير النحيلة للنهار ، تضطرم وتطيح بالمشترك مع الأشجار . يغدق حزن نومنا الموقَّر ، عدل جمّ على ما نزجيه صداقتنا ، وشدونا في الأعياد مع الملائكة ، لا يكترث له القانع بتذمَّره . الذين كدحوا مع الأمم الأخرى في شبابهم ، يعودون بأشياء سوقية تعجزنا عن الاعتناء بفضائلهم الغريبة . يجوّفون تماثيلنا في ترنّحهم على ترسانتهم ، ويظهرون فجأة في أحلام الأطفال الموتى . أحداث فظيعة تَسُرُّ من يمشي بخيلاء ولا يجتاز ذاته ، وكلّ ما نطنب في مديحه أمام الطغاة ، يتراكم في غيضه من تبجّحنا ولا ينتشلنا من عبوديتنا لهم .
مواربة الصدفة ...
نوظّف في تفكيكنا المادّي عن تصوّرنا للفردوس ، فراشات تتوازن في ذوبان اللحظة ، ونطعمها الأجر من ذرّات الأوراد المتجزأة في في تشابهات الموتى . نحن أسرى عنف حدوسنا ، وفي مواربة الصدفة ، وكلّ جائز في اظهاره لحقيقته ، يتغلَّب علينا في اخفاء نفسه . المهرطقون ينصتون للأسرار في وسواسهم من رؤية أنفسهم في المرايا ، ونحن لا نصدّقهم حين يقولون : { حيازة المرء لحياته بعد الموت ، تسويغ لفشله في صعوده مراكب الزمن } . تهنئة الميت في ذهوله من الانفجار الذي يمزّقه ، مسؤولية اخلاقية نحرص عليها في احتراق كلّ شيء ، والراشد لا تهمه إمكانية سلبه الدود لنضارة شبابه في الظلمة الخام لهوّته .
تعاقب الماضي والحاضر ...
تتماهى الخليقة مع الدويبة الباصرة للشرّ المُلطَّف ، وهول الخسارة المنوطة بعمل الانسان تحت الشمس ، يتجافى وما يصبو اليه في فقدانه لفانوسه بين حقول القمح . رهبة هائلة يعوزنا فيها فهم الإشارة المتردَّدة في الحفر التي أعدت لنا منذ البدء . لا الدين ولا الطبيعة يقاسماننا الرفرفة لأشرعة موتنا الترابية ، وتراصنا حول بعضنا البعض في معازل الجذام ، لا يحل المعضلة أو يشفينا من أسقامنا المعصومة عن الخيّر . الماوراء . الغريب . الاستحواذ ، وفرة من الامتعاض الهائل لكلّ ما يخترق يأسنا ، والحجر في استغناءه عن الالتزام بتعاقب الماضي والحاضر ، لا يؤرقه نحيب البشرية تحت الشيخوخة المأسورة للنجوم . وجود مُنْتن وبلايا طبيعة نغادرها بنفاق يضايق موتنا بكرامة .
يصطادون الملائكة بين الأشجار ...
{ الكلّ واحد } في عاهته وأياّمه الموطوءة بنذير الفناء ، والضراعة في ذروة صعودها الى الثمرة ، حظْوة تمنح البشر الفانين الاستنارة المُنْهكة . حوادث نفيق منها تحت صدمة معزولة عن ما لا يضاهينا ، والعالم مثلنا في توازيه مع الهمجي والخرافة الذهنية . نمحو ما نعاين به الغبطة المحمومة للالوهية ، في تذكّرنا لخروجنا من الغابة ، وفي عرينا بدكنة الصلصال . عجز دائم في التحقّق من النايات الناعمة للرجاء والحلم . كهنة الشعوب المشهورة يصطادون الملائكة بين الأشجار ، وكلّ كاهن يرفع في الظهيرة عقيرته ويستنشق وباء ما يعتقده . بوهيمية نظلم فيها الله ونقتلعه من مهابة تبجيله . يكتمل الحبّ في غياب المحبوب ، وتغرد السنبلة في الريح المثقلة بغدق الغفران ، وكلّ ما يأتينا من المجهول ، يحرث وجودنا برحمته المُخصْبة .
2013 / 4 / 6
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاطاحة بالمراثي
-
في إنشاده لموته
-
ما يجاوز يأسنا
-
ما كُنّا نخفيه عن الموتى
-
مطالبهم في البرّية
-
المنحدرون من هاوية الحرب
-
دفن القتلى
-
الرسو في آبار اليوم
-
ما يتجلَّى في المفازات
-
شُعل الديمومة
-
الممالك المتعادلة للطبيعة
-
فزعنا من الشيخوحة
-
الأفنان المهجورة لليوم
-
أجمل ضاحية في الشجرة
-
حُلي فتياتنا المنداة بعبير الحبّ
-
بيان اعتذار الى الشعب العراقي والى الشعراء العراقيين
-
سهرنا بين الوخزات الطويلة للبرد
-
أكثرنا استعجالاً للموت
-
كراديس مَن ماتوا بحميمية
-
السير تحت ندى السنبلة
المزيد.....
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|